|
ماذا عن سنغافورة يا فوكوياما!
بوناب كمال
الحوار المتمدن-العدد: 4859 - 2015 / 7 / 7 - 00:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كونه أحد أكبر مهندسي مشروع " القرن الأمريكي الجديد" وأحد الوجوه الأكاديمية البارزة في مناصرة البرنامج السياسي للحزب الجمهوري ، طرح "فرانسيس فوكوياما" Francis Fukuyama سنة 2014 كتابه المثير للجدل " النظام السياسي والتآكل السياسي: من الثورة الصناعية إلى عولمة الديمقراطية" حيث وضع فيه تصنيفا معياريا ثلاثيا لأنواع الدول: ـ دولة قوية وثرية دون ديمقراطية فهي دكتاتورية مآلها الانهيار المحتوم ـ دولة ديمقراطية دون أمن هي دولة ديمقراطية مهددة بالانهيار ـ وأخيرا، دولة ثرية، قوية وديمقراطية فهي مهددة بالتآكل وليس الانهيار، لأن الديمقراطية حسب فوكوياما هي " نهاية التاريخ". بملامح وجهه الأسيوية الخالصة، لا ينفك فوكوياما إلا على التخندق في إبداء الولاء الأعمى لليمين الأمريكي، متحديا مرة أخرى تأثير التراث الإمبراطوري الياباني القديم على فكره ونسقه العقيدي، ولكن هذه المرة يبدو أن " المأزق الفكري" في كتابه قد ظهر وبان بما لا يدع مجالا لارتقاء الشك، معضلة فكرية تجلت في طرح أحادي يتحاشى عمدا الغوص في مساويء الديمقراطية بمفهومها الأمريكي ويُسفّه ، دون أي مبررات علمية ، تأثير باقي الثقافات والحضارات على مختلف البنى الاجتماعية والسياسية، وإلا كيف يفسر لنا " فوكوياما" خصوصية العولمة، التنمية والديمقراطية في دولة سنغافورة: القوية والثرية ولكنها "دكتاتورية" بمعايير أمريكية؟ عندما حصلت سنغافورة على استقلالها عن ماليزيا عام 1965 كانت دولة فقيرة متقلبة عرقيا ومستضعفة إستراتيجيا، ونقطة متناهية الصغر مثبتة على الخريطة بين ماليزيا وأندونيسيا. تمكنت سنغافورة في وقت قياسي من تسجيل واحد من أعلى معدلات النمو الاقتصادي المستدام، وراكمت أكبر قدر من الاحتياطات الأجنبية في العالم، وتعد واحدة من البلدان الخمسة والعشرين الأكثر غنى في العالم، والأكثر تعليما، وهي في نظر المجتمع الدولي إحدى الدول الأقل فسادا. عمليا، تترادف كلمة سنغافورة مع العولمة، حيث أصبحت مركزا لتكرير النفط وإنشاء أجهزة الحفر رغم أنها لا تمتلك مصادر نفطية، وأصبح مركز " بيوبوليس" Biopolis للعلوم مصدر جذب للعلماء الغربيين. تميزت سنغافورة كذلك في إدارة الموانيء والتحكم بالبغاء والكازينوهات، ومن خلال شركة الدولة " نيماسيك" حصلت على أسهم هامة في تكتلات عظمى بآسيا. رغم كل هذه المؤشرات فإن سنغافورة تصنف على أنها دولة " غير ديمقراطية"، حيث فاز حزب الشعب الحاكم (pap) بـ 82 مقعدا من أصل 84 في انتخابات 2006، ولدولة سنغافورة تقاليد كبيرة في قمع الأحزاب السياسية وتضييق حرية الإعلام، بل إن قادتها يعمدون إلى وضع المعارضين في مستشفى الأمراض العقلية بشكل مباشر. إلا أن نجاح سنغافورة الاقتصادي أدى إلى وجود قدر من الرضا الاجتماعي الذي قد يتيح لها تخفيف ضغوط الرابطة الأبوية وفتح صمام الأمان الاجتماعي، فالعالم الآسيوي يقوم على مجتمعات منفتحة تقودها حكومات منغلقة، أين تكون الديمقراطية وسيلة لبلوغ غاية وليست فضيلة كبرى، وعادة ما تتحدى عادات آسيا الكونفوشيوسية الفكرة الأمريكية لحقوق الإنسان، حيث تضع الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحقوق المدنية والسياسية. وهنا مكمن المفارقة، فالكونفوشيوسية تبقى ألد أعداء الغرب، لأن تقدمها يعتمد على المقدرة والعطاء الفردي لأفراد المجتمع، وهذه الفكرة متأصلة في كتاب " الجمهورية" لأفلاطون الذي يدعو إلى أن يتولى الحكم ملوك فلاسفة وحكماء، وهذا ما اعتمد عليه قائد نهضة سنغافورة " لي كوان يو" حين اعتبر أن الثقة والاعتماد على الذات هي مفتاح نجاح سنغافورة. ولأن الأمن هو الركن العتيد في الحضارة الديمقراطية حسب طرح فوكوياما، فإنه لم يستطع في كتابه الجديد التحرر من الطرح التقليدي للأمن الذي انحصر في المخاوف التي سادت الو.م.أ وحلفائها أثناء فترة الحرب الباردة تجاه المد الشيوعي المهدد للقيم الليبرالية، وهو ما جعل دراسته لا تخرج عن خانة الدراسات الأمنية " غربية التمركز" التي تقصي شريحة واسعة من الإنسانية ( الكونفوشيوسية على سبيل المثال لا الحصر) وتبني تصورا عنصريا للأمن.
المراجع: ـ Francis Fukuyama « Political order and political decay : From the industrial revolution to the globalization of democracy » ـ باراج خانا " العالم الثاني: السلطة والسطوة في النظام العالمي الجديد". ترجمة: دار الترجمة. ـ عادل زقاغ " إعادة صياغة مفهوم الأمن: برنامج البحث في الأمن المجتمعي"
#بوناب_كمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاقة السلطة بالمعرفة في أوروبا: من الصدام إلى الاحتواء
-
أسباب بقاء الممالك الخليجية من منظور كريستوفر دافيدسون
-
التدخل الإنساني: إعادة تسويق لنظرية الحرب العادلة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|