|
الرضى و التمام
الزنديق الأعظم
الحوار المتمدن-العدد: 4877 - 2015 / 7 / 25 - 19:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما هي النشوة؟ أن تتم أي أمر إلى أقصاه و ترضى.
هل النشوة نتيجة جنسية حصرية؟ لا إنها نتيجة أي فعل متقن يرضي صاحبه.
أتعلمون ما ينقصنا؟ أن ننتشي، أن نصل الذروة، أن نكون في تلك اللحظة التي لا يوجد فيها أي شئ خارج الإنسان، التي يتوقف فيها الزمن، التي يتحول فيها الإنسان إلى أبدية متصلة بالوجود للحظات، أن يتوقف الخوف و القلق و الترقب و الانتظار و الاحتراز و الحذر و التخطيط و التنسيق و المراقبة و التقيم و النظام و التنظيم و التراتب و الترتيب و التصنيف و الجريان و المضي، فلا يبقى سوى الوجود الشخصي المنتشي المتحد بالوجود بالكلي بقوة الذروة الكائنة.
لماذا لا ننتشي، لماذا تغيب ذروتنا؟ لأننا أسرى التأدلج، عبيد الأيدولوجيا، خدم الدوجما، أموات العقائد، صرعى الطقوس، ذبيحو الفرائض، قتلى السنن، أشباح الغيب. لأننا لا نعيش أنفسنا لكن نعيش أفكار المارين في التاريخ و العابرين في الحقب و السابقين في الزمن و الموتى في أجسادهم الأحياء في خزعبلاتهم و خزعبيلاتهم، الذين يتحكمون في أيامنا و ليالينا، الذين يقولون لنا بماذا نفكر و عم نمتنع و كيف نفكر و ما يجب ألا نصدقه و عين ما يجب تصديقه، و ماذا نصنع بعد التصديق و أثناء التصديق و ماذا نصنع حين نرفض و بعد أن نرفض و كيف نحصن أنفسنا ضد أن نكون ذواتنا و ضد أن نبلغ كامل طبيعتنا، ضد أن نكون طبيعين، ضد أن نكون ناضجين، ضد أن نكون صحيحي العقول، صحيحي النفس صحيحي الجسد الذي أرهقوه بفرائضهم و بعد أن أرهق نفسه حين أرهقته النفس.
كيف ننتشي، كيف نبلغ الذروة؟ ننبذ الدين، الدين ميت، الإله غير موجود، قصصهم أوهام، طقوسهم حماقات، فرائضهم غباء، سننهم تبخيس للإنسان و قتل له و تفريغ له من جوهر طبيعته و إعاقة لوجوده و استكمال كيانه، ثم نبدع في ما نصنع من أعمال و نرضى عنها.
نطرح الموتى بعيدا عنا، نطرح فكرهم في حفرة كبيرة، ندفنهم مع أفكارهم، نتعلم أن نفكر من جديد، أمام كل موقف نسأل العقل و نستشير القلب، و نترك الطبيعة تخاطبنا، و نسأل: ماذا نصنع هنا؟ كيف نحس؟ و نترك أنفسنا لأنفسنا، و سنجد الحل. سنكون مثل أطفال يكتشفون الحياة لأول مرة، كل موقف هو فرصة جديدة، فرح جديد، خبرة فريدة، عمل لن يتكرر، لأنه حين يتكرر سيكون الفرصة لممارسة الخبرة و تذوق لذة الممارسة بعد الاختبار و كأنها أول مرة بل أجمل من أول مرة لأنها ممارسة القناعة عن قناعة و بقوة الطبيعة. نتخلى عن الغيب و الخرافة و الوهم و القصص الغريبة العجيبة الوهمية الشبحية، نحتضن الحياة و نترك الحياة تحتضننا.
ماذا نخسر لو تمسكنا بالدين باعتدال و عشنا الحياة؟ لا يوجد اعتدال في الدين، أي فكرة عن شبح وهمي يراقبك هي عبودية في حد ذاتها. أن تكون خاطئ و مخطئ و مذنب و آثم و خطاء بحاجة إلى مسامحة و غفران دائمين لا ينقطعان هو تبخيس لقدرك كإنسان، إنتهاك لكرامتك، قتل لجوهرك، تفريغ لك من قيمتك الإنسانية. أنت إنسان و كفى.
ما الفرق بين دعوتنا للحرية كطرف و بين الإجرام و الانحطاط و الإباحية و البوهيمية كطرف آخر؟ الحرية التي ندعو إليها هي الحرية من الوهم من أجل إدراك ذواتنا و طبيعتنا دون خداع (غير مقصود أو مقصود لا فرق) للنفس. من يدرك حريتنا يصبح قادرا على اتخاذ قرارات واعية و على أن يسلك في الحياة بانسجام مع نفسه و مع البشر.
دعوتنا تشجع على: إكبار النفس و احترام ها و تقديرها و تنزيها عن التفكير الوضيع فلا يبقى الإنسان عبدا لخرافة و شبح خرافي و نص بالي عفن.
العمل و التمتع بثمار الحياة، فيسعى الإنسان نحو سعادته بقوة عمله لا بالسرقة أو الفساد و الطمع.
الإنتاج فلا تعترف بالتميع و التواكل و الاعتماد على فكرة الرزق المعد سلفا.
تحمل المسؤولية فيخضع الجميع لمعاير إنتاج و يكافأ المنتج و يتم تقويم سلوك المسئ.
الإبداع و التفكير النقدي و الحوار الحر و تبادل الأفكار، لبناء أجيال قوية صحية سليمة نفسيا، للرقي بالمجتمع و بناء الفرد بدلا من ثقافة القطيع التي لا يفترق فيها فكر شخص عن فكر باقي الإشخاص على افتراض وجود فكر أصلا والتي أدت إلى نتائج كارثية في أجيالنا العربية التي تفتر إلى ما بدأت به هذه النقطة من قيم.
القوة الصدق و النزاهة و الدقة فيكون الإنسان قادرا على التعامل مع الحاضر و التخطيط للمستقبل، لا يحتاج لأوهام و أطماع في عالم آخر يساعده على احتمال مشاكل العالم الحالي.
الاختلاط الطبيعي فلا يحتاج الفرد للتعبير عن نفسه بطريق ملتوية كالعلاقات بين الجنسين في الخفاء و التخفي و اللجوء للجنس المسروق بدلا من صداقات في مجموعات أو صداقات فردية تلقائية لا تقصد الجنس كهدف.
العلاقات العاطفية عن رضا و قناعة و حب، و الالتزام و المسؤولية و الفرح و السعادة، و عندها لن يتجاوز الشريك شريكه أو شريكته من أجل علاقة عابرة (أو دائمة).
الصراحة بين الشريكين لكي يحلا مشاكلهما أو يفترقا بالطلاق، فلا يحتاج الطرفان لخيانات تعوض النقص.
من يمارسون الإجرام و الإباحية و ينتكسون إلى غرائز قوية بلا ضوابط يصنفون من العقول الضعيفة الذين لا يسألون و لا يتساءلون و لا يكترثون لشئ و لا يملكون مزية التفكير النقدي و مساءلة الموروث، و هؤلاء يملكون إيمانا تسليميا و يمارسون طقوسا دينية و لو بشكل شخصي و يحتفظون بصورة للإله و الدين تقترب من الصورة التي يحتفظ بها المؤمن اللطيف لكن مع فارق أن المؤمن اللطيف يمتنع عن الإجرام و الإباحية إطاعة للدين بينما يخالف المجرم الدين دون أن ينفيه.
أي أنني أقصد أن أبين لكم أن الإجرام و الإباحية ليست نتائج الخروج من الدين لكن نتائج سطوة الغريزة، لأقطع الطريق أمام المونولوج التافه الذي يكرره ببغاوات الإيمان من أن الحرية هي الإجرام و الإباحية. هؤلاء لا يفهمون معنى كلمة حرية أصلا و يعكسون الداخلية المظلمة القذرة لكل واحد منهم، إنهم يقفزون دوما إلى الجنس، إنه أول موضوع و آخر موضوع، و أعتقد أن الكبت الذي يخلقه فيهم الدين يجعلهم لا يستطيعون التفكير إلا فيه.
هل النشوة و اللذة و الجنس مواضيع يجب أن نخجل منها؟ لا، إن النشوة و اللذة تتعلقان بكل ناحية من نواحي الحياة، للفكر نشوته، للاختراع نشوته، للبحث نشوته، للدراسة نشوتها، للقراءة نشوتها، للعمل نشوته، للرياضة نشوتها، للرحلات نشوتها، للحب نشوته، للجنس نشوته. الجنس من ألزم خصائص الطبيعة البشرية و ليس فيه ما نخجل منه أو نحتقره أو نبخسه قدره، و هو شئ مهم و عظيم لذا يجب تنظيمه لا تجريمه و لا تحريمه، و هذا موضوع شائك جدا ينبغي له مقالات منفصلة لا يتسع لها مقام هذا المقال، لكن يكفي أن نعترف أن الطريقة التي تتعامل فيها الأديان مع الجنس جعلته شيئا مشوها و مسخته كيانا بشعا.
هل نملك القدرة على النشوة و بلوغ الذروة كل يوم؟ نعم بالحرية الفكرية و عشق الحياة و بقصد بناء المجتمع و استهلاك الذات كل يوم إلى تمامها.
هل هذه الأفكار طوباية يوتوبياوية؟ لا، إنها أفكار إنسانية طبيعية، لكن الدين قد علمنا أن نحتقر كل ما هو طبيعي و نعوض عن نقصنا الناتج عن غياب كل ما هو طبيعي بأن نحلم في وهم و سراب منفصلين عن واقعنا و أن نرضى بالبقاء في الوحل لانه أقصى ما يستطيع أن يقدمه.
هل يوجد من يطبقون هذا بالفعل؟ نعم، ملاين الناس حول العالم يعيشون أحرارا من الخزعبيلات و يواجهون مشاكل الحياة بمسؤولية و قوة و يتعاملون مع الواقع بقدرة فائقة، و ينتشون و يبلغون الذروة في كل شئ. هؤلاء بشر حقيقون يفرحون يحزنون يسعدون يتألمون ينتكسون يقومون، منهم اغنياء و فقراء ذكور و إناث، إنهم بشر كاملو الطبيعة، إنهم أحرار من الوهم.
#الزنديق_الأعظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية و الجمال كنقيض للدين و البشاعة
-
الشرف
-
هوذا الإنسان ECCE HOMO
-
همسات في الزندقة III
-
خواطر الزنديق الأعظم II
-
خواطر في الزندقة II
-
خواطر الزنديق الأعظم I
المزيد.....
-
فيضانات غير مسبوقة تجتاح بريتاني الفرنسية والسلطات تدعو للحذ
...
-
رئيس أركان الجيش الجزائري يبحث مع وفد -الناتو- سبل تعزيز الح
...
-
روسيا تدين أعمال المتمردين في الكونغو الديمقراطية
-
رئيس وزراء سلوفاكيا يهدد زيلينسكي بمنع المساعدات المالية لأو
...
-
وفد حماس يبحث مع المخابرات المصرية تطورات ملف التهدئة بغزة
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|