|
قراءة نيتشه لأطروحات أرسطو:
لحسن لحمادي
الحوار المتمدن-العدد: 4855 - 2015 / 7 / 3 - 21:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" في كل طائفة فلسفية يتوالى فلاسفة ثلاثة بالترتيب التالي: الأول يفرز المجانة والمني، الثاني يجعل من ذلك خيوطا وينسج نسيجا اصطناعيا، والثالث يترصد الضحايا الذين سيقعون في ذلك النسيج، ويسعى لأن يعيش من الفلسفة" ، ورد هذا في إشارة نيتشه للرجال الثلاثة سقراط الذي يفرز المني وأفلاطون الذي نسج منه شبكة وأرسطو الذي يصطاد ويسترزق من الفلسفة في إشارة لتدريس أرسطو للإسكندر المقدوني. يرى نيتشه أفلاطون بأنه رجل أرستقراطي كان ينتصر للتراجيديا والحياة، لكن سقراط هو الذي نقل إليه العدوى فأصبح جبانا وفر من عالم الواقع إلى عالم المثل، غير أن ظهور أرسطو كفيلسوف إغريقي مؤثر لا يكتسي ذلك السخط الذي عبر عنه اتجاه سقراط وأفلاطون، لقد قال أرسطو مقولته الشهيرة في معنى علاقته بأستاذه "أنا أحب أفلاطون، ولكني أوثر الحقيقة عليه" ، لقد بين أرسطو على مقدرة عالية على مناقشة أراء أفلاطون ونقدها، ولعل من الأمور التي يخالف أستاذه فيها بصورة شاملة هي تلك المتعلقة بنظرية العلاقة بين النفس والبدن وبالنسبة لأرسطو" تبدو النفس في معظم الحالات لا تفعل بغير البدن...وإذا كان هناك فعل يخص النفس بوجه خاص فهو التفكير. ولكن إذا كان هذا الفعل نوعا من التخيل، أو لا ينفصل عن التخيل، فإن الفكر لا يمكن أن يوجد كذلك بدون البدن" . وفي جانب آخر سنعرج عليه يرى أبيقور بأن تعاسة الإنسان ومرضه ناتج عن خوف الإنسان من الموت، والخوف من الآلهة وهي تسمى من الآراء الفارغة التي لا تعرف هل هي صحيحة أم خاطئة بينما السعادة في نظر الأبيقوريين هي أن تحقق ما هو طبيعي وما هو ضروري أو العلاج الرباعي: ـ لا خوف من الآلهة. ـ لا خوف من الموت. ـ يمكن تجاوز الألم. ـ ويمكن تحقيق السعادة. فالفلسفة التي لا تخرج الألم من النفس لا فائدة منها، فكيف يمكن تجاوز الألم وتحقيق السعادة، وهذا ما نعته نيتشه ب"العصر الشبقي"، فحسب نيتشه لا يمكن تجاوز الألم لأنه كامن في النفس، يعتبر نيتشهالأبيقورية والرواقية أنانيتين، فهو يعتقد بإرادة القوة بما هي تحرر وهذا ما جعله يتجاوزهم واعتبرهم عصور انحطاط وشبق، فنيتشه يعتقد بمسألة أن تكون نفسك وألا تكن غيرك، فكل عصر يعاني من ما يسميه بالثقافة العامة وحيت لا توجد حضارات ذات أسلوب حياة موحد لا تستطيع الفلسفة أن تعبر عن شيء.
أ ـ التراجيديا بين نيتشه وأرسطو: " يمكن الإقرار أن أرسطو هو أول الفلاسفة الذين تناولوا موضوع التراجيديا بالدراسة التحليلية والتفسيرية" ، لقد حدد أرسطو مجموعة خصائص أو مكونات أساسية للجمال بدرجة تضمن له الاكتمال في الشكل والاعتدال في الأسلوب، لذلك نجده يلح على أهمية الانسجام والتآلف والوضوح والكلية في الفنون الدرامية التراجيدية القائمة على أساس المحاكاة. فالفنون لها قيمتها العالية لأنها تصحح النقائص الموجودة في الطبيعة. لذلك اعتبر الجمال خاصية من خصائص العمل الفني أو الموضوع الطبيعي، وفي حديثه عن المأساة، وخاصية إثارتها للخوف والشفقة استخلص أرسطو مفهوم التطهير (Catharsis) والذي يتم بواسطة حالة انفعالية خاصة يحدثها العمل المسرحي كالذعر أو الرأفة، وهذه الحالة كما يبدو، ليس معبرا عنها في العمل كما ستزعم ذلك فيما بعد الرومانسية، بل هي في تقدير أرسطو وكذلك أفلاطون والكلاسيكية منتجة بواسطة أو محددة بسماتها الجوهرية. ولا تتولد هذه الحالة الانفعالية في نفس محايدة من الناحية العاطفية، بل إن كل شخص مهيأ فطريا لمعاناة تلك الحالة بحيث يكون "التطهير" ذلك الأثر الناتج عن توافق هذا الاستعداد الغريزي مع الحالة الانفعالية المترتبة عن تلقي العمل المأساوي. "يؤكد أرسطو أن المأساة يجب أن تكون لها بداية ووسط ونهاية، وقد يبدو لأول وهلة، أن هذه العبارة لا تضيف إلى معلوماتنا الكثير، غير أن المقصود منها شيء معقول تماما فلابد أن تكون المأساة نقطة بداية معقولة وأن تتطور بطريقة منسقة وتكون لها نتيجة حاسمة" . يتابع أرسطو إنجاز اكتمال مشروع أفلاطون في العودة إلى ما هو ملموس ليؤسس جمالية معيارية، يبرهن العمل على وحدة الشكل والغاية، وعليه، يجب أن يظل كذلك متناسيا اتجاه الإنسان، وهذا يفترض صراعا ضد اللاقياسواللامحدد. والمظهر اللاشكلي والمنفلت للمادة. لقد أصبحت المقاربة الجديدة لأرسطو للعملية المحاكاتية تعتمد على أن العمل يعيد إنتاج الطبيعة كما تظهر، لكن حسب ضرورة نظام معين وكونية منطقية، سيتم استخلاص من هذا المنظور مثلا أن السبب في تفوق الشعر على التاريخ كونه أكثر كونية. وهكذا تبرهن الشعرية الأرسطية على أن عملية التطهير وهي أكثر من مجرد عملية علاجية: لها توافق حقيقي عقلي مع الأهواء. في اعتقاد نيتشه فإن "أرسطو طاليس رأى الشفقة حالة مرضية وخطرة يجب أن تعامل حينا بعد حين بالتطهير لقد فهم التراجيديا كمظهر" ،قام فريديريك نيتشه بإدراك الجمالية وممارستها مثلا تجاهفاغنر الموسيقى ليس عند حد التعريف بالقيم، بل ذهب إلى إفراغها، ومنعها من أن تفرض نفسها على شكل مسكوكات، كمشروع نقدي يتساءل فيه عن قيمة القيم: ليس فقط الاعتراف بها أي القيم، ولكن لتشخيص مبادئ التقويم التي توجدها، وتثير بنفسها مسألة تحويلها. إنها عبارة عن جينالوجياGénéalogie لا تكتفي بأن تكون تاريخا، إنها تكشف عن نبل الأساليب وانتمائها للقدر.فما يخلقه المبدع في اللحظة، يقرأه المتأمل كلحظة خالدة، بمعنى لحظة للعودة الخالدة نفسها. فأبدية الفن من منظور نيتشه ستكون مختلفة، لأن عودة هذه اللحظة تعني عودة لحظة يتأكد فيها الاختلاف، والصفة الفريدة قطعا، تريد أن تكون كذلك منفلتة من كل نزعة كونية. يرى أرسطو أن التراجيديا تقليد لفعل نبيل وأنها بمساعدة الشفقة والخوف تؤدي إلى التطهير من هكذا انفعالات، وأدرك أفلاطون الجمال باعتباره صورة تنتمي إلى ثراء عالم المثل، لذلك نجده في انتقاده للشعر يعتبره مزيفا لصورة الواقع، يقدم لنا نموذجا مشوها عنه، فالأعمال الفنية التي لا تقوم على أساس العقل، تقوم بإفساد الروح، ومن ثم ينبغي طرد أصحابها من جمهوريته. لقد أكد أن المحاكاة الفنية وبخاصة في التراجيديا والشعر التراجيدي تعمل على تأجيج الانفعالات القوية، وتضلل الباحث عن الحقيقة فتبعده عنها، لذلك تعتبر رؤيته للجمال رؤية مثالية: يظهر فيها تأثره الواضح بهذه النزعة العقلية السقراطية التي كانت مضادة لروح الفن التي تقوم بطبيعتها على الحدس والإلهام والعاطفة والخيال. فانتقد الشعراء باعتبارهم يتحدثون عن أشياء لا يعرفونها وبالتالي فقد نظر إلى المعرفة التي تأتي عن طريق الشعر والفن على العمومباعتبارها معرفة غير حقيقية. ب ـ نيتشه وأرسطو والمنطق: كان هيراقليطس "حاقد إزاء تلك الطريقة الأخرى في التمثيل التي تستخدم المفاهيم والتراكيب المنطقية، أي إزاء العقل، كما يبدو أنه يمجد بعض اللذة في معارضة العقل انطلاقا من حقيقة يستمدها من الحدس، وهذا ما يقوم به في صيغ مثل "كل شيء يحوي نقيضه في ذاته، وفي كل الأوقات"، وبوقاحة جعلت أرسطو يتهم هيراقليطس بارتكاب الجريمة العظمى أمام محكمة العقل، وبالإساءة لمبدأ التناقض" ، يرىأرسطوطاليس أن القياس في العقل كالقياس في الحواس وفي جميع الأشياء المتكونة يوجد شيء منفعل وشيء فاعل وثالث متهيئ هو المتكون وفي المحسوسات كمثل فإن فيها شيئا منفعلا وهو الحاسة وشيئا فاعلا وهو المحسوس وشيئا متكونا وهو الإدراك بالحاسة للمحسوس وكذلك في العقل أيضا كان يتوهم لأنه يجب لأن يكون عقلا فاعلا لقد صار العقل الهيولاني الذي بالقوة إلى الفعل وفعله هو أن يصير الموجودات كلها معقولة. مر المنطق بمجموعة من التطورات قبل أن يأخذ صيغة علم متكامل الأطراف مع المعلم الأول أرسطو طاليس، فقد أصبح معه علما لكل العلوم، وهو ما عبر عنه أرسطو قائلا: أنه آلة للعلم وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه، أو هو صورة العلم،هكذا يتضح أن التعريف الأرسطي للمنطق ضل سائدا حتى العصور الحاضرة، وحتى التنويعات التي حصلت في التعريفات اللاحقة لم تخرج عن فلك التعريف الأرسطي، فقد أخرجت منه مباحث وأضافت إليه أراء ولكنها أراء جزئية لم تغيير من حقيقته، ويمكن القول أن التغيير الحقيقي الذي ظهر مؤخرا في مبحث المنطق وكانت له أهميته هو اكتشاف المنطق الرياضي. وقد ميز المناطقة بين نوعين من المنطق، أولهما صوري "يبحث في صور الفكر فقط بدون اهتمام بالموضوعات التي نفكر فيها" ، والثاني مادي، وبذلك يكون المنطق حاملا لهم معرفي مزدوج يتأرجح بين بحث الكيفية التي تجعل الفكر متفقا مع ذاته وتجعله كذلك متفقا مع الواقع. وهكذا انقسم المنطق مع المعلم الأول أرسطو طاليس إلى "نظرية التصور، ونظرية الحكم، ونظرية الاستدلال"، وصار هناك منطق خاص ببحث التصورات ويشمل مبحث الألفاظ، ثم منطق التصديق الذي يبحث القضايا، ثم منطق القياس الذي يشمل أنواع الأقيسة المختلفة.وحديث أرسطو عن الجهات المنطقية أو المنطق الجهوي أو منطق الجهات، يندرج في إطار القسم الثاني الذي يبحث في القضايا "فقد دشن المنطق كعلم شكلي، وبنا في هذا المنطق من خلال نظريته عن القياس التقريري، نظاما سيعمل به طيلة قرون بوصفه نجاحا لا يمكن تجاوزه. إن منطق الجهات يعود من حيث بداياته إلى المعلم الأول أرسطو طاليس، وهو من بين أصعب الأجزاء في منطقه الذي عرضه في كتاب الأورغانون، وقد تحدث عنه في التحليلات الأولى، فبعد أن تحدث عن القضية من حيث هي "ثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه"، أكد أن نسبة هذا المحمول للموضوع تقع بطرق مختلفة، وهنا بدأ التنظير المنطقي للموجهات، فقد تناول أرسطو الجهات الصدقية، حيث أن القضية "قد تكون واجبة الوقوع عقلا لا تقبل الانتفاء نحو الأربعة زوج، فثبوت الزوجية لأربعة أمر واجب عقلا، وقد تكون ممكنة الوقوع عقلا نحو الإنسان كاتب، فثبوت الكتابة للإنسان أمر ممكن عقلا، وقد تكون ممتنعة عقلا نحو الذهب نبات، فثبوت الذهبية للنبات ممتنعة الوقوع عقلا.ويعبر عن الوجوب والامتناع بالضرورة، فالوجوب هو ضرورة الوجود، والامتناع هو ضرورة العدم، والمراد بالممكن هنا ما يمكن أن يكون، وما يمكن أن لا يكون... فالممكن هو الذي لا ضرورة في وجوده ولا في عدمه" . مقاربة نيتشه النقدية للمنطق مبنية على حفر الجذور، "إن الإنسان باعتقاده وخلال حقب طويلة...كان يتخيل أنه باللغة يمتلك معرفة العالم بالفعل... المنطق كذلك يرتكز على مسلمات لا يقابلها شيء في العالم الواقعي، مثل مسلمة تساوي الأشياء... نفس الشيء ينطبق على الرياضيات التي لم تكن لتنشأ بكل تأكيد لو تمت في الحال معرفة أنه ليس في الطبيعة، لا خط مستقيم تماما، لا دائرة حقيقية ولا قياس مطلق للكميات" . والحديث عن الوجوب والإمكان والامتناع هو حديث عن كيف القضية، واللفظ الذي يدل على القضية يسمى بجهة القضية، وتسمى القضية حينئذ موجهة Modal، والقضية غير الموجهة هي قضية مطلقة. ودلالة الجهة يمكن أن تكون صادقة كما يمكن أن تكون كاذبة، أي قد تكون مطابقة أو غير مطابقة للواقع، ومن الأمثلة التي توضح كيف تكون دلالة بعض القضايا الموجهة Modal Propositions، غير مطابقة للواقع نذكر المثال التالي: "يجب أن يكون المثلث محوطا بأربعة مستقيمات متقاطعة، ويمتنع أن يكون المثلث محوطا بثلاثة مستقيمات متقاطعة مثنى. فوجوب كون المثلث محوطا بأربعة مستقيمات وامتناع كونه محوطا بثلاثة مستقيمات غير مطابق للواقع" ، كما يمكن أن تدخل الجهة على أداة السلب والعكس أيضا ومثال ذلك "يجب أن لا يكون الإنسان حجرا... ليس جب أن يكون الإنسان حجرا" ، بحيث تصبح القضية الأولى سالبة ضرورة، والثانية تسلب جهة، مفيدة بذلك الضرورة، وكذلك يمكن أن يحصل مع الإمكان والامتناع، باعتبارهما الجهات الصدقية، التي تحدث عنها أرسطو أول الأمر "بدون أن يقرر إذا ما كان البحث فيها صوريا أو ماديا، وتابعه المدرسيون متابعة كاملة، أما المفكرون الإسلاميون فقد اعتبروا البحث في الجهة، بحثا منطقيا وأفردوا لها الفصول الطوال في كتبهم، أما المناطقة المحدثون فيكادون يجمعون على أن بحث الجهة ليس من المنطق الصوري في شيء، فلا يتكلم عنها مناطقة بورت رويال إلا قليلا" . هكذا بقيت الجهة إلى هذه الحدود تفيد في معناها العام، تعيين يؤثر في شيء أو هي تغيير في طبيعة الموضوع، وقد وضع لها المناطقة تقسيمات متعددة، استقرت على أربعة هي الضرورة والجواز والممكن والممتنع، وقد أحاطت بهذه التقسيمات إشكالات متعددة، فالحديث عن الوجوب والامتناع والإمكان هو حديث عن النسبة التي يمكن أن يقع بها المحمول للموضوع، فالقسمة العقلية لهذه النسبة هي التي تفضي بنا إلى هذه الأقسام الثلاثة من حيث الارتباط بالواقع. ومن شروط صدق القضية الموجهة أن لا تكون جهتها مناقضة لمادتها الواقعية "والجهة غير المادة، فإن المقصود بها ما يفهم ويتصور من كيفية النسبة بحسب ما تعطيه العبارة من القضية، والفرق بينهما مع أن كلا منهما كيفية في النسبة، أن المادة هي تلك النسبة الواقعية... ولا يجب أن تفهم أو تتصور في مقام توجه النظر إلى القضية" . أما من حيث أقسام الموجهات التي عرفت إلى حدود هذه الفترة التاريخية الحديثة التي وقفنا عليها، فهي تمتثل للقسمة الأرسطية، بحيث "تنقسم الموجهة إلى بسيطة ومركبة" . يسائلنيتشهالمنطق في صميمه وهو الذي أفحم دعوى هذا العلم بشكل مميز، يسأل "من أين ولد المنطق في العقل البشري؟ لا بد أنه ولد من اللامنطق الذي كان مجاله بالأصل يفوق كل حد، إلا أن عددا لا يحصى من الكائنات، والتي كانت تستدل بطريقة مغايرة للطريقة التي تستدل بها اليوم، قد بادت: ويبدو هذا الأمر صحيحا أكثر مما نعتقد... يتولد مفهوم الجوهر، الواجب للمنطق مع أنه لاشيء عيني يتطابق بحصر المعنى معه... سيرورة الأفكار والاستنتاجات المنطقية في عقلنا الحالي سيرورة صراع اندفاعات هي في ذاتها جائرة ولا منطقية: تدور الآلية القديمة يقينا في الوقت الحاضر بطريقة سريعة ومتخفية لدرجة لا نستطيع أبدا أن ندرك معها إلا نتيجة هذا الصراع" . بالنسبة لنيتشه" يبدو أرسطو بالخصوص، وكأنه لا يملك عيونا يرى بها حين يجد نفسه أمام هذه الشخصيات. وبذلك يبدو هؤلاء الفلاسفة الرائعون وكأنهم عاشوا دون جدوى، أو أن قدرهم كله لم يكن سوى تهيييء الفيالق المتجادلة والثرثارة، فيالق المدارس السقراطية، قلت إن هنا ثغرة وتوقفا في التطور، لا شك أن مصابا عظيما قد حدث، والتمثال الوحيد الذي كان سيجعلنا نعرف معنى وهدف تمارين النحت العظيمة، هذه ربما يكون قد تحطم أو لم يتم إنجازه... إن ما حدث لدى الإغريق هو أن كل مفكر عظيم تحول إلى طاغية بفعل اعتقاده أنه قد ملك الحقيقة المطلقة، حتى أن تاريخ العقل قد اكتسى لديهم طابع العنف المحفوف بالمخاطر... إن مرحلة طغاة العقل قد ولت، لا شك أنه سيكون هناك بالضرورة سيادة في مناطق الثقافة العالية" . ج ـ السياسة بين نيتشه وأرسطو: ذهب أرسطو في مؤلفه "السياسة " إلى التنصيص على وجوب الأخلاق في الممارسة السياسية، و يلخص الشروط التي يجب أن تتوفر في من يملك السلطة السياسية: الإخلاص لنظام الدولة الكفاءة الفضيلة و العدالة، في المعنى الذي يتفق مع نظام الدولة وعن أفضل السبل للمحافظة على الدولة و يشددأرسطوعلى أنه من الواجب تعليم المواطنين علىروحية الدولة إذ بدونها لا يكون لهذه القوانين المفروضة لحماية الدولة و المجتمع أي قيمة. أما نيتشه فقدوضع حدا لذلك التصور الأخلاقي لسلطة الدولة حيث يعتبر أنإرادة القوة هي جوهر الكائن الإنساني سواء كان فردا أو جماعة أو دولة و انطلاقا من طبيعة الإنسان الشريرة يتحدد الوجود الإنساني و تتحدد الدولة كأعلى مستوى من التنظيم الإنساني، إنها يقول نيتشهتدعي الدولة إذن امتلاكها للسلطة لأنها فاقدة للحس و الإحساس وترى العنف الطريق السليم لوجودها، هكذا طبيعة السلطة السياسية حسب نيتشه. ويرى نيتشه "أن الأخلاق اليوم في أوربا هي أخلاق قطيع، فهي إذن في نظرنا مجرد حقيقة ما من أخلاق قطيع. فهي إذن في نظرنا مجرد حقيقة ما من أخلاق إنسانية تفسح أو كان يجب أن تفسح المجال بجوارها إلى عدد لا نهائي من الأخلاق الأخرى، الأخلاق المتعالية جدا. غير أن هذه الأخلاق، وبكل قواها، تقاوم إمكانية و واجب كينونة من ذلك النوع. هي موجودة هنا، عنيدة، متصلبة، تكرر: أنا هي الأخلاق ولا توجد أخلاق غيري، وأكثر من هذا، إذ بفضل ديانة حرصت على الاتسام بمداهنة وتعليل رغائب القطيع النهائية، وصلت الأشياء إلى درجة تعبير المؤسسات السياسية والاجتماعية عن هذه الأخلاق بوضوح متزايد؛ فالحركة الديمقراطية هي وريث الحركة المسيحية" ،نيتشهيعتبر الوعي الأخلاقي باحترام الواجب مصدره العلاقات الاجتماعية فبين الدائن و المدين في القرض يحضر تأنيب الضمير الذي يلزم الفرد بإرجاع ما أخذه من الغير. تعد الأخلاق من التوجيهات و الوصايا و القواعد التي تهدف إلى تقويم اعوجاج السلوك الإنساني و تنظيم الحياة الاجتماعية، ولقد اهتمت الفلسفة بموضوع الأخلاق مند العصور القديمة خاصة مع "أرسطو"، إذ انصب اهتمام الباحثين في مجال الأخلاق إلى جعل السلوك متأسسا على الفضائل و تنظيم السلوكيات الغريزية و التخلص من الشهوات و الأهواء العشوائية التي تقود إلى الفوضى، إن الهدف الأسمى الذي تتوخى الأخلاق بلوغه هو تحقيق السعادة، و ذلك بضمان الحركات الضرورية لتحقيق الحاجيات دون الإخلال بالواجبات، غير إن التفكير في الأخلاق يطرح عدة إشكاليات من بينها : هل الأخلاق مطلقة و شاملة و موحدة بين جميع الناس، أم أن لكل مجتمع أخلاقه و بذلك تكون نسبية؟ و هل يعتمد تطبيق الأخلاق على الإلزام أم الالتزام؟ بحسب تصورنيتشه للسعادة يرى أن "كل إعلاء للنوع البشري، كان دائما وسيظل أبدا، نتاج مجتمع سعيد أرستقراطي ما، مجتمع يؤمن بمراتب متنوعة في التراتب والقيم بين الناس" . وفي شأن السعادة يرى أرسطو أن السعادة خير ما نسعى إليه من أجل ذاته، وتتحقق سعادة الفرد بالتزامه بالأخلاق الفاضلة، ثم إن السعادة حسب تنبني على الاجتهاد والجد و ليس اللهو. بينما يرىنيتشه أن الإرادة الحقيقية تتمثل في إرادة الحياة و تنبني على تلبية الرغبات و الشهوات الغريزية و إعادة الاعتبار للجانب الجسدي في الإنسان. أما بالنسبةلأرسطو: لا يمكن للإنسان أن يعيش منعزلا ما دام يحتاج للآخرين، لذلك وجب الخضوع لتنظيم يهدف إلى خدمة المصالح العامة، وتظل الدولة أهم من الفرد.وأرسطو أن العدالة ينبغي أن تتجه نحو الإنصاف ومعنى ذلك أن يتم تطبيق القانون وفق فهم سليم مع مراعاة ظروف الإنسان دائما وحسب الحالة الخاصة.نيتشه" الوعي الأخلاقي باحترام الواجب مصدره العلاقات الاجتماعية فبين الدائن و المدين في القرض يحضر تأنيب الضمير الذي يلزم الفرد بإرجاع ما أخذه من الغير.يرى أرسطو في كتابه المطول السياسة. إن الإنسان حيوان مدني قابل بالطبيعة للحياة الاجتماعية التي تجد أسمى تعبير لها في الدولة والتي يعتبرها سابقة على الأسرة والفرد. إن الحاجة إلى الاجتماع لا تفرضها غرائز الإنسان فتقبل كذلك خصوصية الإنسان، باعتباره وحده الحيوان الناطق العاقل. جعل أرسطو غاية الاجتماع البشري هي الدولة. وبالنسبة لنيتشه" أن الفساد، بوصفه تعبيرا عن الفوضى التي تهدد الغرائز من داخلها، يوحي بأن صرح الأهواء، الذي تقوم عليه الحياة، قد اهتز. ويبدو هذا الفساد مختلفا بشكل جذري تبعا للكائنات التي يتجلى فيها" . دـ الميتافيزيقا بين نيتشه وأرسطو: الميتافيزيقا لفظة استعملها الفلاسفة في العصر الهلنستي والشراح المتأخرون ليشيروا بها إلى مجموعة نصوص غير معنونة تعود لأرسطو طاليس تعرف الآن بـالميتافيزيقا، وكان أرسطو نفسه يسمي موضوعات تلك النصوص بالفلسفة الأولى أو علم اللاهوت، ويسميها أحيانا بالحكمة؛ وقد سماها بالفلسفة الأولى تمييزا لها عن الفلسفة الثانية وهي العلم الطبيعي عنده، وبـ "الحكمة" لأنها تبحث في العلل الأولى إطلاقا، لا الأولى في جنس من الأجناس وبـ"العلم الإلهي" لأن أهم مباحثها هو الله باعتباره الموجود الأول والعلة الأولى للوجود". ولذلك نجد أن معناها عند الفلاسفة المسلمين أصبح مقابلا لمفهوم الإلهيات، واعتبر نيتشه أنها ناتجة عن" تمجيد الخلق الذي هو البرعم الميتافيزيقي الذي يعاود الظهور حين نتأمل التاريخ ويحملنا على الاعتقاد فعلا أن بدء كل شيء نجد أنفس الأشياء وأكثرها جوهرية" . والثابت تاريخيا أن كلمة ميتافيزيقا الإغريقية الأصلية لم يستعملها أرسطو وإنما كانت من وضع تلميذه اندرونيقوسالرودسي في القرن الأول قبل الميلاد عندما صنف مؤلفات أرسطو فجاءت تلك النصوص بالتصنيف بعد البحوث الطبيعية.ومن هنا جاء معناها الحرفي "ما بعد الطبيعة" وفيما بعد أخذ فلاسفة العصور الوسطى هذا العنوان" ليشيروا به إلى الموضوعات التي ناقشهاأرسطوفي الميتافيزيقابوصفها موضوعات تأتي بعد الموجودات الطبيعية ولا تعرف بالإدراك الحسي ولهذا نجد أنهاأكثر صعوبة على الفهم.وقيل أناندرونيقوس قد أرادبإطلاق هذا الاسم "ميتافيزيقا" للدلالة على موضوع دراساتها، بمعنى أنها تبحث فيما وراء الظواهر المحسوسة، الميتافيزيقا مرادفة للخارق للطبيعة في اللغة اللاتينية. وقد عرفأرسطوالميتافيزيقا بأنها "البحث في العلل والمبادئ الأولى". كما ذهب إلىأن الفلسفة الأولى هي البحث في الوجود بما هو موجود" ، أي أنها تبحث في الوجود من ناحية المبادئ الأولية الكلية التي تعم جميع الموجودات والتي تجعل الوجود موجودا" وتكاد تكون التعريفات الأخرى استرجاعا لتعريفات أرسطوأو متأثرة بها، لذلك فسوف نلجأ إلى الانتقاء دفعا للتكرار والإطالة" لقد كان أرسطو محقا بقوله: " إن ما كان يعرفه طاليسوانكساغوراس* يمكن وصفه بأنه كان خارقا، مدهشا، صعبا، إلهيا ولكنه أيضا عديم الفائدة لأنهما لم يضعا هذه المعرفة في خدمة خير الإنسان باختيارها وتمييزها الخارق" . طبيعة الميتافيزيقا تقوم على عدد من الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن دائما، بحيث تسيطر على العقل، ومن هذه الأسئلة:"ما طبيعة العالم ومادته وصورته، وما مكوناته الأولى التي تعد قوانينه، هل الله موجود، هل الحقيقة واحدة أم متعددة، هل الخالق سرمدي ابدي خالد، هل هناك إرادة واحدة تحرك الوجود،هل هناك جوهر واحد أم جواهر متعددة، هذه الأسئلة في مجملها تمثل منابع الفلسفات التأملية التي يجب أن تعتمد عليها في نهاية الأمر في نظام متماسك من الفكر، وهذه الأسئلة توضح طبيعة الميتافيزيقا" . وقد استدل أرسطوعلى ضرورة وجود الميتافيزيقا لأن" العلوم الخاصة التي يعالج كل منها موضوعا خاصا به، تشترك في استخدام مفاهيم عامة كالذاتية والاختلاف والوحدة والتعدد وما أشبه، وهي بمجموعها تكون موضوع علم الوجود العام أو الميتافيزيقا" . فأرسطو يؤكد على قيام علم الوجود أو ما بعد الطبيعة على اعتبار أن هذا العلم قائم بذاته وقد انفرطت منه باقي العلوم.وعليه فأرسطو يرى أن" الفلسفة الأولىأعم العلوم لأنها تبحث في أعم العلل، إذ العلل والمبادئ الأولى شاملة لجميع أنواع العلل الأخرى، وهي أكثر العلوم يقينية لأنها تبحث عن المبادئ الأولى، والمبادئ الأولىأعلىالأمور درجة في اليقين، وهي انفع العلوم لأنها تعطينا علما بالعلل الأولى، وهي أكثر العلوم تجريدا لأنها تبحث في أكثر الأشياء بعدا عن الواقع العيني، وهي اشرف العلوم لان موضوعها النهائي والأساسي اشرف الموضوعات وهو الله" . وهذا ما يركز عليه نيتشه في نقده لهذه المنظومة الشاملة من المفاهيم الميتافيزيقية التي سيطرت على الفكر الغربي لحقبة طويلة من الزمن وسنتناول بعد هذا العرض الموجز لمعنى الميتافيزيقا وموقف الفلاسفة منها نماذج لعدد من الفلاسفة، الميتافيزيقيين، من الفلسفة اليونانية والفلسفة الحديثة المعاصرة لنيتشه.ولكن سياسة أرسطو شيء لا يتغير على الزمن؛ لأنها تقوم على عمل عقل كبير، وقد تتغير النظم وتتبدل الدساتير، وتختلف الحكومات، ويتفاوت الحاكمون، ويبقى العقل الإنساني في عمله دراسة صالحة لكل عقل، وميدانا فسيحا لكل مشغول بثمرات العقول. لعل الفيلسوف، هو الرجل المؤهل لقيادة عربة الفلسفة، إما قوية إلى الأمام، أو يعيدها ضعيفة إلى الوراء . لهذا، فلما انتقدنيتشه فلاسفة العصر اليوناني المتأخرين، بدءا بالتجربة الفلسفية السقراطية، التي كانت بمثابة السم القاتل لجوهر الفلسفة، بمعناها النيتشوي، كفلسفة عمل و حياة، لا فلسفة نظر و خيال و وهم جميل، عاتبهم بكون فلسفتهم المرتبكة، كانت تفتقر لحكمة الفلاسفة الطبيعيين المنفتحين، على كل مظاهر الحياة و الوجود من حولهم . يقولنيتشه في هذا المعنى" أما أن يرى الفيلسوف مشكلة في قيمة الحياة، فإن ذلك لما يعد مأخذا عليه، و نقطة استفهام حول حكمته، بل انعدام حكمته أصلا . ماذا ؟ و كل هؤلاء الحكماء العظام، تراهم لم يكونوا منحطين فحسب، بل و ليسوا حتى بحكماء ؟" . يرى نيتشه في ختام الميتافيزيقا الأرسطية أن" ذوو الطباع العلمية يعرفون، على العكس من ذلك، أن موهبة التوقد أفكارا يجب أن تمسك بمزمامها روح العلم أكثر ما يمكن، إن الثمرة التي ترغب هذه الروح أن تسقطها من شجرة المعرفة ليست هي ما يلمع ويجذب بظاهره بل الحقيقة المجردة من الظاهر في الغالب. يمكن ألا تفرق روح العلم، مثلما مثل أرسطو، لبن الملل وبين الروحي" . ه ـ المرأة بين نيتشه وأرسطو: فلم تكن المرأة تصلح في نظر أرسطو سوى للإنجاب، ولا يمكنها أن تشغل أي منصب ثقافي أو اجتماعي، أو حتى قيادة المنزل، وإن مهمتها تقتصر على الإنجاب، وهي مسؤولة مسؤولية كاملة عن إنجاب الإناث، في حين أن الرجل مسؤول عن إنجاب الذكور.لم يكتف أرسطو بذلك، بل وجد أن المرأة حتى في عملية الإنجاب تكون في مرتبة دونية، حيث لا تقدم سوى المادة الخام وينفخ الرجل الروح في تلك المادة، واعتقد أرسطو أن "دماء الحيض" هي المادة التي يتكون منها الجنين، عقب نفخ الرجل للروح فيها. يرى نيتشهموافقا لأرسطو قائلا: " إني سأعلن لك حقيقة صغيرة... إذا ما ذهبت إلى النساء، فلا تنسى السوط... هيا: أرقصي على نقرات سوطي ألهبك به فإنني ما نسيته" ،يرى أرسطو أن جنس النساء أقل استعدادا لها من جنس الرجال، للرئاسة فالقيادة تهتدي بالعقل لا الشعور والعواطف، وجنس الإناث عاطفي سريع التأثر ينقاد للعواطف أكثر مما يهتدي لنور العقل.وقصر معلم الإسكندر الأكبر الأخلاق على الرجال، مؤكدا أن "المرأة لا تستطيع ممارسة الفضائل الأخلاقية على نحو ما يفعل الرجل"، أما بالنسبة لنيتشه لم يكن غريبا عليه كرهه للمرأة وقد أدمن الفشل في قصص حبه، التي كانت جميعا من طرف واحد، أن يصف المرأة بأنها فخ نصبته الطبيعة للرجل ويصب لعناته عليها.فقد عشق "فيلسوف القوة" ماتيلداترمبيداخ، التي رفضت طلب الزواج الذي أرسله إليها، لتتزوج من صديقه عازف البيانو هوجو فون سينجر الذي أرسل معه نيتشهخطاب طلب زواجه من ماتيلدا.يقول نيتشه: "لم تبلغ المرأة بعد ما يؤهلها للوفاء كصديقة، فما هي إلا هرة، وقد تكون عصفورا، وإذا هي ارتقت أصبحت بقرة ". وكما قال نيتشه: "إذا ذهبت إلى المرأة فلا تنسى السوط"، وكان يرى أن المرأة ملكية ينبغي معاملتها كقطعة تباع، أصيب نيتشه في آخر عمره، في سن الخامسة والخمسين تقريبا، عام 1889، بمرض عقلي، دخل على إثره المصحة، إلا أن أمه سرعان ما أخرجته واعتنت به حتى وفاتها عام 1897، لتتولى أخته المهمة حتى وفاته عام 1900، يمكننا وجود هذه العلاقة بين أرسطو ونيتشه في تهجمهما على النساء الذي احتضنته نصوص عديدة، يقول أرسطو في وصيته :"فإن بلغت ابنتي سن النضوج فعليهم أن يزوجوها إلىنيكانور فان حدث وماتت لا قدر الله قبل أن تتزوج، أو بعد أن تزوجت، دون أن يكون لها أبناء، فأنني أوصي أن يقوم نيكانور بتحمل المسؤولية، وإدارة شؤون ابني نيقوماخوس بالطريقة المألوفة". "فأريان هي سر نيتشه الأول، القوة الأنثوية الأولى، الخطيبة غير المنفصلة عن الإثبات الديونيزي. لكن تختلف عن هذه اختلافا كليا عن القوة الأنثوية الجهنمية، النافية والواعظة، الأم الرهيبة، أم الخير والشر، تلك التي تحط من قيمة الحياة وتنفيها" ، فنيتشه لا يكره المرأة، في ذاتها، لكن يكره أنماطا محددة من النساء، الأنماط التي يجمعها الإحساس بالذنب والحقد والضغينة وأخلاق الانحطاط والتبرم. يذم نيتشه المرأة، رغم ترعرعه طيلة عمره مع أمه وأخته، حيث قضى أباه وهو بعمر الخامسة، والنتيجة كانت فلسفة مؤذية للمرأة. في كتابه يحذر من اتخاذ المرأة صديقا، فهي لا تصلح سوى للحب، وهي مجرد لعبة للرجل، ولا هدف منها ولا مهمة لها سوى الولادة، وهي لا تعرف الشرف ولا تدري ما هو. وحسب مفهومنيتشهفإن هدف الزواج ينحصر في إنتاج "الإنسان المتفوق"، لذا ينبغي أن يقام الزواج بأقصى قدر ممكن من الكمال، فيجب أن يسبق الزواج فترة يلتقي فيها المرأة والرجل ويتعايشان لينظرا هل بإمكانهما الاستمرار في زواج يربطهما إلى الأبد. صرح فريدريكنيتشهبأن كل نوع أعلى من الحضارة يعني ضوابط أكثر صرامة على النساء. من المعروف أنه قد قال "النساء أقل من الضحلة"، " لم يسبق للرجال أ تعاملوا مع الجنس اللطيف بذات الاحترام الذي يكنونه اليوم له؛ وهذا يواكب الأذواق الجوهرية للديمقراطية و ميولاتها، مثل عدم اعتبار الشيوخ. وما المدهش إذا أساءت المرأة بسرعة استعمال هذا الاحترام؟ إنها تطلب المزيد، تتعلم كيف تغدو إكراهية، وانتهت إلى اعتبار إتاوة الاحترام هذه نوعا من الإهانة تقريبا، فراحت تفضل المنافسة، بل المقاومة المفتوحة في سبيل البحث عن الحقوق. إن المرأة باختصار، بدأت تفقد من حيائها؛ ولنقل إنها بدأت تفقد أيضا من ذوقها السليم. تتعلم ألا تخاف الرجل؛ لكن المرأة التي تعلمت ألا تخاف الرجل قد تخلت عن غرائزها الأكثر أنثوية" ، هكذا نظر نيتشه للمرأة الحديثة ليكون قد جمع بين موقف أرسطو الكلاسيكي والذي يتشبث به في توصيف المرأة وبين نظرته الحديثة التي لم تنفصل عن الوضع الذي يعتبره نيتشه أصيلا ويتماشى مع وضع الأنثى، فكل محاولة للمرأة من أجل التخلي عن وضعها المنحط يفقدها أنوثتها. "ولهذا فإنه لئن كان نيتشه قد انتقد المرأة، فإنه ما كان لينتقد أية امرأة مهما كان شأنها، بل كان ينظر إليها باعتبار النوازع (Les Pulsions) ، التي تحركها: أضعيفة هي أم قوية. لقد انتقد المرأة سليلة الضعف في ذاتها وإدانتها لنفسها بالتبعية، وما كان له أن ينتقد المرأة القوية التي ستحفل بها عهود المستقبل (…) ولعل نيتشهكما يؤكد على ذلك ميشال أونفري (Michel Onfray)، واحد من نخبة الفرنسيين المهتمين بفكر نيتشه: يحب المرأة ولكن هذه الأخيرة جعلته لا يحسن قول ذلك".
المراجع المعتمدة: ـ نيتشه (فريدريك)، إنسان مفرط في إنسانيته، مصدر سابق، الفقرة 194، ص 67. ـ عنيات (عبدالكريم)، نيتشه والإغريق، ص 155. ـ طاليس (أرسطو)، النفس، ترجمة أحمد فؤاد الأهواني، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1949، الكتاب الأول، ص 6. ـ عنيات (عبدالكريم)، مرجع سابق، ص 160. *أرسطوطاليس:الأسطاغيري (384ـ 322 ق م)، هو ابن نيقاماخوس الطبيب الخاص بأمينتاس ملك مقدونيا، والد فيليب وجد الإسكندر الأكبر، لذا نشأ في جو له علاقة بالبحث والعلم والمشاهدة. كان أرسطو أكبر طلاب أفلاطون، حيث مكث في الأكاديمية ما يقرب عشرين عاما، وغادرها في حياة أفلاطون، لذا قال الأستاذ معاتبا أرسطو: "لقد رفسني أرسطو مثل المهر الذي يرفس أمه التي ولدته"، وبعد عودته إلى أثينا أسس مدرسة اللوسيوم، ألف الكثير من الكتب، لكن أسلوبه مخالف لطريقة أفلاطون، وبهذه المؤلفات الكثيرة والجامعة تحصل على لقب الفيلسوف الموسوعي ومنها: المنطقية والطبيعية والسياسية والأخلاقية، ويعد كتاب الميتافيزيقا من أهم مؤلفاته وآخرها. ـ راسل (برتراند)، حكمة الغرب الجزء الأول، مرجع سابق، ص 147. ـ نيتشه (فريدريك)، عدو المسيح، ترجمة جورج ميخائيل ديب، دار الحوار، الطبعة الثانية،دون تاريخ، الفقرة 7، ص 33. ـ نيتشه (فريدريك)، الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي، مصدر سابق، الفقرة 5، ص55. ـبلانشي (روبير)، المنطق وتاريخه من أرسطو إلى راسل، ترجمة خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ لبنان، ص101. ـ بلانشي (روبير)، المنطق وتاريخه من أرسطو إلى راسل، نفس المرجع، ص 145. ـ نيتشه (فريدريك)، إنسان مفرط في إنسانيته، مصدر سابق، الفقرة 11، ص22. ـ ف بلانشي (روبير)، المنطق وتاريخه من أرسطو إلى راسل، نفس المرجع، ص 146. ـ نفس المرجع، ص 146. ـالنشار (علي سامي)، المنطق الصوري منذ أرسطو حتى عصورنا الحاضرة، دار المعرفة الجامعية 2000، ص 244. ـ الحيدري (رائد)، المقرر في توضيح منطق المظفر، الجزء الثاني، منشورات ذوي القربى، الطبعة الأولى 1422 هـ، ص 67 ـ 68. ـ الموسوي (يوسف أحمد) ، المرشد في علم لمنطق، الطبعة الأولى 2007، ص 266. ـ نيتشه (فريدريك)، العلم الجذل، ترجمة سعاد حرب، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، الفقرة 111، ص 110ـ111. ـ نيتشه (فريدريك)، إنسان مفرط في إنسانيته، مصدر سابق، الفقرة 261، ص 147. ـ نيتشه (فريدريك)، ما وراء الخير والشر، مصدر سابق، الفقرة201، ص 108. ـ نيتشه (فريدريك)، ما وراء الخير والشر، مصدر سابق، الفقرة 256، ص 175. ـ المصدر نفسه، الفقرة 257، ص 176. ـ نيتشه (فريدريك)، إنسان مفرط في إنسانيته، مصدر سابق، ص 115. ـ إبراهيم (زكرياء)، المشكلة الخلقية، مكتبة مصرـ دار سحنون للنشر والتوزيع، (دون تاريخ)، ص 132ـ133. ـ أيكن (هنري)، عصر الأيديولوجيا، ترجمة فؤاد زكرياء، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1963، ص 248. ـ نيتشه (فريدريك)، الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي، مصدر سابق، الفقرة 3، ص 49. *أنكساغوراس: (500ـ 489 ق م)، من كلازومينا الأيونية، يقال أنه أول من نقل الفلسفة إلى أثينا من مستعمرات آسيا الصغرى، حدد علة مادية للحركة، وهو العقل، كان متميزا بالروح العلمية حيث فسر فيضان النيل بإرجاعه إلى أسبابه الوضعية، وقال أنه يعود إلى ذوبان جليد بلاد الحبشة. ـ إبراهيم (عبدالله)، المركزية الغربية إشكالية التكوين والتمركز حول الذات، المركز الثقافي العربي، بيروت الطبعة الأولى، 1990، ص 122. ـ طاليس (أرسطو)، في السياسة، ترجمة أوغسطس بربارة البولسي، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، بيروت، الطبعة الثانية، 1980، ص 86. ـ المرجع نفسه، ص 90. ـ نيتشه (فريدريك)، العلم الجذل، ترجمة سعاد حرب، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 2001، ص 98. ـ نيتشه (فريدريك)، إنسان مفرط في إنسانيته، مصدر سابق، الفقرة 264، ص 149. ـ نيتشه (فريدريك)، العلم المرح، ترجمة وتقديم حسان بورقية ومحمد الناجي، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 1993، الفقرة 1، ص 7. ـ نيتشه (فريدريك)، هكذا تكلم زرادشت، مصدر سابق، ص 173. ـ دولوز (جيل)، نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1993، ص 29-30. ـ نيتشه (فريدريك)، ما وراء الخير والشر، مصدر سابق، الفقرة 238، ص 150. ـ بن دوخة (هشام)، نيتشه والوجه الآخر للمرأة، ضمن: الفلسفة والنسوية، (بيروت؛ الجزائر؛ الرباط: دار الأمان؛ منشورات الاختلاف؛ منشورات ضفاف، 2013)، ص82.
#لحسن_لحمادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نيتشه أبيقور* والأبيقورية وزينون والرواقية:
-
هيراقليطس(الحكيم الأفزي)* بعيون نيتشه :
-
التربية على القيم من خلال كتاب -قيمة القيم- للمهدي المنجرة
-
كيف تصبح مفكرا؟
-
عندما يكتب المفكر عن اللامفكر فيه
-
القلم المغربي
-
كيف يحب المفكر؟
-
أين المفكر؟
-
سياسة المحافظة، حفظ دون فهم
-
الفلسفة في مراكش
-
نزول المفكر للمجتمع
-
الدين والزمان
-
السياسيات المقارنة
-
قراءة في كتاب -فلسفة العلم، الصلة بين الفلسفة والعلم- لمؤلفه
...
-
قراءة في كتاب -فلسفة العلم، مقدمة معاصرة- لمؤلفه أليكس روزنب
...
-
التراجيديا من منظور نيتشه
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|