|
الناقد عدنان حسين أحمد ل - الحوار المتمدن -: الترجمة إبداع من نوع آخر
منى كريم
الحوار المتمدن-العدد: 1346 - 2005 / 10 / 13 - 13:42
المحور:
مقابلات و حوارات
الناقد عدنان حسين أحمد لـ " الحوار المتمدن ": الترجمة إبداع من نوع آخر حاورته الشاعرة منى كريم / الكويت عدنان حسين أحمد، كاتب متعدد الاهتمامات، يريد أن يكون بكل الألوان ليحلّق في كل الأجواء دون قيود.. لا يتحرّج من إطلاق آرائه سواء حول الأسماء الكبرى أم الصغرى وهذا ما يلفت نظري في تجربته كناقد أولاً.. في قصصه هنالك ترصد وتكنيك ذكي وعميق، وفي ترجماته هنالك حيادية في أن يكون النص كما ولد بالدماء التي تلطخه وصراخه الموجع.. هنا كان عدنان شاسعاً كغيمة لا تكل من الترحال. حاورناه في هذا للقاء لمجلة " أبولو وود " وأعدنا نشر الحوار في صحيفة العرب اللندنية. كما خصصناه لموقع " الحوار المتمدن " الذي يطل منه الكاتب كثيراً. وفي الآتي نص الحوار: *عدنان حسين أحمد صاحب هوية ثقافية ملونة ومختلفة، فهو يكتب القصة و النقد، كما خاض تجربة الترجمة من اللغة الإنجليزية باعتباره خريج أدب إنجليزي، ماذا عن هذه الهوية التي تملكها كمترجم؟
-قد لا أذيعُ سراً إن قلت لكِ بأنني كنت أفكر، ومنذ زمنٍ بعيد، في أن أكون " قاصاً، وروائياً، وناقداً، ومترجماً، وسينمائياً، ودارساً لتاريخ الفن، وفيلسوفاً إن شئتِ! " ولكن أغلب الكليات في الجامعات العراقية أيام النظام الشمولي البائد كانت حِكراً على البعثيين، بينما أثبتت الفحوصاتُ المجهرية أن وحدات دمي لم تكن كذلك، بل أنهم كانوا يشمّون رائحة المعارضة التي تفوح من فصيلة هذا الدم الخارج عن بيت الطاعة، والمتمرّد على أخلاق القطيع، وأكثر من ذلك فإنهم كانوا ينظرون إليَّ بريبة، وإلى الآلاف المؤلفة من الناس المُختلفين عنهم، والمناوئين لهم فكرياً في الأقل. هذه الخشية اللامُبرَرة من طالبٍ في سنّي آنذاك أدخلتني في غابة السؤال السياسي والوجودي والفلسفي في أنٍ معاً، لأنني قبل لحظة السقوط في دهليز الخوف المعتِم كنت مؤمناً بحق الاختلاف، وواثقاً من مقولة المغايرة، ولهذا كنت أردّد في السر والعلن حكمة الإمام على بن أبي طالب القائلة بأن " خلاف أمتي رحمة " ودليل صحة فكرية، وعافية سياسية، وسلام روحي، وأن تطابقها، وتماثلها، وتجانسها هو دليل دامغ على شللها، وعجزها، وموتها الأكيد إن شئتِ. وحينما طلبوا مني أن أتجانس أو أتماثل، أو أتطابق رفضت " من دون أن أثير زوبعة في فنجان مكسور! " فرفضتني الكليات العراقية التي أحبها كلها، بدءاً من أكادمية الفنون الجميلة، ومروراً بالإعلام الذي درسته لاحقاً، وانتهاءً بالقانون والسياسة، لذلك وجدتُ نفسي مُضطراً لأن أتجه صوب الكليات التي تفتح أبوابها أمام المناوئين، والمريبين، والمشكوك في أدائهم الوطني، أو هكذا كان يُخيل لي، فقصدت كلية اللغات التي كان يتسع صدرها لغير البعثيين أيضاً، واخترت أن أدرس اللغة الإنكليزية كاختصاص أول، والفرنسية كاختصاص ثانٍ، وقد نصحني أحد الأصدقاء المقرّبين من تفادي اختيار اللغة الروسية كاختصاصٍ ثانٍ لأنها ستزيد الطين بلّة، وتؤكد شكوكهم بأنني أريد أن أقف على الطرف الآخر من خندقهم " العروبي الزائف ". هذا الاختيار الدقيق لم يأتِ اعتباطاً، فأنا أمحض اللغة الإنكليزية حُباً موازياً للوجد الإنساني بأول امرأة ضغطت على أصابعي، وقالت لي " أحُبّك " فأعادت لي توازني القلق في بلد يقف برمته على كف عفريت، وأمدتني بقوة الصبر والبقاء على قيد الحياة على رغم آلاف المخاطر التي كانت تحف بنا يومياً في بلاد الحرائق. هذا الحُب اللغوي دفعني للإخلاص للغة الإنكليزية التي درستها، وأحببت الشائك والعويص منها، وربما كان نوعاً من التحدي أن أترجم لاحقاً " دبلنيون " المجموعة القصصية الأولى التي كتبها الروائي الآيرلندي جيمس جويس، والذي كان يُطلق عليه لقب " نبي التشويش " لصعوبة لغته المنحوتة المُختزلة، وقد شجعني الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا على مواصلة الترجمة، والانقطاع إليها، حينما وقعت يداه على ترجمة لي لواحدة من قصص من جويس كنت قد نشرتها في مجلة " الطليعة الأدبية ". قال لي بالحرف الواحد " أنتَ مترجم ناجح، ومتمكن من اللغتين الإنكليزية والعربية " لم أنم ليلتها، وظللت أستعيد هذا التقييم، وأتخيل شكل النجاح والتمكن الذي يتحدث عنه أديب لامع بحجم جبرا! قبل مرحلة تقييم جبرا لي، وللأمانة أقول، إن هويتي كمترجم متواضع، ساهم فيها عدد من الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم مثل د. محسن الموسوي، و د. كمال نادر، و د. إيمي سكويرا، والأستاذة إيراكسي، والأستاذ مؤيد حسن فوزي. ومن خارج مقاعد الدرس د. صلاح خالص، ود. سعاد محمد خضر، ود. جليل كمال الدين الذين فتحوا أمامي صفحات مجلة " الثقافة " التي تُعنى بالأدب والفن والفكر التقدمي، وهنا تأكدت الشُبهات القديمة كلها، وانقطع الشك باليقين بأنني واحد من أعداء " الحزب والثورة " وأتخذْ من هذه المجلة المُختلفة منبراً لي، وقد أصبحت مقالاتي، وقصصي، وترجماتي أدلة ومستمسكات جرمية ضدي، حتى قال لي أحد رجال أمن الكلية ناصحاً إياي " لا تدوس على الجني، ولا تقول باسم الله الرحمن الرحيم "، لكنني أهملت هذه النصيحة، ودست على الجني، وترجمت لمجلة " الثقافة " أول موضوع وأنا طالب في السنة الثانية عنوانه " ثلاثة شعراء من إقليم أشخاباد " الذي كان تابعاً للاتحاد السوفياتي آنذاك، وكان هذا الموضوع مُستّلاً من مجلة " الأدب السوفياتي " التي كنت مواظباً على قراءتها، وترجمة بعض موضوعاتها. وتأكيداً لهذه الهوية فقد ترجمت في السنوات اللاحقة عدداً كبيراً من قصص الكاتب الأمريكي " أو- هنري " كما ترجمت قصصاً، وقصائد، ومقالات متفرقة عديدة، لكنني حسمت أمري بعد بضع سنوات حينما قررت أن أتجه إلى كتابة القصة القصيرة والنقد الأدبي والتشكيلي والسينمائي، ولكن هذا لا يمنع قطعاً من أن أترجم أي نص إبداعي يصادفني إذا ما هزّني في أثناء قراءتي له، وأكبر دليل على ذلك أنني ترجمت عشرين قصيدة للشاعر الهولندي تون دي فريز، ونشرتها في صحيفة " الزمان " اللندنية. *هنالك عدد هائل من المترجمين العرب الذين يترجمون من الإنجليزية إلى العربية و العكس، لكن هنالك ما هو لافت في الأدب الإنجليزي، ألا وهو خصوصية النص الإنجليزي الذي يرتبط بالعوامل الزمكانية، هل هذا يعني أن المترجم العربي يجب أن يعايش المجتمع الإنجليزي " أو غيره من الناطق بالإنكَليزية " حتى يصل إلى هكذا تفاصيل و يلجها بدقة؟ -في هذا السؤال أنتِ تضعينَ إصبعك على الجُرح تماماً، فلكل لغة في العالم خصوصيتها على الرغم من وجود الكثير من العناصر المشتركة بين اللغات، غير أن هذه الخصوصية التي تتحدثين عنها قد تكون عائقاً أمام آلاف من المترجمين، وخصوصاً أولئك الذين لم تُتح لهم فرصة العيش في إنكلترا أو أمريكا أو بقية البلدان الناطقة باللغة الإنكليزية. طبعاً، أن العيش بمفرده في البلدان آنفة الذكر من دون تفاعل جدي، ومراقبة حادة، وانغماس في القراءة، وتحصيل معرفي عميق، لا يكفي لتعلم لغة أي قوم من الأقوام البشرية، بل أن هناك عرباً أقحاحاً لا يعرفون العربية وهم يعيشون في العالم العربي، خصوصاً إذا ما استخدمنا اللغة المجازية أو الاستعارية، فلو قلت لشخص مصري " فلان كثير رماد القِدر " فربما لا يعرف هذا الشخص أن المعنى المجازي لهذه العبارة هو " أن فلاناً كريم "، وإذا قلت لشخص مغربي " فلان طويل النجاد " فربما لا يعرف " أن فلاناً شجاع "، " لأن الاستعارة هي ضرب من التشبيه، والتشبيه قياس، والقياس تعيه القلوب، وتُدركه العقول، وتُستفتى فيه الأفهام والأذهان، لا الأسماع والآذان. " كما يقول الجرجاني. في اللغة الإنكليزية، سواء في إنكلترا أو في بقية البلدان الناطقة ثمة لغة استعارية، وثمة حِكَم، وأمثال، ومصطلحات، وأقوال مأثورة، وتعابير شائعة، وإشارات مبطّنة لا يمكن فهمها، وبالتالي ترجمتها، ما لم يكن المترجم قد عاش بين ظهرانيهم، وأدرك كل صغيرة وكبيرة. سأورد بعض الأمثلة لتأكيد صحة ما أذهب إليه. في اللغة الإنكليزية، وكما في أية لغة أخرى، هناك مصطلحات، وصياغات لبعض العبارات التي تحمل معانٍ مجازية أو استعارية، ولا توحي قط بالمعاني الحقيقية لها. فقد شاعت عبارة "Where is the beef? " وأخذت منحى التساؤل الذي يعني " أين المحتوى؟ " وتحديداً قطعة اللحم الصغيرة في الشطيرة الكبيرة. وأصبحت هذه العبارة موضع تندّر رسامي الكاريكاتير الذين تناولوها غير مرة في رسوماتهم الساخرة، بينما تعني عبارة "is the beef? What " الاستفهامية لماذا تشكو؟ إن الاستخدام الشائع لعبارة " Broad shoulders " لا تعني الأكتاف العريضة، كما هو معناها الحرفي، وإنما تعني " الشخص الذي يتقبل النقد أو يتحمل المسؤولية. ". وأن عبارة " As cool as cucumber " لا تعني " أنه بارد كخيارة " وإنما تعني " هادئ أو رابط الجأش ". وأن عبارة " Boy in the boat " لا تعني " صبي في الزورق " وإنما يعني هذا التشبيه تحديداً " البظر "، وأن عبارة " Everybody and his cousin " لا تعني " كل شخص وعمه أو خاله " وإنما تعني " أن هناك حشداً كبيراً ". وأن عبارة " Did not get the picture " لا تعني كما في معناها الحرفي " حصل على الصورة " وإنما تعني تماماً " أدرك أو فهم ". وأن عبارة " He is hitting the bottle hard " لا تعني " كسر الزجاجة " وإنما تعني " كان يسرف في شرب الخمر ". وفي الحكم والأمثال والأقوال المأثورة هناك ما يستدعي التوقف، والتفكير في المثل أو القول المأثور قبل ترجمته خشية من السقوط في فخ المعنى الظاهر في حين أن المعنى الباطن هو المقصود. فمَثل " Tit for tat " يمكن ترجمة كالتالي " واحدة بواحدة، أو ضربة بضربة، أو كما تراني يا جميل أراك.". المعايشة ضرورية إذاً، ولكن إذا تعذرت فعلى المترجم أن يكون متابعاً لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ومنغمساً في القراءة بشكل متواصل بحيث يعرف ماذا يدور في هذا البلد، ويكون جزءاً منه، ملّماً بثقافته، ومُدركاً للتطورات اللغوية التي تحصل في محمولاته الفكرية والسياسية والاجتماعية وما إلى ذلك.
*كتب دكتور صلاح نيازي في كتاب " الإغتراب والبطل القومي " أن جبرا إبراهيم جبرا ارتكب على الأقل في ترجمته لإحدى مسرحيات شكسبير 400 خطأ ؟! هل بإمكاننا أن نغفر هذا ؟ كيف نعول على الترجمة العربية إن كان رائد كجبرا ارتكب هكذا شيء؟ -أعتقد أنك تقصدين مسرحية " الملك لير " التي لم يُوفق جبرا في ترجمتها وهو الذي عاش في إنكلترا سنوات طولاً، بينما نجح عبد الحق فاضل في ترجمة مسرحية " يوليوس قيصر " وهو لم يعش في إنكلترا! وعطفاً على الإشارة الأولى فإن جبرا تلقى تعليمه في جامعة أكستر، وفيتنر وليام هاوس، وكامبرج، وهارفاد، ونال بكالوريوس في الأدب الإنكليزي من جامعة كامبرج عام 1943، وماجستير في الأدب الإنكليزي من الجامعة ذاتها عام 1948. ودرّس الأدب الإنكليزي في جامعة بغداد، وحاضر في كلية الملكة عالية في بغداد أيضاً بين الأعوام 1948-1952، وحاضر بوصفه أستاذاً زائراً في عدد من الجامعات من بينها جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ولوس أنجليس، وستانفورد، وتكساس في أوستن، كما ألقى عدداً كبيراً من المحاضرات في جامعات عربية وأجنبية. ومع ذلك فلم يشفع له لا العيش في إنكلترا، ولا المحاضرات في الجامعات العالمية، لأن الأس المعرفي فيه خطأ كبير وواضح. ومن يسمع جبرا يتحدث باللغة الإنكليزية يكتشف بسهولة أنه لم يتقن النبرة البريطانية، ولا الأمريكية، وإذا ما تجاوزنا قضية النبرة فإنه ارتكب الكثير من الأخطاء اللغوية في ترجماته لمسرحيات شكسبير على وجه التحديد. ويبدو أن شهرته كقاص وروائي وشاعر وفنان تشكيلي وناقد فني قد غطت على أخطائه أو جعلت الآخرين يتحاشون الكتابة عنه. فهو ليس مترجماً لامعاً، أقول هذا الكلام على رغم العلاقة الطيبة التي كانت تربطني به، وعلى الرغم من أنني تتلمذت على ترجماته حينما كنت طالباً في جامعاً بغداد، ولكن حينما اتسع نطاق معرفتي بدأت أكتشف الأخطاء التي كان يقع فيها المرحوم جبرا، ولا بد أنك قرأت مقالات كثيرة لعدد من المترجمين الذين عرّوا ترجمات جبراً، ونشروا غسيله على حبال الصحافة العربية. إن د. صلاح نيازي مترجم متمكن من أدواته، ويعرف جيداً اللغتين العربية والإنكليزية، وحينما يترجم من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف لا يقع في سوء الفهم إلا ما ندر. بالطبع، لا يمكن أن نغفر لجبرا هذا الكم الكبير من الأخطاء في كتاب واحد حتى لو أخذنا بنظر الاعتبار أن " كل ترجمة خيانة " لكن ليس خيانة عظمى بهذا الحجم المهول الذي أشرتِ إليه في متن سؤالك. * هل تؤمن بفكرة أن اللغة لها دور كبير في النص و حين يترجم فأنه يفقد نصف فتنته ؟ - لا يفقد النص المُتَرجم بشكل جيد هذا الحجم الكبير من الفتنة، وإنما قد يفقد شيئاً من ظلاله، ومن نبرته الأولى. هناك عنصران مهمان يجب مراعاتهما لكي تكون الترجمة ناجحة، ومستوفية لشروطها العلمية. وهذا العنصران هما " الدقة، والشفافية ". ونعني بالدقة الأمانة العلمية، والحفاظ على معاني الأفكار الواردة في النص، وروحها، فلا يجوز أن نضيف للمعنى الواحد في الجملة شيئاً أو نحذف منها شيئاً، فالحذف والإضافة مرفوضان في فن الترجمة، كما أن تقوية المعنى أو إضعافه فكرة مرفوضة أيضاً، ولا مجال للحديث عن تكيّف النص الجديد. أما الشفافية فنعني بها أن النص المُترجم من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف يجب أن يكون دقيقاً لدرجة أن النص المُترجم يبدو منساباً وكأنه مكتوب باللغة الأصل، أو يوحي لنا وكأنه مكتوب باللغة الأصل، وليس مُترجماً عنها. والنص المُترجم يفقد نصف فتنته إذا لم يفهم المُترجِم المعنى الدقيق لمفردة من مفردات الجملة، أو لا يتقن بناء الجملة أو تركيبها، والذي نسميه بـ " Syntax " أو لا يفهم دلالة الكلمة جيداً أي الـ " Symantic " عند ذلك يرتكب المترجم إثماً لا يُغتفر. أسوق لك مثالاً مهماً. ذات مرّة تعرضت بمقال نقدي بعنوان " رأي في ترجمة سامي مهدي لقصائد الشاعر جاك بريفير " والتي ترجمها عن الفرنسية مباشرة، ونشرته في صحيفة " بابل " العراقية. وللمناسبة ترجمت النص عن الإنكليزية. ويبدو أن الشاعر سامي مهدي لم يستطع التمييز بين معنى مفردة " Present " التي ترد مرة بمعنى " هدية " والمرة الثانية بمعنى " الحاضر " فقال مهدي " الحاضر حلو للحاضر " بينما الصواب أن يقول " أنتِ هدية هذا الليل البارد، دفئي حياتي ". إن أخطاءً من هذا النوع لا يمكن أن نغفرها أو نتجاوزها، بل أنا أدعو المترجمين من هذا النوع أن يتخلوا عن مهنة الترجمة الشاقة، ويبحثوا لهم عن مهن أقل مشقة من مهنة الخيانة العظمى. *برأيك هل الأسماء الكبرى من تصنع مبيعات عالية بالنسبة للكتب المترجمة، مثال : ألا تباع ترجمات أدونيس بسبب شهرته، رغم أنه مترجم رديء " على الأقل برأيي "، وكذلك مع سعدي يوسف المترجم الرديء " برأيي أيضاً " لوايتمان ؟! - لا أستطيع أن أتحدث عن ترجمات أدونيس لأنني لم أقرأ له إلا ترجمات لبعض القصائد وأغلبها عن اللغة الفرنسية التي يجيدها أدونيس جيداً، ولكنني قرأت ذات مرة حواراً مع د. صلاح نيازي وكان يعيب على أدونيس ترجمته بعض الأشياء من اللغة الإنكليزية التي لا يجيدها. دعينا نبدأ من الشق الأول من السؤال وهو: هل أن الأسماء الكبرى تصنع مبيعات عالية للكتب التي يترجمونها؟ والجواب، هو من دون شك، نعم، وهذه النعم نابعة من أكثر من سبب. ولعل أبرز هذه الأسباب هو أننا نثق برموزنا الأدبية والفكرية والسياسية، الأمر الذي يقودنا دائماً إلى فخاخ مؤسفة لا منجاة منها. فنحن نقدس هذه الرموز، مع الأسف الشديد، وربما نؤلههم، لأننا نحب عبادة الأصنام، ولا نأكلها، أو نثور عليها، ونحطمها إلا عندما تبلغ السكين العظم، فعند ذلك نسحلها في الشوارع، ونلطم وجوها بالأحذية، وتلك سمة عربية بامتياز! هذا الوهم لا يقتصر على الرموز السياسية العربية، وإنما يمتد إلى حقول الفن والفكر والثقافة، فنحن " لا نخرج عن بيت الطاعة إلا ما ندر " لذلك حينما يصبح شخصاً مثل أدونيس " شاعراً كبيراً " لا نكاد نصدّق أنه لا يعرف كتابة القصة، أو لا يحسن كتابة الرواية، أو لا يجيد كتابة فن المقال، أو لا يتقن الترجمة لسبب بسيط أننا نسمعه بين أوان وآخر ينبس بالإنكليزية لصديقة أجنبية في مهرجان ما، أو يتحدث بالفرنسية في ندوة من الندوات الثقافية. في حين أن واقع الحال يشير إلى أن الشاعر ليس بالضرورة أن يكون قاصاً وروائياً ومترجماً وناقداً ومروجاً لأنصاف " الموهوبات " تحديداً. دعيني أعرّج على سعدي يوسف، وهو شاعر كبير من دون شك. وقد نشر حتى الآن 30 ديواناً شعرياً، الأول هو " القرصان " وقد صدر عام 1952، والأخير وهو " حياة صريحة " وقد صدر عام 2001، كما أصدر الأعمال الشعرية الكاملة، بثلاثة أجزاء، ولكنه لم يكتفِ بالشعر، فكتب القصة القصيرة، والرواية، والمسرحية، واليوميات، والمقالات النقدية، والسياسية، وأدب الرحلات، كما ترجم( 9 ) دواوين شعرية، و ( 13 ) كتاباً موزعاً بين الرواية والمقال والدراسة النقدية. وهذا جهد كبير كان حرياً بسعدي يوسف أن يتخلى عنه للمترجمين المتخصصين، وينصرف هو إلى شعره، وإلى روايته أو قصته أو يومياته وسيرته الذاتية على اعتبار أن الحدود والفاصلة والجدران العالية قد تداعت بين هذه الأجناس الأدبية قريبة الصلة ببعضها البعض. ولو تدققين معي فإن سعدي يوسف قد ترجم نتاجات مهمة لكتاب عالميين نال أغلبهم جوائز كبيرة من قبيل والت وايتمان، وكفافي، وريستوس، ولوركا، ونغوجي واثينغو، وهنري ميللر، وجورج أورويل، ونايبول وسواهم من القامات الطوال، ولكن السؤال المهم هو: هل كان سعدي يوسف أميناً، ودقيقاً، وشفافاً في ترجماته؟ أنا على الصعيد الشخصي أشكك في ترجماته، وأعتقد جازماً أنه غير قادر على أن يكون أميناً، ودقيقاً، وشفافاً من دون الوقوع في الخانة الأثيرة للخونة العظام " في الترجمة طبعاً! ".
*ماذا قدمت من ترجمات حتى الآن، و هل هنالك ترجمات لك تنتظر النشر؟ - يا صديقتي منى، أنني في المقام الأول، لا أعتبر نفسي مترجماً محترفاً على الرغم من أنني درست اللغة الإنكليزية وآدابها في كلية الآداب، جامعة بغداد، لذلك كنت أعتبر نفسي، ما أزال، هاوياً للترجمة، لكنني ازعم أنني متمترس خلف عدة جيدة في الترجمة، لذلك أنجزت ترجمة المجموعة القصصية الأولى، والموسومة بـ " دبلنيون " لجيمس جويس، كما ترجمت مجموعة قصص للكاتب الأمريكي " أو- هنري " والتي وضعتها تحت عنوان " هدية المجوس ". كما ترجمت قصصاً وقصائد كثيرة لشعراء ينتمون إلى بلدان متفرقة من " الاتحاد السوفياتي السابق " إضافة إلى العديد من المقالات النقدية. كما ترجمت عدداً من القصائد الهولندية إلى اللغة العربية. أما فيما يتعلق بالمشاريع المستقبلية، فليست لدي النية لترجمة أي شيء في الوقت الحاضر، والسبب هو انشغالي بأكثر من كتاب في النقد التشكيلي، والسينمائي، فضلاً عن اهتمامي في كتابة القصة والرواية. ولكن هذا لا يعني بالمقابل أنني سأعزف عن الترجمة، فمن يدري قد أنهمك غداً في ترجمة نص قصصي أو شعري أو روائي إذا ما أثار حفيظتي في الترجمة، واكتشفت أنني قادر على المضي في المشروع من دون خيانة! *هنالك نوع من المترجمين أعتبرهم " شخصياً " متطفلين ! لأنهم يستبدلون كما يريدون اعتقاداً منهم أن ذلك سيوصل الفكرة، مثل أن تستبدل تفاصيل مثيولوجية من الأرض اليباب بأخرى موازية لها كما فعل لويس عوض، والمترجم عكاشة حين يترجم أوفيد ويشطب المقاطع الإيروتيكية باعتبارها لا تتفق مع الأيديولوجيا العربية والحياء الشرقي !! ما رأيك بهكذا ارتكابات؟ - في سؤال سابق اعترضت أنا على تقوية المعنى أو إضعافه، فكيف تريدين مني أن أقبل بإبدال فكرة بأخرى كما فعل لويس عوض أو عكاشة أو أي من المترجمين الأفاضل. فنحن حينما نقرأ قصيدة " الأرض اليباب " لـ " ت. أس. إليوت " لا بد أن نعرف الرموز والإشارات الميثيولوجية التي وردت في متن النص، وعلاقتها " بنيسان، أقسى الشهور هناك في الغرب، وليس في العالم العربي " فنيسان عندنا أجمل شهور السنة! أما فيما يتعلق بحذف المقاطع سواء أكانت إيروسية متسامية، أو جنسية منحطّة، فهذه جريمة يحاسب عليها القانون لأنها تقع في إطار المسخ والتشويه المتعمدين. وما هي علاقة الحياء العربي بالتشويه؟ فالذي يخشى على حيائه من أن ينخدش، وهو يمارس كل المحرمات، عليه أن يتفادى قراءة هذه الكتب، وينحشر في مستطيل حيائه ليتأمل يباب روحه وعقله وقناعاته. وللمناسبة فقد حُلت هذه المشكلة عندما دهمنا الانترنيت، وأتاح لنا أن نقرأ كل الأشياء التي كانت محرمة علينا. فعلى المترجم أن يترجم النص كاملاً غير منقوص، وليدع الرقابة العربية تفعل ما تشاء من مسخ وتشويه، ولينشر هو بالمقابل النص الكامل، وعند ذاك سيكتشف حجم الشهرة والنجومية التي تنهال عليه بسرعة فائقة تتجاوز سرعة انتشار العطر الجميل النفاذ في الهواء. *ذات مرة أخبرني مترجم صديق، حين أترجم نصاً ما، فإنه يصبح لي؟! هل الترجمة كتابة لنص جديد، خلق جديد، أم نقل حساس؟ -أخشى أن يكون هذا المُترجم " موفقاً " جداً في موهبته، وحرفته، وأدائه الفني لدرجة أنه يعتقد بأن النص المُترجَم الذي أنجزه هو نص جديد له. كلا، يا صديقتي، الترجمة ليست كتابة لنص جديد على الرغم من أننا لا نكف عن إطلاق مثل هذه التصريحات الرنانة. فالمترجم البارع عليه أن يترجم المعنى بأمانة من دون زيادة ولا نقصان، وعند ذلك سنرفع له القبعة احتراماً وتقديراً لجهده الإبداعي. الترجمة هي إبداع من نوع آخر، وهي مواءمة أمينة بين نصين، ونقل للنبرة الخاصة بالنص الأصلي إلى النص المُترجَم، كما هي نقل للأحاسيس الصادقة والحارة التي تكتنف النص الأصلي إلى النص الهدف، لكنها ليست خلقاً جديداً، ولا كتابة ثانية على الإطلاق.
#منى_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منى كريم ..شفافية مفردات توحي بالقتامة
-
( .. يا عشاق العالم اتحدوا .. )
-
رسالة إلى السيد الرئيس صدام حسين
-
الشعر في مواجهة الله
-
ملف الشعر العراقي المغترب
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|