|
-الدولة الإسلامية- (داعش) مشروع أميركي
ميشال يمين
الحوار المتمدن-العدد: 4868 - 2015 / 7 / 16 - 15:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خضم صراعها مع منافسيها الرئيسيين في كتلة البريكس التي تتزعمها روسيا والصين، وحتى مع حليفها الاتحاد الأوروبي من أجل الاستئثار بموارد الطاقة والتحكم باقتصادات العالم لا سيما الاقتصاد الصيني الذي بات يهدد بأن يصبح الأقوى عالميا، والحفاظ على تفردها في الزعامة على العالم، تشن الولايات المتحدة حربها الإمبريالية على شعوب الشرق الأوسط. ولأجل هذا الغرض أخرج الساحر الأميركي من تحت إبطه تنظيم داعش الإرهابي. وخلال سنة أو سنة ونصف السنة تحول هذا التنظيم عمليا إلى جيش متماسك رغم تركيبته المتعددة الأجناس والجنسيات يفرض إرادته على رقعة شاسعة في منطقة الشرق الوسط بحزم وصلابة، اي بالحديد والنار والإرهاب الذي قلما عرفت البشرية نظيره. وهو لا يقصر نشاطه ومحاولة مد نفوذه على الشرق الأوسط فحسب، بل يتجاوزه حتى إلى أوروبا وأميركا جزئيا وروسيا خصوصا منطقة آسيا الوسطى الإسلامية الطابع، حيث بدأ يتحرش بطالبان في أفغانستان على مقربة من الوجود العسكري الروسي على حدود طاجيكستان. وبذلك باتت داعش مثابة أداة سياسية تستخدمها الولايات المتحدة لتنفيذ مهامها الجغراسياسية. أي مسرحية يمثلها الأميركيون اليوم أمام أعين المجتمع الدولي حين يجمعون لمّة لمّة من هنا وهناك تحالفاً مزعوماً، ولكن ليس ثمة في الواقع أي تحالف، بل هناك قوات الولايات المتحدة تعمل من دون أي مسوِّغ قانوني في العراق وسوريا، وتزعم أنها تقوم بقصف مواقع لداعش في العراق وسوريا، علماً أن أرواح الكثير من المدنيين المسالمين تزهق فيه. وهي مع القصف ترمي بالمظلات مساعدات من الذخيرة والأطعمة وتزعم أنها موجهة للمتمردين الأكراد، ولكنها كلها تسقط في الواقع في أيدي داعش. وكل هذا يندرج في ما أعلنه جورج فريدمان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستخبار والتحليل الخاصة «ستراتفور» («Stratfor») والذي يعتقد البعض أنه محلل أميركي عادي، ولكنه في الحقيقة رئيس "ظلٍّ" لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، من أن الحرب ضرورية، ولكن بحيث لا تؤتي نتائج فعلية على الأرض. فهي ليست في الحقيقة معركة ضد داعش، بل تعمية للرأي العام في العالم لا أكثر ولا أقل. في مرحلة أولى، أوجدت الولايات المتحدة تنظيم "القاعدة" وبن لادن. والأخير معروف أنه عميل مائة بالمائة لوكالة المخابرات المركزية. وهنا يورد المستعرب والمحلل الروسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط فيتشسلاف ماتوزوف حادثة مفادها أن وفداً من مجلس الشورى السعودي، وهو كناية عن برلمان في ظل الحكم الملكي، جاء إلى إسبانيا في بداية القرن الحالي في زيارة برلمانية. فانهال النواب الإسبان على رئيس وفد المملكة بالأسئلة إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول متهمين السعودية بأنها "هي التي ترعى الإرهاب وتقف وراء "تنظيم القاعدة " وأسامة بن لادن. فكان جواب ممثلي مجلس الشورى السعودي كالآتي: "والله، إن كل ما عملناه حيال "تنظيم القاعدة" والمجاهدين في أفغانستان قمنا به فقط بناء على أوامر الولايات المتحدة. والآن ها هم الأميركيون أنفسهم يحاولون إلقاء كامل المسؤولية علينا! نحن منفذون، نحن قمنا بتمويل هذا المشروع، لكننا لم نبادر إليه!". عذر أقبح من ذنب! ولكن... ها هم الأميركيون ووسائل إعلامهم الآن ايضا يصورون السعودية وخاصة قطر وكأنهما هما من يدعم داعش، أما هم والإسرائيليون فيغسلون أيديهم من خطيئة التسبب بكوارث الشرق الأوسط كذاك القائل: "أنا بريء من دم هذا الصدّيق"! يصعب طبعاً تبرئة هذين البلدين العربيين الغنيين بالثروات الطبيعية من كل ما يجري. ولكن لو أخذنا قطر مثلا، نرى أن في هذا البلد الصغير البالغ عدد سكانه الأصليين 350 ألف نسمة! وفي مطار الدوحة، قاعدة جوية أميركية، وأن أراضيه مقر لإدارة "سنتر كوم" وهي القيادة المركزية للقوات الأميركية في الخليج العربي و35 ألف جندي أميركي، اي ما يساوي عُشر تعداد سكانه. فعن اي استقلالية للدور القطري يمكن التحدث أصلاً؟ إن قطر هي بلد محتل، بل أكثر من محتل. وهذا ما يجعلها مسموحاً لها انتاج وبيع الغاز. فقطر من أغنى حقول الغاز الطبيعي، ولها حساباتها الخاصة وخلافاتها مع السعودية والبحرين بسبب الغاز وتقاسم حقوله في المجال البحري. ويتميز تنظيم الدولة الإسلامية بالقسوة اللاإنسانية، والوحشية التي يتفوق بها على "تنظيم القاعدة"، بل تتجاوز قسوة الفاشيين النازيين، وبهمجية فريدة من نوعها! فهي تنشط وبشكل هادف لطمس تاريخ البشرية، وتدمير المعالم التاريخية الفريدة التي لا تُسترَد. وثمة انطباع وكأن لدى أميركا الآن تحدياً عالمياً هو محو تاريخ البشرية عن بكرة ابيه. وقد لا نفاجأ غدا إذا ما وجدنا أنفسنا أمام تاريخ لتطور الإنسان من دون أوروبا والشرق الأوسط وليس فقط من دون كل تلك الآثار البيزنطية والرومانية القديمة. فتاريخ الحضارة العالمية سوف يبدأ من تاريخ الولايات المتحدة. وإلا فكيف يمكن، يا ترى، أن نفسر هذه القسوة اللاإنسانية من جانب داعش؟ لا شك في أنها محاولة، من جهة، لتخويف وترهيب ذلك الجزء من السكان المحليين الذي لا يزال يقاوم ولجذب الجزء المتطرف منهم من خلال وعود بالجنة والحواري، وبالتمتع بالسبايا من النساء تحت شعار "جهاد النكاح"، وليس فقط في سوريا والعراق، ولكن أيضا في بلدان أخرى، وللضغط نفسياً على الرأي العام العالمي، ولضرب معنويات الجيش السوري والجيش العراقي، هذا الأخير الذي طالما دربه خبراء أميركيون ليبقى ذاك الجيش العاجز بخلاف الجيش السوري الذي لم يدربوه. فالأراضي التي تسيطر عليها داعش يقاتل فيها حوالي 100 ألف من المتشددين القادمين من جميع أنحاء العالم (البيانات التي صدرت مؤخرا عن الأمم المتحدة تقول أن هناك 50-70 ألفاً من المقاتلين المسلحين!). ومعظمهم يأتون من أفغانستان وباكستان والدول العربية وشمال أفريقيا، ومن روسيا (يتحدثون رسمياً عن 2200 مقاتل. وقد جاء الكثير منهم من قرغيزستان. فهؤلاء الشبان الذين يعملون في تنظيف الشوارع في موسكو، ويعيشون حياة بائسة، يذهبون بكل سرور الى سوريا للحصول على مال أكثر هناك باسم الإسلام). وإن الزعم بأن في صفوف مقاتلي داعش ضباطا سابقين من جيش صدام لتدحضه حقيقة أن 12 عاما مضت منذ احتلال العراق، كل هذا الوقت ولم يشعر أحد بوجود هذا الجيش حتى بداية العمليات العسكرية في سوريا ضد النظام السوري. ثم إن أعمار ضباط صدام حسين هي اليوم فوق الستين. فأي "مقاتلين" وأي قتال يمكن توقعه من هؤلاء؟ ويتزعم داعش في سوريا والعراق عبد القادر البغدادي الذي تخرج من سجن أبو غريب الأميركي في العراق والتنظيم الإسلامي المتطرف في ليبيا عبد الحكيم بلحاج الذي يحب أن يكنّى بـ"ابو عبد الله الصادق" والذي تم توقيفه في تايلاند لمشاركته في تنظيم القاعدة متهما بالإرهاب وبالمشاركة في عملية 11 أيلول في نيويورك، وقبعَ في السجون الأميركية. فبعد 5 سنوات قضياها في أقسى الظروف تم الإفراج عن كليهما ليترأس الأول فرع "تنظيم القاعدة"، ثم لينشئ على الفور تنظيم داعش. وترأس الثاني في طرابلس الغرب حركة اسلامية أيضا، ثم تم نقله عبر تركيا، البلد العضو في حلف شمال الاطلسي، ومنها إلى سوريا حيث انضم إلى مقاتلي الدولة الإسلامية. هكذا أخلي سبيلهما "بكفالة"، كما يقال. وها هي السعودية اليوم تستهيب خطر داعش ومعها الكويت التي فجِّر فيها مسجد في شهر يونيو/ حزيران ما أودى بحياة 30 شخصاً، وتونس حيث فجرت حافلة تقل سياحاً أجانب. فالسعودية التي تفهم هذه الآلية، وتعرف جيدا الأميركيين كونها أحد شركاء الولايات المتحدة في إنشاء مجموعات الإسلاميين في أفغانستان - "تنظيم القاعدة"، باتت ترى الآن أن الأميركان يتصرفون بنفس الطريقة في شأن إنشاء داعش التي تطرح مهمة تدمير المملكة العربية السعودية نفسها، وإنشاء "فاتيكان إسلامية" مستقلة تتألف من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ككيان في قلب صحراء "الربع الخالي مع الجِمال. أما كامل الجزء الساحلي الذي يقطنه الشيعة (خريطة رالف بيترز المعروفة) فيضم إلى البصرة في جنوب العراق والطرف الجنوبي لإيران بأكمله أي خوزستان الناطقة بالعربية حيث حقول النفط والغاز الرئيسية ليضحي تحت السيطرة الأميركية. وهذا ما حدا السعوديين على بدء التوجه صوب روسيا. فليست عشوائية زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لموسكو ومحادثاته الدافئة مع بوتين في سان بطرسبرج، وتبادل الدعوات للزيارة. ومن المتوقع أن يزور العاهل السعودي في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول موسكو، وأن يزور بوتين ثانية المملكة العربية السعودية. والسعوديون مستعدون الآن لتخصيص 10 مليار دولار للاستثمار في الاقتصاد الروسي. وتؤمن تركيا العمق اللازم لداعش. كما يدرب الخبراء الأميركيون مقاتليها في مخيمات في الأردن. ويأتي تموين ودعم لها من لبنان، لا سيما من شماله السنّي، حيث تدور بين الحين والحين معارك بين العلويين والسنّة. وهنا يلعب دورا هاما حزب الله في سد هذه الثغرة بالنسبة إلى سوريا وحدودها الغربية. وهذا ما يثير حفيظة الأميركيين والإسرائيليين وحلفائهم اللبنانيين من جماعة 14 آذار، فيطالبون الحزب بالخروج من سوريا رغم أن معظم نشاطه هو حماية الخاصرة السورية من الجانب اللبناني. يستنتج من كل ما ورد أن تنظيم داعش مشروع أميركي استولدته من عمق التخلف والفقر والجهل في بلدان عربية وإسلامية لينفذ مآرب وأوامر الولايات المتحدة، مستخدما القسوة اللاإنسانية والهمجية المقززة للنفس. ونستطيع أن نقول إن الدولة الإسلامية "التكفيرية" كأداة عسكرية في يد الولايات المتحدة، تبدو الآن بعد انحسار الدور الإسرائيلي مؤقتاً أو قُل تخفّيه وراء الستُر، مثابة الأداة العسكرية الرئيسية حالياً في شن الحرب الهجينة (hybrid warfare) للولايات المتحدة ضد بلدان الشرق الأوسط، حيث يتجاور في الاستخدام المسموح والمحظور ولا من يحاكِم لأن الحُكم والحَكَم واحد وهو الأقوى، والقانون الدولي في زمن القطب الرأسمالي الواحد يتبع كليا نسبة القوى العالمية.
#ميشال_يمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وضع الرئيس بوتين في روسيا اليوم: رِفْعَة وسؤدد أم أفول واحتض
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|