مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4864 - 2015 / 7 / 12 - 22:16
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لا يوجد شيء لعب دورا حاسما في تحديد مسار الثورة السورية منذ البداية مثل عقدة الخصاء عند بشار الأسد .. يمكن أن ننسب كل العنف اللاحق للنظام إلى هذه العقدة .. كان بشار يحاول النجاة بقضيبه من عقدة الخصاء أمام طيف والده طوال هذه السنوات الأربع .. كشاب تسلم بلدا يجيد السمع و الطاعة , و نفوذا قويا في الجوار , و جيش يوصف بالقوي , كان على بشار أن يفعل الكثير ليجيب طيف والده , ليحاول أن يثبت أنه كان جديرا بتلك التركة .. هل كان باسل سيكون أكثر منطقية أو معقولية في رده على تمرد عبيده , أقدر على الوقوف أمام طيف والده و هو يقول : لقد فشلت , قد يبدو أن هذا كان ممكنا , ما سمعناه و عرفناه من بعض الذين عرفوا "الفارس الذهبي" , أنه كان لديه خصيتين كبيرتين , سيكولوجيا بالطبع ... بينما كان من المحتمل أن ماهر كان سيكون الأسوأ على الإطلاق , فبشار في كل الأحوال هو الطفل المدلل , العابث , الذي يتلعثم , و الطبيب , أما ماهر فهو صاحب العضلات , صاحب البدلة العسكرية .. كان ماهر سيحارب , ليس فقط عقدة الخصاء الأبوية , بل أيضا ليثبت صورة الذكر الشرس التي حاول أن يتقمصها .. أما عقدة الخصاء عند بقية السوريين فهي مختلفة , جدا عن عقدة الخصاء عند بشار .. يرتبط شعور السوريين ( الذكور ) بالخصاء مباشرة بوجود الديكتاتورية نفسها .. إن رعايا أية ديكتاتورية , من "الذكور" , "الرجال" , هم في حالة خصاء نفسي بالضرورة .. الذكورة في مجتمع سلطوي شمولي , هي فقط من حق السيد , الديكتاتور , الزعيم .. لا شك أن التظاهرات الأولى قد أعادت و بقوة شعور الذكورة لهؤلاء الشباب , "الرجال" .. ذلك الصعود في الإحساس بالذكورة , ذكورة الرجال طبعا , الذي كان طبيعيا مع استمرار المظاهرات الأولى و ما تحمله من مخاطر على المشاركين فيها و الذي تكرس أكثر مع الاعتقالات و التعذيب الوحشي على يد جلادي و شبيحة النظام انتهاءا بتصاعد طبيعة المواجهات مع قوى أمن النظام في الشارع , هذا الصعود في الذكورة يبدو أنه قد ساهم بقوة في التطورات التالية للثورة السورية : تحديدا عسكرتها و أسلمتها .. كان المعنى الآخر لهذا الصعود في الذكورة هو استعادة الرجال ملكية أجساد نسائهم .. مع تراخي قبضة أجهزة قمع النظام التي تشكل قوته الضاربة ضد عبيده , كان أحد أهم ما نجح الذكور السوريون في "تحريره" أو استعادة ملكيته هو أجساد نسائهم , محارمهم , زوجاتهم , اللواتي سيصبحن فورا "حرائر" , الكلمة المستعارة من زمن مضى , زمن العبودية , الكلمة التي تعارض مفهوم الجسد الأنثوي المستعبد , المستباح : الإماء .. لقد استعاد الذكور السوريون دفعة واحدة ما كانت الديكتاتورية قد انتزعته منهم طوال سنين .. كان من الطبيعي أن يشعر الكثيرون , خاصة أبناء المجتمعات المحافظة في الريف و العشوائيات بنسائم اعتبروها نسائم الحرية .. في كتابه نفي اللاهوت يحدثنا ميشال أونفري عن الخصاء الديني , حيث يجتمع الخصاء إلى جانب كره النساء و ازدراءهن , في طهرية عصابية , مرضية ... "الديانات التوحيدية تكره النساء و لا تحب غير الأمهات و الزوجات" , "الزوجة و الأم تقتلان المرأة و هو ما يراهن عليه الحاخامات و الرهبان و الأئمة لضمان طمأنينة الذكورة" ( ص 123 ) .. "تغتني أدبيات الديانات التوحيدية بالإحالات على إخماد الشهوة و تدمير الرغبة" , "الإسلام يؤكد بوضوح على تفوق الذكر على الأنثى .. ثم جاءت سلسة إملاءات : تحريم ترك الشعر مكشوفا .. كذا لحم الساعد و الساق ... و تمجيد للعفاف .. و منع الاختلاط بالمساجد .. و لا ينصح بالحب و الشغف في زواج يتم الاحتفاء به من أجل خير الأسرة و القبيلة و الأمة , و الدعوة لتلبية جميع رغبات الزوج الجنسية ... و تشريع ضرب الزوجة في حالة الشبهة ... هنا يكمن أصل تمجيد الإخصاء : إن النساء كثر , و كثيرة هي الرغبة و المتعة و الخلاعة و الجنس و الهذيان ... إنهن يهددن رجولة الذكر , و يجب بالتالي الميل جهة الله و التأمل و الصلاة و إقامة الشعائر و مراقبة ما يجوز و ما لا يجوز و استحضار الألوهية في كل صغيرة من الحياة اليومية . و يجب التوجه نحو السماء , لا نحو الأرض و بدرجة أقل نحو أسوأ أمورها : الأجساد ... إن المرأة التي أغواها الشيطان في الماضي السحيق و التي صارت الغاوية الأبدية تهدد التمثل الذي للرجل عن ذاته , أي قضيبا منتصرا و محمولا مثل تميمة الكينونة . إن قلق الخصاء يحرك كل وجود يحياه المرء تحت نظر الإله" ( ص 127 - 128 ) ... الختان الذي يتعرض له أطفال المسلمين ليس إلا خصاءا جزئيا , لكنه يشكل تهديدا بخصاء كامل , يختزل كل ما يشكل رهابا هستيريا عند الذكر : فقدانه لهيمنته على جسد المرأة , امتلاك المرأة جسدها .. إنه يقبل قلق الخصاء الدائم , في مقابل أن يحصل على ضمانات , مبررات , تطمينات , على استمراره في امتلاك جسد المرأة .. هذا الختان , الخصاء الجزئي , سيرافق الشخص دائما , كجرح غائر في نفسه , لا يندمل أبدا .. يعيد أونفري تلك الطهرانية العصابية , الخصائية , المسيحية , إلى عجز شاؤول أو بول الجنسي , المؤسس الفعلي للمسيحية .. من هنا جاءت مازوخيته و تلذذه الدائم بالآلام و الإهانات .. لكن محمد لم يكن عاجز جنسيا بالمعنى الجسدي , كان عجزه الجنسي نفسيا , سيكولوجيا , أعمق من حالة بول و ربما أشد و أبعد تأثيرا ... لم يكن محمد السوداوي , المكتئب , قادرا على التمتع بالجنس , كما أي شيء آخر .. و مع مشاعر الذنب القوية عند الرجل , أناه الأعلى الذي يعذبه دائما , يصبح تمتعه بالجنس شيئا مستبعدا جدا , و طالما عاقبته مخيلته القاسية على أي متعة حاول أن يعيشها , في شكل ظلال و هلاوس و هستيريا و رهاب ... هكذا مثل نظام الأسد تهديدا "أكبر" على العالم التقليدي لكثير من السوريين أبناء المجتمعات المحافظة في الريف و العشوائيات , أبعد من القمع و التهميش و الاستغلال .. من الطبيعي أن تخلق مظاهر الخروج على الوصفة الطهرية الخصائية المحمدية , التي غزت الفضاء العام , في الشارع و وسائل الإعلام مع بعض الطقوس التي مارستها الأقليات غير السنية عموما , توترا دائما عند هؤلاء .. ليس فقط أنه كان من السهل إسقاط تلك المشاعر , مشاعر التهميش و القلق و التوتر على مجموعات بعينها أو على صفات أو ممارسات بعينها في النظام الأسدي .. كان هناك تنافس خفي , على الهيمنة على عقول و أرواح السوريين , بين خصائين : خصاء السلطة ( الخصاء الأسدي ) و خصاء الدين ( الخصاء المحمدي ) .. حافظ الأسد أيضا كان شخصية اكتئابية و طهرانية , تماما مثل محمد .. و مثل محمد , كان مستعدا ليفعل أي شيء ليهدأ و يرضي أناه الأعلى , و مثل محمد كان مستعدا ليفعل أي شيء ليصل إلى غايته الوحيدة , لذته الوحيدة , كشخص مكتئب و طهراني : السلطة .. مع انفجار الثورة , تحول هذا الصراع إلى صراع مفتوح .. لم يكن هناك أي شيء تحرري , انعتاقي , بعد طهراني , في ممارسات السلطة الأسدية و شعاراتها التي زعمت محاولة تجاوز كل ما يرتبط بعقدة الخصاء المحمدية .. على العكس تماما , ما قدمته للناس لم يكن إلا خصاءا جديدا , قديما إذا استعدنا حالة الدولة العربية أو الإسلامية القروسطية ما قبل العثمانية , خصاء العبيد العراة , المستباحين , أمام القوة العارية لسلطتها ... من قبرهما , كان الأسد الأب و محمد , يحكمان أقدار السوريين .. في مواجهة صورة رجل المخابرات التي تمثل الذكورة الطاغية للسلطة و التي أضيف إليها فيما بعد صورة الشبيح , ذا العضلات المفتولة , الشره للدماء , و سجن تدمر , و أبنية فروع الأمن المرتفعة ذات السوار العالية , رموز السلطة الأسدية , رموز الخصاء الأسدي , وقفت بقوة رموز الإخصاء المحمدي , يكفي أن نذكر هنا رمزه الأقوى : الخصاء الجزئي الذي يحمله معظم السوريين كرمز و كتهديد , كرمز لواقع , لعالم , لقيم , يجب استعادتها .. لم يكن لدى السوريين عموما خيارات جدية غير هذين الخيارين .. في ظل غياب تجارب تاريخية عملية للتسيير الذاتي , و غياب أي دعاية أو أطروحات لمشروع انعتاقي تحرري رافض لكلا الخصائين , لم يكن أمام السوريين إلا الاختيار بين احدهما .. و كما قال رايتش في كتابه السيكولوجيا الجماعية للفاشية : لقد ربح القمع الجنسي الجولة مرة أخرى .. الناس المكبلون بالكبت الجنسي , الذي تعيد إنتاجه الأسرة الأبوية البطريركية جيلا بعد جيل , لم يكن أمامهم إلا ان يختاروا السلطة الأبوية .. مرة أخرى .. مقابل ثمن باهظ جدا , فرضته عقدة الخصاء الأسدية في شكلها الآخر , الذي لاحق بشار , آخر ديناصورات عالم يأفل , بانتظار صعود الخصاء المحمدي مرة أخرى ......
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟