|
محاكمة وغد قديم
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 19:05
المحور:
الادب والفن
(1) حملت الريح شذا عطرها الطيب.. المجاديف تضرب الماء بقوة ورتابة ، تسعى متلهفة لترتمى على أعتابها الشريفة. النفس تحدثنى ، بأننا قد غادرنا جسد"حابى" وأننا نبحر فى طرفه المؤدى للأرض الطاهرة. والروح فى غياهب الظلمات ترى أشجار الجميز والسنط القائمة على ضفتية. لقد آن للمبحر أن يلقى بالمرساة .... وللقلب أن ينعم بالوصل .. وللمشتاق أن يصل ، إلى ما أبتغاه .. بوبا ست .. بوبا ست يا مسكن الآلهة والأًبرار .. يا مصدر القداسة والبركات .. يا نعيم الأًذن ، والأًنف والعين .. تجل .. تجل علينا ، فلقد برح بى الوجد ، وطال الانتظار . طيور وجنادب الحقل تهلل ، بعدما تلألأت فى الأفق النجمة التى تعلو هامة أول ملاحى القارب المقدس خارجاً من " التيوات ". الكون يغنى- بكامله- طرباً .. احتفاء بفاطر الوجود .. نور السماء مانح الدفء والنفس الاله الأًكبر من كل إله رع حيرو خوتى. نسمة رطبة ، خارجة لتوها من منخارى " تم " تحتوينى فتشفى روحى وتطلقها تحلق مخترقة الحجب والأًستار ، تعب من آيات الحسن والأسرار التى وضعها " خيبرا " بحكمته فى كل ماخلق وصور . القرص الالهى يظهر بعد ولادة الرب وبدء رحلته فى المحيط الأًزلى فيتبدى فى نوره المعبد الكبير وسط كتلة الخضرة الزيتونية منتصباً .. شامخً .. ثابتاً على الأرض .. نافراً إلى عنان السماء . المجاديف تضرب الماء بقوة ورتابة .. تقرب الغائب وتطفى الأًشواق وتصل بالقلب الغريب إلى مبتغاه .. ها هى بوابة المعبد ترتفع لعشر خطوات .. ها هى نغمات تسابيح الكهنة وابتهالتهم تشنف الآذان .. ها هو نقش الربتين الحاميتين " ياتشت " و " نخبيت " تتضح تفاصليه .. ها هو القارب يرسو فى الميناء المقدس .. لقد أصبحنا فى مدينة النور .. دقات قلبى تتسارع .. أهتف من الأًعماق .. يا الله .. يا خالق الوجود يارب . حملت الثوب الكتانى الجديد .. والصندل الأًبيض المطهر وإنائى العطر والبخور .. وساق خدامى الكبش الأًشهب المسمن .. وحملوا سلال الكعك والفطير الطازج وأقفاص الفاكهة الممتلئة ببشائر ثمرات الحديقة . إنه اليوم الذى عشت من أجله .. لقد أمرت .. فأطعت’ .. وطلبت فاستجبت’ وستنظر لما أحضرت . استقبلنى الكاهن المناوب أمام البوابة يبتسم ابتسامة ترحاب عريضة. قال : جئت فى موعدك يا آن نفر حتب . قلت : وهل أستطيع التأخر عن مولانا . لقد أحببت فاشتقت .. فواظبت لعشرات السنين على أن أشارك فى موسمها .. موسم الربة " باست " أتبرك بأعتابها .. أجثوا تحت أقدامها وأغذى القلب بكلمات مواعظ خادمها الأًعظم. قادنى عبر الحديقة الواسعة .. يا للسعادة .. لقد رضت عنى فاخترقت حجبها .. لقد نظرت لما أحضرت ففكت إزارها .. وها أنا أقف على شاطىء بحيرتها المقدسة أغتسل من مائها الطاهر ثلاث مرات وأتمضمض بنطرونها ثلاث مرات .. وأضع الزيت الالهى خلف أذنى .. أرجل شعرى وأرتدى ما أحضرت من ثياب ثم أتبعه طاهراً مطهراً إلى مقر صاحب القداسه . كنت أسير خفيفاً طرباً كما لو كانت أجنحة " حيروخوتى " قد نبتت حول صدرى .. ما أحلى الانتصار .. كنت أبحر كل طلعة هلال قاصدآ معبدها حاملآ هداياى .. مع كل أوبة كنت أعود خائب الرجاء .. حتى نظرت لما أقدمه .. فأوحت لخادمها الأًكبر أن يقابلنى ويرعانى .. ما أحلى الانتصار .. لقد آن للقلب الغريب أن يبلغ حماه .. وللشاة أن تنعم براعيها .. وللبذرة المغروسة فى عمق الحقيقة أن تؤتى ثمارها .. ياالله .. يا خالق الوجود يارب .. يسر ولا تعسر واجعلنى من عبادك الأبرار ساكنآ فى قاربك للأًبد .. للأًبد.. للأًبد. الحجرة واسعة ذات إضاءة معتمة .. رطبة رغم حرارة الطقس حوائطها بنيت من حجارة الأًزل .. تزينها رسوم لم أر صنواً لجمالها .. تتناثر بها مناضد صوانية محملة بأكوام الكتب والتمائم والأًحجبة والجعارين . عندما رأيتة لأًول مرة كان يقف بصحن معبدها ، يعظ بكلمات تنقش على قلوب السامعين تضوى إلى أبد الآبدين .. همت به حباً .. آمنت بكل ما نطق وددت لو أقضى ما تبقى من أيامى الزائلة أتبعه ... أنهل من علمه .. أتبرك بما يدوس عليه من تراب .. أخدمه .. أتزود من ضياه .. كان يقول : " أيها الأًحباب .. لقد أراد – من وسع برحمته الكون - .. أن يضم تحت عباءته النوارانية كل الأًبرار من خلقه .. إن قارب " ملايين السنين " الذى لم يبحر فيه منذ زمن رع إلا آلهة وملوك من نسله .. سيدخله اليوم من استطاع منكم أن يكون من المطهرين .. هؤلاء الذين عرفوا السر وما يخفى ، هؤلاء الذين دانت لهم كلمات القدرة والأًسماء المحفوظة فى الستر وكانوا فى حياتهم مقسطين .. هؤلاء الذين رضى عنهم فنظر فى وجوههم فنعموا . بنوره – سبحانه – فأصبحوا من النورانيين .. من جعل منكم الضياء طريقه .. وحفظ ودفن على سنة بارئنا المفدى .. فسينعم بحياة البهجة والحبور يضوى فى الأًعالى مكتسياً بحلة من نور .. طعامه نور .. شرابه نور .. يحيطه من كل جانب نور .. نور على نور للأًبد .. للأًبد .. للأًبد .. " منذ ذلك اليوم سيطرت علىّ رغبة عارمة فى أن أكتسب الخلود النورانى أتبع بارئى وإلهى حيثما ذهب .. أبحر فى معيته .. أموت عندما ندخل أرض الظلمات بالتيوات .. وأولد فى الأًفق عندما يولد .. أسعى فى بحار الضوء .. أنعم بالطمأنية والأًنس .. أحيا حياة الآلهه والملوك ... وهكذا أصبح شغلى الشاغل أن أؤمن لنفسى مكانا فى قاربه مهما عانيت . سبحانك أنت الذى تقدر وتهدى .. ولن يخيب برجائك المهتدون . جلست على الأًرض اللامعة النظيفة أفكر فيما سأقوله .. كان القلب يقفز فرحاً أو خوفاً .. والريق قد جف فابتلعت بصعوبة ما تبقى منه . لقد قال إمامنا : " الأًبرار منكم " لذلك سأقول له : " لقد كنت دائماً صالحاً تقياً .. أعطيت خبزى لكل الجائعين .. وكسوت من كان عرياناً .. وتسببت فى أن تمتلىء شواطىء النهر بقطعان الماشية الكبيرة .. والسهول بالصغيرة منها . وأشبعت باللحم الطازج كل من اشتهاه حتى ذئاب البرارى وجوارح الطير .. ولم أظلم ضعيفآ أو قويآ حتى أجعله يشكونى أو يدعو علىّ . لقد قلت الصدق .. ونطقت بالعدل والحق .. وأحسنت للأًرامل وذوى القربى واليتامى بما فى حظائر ماشيتى وما فى مساكن صيادى الطيور .. وكنت محبوبآ من والدى .. ممدوحاً من والدتى .. سامى الخلق مع أخى ودودآ لأًختى .. وأديت الطقوس جميعا .. وتعلمت الحكمة من الكهنة وحفظت أسماء الآلهة .. واكتسبت المعرفة من الكبير والصغير .. فمن هذا الذى يحق له أن يحتل مكاناً أعز من مكانى فى قاربه ؟. ظللت أردد ما فكرت فيه ، أجود من نطقه وأعدل من ألفاظه حتى غمر الحجرة سحابات ورائحة البخور العطرة.. وتبدى وسطها نور عظيم يتوسطه إمامنا وكاهننا الأعظم .. فسجدت قائلأً : المجد لك أيها القوى القادر خادم العتبات الشريفة . فوضع كفه المبارك فوق رأس ورد قائلآ : انهض يا آن نفر حتب .. انهض يا بنى فهم راضون عنك وأنا راض عنك . اهتز كيانى .. حاولت أن أتحكم فى دفقات السعادة التى عمت جسدى ولكنها ظهرت فى صوتى : يا بشير السعد أدام رع عزك وجعلك فى أفضل حال . ما الذى دفع بك إلينا ؟. اليقين .. اليقين يا صاحب السعادة .. أبحث عن اليقين . هو كالنور يتسلل الى قلبك يضيئة فلا تشعر إلا بنعمته . يقولون أنه لن يبحر فى قارب ملايين السنين إلا آلهة وملوك . ومن حاز رضاه من أبرار خلقه . يقولون أن لهم النور ولنا حقول الأًليسيان. أفك وضلالة . يقولون أننى لن أبحر معهم. علم هذا عند " تحوت " علامّ الغيوب . كنت دائماً تقياً .. أعطيت خبزى لكل الجائعين ... قاطعنى سعادته برفق غير سامح لى بالاسترسال : أعرف هذا يا آن نفر حتب .. وهم أيضاً عارفون . دلنى على الطريق يا مولاى . الطريق واضح لا يحتاج دليلاً .. سلح نفسك بمعرفة الناموس . وأمن دفنك ليصبح على سنة إلهنا الشافع . أوصى بما يكفى من تركتى لكفنى ولبيت آخرتى ولحراسته من البغاة . أما المعرفة فكيف السبيل .. السبيل .. اليها ؟. رد بصوت يفيض حبا .. يفيض رقة وحناناً .. : عندى مراداك وما تبغى .. عندى مرادك يا آن نفر حتب . خادمك يرجو عطفك ويطمع فى إحسانك . - عليك بسفر " ماذا يحدث هناك ؟ ". - أغثنى يا من فداك أبى وأمى . لحسن حظك متوفر لدينا الآن نسخة طيبة كتبها تحوت بأصابعه ، شرح بها كل الخطوات التى سيخطوها المحظوظون فى ملكوته ، وذكر بها الأًسماء المستورة مبوبة بحيث يسهل معرفتها وذكرها . يا بركة الالهة .. امنحنى إياها جزاك "رع" عنى كل خير . إن ثمنها ريع خمسمائة هكتار مزروعة فاكهة تنفق على خدمته . هذا ثمن لا يقدر عليه الا ملك متوج على الارضين . هناك نسخة اخرى اقدم رسمتها " ماعت " من أجل آمر المقاطعة يمكننى أن أعطيها إياك مقابل ريع ثلاثمائة هكتار فقط . خادمك فقير يا صاحب الجلال المقدس . ثم بدأت ابكى حظى العاثر .. لقد تبخرت احلامى .. لكن الرجل الطيب قال مبتسما : لا تيأس يا بنى ..ماذا بوسعك دفعه ؟ ريع مزرعتى حتى رحيلى الى الرحاب الالهى . انت عبد طيب يا آن نفر حتب .. سنعطيك مقابل هذا مخلصاً وافياً بطول ذراعين يحتوى على اهم الفصول ومنقوش عليه بعض الرسومات المنقولة عن نسخة أصلية ألفها " تحوت" ورسمتها "ماعت" ثم أنه ربت بكفه المقدس على رأسى فانزاحت الغمة وعم البشر والحبور . وقعت على وصية الدفن وبناء منزل الآخرة وحراسته .. وتنازلت عن ريع مزرعتى فاستلمت كنزى الثمين .. عدت به اكاد ان أطير فرحاً .. أتعجل يوم رحيلى الى رحابه الاعلى .. تفرغت من جميع مهامى زاهداً فى كل ما حولى إلا قراءة الاسفار وتلاوة الصلوات بالنغم الذى يكفل أفضل تأثير ، حتى تحققت من استيعابى لها .. فانتقلت لأعيش بجوار منزل آخرتى منتظراً ساعتى .
(2) يا إلهى يا محقق الرجاء .. يامجيب السائل المشتاق .. اشملنى بعطفك واجعلنى فى معيتك نور بين نورانيين . خرجت نفسى من الجسد المسجى ، تحوم فى بيت الآخرة وتسعى لرحلتها المقبلة نحو الخلود .. وكانت روحى تنظر بحب وأمل فى العودة للجثة المحنطة وفقاً لسنة الآلهة .. سعيدة بعد ان انجز الكهنة ما وعدوا . امسكت نفسى بقلبى وسفرى الغالى وعرجت الى السماء تبحث عن مدخل التيوات " لتنتظر إلهنا العائد من رحلته فتصعد إلى قاربه الالهى تعبر معه محيط الأخطار لتولد فى الصباح نورانية خالدة تضوى للأبد .. كانت هناك نفوس اخرى تعرج قبلها .. فتبعتها آملة .. حتى وصلت إلى بوابة الخلد .. كان الزحام شديداً إذ يبدو ان الكثيرين قد قرروا ان يؤمنوا لنفوسهم مكانا بين الخالدين . كان الطقس حاراً شديد الحرارة على نفس رقيقة مثل نفسى .. وهبت موجة هواء ترابية عاتية فأمتص جلدى المندى بالعرق كل ذرة لامسته من ترابها .. دفعتنى أكثر من نفس بفظاظة فأحدثت بى كدمات لا حصر لها . سبتَنى اكثر من نفس متزاحمة بألفاظ أرجو ان تعفونى من ذكرها - هل هذه أخلاق الأبرار المطهرين ؟ - لقد كانت تصيح جميعها ، وكان ثعبان الحراسة الواقف على زبانه أمام البوابة يطلق عليها من فمه لهبا قوياً فتتراجع مبتعدة .. لقد فشلت جميعها فى الوصول اليه ، ومن استطاعت تعثرت فى النطق باسمه بالطريقة الصحيحة رغم انها كانت تحمل مخلصات تشبه تلك التى معى .
كدت ان أيأس .. حتى حدثت معجزة .. لقد ظهرت نفس نبيلة واثقة تضوى مثل نجم صغير .. وقفت للحظات حائرة ثم نظرت فى كتابها .. الذى لا يشبه أسفارنا – ثم نطقت بكلمات مقدسة فانشقت الجموع لنصفين كما لو كان ألف جندى من جنود فرعون يقفون بحرابهم أمامها . وبدى طريق واضح ممهد .. سارت فيه النفس السامية بكبرياء وتؤده حتى وصلت الى باب الخلد .. ابتسمت بثقة للثعبان الحارس ونطقت باسمه فانزاح عن طريقها .. كنت أتبعها ملتصقا بها كظلها .. فألهمتنى الآلهة أن أخطو خلفها بسرعة .. فوجدتنى بفضل " باست" أتخطى الحارس – الذى عاد لسيرته الأولى فى إطلاق النار – وأدلف الى المكان المحظور . قفز قلبى بين جناحى طرباً .. لم أكن أتصور أبداً ان الآلهة سوف تيسر لى امرى هكذا .. أبطأت أدباً كى لا أزاحم من كان لها الفضل فى نجاحى .. ولكن عندما بدأت أخطو للداخل مستبشراً هاجمتنى رائحة نتنة .. تشبه بقايا الطيور البرية على الروابى .. لا .. بل كانت تشبه رائحة شادر سمك الميناء القديم فى يوم قائظ .. أو .. رائحة خفافيش الكهوف المظلمة .. أو ربما كانت هذه الروائح مجتمعة معاً . عندما دققت النظر فى المكان عرفت السبب .. لقد كان هناك حوالى اثنين واربعين كائناً ذوات رؤوس حيوانات مختلفة تبرز من افكاكها أنياب حادة وتلمع جلودها بألوان زاهية وتحمل بين مخالبها أعلاماً . وبيارق .. وتماثيل رموز وشعارات اعتقد أنها تمثل مقاطعات الوطن . كدت ان اتراجع وأعود من حيث أتيت .. لم يكن هذا ما وصف فى سفرى المقدس .. لقد كانت قاعة واسعة لا يمكن للبصر مهما اوتى من حدة ان يرى نهايتها .. على جانبيها مدرجات ضخمة ضخامة بيوت الآلهة تجلس عليها تلك الكائنات النتنة .. وفى المماشى الواسعة تتحرك باصرار ودأب كائنات اخرى قزمية تنفث من مباخرها – التى تهزها بشكل رتيب – سحابات رمادية كثيفة تملأ الفراغ فتعجل منه مكاناً يشبه كوابيس الليل ... كانت الكائنات تزأر بفرح جنونى وتهتف بهتافات غير مفهومة تخلع القلوب وهى تودع النفس السابقة لى .. فأسقط فى يدى .. لقد حان زمنى .. وأنا لا أعرف أين دخلت ؟ .. فاجتاحنى رعب مزلزل .. شعرت بدوار وضيق فى التنفس كما لو كنت أصعد جبلاً عاليا كانت النفس النبيلة تنحنى امام إله يعتلى عرشه ملفوفاً بأربطة التحنيط الكتانية تخرج منها يداه يمسك بإحداهما صولجاناً وبالاخرى علامة الحياة .. لم يوصف هذا فى كتابى .. كان هناك ميزان ضخم يتوسط القاعة يقف أمامه تحوت مهيباً بيده لفافه بردى وبالاخرى ريشة كتابة ويحيطه عدد من الكائنات الالهية المساعدة ، اختلط على الامر .. فارتبكت وتعطل قلبى عن الفهم والتدبير . نظروا اتجاهى تكلموا معاً بعبارات لم أسمعها..تحرك على أثرها – برشاقة مصارع واثق – اله له رأس ابن آوى قاصداً إياى .. فلمعت أضواء قوية تركزت على عينى وشعرت بحرارة أشعتها تحرقنى كما لو كان "رع " قد تبدى وحط بنفسه فوق رأسى .. تفصد العرق غزيراً من مسامى وتقطعت احشائى وشعرت بدوار ورغبة فى الغثيان . صاحت الكائنات المحيطة بأصوات مدوية عندما اقترب ابن آوى منى فقال هامساً : من انت ؟ أنا آن نفر حتب ابن نيت بنت نفرتارى . رد وهو يقلب فى صحائف البردى التى يحملها : لم يبلغوننى باسمك !! كيف دخلت هنا ؟ فى صحبة النفس التى سبقتنى إليكم . هز رأسه بفهم وقال بنفس النبرة الهامسة : آه تسللت فلم اجب .. اكتفيت بان ألوح امامه بسفرى الغالى .. باضطراب واضح . - ماعلينا ما اسم إلهك يا آن نفر حتب ؟ قلت بثقة : الاله الأعظم من كل إله .. رب البشر والوجود رع حيرو خوتى . قال مبتسما بخبث بعد ان ادرك غفلتى ولكن هذه قاعة اوزيرس ملك العالم السفلى والموتى ورب حقول الاليسيان . لم اكن انتظر هذا ابداً .. لقد كنت من عبدة اوزيرس فى صباى وشبابى ولكننى تحولت عنه الى دين الاله الشمسى "رع" بعد ان زرت بوباست وبهرتنى فكرة الوجود النورانى .. فاخلصت لها مقتنعاً أنها الحق بعد أن مججت حقول الاليسيان التى يكرر فيها الابرار حياتهم السابقة .. مستهدفاً ان أصبح نورانياً سماوياً علوياً مثل باقى شيعة رب النور . ياضيعتى .. ما الذى قذف بى عند اوزيرس ؟ ظللت أقلب بارتباك فى صحيفة البردى أبحث عن لا شىء .. فاختطفها رأس ابن آوى منى ، نظر إليها باحتقار ثم قذف بها على الارض مزدرياً . قال: ما بالك لا تخف .. ان اوزيرس رؤوف بعباده ولا يحمل إسراً على شياهه الشاردة . ثم اردف بحزم : حسنا يا آن نفرحتب .. هل تعرفنى ؟ رددت بخبث لم ينطل عليه : اعرفك بالطبع اعرفك ... أنت شخصية عظيمة فى قاعة العدالة هنا . رد بحدة غيرمتوقعة رافعاً صوته قدر إمكانه : وانت دجال مشعوذ ...صابىء جئت بالخطأ هنا .. ثم اردف: أهكذا تواجه قضاتك يا ابن الارض السوداء .. تترك دينك ودين آباءك واصلك وتنتمى لدين الغرباء. لحق به آخر على هيئة ثعبان ضخم له أربعة اقدام بشرية فقال : هو حيضحك على مين ابن .. ثم سبنى بامى وأردف : هؤلاء هم دجالو آخر الزمان الذين يبغون الخلود النورانى . ثار عنعن الكلب الذى له رأس قرد والذى كان يجلس باسترخاء فوق عارضة للميزان يرقب الحوار .. فاندفع بهياج تجاهى مشيراً بمخلبه حتى لامس أرنبة أنفى قائلاً : هذه النفايات التى ضلت وضللت يجب الا تأخذنا بها شفقة فليكن مصيره عبرة لمن اعتبر . اطلقت الحيوانات النتنة صفيراً طويلاً متصلاً .. لقد كانت تمثل هيئة المحلفين التى ستحاكمنى .. فارتبكت .. همس راس ابن آوى قائلاً : ارجع الى الدين الحق .. دين اوزيرس . فليعش اوزيرس وتاسوعه العظيم هو ربى ودينه دينى . هل تعرف الاعتراف السلبى ؟ .............. تقف امام كل محلف وتقول انى لم أقتل رجلاً .. انى لم اسرق .. انى لم اتلصص على جار .. انى لم اغتصب طعاماً .. ولكننى لارتباكى وسوء فهمى لم اتحرك .. ولم انطق .. فسألنى بصوت عال : يا آن نفر حتب هل تنكر انك خالفت تعليمات الناموس . لقد فعلت ما يحبه الناس وترضى عنه الالهة . فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ... فسال رأس الثعبان باستفزاز : يا انت ألم تكن فظاً غليظ القلب . لم ارتكب اى عنف تجاه البشر وكنت محبوباً ولم اجلد منذ ولادتى فى حفره موظف . فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع .. فسأل رأس القرد باستخفاف : لقد أكلت أكثر مما يجب حتى أصبح لك كرش !! اكلت من حلال مالى واعطيت للفقير خبزا وللعريان ملابساً .. وعديت النهر بمن لا قارب له . فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ... فسأل راس آوى مشجعاً : هل تذكر أنك بأعمالك كنت مكروها مبغضا ؟ كنت محبوباً من والدى ممدوحاً من والدتى يحبنى اشقائى وعشيرتى وكنت اقول الحسن من الكلمات واختار ما هو محبب منها لمن يسمعها ولم انطق بالفاحشة او بسوء لصاحب سلطان ضد اى إنسان. فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ... فعاد رأس القرد لتهكمه : لقد شربت أكثر من المقدر لك!! شربت من ماء النيل بما أفاء على به حابى ولم أمنع المياه عن أوقاتها . فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ...فعاد رأس القرد فى تهكمه : لعلك تزوجت أكثر من اللازم!!. برضائهن ولم احرمهن الغذاء او الكساء وأفضت عليهن بالعطور والدهون فكن سعيدات .. راضيات ممتلئات !! . فضحك المحكمون ضحكات عاليه وقد بدأو يميلون تجاهى .. ولكن رأس الثعبان فاجأنى منفعلاً : إذن ماذا سرقت ؟ فعم القاعة الصمت كأن على رؤوسهم الطير .. أكمل بسرعة : لا تحاول ان تقنعا بأنك لم تسرق .. ملامحك هى التى حددها حكيمنا كاجيمنا منذ الأبد للمجرمين . تدخل رأس القرد مكملاً : لا تنكر ولاتحاول خداعنا بأنك من شواذ القاعدة . فطريقة تسللك لهنا ورجوعك عن دينك متذبذبا بين اوزيرس العظيم ورع تؤكد ما نقول . صفق المحلفون بشدة وتعالت صيحات الاستحسان حتى ضاع ردى المستسلم وانا اقول " اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين " وسط الضجة غير المحتملة .. فانسحبوا جميعا تاركين نفسى مسلسلة وسط القاعة .
(3) خلت القاعة من شاغليها فلم يبق بها احد عداى ... هدأت نفسى ... سكن قلبى بين جناحيها فتكلم .. وقفت بالباب الموصود .. أخطأت طريقك – ما فى ذلك شك – ولكن لفرط حماقتك تسللت ؟ .. كان من الواجب ان تتحقق الى اى مكان تقودك رجليك .. كان من الواجب ان تسأل هل أقف على اعتاب التيوات انتظر اوبه إلهى ... لقد ضعت واضعت .. لقد ضعت واضعت الحلم فلا انت مستعد للمثول أمام الاله البشرى .. ولا انت قادر على الفكاك للحاق بالقارب الالهى .. لقد ضعت واضعت ما تمنيت وما رجوت ... ولم يعد امامك اختيار .. ستذهب الى حقول الاليسيان تعيد سيرتك الاولى .. تمتلك الارض إذا أراد ربها .. تروى تزرع .. تحصد تطحن .. تأكل .. تشرب .. تدافع .. تحب .. تكره .. ترضى .. تغضب .. تعاقب .. تعاقَب .. تحيا فى ملل .. تتكلم بملل .. تشارك بملل .. تصلى بملل .. لقد ضعت واضعت ما تعلمت .. وما عليك الآن إلا ان تحفر فى الذاكرة عن القصص القديمة عن الصراع عن قتل الاخ عن تمزيق الجسد ونثره فى الاصقاع عن حب الأخت ورحلة البحث .. أين هذا من نورك ياإلهى .. من سموك ونقاءك وطهرك .. إلهى يا مفرج الكروب يا كاشف غمة القلوب يا سامع الهمس الحزين مهما بعدت ... ياعالم بذل الاسير مهما شرقت أو غربت ، انقذ النفس المسكينة التى تعيش على نورك .. ارفع عنها ما ابتليتهـا به .. امح نارهم ونيرهم ورد الى نحورهم كيدهم ... وغلهم ... واكرمنى برضاك .. واسعدنى بلقياك .. إلهى لقد سمعتهم يقولون أخطأت وما أخطأت .. وصبأت وما صبأت .. وضللت وهم الضالون فى جهلهم يعمهون وفى غيهم سادرون وعن بهاء نورك عميت عيونهم فهم عمى لا يبصرون . إلهى أضعت بنزقى الحلم فلا تغضب ، ووقفت بالباب كالاصم فلا كلمات القدرة قلت ولا بالاسماء المستورة نطقت .. إلهى يا من سعيت إليه ولم يسع الى تاقت روحى لسموك وعطشت نفسى لمعين نورك .. فامنحنى عطفك ورحمتك إنك نعم المولى وخير نصير . عاد المحكمون فتوقفت عن مناجاتى اتطلع للمصير .. اقترب ثعبان مجنح له رأسان يسير على اربعة سيقان آدمية ... وبعد ان حيا برأسيه قال لى بلطف : ياآن نفر حتب .. لقد قررنا ان نختبر قدر إيمانك بالرب إلهك أوزيرس . ......................... اخلع عينك يا آن نفرحتب . ......................... ألست على دين أوزيرس .. ألا تسترشد بما فعله ابنه حورس ؟ ......................... الأبرار يقدمون لإلههم أغلى ما يمتلكون . .......................... سيسؤك ما سيتكشف أمام قضائك . .......................... ألتفت تجاه القضاة المحلفين برأسيه وقال : ياحماة العدل والفضيلة .. يا من تظلكم ماعت بريشتها .. ياقضاة ربنا الاعظم أوزيرس .. أنظروا الى هذا المرتد الصابىء عن دين أجداده .. وكيف ترك زوجته وبنيه .. وماذا بسببه يفعلون . فتجسد أمامنا بيت آخرتى وقد تسللت إليه زوجتى ومعها ابنى وابنتى وشخص غريب .. كانت قد فتحت الناووس الذى تحفظ فيه جثتى وتقلب فى جوانبه اما ولدى والغريب فكانا يعزقان أرضية المنزل بينما تدق الفتاة بكفها المضموم على الحوائط .. ثم جاء صوتهم . قالت الزوجة : اين خبأ ثروته ، أكل " آموت" قلبه . قال الفتى : لن تجدى شيئا .. لقد حلبه كهنة الضلال . قالت الفتاه : ويتركنا لعنة اوزيرس أينما كان – دون غلة أو زيت . ثم ان الفتاه وامها امسكتا بجسدى المحنط وطوحتاه خارج الناووس .. فأستدار الفتى إليه وقطع قدميى..فصلهما عن الجسد ثم قال مخاطباً الفتاة: حتى لا يعود فيقضى على ما تبقى. قالت الفتاه : لن يجد له مكانا فأنا وزوجى فى سريره . قالت الام : لن يعود أبداً .. ولن يخيب لكاهنة ربة الوجود رجاء . ثم أشارت الى نفسها بثقة فضحكوا جميعاً . هومت روحى وجلة حول جسدى المسجى على الارض .. ترى ماذا فعلت كاهنة الإفك .. زادت نفسى التياعاً وخوفاً وقال قلبى " اللهم اغفر لهم فهم لا يعلمون " استدار الثعبان تجاه القضاة وقال : يا قضاه اوزيرس .. يا رجال ماعت امامكم حالة نادرة لم تشهدها قاعتكم المقدسة من قبل .. فهذا الصابىء الآثم الضال عابد الآلهة الغريبة .. جاء الى ساحتكم بغيه .. بعد ان خالف زوجته وابناءه .. اصدقاءه واحبابه .. اهله وجيرانه واضاع ثروته وما ورث عن ابائه واجداده على ترهات كهنة الإفك والضلالة فباعوه الوهم بأغلى ثمن باعوه الخرافة بهناء واستقرار عائلته فتركهم – كما رأيتم – يتضورون جوعاً والآن .. وبعد أن قال أن الرب أوزيرس إلهه يبخل على الآله الحق بقربان ضئيل فيصمت ويجرن مثل خنزير صغير يسوقونه من تحت ثدى امه للقصاب .. فماذا ترون فيه ؟ صاح من كانوا باليمين : الصابىء جزاؤه النار . ومن كانوا باليسار فالنحرقه بالزيت الحار . فأطلق فى اتجاهى شعلة نار من فمه ومن الآخر سيلاً متدفقاً من الزيت المغلى ولولا رحمة إلهى الذى جعلنى أتذكر وأتلو الرقية الحامية من النار فى الوقت المناسب لما اصبحت برداً وسلاماً ولا شتعلت نفسى وتشوهت . ياإلهى إلى متى سيحالفنى الحظ ؟ لو أنى برحمتك لم اجد مخرجاً فستحكم هذه الحيوانات النتنة فى غير صالحى فيندثر اسمى .. اللهم اشملنى بعطفك سبحانك انت الذى تقدر ولا يقدر سواك ... سبحانك أنعم على بأن أرى نورك .. ارتوى من ضياك .. وانطلق حراً فى محيطك الأزلى أضوى فتبتسم الشفاه . اقترب فرس نهر سمين تصاحبه انثى فرس نهر صغيره تبكى بحرقة .. فقطعا مناجاتى .. ابتسم ابتسامة لزجة غمز لى بعينه ثم نطحنى فى بطنى على حين غفلة فصرخت ألماً وابتسمت صغيرته ثم نطح مؤخرتى فتأوهت بشدة واتسعت ابتسامة الصغيرة ثم نطح صدرى فزعقت بأعلى صوت فقهقهت الصغيرة فقال الحمد للرب تستطيع ابنتى الآن ان تنام قريرة العين . ماذا حدث لهم ؟ ألا يوجد بينهم كائن عاقل !! تحرك تحوت فى اتجاهى بهدوء .. فاستبشرت خيراً .. تحوت يا قائد قارب الرب رع .. يا مخطط مساره يا قلبه ولسانه .. هل ارسلك ربى لتكون السبب فى نجاتى .. ياإله الرحمة .. يا عالم بما يعانيه عبدك الاسير .. اجعل كلمتك تحوت رفيقاً بالقلب المسكين . أخذ تحوت قلبى من نفسى بغلظة .. فنبض القلب بين كفيه مرعوباً وانزوت النفس تهمس بصوت خفيض " ياقلبى يا من اتيت به من عند امى .. يا قلبى الخاص بكيانى .. لا تقف شاهداً ضدى .. لا تعارضنى فى المجلس واظهر حكمتى وتقواى وعلمى .. ودلل على براءتى وطهرى .. " . ارتفعت الاصوات حولى .. بدأ بعضهم يقذفنى بالحجارة والخضروات التالفة والبيض .. بعد ان أعلن تحوت الذى لا راد لكلماته ان شيئاً غريباً قد حدث لا يملك له تفسيراً .. فلقد جاء قلبى أخف من ريشة الميزان .. وهو الأمر الذى لم يحدث أبداً فى هذه القاعة مما يوحى بأن هناك سحراً مالا يعلمه .. خسئت ايها المزور .. فتحوت يعلم السر وما يخفى .. تحوت يعلم أن الابرار قد تكون قلوبهم اخف من ريشة ماعت .. خسئت أيها الكاذب أنت لست بتحوت انت تدعى شكل الاله الكريم .. أيها القاسى ترفق .. أيها المخادع ارجع .. وقذف تحوت "الدجال" بقلبى الى الحيوان الذى له رأس تمساح وصدر أسد ومؤخرة فرس نهر – آكل القلوب آموت – وأسرعت أحاول أن ألتقطه قبل أن يلتقمه الوحش المشوه .. ولكن لم يكن لى قدمان .. لماذا يا بنى ؟ لماذا قطعتهما ؟ ألم تذكر اننى حملتك يوماً ألم تذكر أننى لاعبتك يوماً لماذا تقضى على ابيك .. فسقطت فى مكانى وكأنما كانت سقطتى هذه إشارة لهم فهبطوا من مدارجهم للقاعة يصخبون الاثنان والاربعون محكما يصدرون ضجة كجيش جرار .. ثم بدأوا ينظمون أنفسهم فى طوابير متوازية وينظرون تجاهى شذراً .. كان بيد كل منهم سلاح يختلف فى شكله أو حجمه عن أسلحة الآخرين .. ثم بدأوا يرددون تراتيلهم ويتحركون على وقع أرتامها .. شعرت برعب شديد حتى أننى بلت دون ارادة فى مكانى .. ظلت دائرتهم تضيق من حولى وتضيق وتضيق كانوا يتكلمون معا فى نفس اللحظة فيتضاعف اللفط .. وجاءتنى كلماتهم .. مختلطة .. مختلطة .. مختلطة فارتعش الجسد كأن جيشاً من النمل قد اخترقه . توقف قائدهم أمامهم وصاح مخاطباً إياهم : ياآكل الدم الذى خرج من مكان الاعدام . يا محتضن اللهب . يا آكل الظل الذى خرج من الكهف . يا كاسر العظام . يا كل من آمن بأوزيرس مجده الأبدى .. آن الاوان للتقطيع . اريد ان أعرف على وجه اليقين نوع دمه .. قدرته على الانجاب .. سلاسل تطوره الأفقيه والرأسية .. الأساسية والفرعية .. ومصدر إفرازات كبده ومعدته وطحاله ودرجة لزوجه دموعه ولعابه .. والمدى الذى تصل إليه ضحكاته وأناته .. بالتفصيل .. بالتفصيل .. بالتفصيل فهو وغد ولا نريد أن نجد بيننا بعد اليوم أوغاداً ...هجم على اكثر من كائن .. قلبونى رأساً على عقب .. علقونى فى سارى علم ثبتوا ساقى فى قمته .. بدأ بعضهم يجدل خصلات شعرى ويربطها بخوابير خشبية مثبتة فى قاعدته .. أحدث أحدهم عدة ثقوب فى جسدى .. بدأوا يجمعون الدم فى أوان فخارية ضخمة شعرت بالألم يسرى فى كل أجزاء نفسى .. ثم بإعياء واهتزت الصورة أمامى فقلت يا إلهى يا باعث ضياك ألن أرى بهاك .. يا إلهى يا مصدر الدفء ألن يشعر جسدى بحرارة اياديك .. يا إلهى يا نور الوجود الن يعرف قلبى الحزين ... ثم فقدت الوعى . (4) بعد زمن لا تعرف مداه إلا الآلهة .. تنبهت .. كان المكان غير المكان وفى الغالب الزمان غير الزمان .. كنت محبوساً فى صندوق زجاجى .. أرقد على ظهرى بدون قلب بدون دم .. بدون إحساس .. بدون سبب . وكان هناك كثيرون يدورون حولى .. ينظرون .. يتعجبون .. يتكلمون بكلمات غير مسموعة .. كانت لهم ملامح البشر ولكنهم ليسوا ببشر .. عندما لاحظوا أننى قد أفقت .. ذعروا .. هربوا من حولى كالمجانين .. فخلا المكان . كان هناك كثيرون مثلى يرقدون فى صناديقهم الزجاجية .. وكانت قدماى قد أعيدا لجسدى ولكن خلف خلاف اليمنى مكان اليسرى والعكس .. وكانت روحى بعد أن ضلت وسافرت ورحلت وغامرت وأضطربت قد وجدت جسدى الارضى فسكنت فيه فوعيت . عم الظلام .. ولكن بعد فترة جاءت إنسانة تميل الى السمنة يتبعها عملاقين اسودين فأضاءت المكان بنور غريب .. فتحت الصندوق الزجاجى .. قلبت فى جسدى عدة مرات بجراءة .. فكت بعض من تلافيف كفنى .. أخرجت رقية مكتوبة على ورق البردى .. ابتسمت .. ناولتها لأحد العملاقين الذى قرأ ما خط فيها بصعوبة .. "سمبوا حرا .. اف حرا آدى تف .. مينى سوا واساتى آن بو – تو .. فلتته نفسك الآثمة فى الأعالى .. فلتتعذب روحك العاقة فى بيت أبديتك لا تسكن إلا بعد ألف عام .. فليختف ظلك من الوجود .. فليأكل آموت قلبك العنيد .. فلتقطع آلهة القصاص جسدك .. ولتبق هكذا فوق ظهرك أيها الشرير للابد جزاء وفاقاً على ما اقترفت . عندما انتهى من قراءة الرقية عرفت سبب شقائى .. إنها الساحرة الشريرة زوجتى كاهنة ايزيس العادية لى فى الا رض والسماء .. هى .. هى .. التى دست بين طيات غطاء جسدى الأرضى كلماتها فضللتنى. يا إلهى يا ارحم الراحمين يا رب هذا الكون وسيده هذا هو نصيبى وانا أرضاه .. هذا هو قدرى وما تراه .. هذا هو امرك وحكمك فمنذا الذى يمارى فيما أمرت وحكمت . فليبق جسدى آية تحدث .. ولتسعد روحى بنورك يطل عليها فى بيت أبديتى الذى اخترت .. كل يوم للأبد للأبد .. للأبد سبحانك... إنك الرب الحق مهما افك المجدفون .
1/5/1990 14/9/1991
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظر في مرآة مسطحة
-
للكون(جينوم ) يحمل جينات الوجود
-
أبناء عبد الوهاب،في معبد الكرنك .
-
5 يونيو ..سكون ..ثم للخلف در!!
-
الفريق مرسي..نموذجا لازال قائما .
-
هل يمكن(هكذا) أن نتعايش دون تدمير !!
-
الخلل الايكولوجى في إستبعاد المسيحين.
-
هل تخيلت أنك أسقطت الوزير !!
-
حوارحول محنة العمل في بلدنا !!
-
أوهام العداء و نصف قرن من الغفلة
-
الاستاذ حسين سالم .. وأنا.
-
لو حظا تعسا جعلني رئيسا للوزراء .
-
العثمانيون سفاحون لم يهذبهم اتاتورك .
-
حرب العصابات ودفاعات اللوياثان.
-
الفساد والحلول الرقابية الامنية .
-
أشعر بالخجل كلما رايت رجلا يقهر إمرأة
-
في بلادى،الفتاكة كنزلايفني
-
في صدرى وطن ينتحب .
-
قراءة في تختة رمل مارس 2015 .
-
متخلفون ولكنهم ليسوا بمجرمين.
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|