|
عندما أتحدث عن - الجزء الثالث : الأخلاق
مهاب مجدى يوسف
()
الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 22:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يُرجى قراءة المقالتين السابقتين لأني سأذكر ما تحدثت عنه سابقاً لإكتمال نظرتي ... الحقيقة 1 : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=473166 الحقيقة 2 : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=473726
سأتحدث في هذا المقال عن : هل الأخلاق نسبية أم مُطلقة ؟؟ قبل تحليل هذا السؤال و وضع الإحتمالات الممكنة للإجابة عليه ، لابد من توضيح أنني لا أتحدث عن " التصرفات الأخلاقية " لأنه يتضح لنا أنها نسبية ، و أنها أحياناً تختلف من شخص لآخر و من مكان لآخر و من زمن لآخر ( بغض النظر عن الإتفاق في بعض النقاط ) . لكن سنتحدث عن الأخلاق في ذاتها ، أي أنني سأتحدث عن " ما ينبغي أن يحدث " و ليس " ما يحدث فعلياً " . فإن كانت هناك أخلاق مُطلقة في ذاتها فهي لا يعني بالضرورة أن الجميع يسير عليها و ان الجميع أخلاقياً ، و إختلاف الناس في التصرفات الأخلاقية لا ينفي وجود أخلاق ( قاعدة أخلاقية ) مُطلقة في ذاتها .
سأتحدث فقط في هذا المقال عن القاعدة الأخلاقية من حيث التعامل مع الآخر ، فهناك فرضيتين للنظر لهذه القاعدة الأخلاقية في ذاتها : الأولى تفترض وجود قاعدة أخلاقية مُطلقة ، و الثانية تفترض أن هذه القاعدة الأخلاقية نحن مَن نصنعها و نحددها .
أولاً : ------- إنطلاقاً من الإفتراض الأول وهو أن القاعدة الأخلاقية مُطلقة في ذاتها ، و قد نكون وضعناها جميعاً بموجب العقل الذي لدينا جميعاً و هو أمر مشترك ، أو أنها موضوعة بداخلنا و نحن نحاول إكتشافها ، ففي هذه الحالة هناك ثلاثة إحتمالات لمصدر هذه القاعدة الثابتة :
أ ) مصدرية الذات ( Autonomia ) أي أن الشخص هو مصدر هذا القانون . و ليس معنى هذا القانون أن الشخص يفعل ما يحلو له فقط ، لكن و ألا يفعل مع الآخر ما لا يريد الآخر أن يفعله معه . ففي هذه الحالة لا نتحدث عن شخص بعينه ، بل بإفتراض أن هناك شخص يمكنه أن ينوب عن الجميع ، بمعنى : هذا الشخص ( الذي ينوب عن الجميع ) لا يريد أن يقتله أحد ، لذا فالقانون يقول أن القتل " خطأ " . ولكن ليس معنى هذه القانون أن هناك شخصاً يمكنه أن يعتبر القتل " أمر عادي " لأنه لا يكترث إذا قتله شخص ما ، فالقانون يتحدث عن شخص ينوب عن الجميع وليس فقط أمر فردي .
ب) مصدرية الآخر (Heteronomia) و هي أن مصدر القانون يكون الآخر ( مَن أتعامل معه ) . هنا أيضاً لا نتحدث عن الآخر بصفته شخص بعينه ، بل هو شخص ينوب عن الجميع ، بمعنى : لا يوجد أي شخص يريد أن يُقتل ، لذا فالقتل " خطأ " ، لأنه يخالف قانون الآخر ( شخص ينوب عن الجميع ) . و لكن يمكن أيضاً أن نعتبر في هذا القانون ( في الأمر الخاص ) أن الآخر هو مَن أتعامل معه فقط ( على سبيل المثال : أتعامل مع سيدة لا تريد " التصافح باليد " ، لذا فهي تضع لي قانوناً يقول بأن هذا أمر خاطئ ، و عليّ أن أتبع هذا قانون لأنني أعتبر أن الآخر هو مصدر القانون الأخلاقي في التعامل معه ) و لكن في هذا الحالة نخرج من نطاق أن هناك قانون مُطلق ، و نعتبر أن هذا القانون مرن و قابل للإختلاف من شخص للآخر .
جـ) مصدرية الآخر المُطلق ( Theonomia ) و هي أن مصدر القانون هو الآخر المُطلق ( الله ) ، و في هذه الحالة لا نتحدث فقط عن أننا نعرف القاعدة الأخلاقية من خلال كلام الله ، بل أن القاعدة الأخلاقية مطبوعة بداخلنا يشير لنا عما ينبغي أن نفعله ، و هو ما يمسيه سي. إس. لويس في كتابه المسيحية المجردة " قانون الطبيعة الإنسانية " ، و البعض يُسميه " الضمير " . و هذا هو ما يُسمى بـ البرهان الأخلاقي على وجود الله . Two things fill the mind with ever-increasing wonder and awe ... : the starry heavens above me and the moral law within me # Kant , Critique of Practical Reason
شيئان يملأن العقل بالرعب و الإعجاب المستمر : السماء المرصعة بالنجوم من فوقي ، و القانون الأخلاقي الذي بداخلي . # كانط ، نقد العقل العمل
ثانياً : ------- إنطلاقاً من الإفتراض الثاني فإن هذه القاعدة أو القانون الأخلاقي غير مُطلق ، و نحن مَن صنعناه و حددناه ، فينطلق هذا الإفتراض من أن قياسنا ( الحقيقة التي نكوّنها عن الواقع ) غير مُطلق ولا يعبر عن الواقع ، فما قمنا بقياسه و تسميته قانون أو قاعدة قد يكون مجرد شئ إتفقنا عليه ( عقد إجتماعي ) و لكنه في ذاته غير مُطلق و قابل للتغير . و هو إفتراض أشبه كثيراً بحاصل جمع مصدرية الذات و مصدرية الآخر ، و لكن الإختلاف في ماهية القاعدة : هل هي مُطلقة في ذاتها ؟ أم هي مجرد قياس لشئ ما أسميناه قاعدة و قانون ؟
سأعطي مثالين للتوضيح : 1 ) سراب الطريق السريع ( Heat Haze ) : و هو ظهور إنعكاس لصورة السماء على الطريق السريع مما يبدوا للعقل البشري على أنه تجمع للماء على الطريق .. إذا رأينا هذا الماء و قمنا بوضع الإحتمالات حول كيفية وجود هذا الماء : أ – مياة من الأمطار ب – زجاجة مياة تم سكبها على الطريق جـ - مياة صرف صحي تم تسريبها على الطريق :D
هذه الإحتمالات كلها خاطئة لأننا تأكدنا أنها ليست مياة بل هي مجرد سراب ينتج بسبب قلة كثافة الهواء الساخن عن الهواء البارد ....
هكذا تكون الأخلاق ، ليست وهم أو سراب ، بل إعتبارنا أنها " قاعدة ثابتة " يدخلنا لبناء إحتمالات غير موجودة بالمرة .
2 ) الألوان : أي لون تحبه أكثر ؟؟ الأحمر أم الأزرق ؟؟ جميعنا نرى الألوان المختلفة و نتحدث دائماً عنها بأسماءها أحمر ، و لكن هي مجرد أطوال موجية مختلفة للإشعاع الكهرومغناطيسي ، وعندما يقع طول موجة هذا الإشعاع ضمن المنطقة المرئية من الطيف يُطلق عليه الطيف المرئي . عندها ينتج الإحساس اللوني حسب الطول الموجي للإشعاع . فلن يكون السؤال مريحاً لك إذا سألت : أي مدى للطول الموجي يعجبك أكثر ؟؟ هل من 630-700 نانومتر أم من 450-490 نانومتر ؟
هذا المثال أقرب كثيراً عما أتحدث عنه في الأخلاق ، فهناك فعلاً شئ مريح ولا ننكر وجوده " الأخلاق " ( كما الألوان التي نراها ) ، لكنها في واقع الأمر " قد " لا تكون فعلاً قانون ثابت لابد وأن نتحدث عن واضعه أو كيفية وجوده ...
نرجع لنتحدث عن الأخلاق : لذا فهذا الإفتراض هو أن الأخلاق هي ليست قانوناً ثابتاً موضوعاً بالداخل أو موضوعاً بالطبيعة ( كوننا كائنات عاقلة ) بل هي قياسات تريحنا قد تكون أقرب للواقع من حيث كونها أفضل لبناء المجتمع و الحضارة و نحن مَن نضعها و نصنعها .. و هنا يأتي السؤال : لماذا إذا تتبع هذه الأخلاق أو هذا القانون الأخلاقي في حين أنك تعتقد أنها غير مُطلقة بل هي مجرد قياسات ؟؟ هنا نرجع للحديث و الإقتباس من المقال السابق : " الحقيقة العقلية الغير قابلة للتجربة نسبية ، و الحقيقة القابلة للتجربة قد تكون أقرب إلى الواقع . "
هل الأخلاق حقيقة قابلة للتجربة ؟؟ بالطبع نعم ، فهناك أخلاق تهزم أخلاق و تمحوها - لماذا ؟ - لأن الأخلاق قابلة للتجربة . كما أنه يمكن إستخدام مصدرية الذات و مصدرية الآخر ( عن إدراك أنها ليس قوانين مطلقة ) لوضع قوانين غير مطلقة لكنها أقرب إلى الواقع من حيث أنها نافعة ( تزيد المتعة و تقلل الألم ) .
.... الخلاصة : إنطلاقاً من إفتراض أن الأخلاق مُطلقة في ذاتها هناك ثلاث إحتمالات ، و أعتقد أن الإحتمال الثاني أكثر منطقية على المستوى العقلي لشرح مصدر القانون ، و إنطلاقاً من الإفتراض الثاني فالأخلاق هو قياسنا لشئ ما لا نعرفه و قد يكون قياسنا أقرب إلى الواقع ... الفرضيتين موجودتين لعدم وجود طريقة لمعرفة ما هو الواقع في ذاته ، و لكنني أرجح الفرضية الثانية . . . http://www.facebook.com/mohab.magdy.youssef
#مهاب_مجدى_يوسف (هاشتاغ)
#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما أتحدث عن - الجزء الثاني : الحقيقة 2
-
عندما أتحدث عن – الجزء الأول : الحقيقة 1
-
علم الله - الجزء الرابع : نظرة لاهوتية ل كيف خُلِقَ الكون ؟
-
علم الله - الجزء الرابع : نظرة لاهوتية ل -كيف خُلِقَ الكون ؟
...
-
علم الله - الجزء الثالث : مَن خلق الكون ؟
-
علم الله - الجزء الثاني : مغالطات منطقية 1
-
علم الله - الجزء الأول : حول ما سُمي بالبرهان الأخلاقي
-
ملخص كتاب : مدخل إلى النقد الكتابي
-
معرفة الساعة | بين المسيح و محمد
-
الملحد بيحترم الله ..!
-
كريشنا و ديفاكي | بين الوهم و المصادر
-
الجالس على كرة الأرض
-
و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد
-
الملحد ال هشك بشك !!!
-
#معتقدي_حريتي ؟؟ واحد لمون هنا يا خيري !!
-
الطلاق المسيحي !!؟؟
-
عمر الإنسان بين الإسلام و المسيحية
-
وجود الله في الرياضيات
-
زغلول النجار بتاع النصارى
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|