|
القدس كما هي في المشهد اليومي16
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4870 - 2015 / 7 / 18 - 13:49
المحور:
الادب والفن
السبت 12 / 1 / 2008 هاتفتني نيفين من مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي. قالت إنها ستكون هي وعبلة ناصر مع الوفد السويديّ في القدس في حوالي الواحدة والربع ظهراً. انتظرت على رصيف الشارع المحاذي لباب العامود. كانت الشمس ساطعة، غير أنّ الطقس كان بارداً. كان الوفد مؤلّفاً من البروفيسورة بيرغيتا فرانسون والبروفيسور أولف بويثياس، والإثنان في مثل عمري تقريباً، وهما عضوان في اللجنة التي تمنح جائزة باسم أستريد ليندغرين، وقد جاءا في زيارة إلى فلسطين للتحقّق من دور مؤسّسة تامر في تشجيع القراءة، وذلك بأمل أن تفوز المؤسّسة بالجائزة لهذا العام. دخلنا باب العامود، وكانت القدس مكتظّة بالناس. مشينا ببطء في طريق الواد. قالت بيرغيتا إنها تزور فلسطين للمرّة الأولى. وقال أولف إنّه كان هنا قبل ستّ عشرة سنة. قال إنه جاء هو وزوجته وأمضيا أسبوعاً في البلاد. زوجته كاتبة روائيّة ولها ثماني روايات، وواحدة من هذه الروايات استوحتها من زيارتهما للقدس. توقّفنا لحظة عند البيت الذي استولى عليه شارون في طريق الواد. وذكرت لهما أنّ في القدس القديمة، داخل السور، سبعين بؤرة استيطانية. ذهبنا لزيارة المسجد الأقصى، دخلنا سوق القطّانين واقتربنا من البوابة المفضية إلى ساحة الأقصى، غير أنّ الجنود الإسرائيليين لم يسمحوا لنا بالمرور. قالوا: ممنوع مرور السيّاح في يومي الجمعة والسبت. عدنا إلى مطعم أبو شكري. تناول الضيفان وجبة خفيفة، وأنا انشغلت بالتقاط صور لبؤرة استيطانيّة قريبة من المطعم. إنها بناية من ثلاثة طوابق ترفرف عليها أعلام إسرائيل. التقطت صوراً لشبابيك في بنايات مختلفة من حول المطعم. مضينا إلى مركز السرايا الواقع على مقربة من مدخل مدرسة دار الأيتام الإسلاميّة. المركز واقع في بناية أثريّة كانت مقرّاً للحاكم العثماني في زمن مضى. هناك كانت الحكواتيّة الفلسطينية من مدينة الناصرة، دنيس أسعد، تروي قصصاً لأطفال الحي. روت لنا مديرة المركز نتفاً من مضايقات المستوطنين، ومحاولاتهم للاستيلاء على بناية المركز. روت لنا نبذة عن أنشطة المركز، ثم خرجنا واتّجهنا إلى موقع البراق. كان على يمين السوق مطعم لأحد المقدسيين اسمه "مطعم البراق"، وكان على مسافة قريبة، يهود متدينون يجلسون في السوق إلى طاولات فوقها طعام، يأكلون وينشدون أناشيد دينية بصوت مرتفع. كان المشهد يوحي بمشاعر شتّى ومخاوف من نزعة التطرّف التي تفصح عنها جماعات دينية يهودية. سألني أولف: هل نحن في منطقة إسرائيلية الآن؟ قلت له: نحن ما زلنا في القدس المحتلة.
الجمعة 25 / 1 / 2008 جاءت ستيفاني إلى بيتنا. ذهبت إلى فندق الأمريكان كولوني لانتظارها هناك. حاولت الوصول إلى الفندق من طريق راس العامود، وجدت الجيش الإسرائيلي يسدّ الطريق بسبب منع المصلّين من الوصول إلى المسجد الأقصى خوفاً من حدوث تظاهرات احتجاج على الحصار المفروض على غزّة. كان المصلّون يقيمون صلاة الجمعة في الشارع. عدت إلى طريق تل بيوت، ومنها وصلت إلى الأمريكان كولوني. جاءت ستيفاني في الموعد المحدد. لأوّل مرة ألتقيها، مع أنني سمعت باسمها من قبل. إنها امرأة جميلة مع ميل إلى النحافة، وهي تجيد العربية بسبب إقامتها في غير بلد عربيّ على فترات. وهي بالغة التهذيب ولديها ذكاء أكيد. سلّمت على زوجتي نعيمة وعلى ابنتي أمينة وعلى ابني أمين. سلّمت على بعض الأحفاد. وكان واضحاً أنها ذات روح اجتماعيّة عالية، تتصرّف بأريحيّة وفي شكل سلس ودون تكلّف أو تعقيد. اقترح أمين أن نصعد إلى سطح البيت لكي ترى ستيفاني المشهد من حولنا. أبدت ترحيباً بذلك. صعدنا إلى السطح ومعنا الحفيدان بشّار وأسامة. شاهدت ستيفاني البيوت القديمة التي تعود لأعمامي، واندهشت من مقاومة هذه البيوت لعسف الزمان. نظرت نحو البعيد، لترى جدار الفصل الذي يفصل الضفة الغربية عن القدس، ولترى ما يحيط بالقدس القديمة من قرى وأحياء. تحدّثنا بعد الغداء عن قصصي التي ستقوم ستيفاني بترجمتها إلى اللغة الفرنسية، بتكليف من دار آكت سود. ثم غادرت بيتنا في المساء، وكان الطقس بارداً إلى حدّ ما.
الاثنين 28 / 1 / 2008 وجدت الفرصة سانحة للتمشي في شوارع المدينة. كان الطقس بارداً، وكنت متدثّراً بملابس دافئة. مشيت في شارع نابلس، ولاحظت أنّ مدرسة خليل السكاكيني المقابلة لمقرّ صحيفة الطليعة سابقاً، قد تحوّلت إلى المدرسة المأمونية الثانوية للبنات. وتحوّلت الكافتيريا التي كانت على زاوية الشارع إلى محلقة للرجال. مشيت في شارع جبل الزيتون، نظرت نحو البيت الذي أصبح مركزاً ثقافياً يحمل اسم الأديب المقدسيّ إسعاف النشاشيبي، ثم عدت إلى شارع نابلس الذي يخترق حيّ الشيخ جرّاح. مررت من أمام مقرّ صحيفة الطليعة. تذكّرت أيامي هنا قبل اثنتي عشرة سنة. تذكّرت بشير البرغوثي الذي كان رئيس تحرير الطليعة وظلّ يتردّد على هذا المكان سنوات طويلة. كان بشير يكتب مقالة سياسية فريدة من نوعها. واصلت المشي نحو فندق الإمبسادور. كنت أمشي مستمتعاً بالمشي وبالذكريات التي تنداح في رأسي كلما مررت من أمام أمكنة أعرفها عن ظهر قلب. انعطفت عند نهاية الشارع نحو اليمين. دخلت شارعاً يحمل اسماً غريباً عن حيّ الشيخ جرّاح. إنه شارع كلرمون جانو. من أين جاء هذا الاسم وما علاقته بهذا الحي؟ على يسار الشارع مجموعة من الأبنية الخاصة بالشرطة وببعض الدوائر الإسرائيلية. هنا تجري عمليات تهويد للقدس من طرفها الشرقي. عدت إلى شارع جبل الزيتون ومشيت فيه نحو شارع نابلس. رأيت في الشارع متديّنين إسرائيليين ونساءهم بالملابس السوداء التي تميّزهم وتميّزهن، وهم يمشون في الشارع قادمين من البؤرة الاستيطانية التي أنشئت في الطرف الجنوبي لحي الشيخ جرّاح. لم يرقني المشهد، فهم يقضمون المدينة يوماً بعد آخر، ويفرضون منطقهم الاستيطاني التهويدي عليها. انقضت ساعة وأنا أمشي وأتحاور مع نفسي ومع المدينة في صمت.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القدس كما هي في المشهد اليومي15
-
القدس كما هي في المشهد اليومي 14
-
القدس كما هي في المشهد اليومي 13
-
القدس كما هي في المشهد اليومي12
-
القدس كما هي في المشهد اليومي11
-
القدس كما هي في المشهد اليومي10
-
القدس كما هي في المشهد اليومي9
-
القدس كما هي في المشهد اليومي8
-
القدس كما هي في المشهد اليومي 7
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 6
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 5
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 4
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 3
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 2
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/ 2
-
القدس كما هي في المشهد اليومي/1
-
القدس في السير والشهادات واليوميات
-
القدس والنص السردي الغائب
-
الفنان عادل الترتير/ البدايات كانت في القدس
-
فنان مقدسي اسمه فرنسوا أبو سالم
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|