|
بيير بورديو و المنهجية الإبستمولوجية
سعيد الكواكبي
الحوار المتمدن-العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 22:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بيير بورديو عالم اجتماع فرنسيي معاصر ولد عام 1930في دانفان في منطقة البيرن جنوب غرب فرنسا ( جبال البرنيه ) نال شهادة الأغريغاسيون ( التبريز ) في الفلسفة من مدرسة المعلمين العليا عام 1954 و في عام 1964 أصبح مديرا لأحد أقسام الدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في باريس و عندئذ أصدر كتابا بعنـوان " الوراثة " و ذلك بتعاون مع جان كلود باسرون و كان السبب في شهرته ثم أصدر بعده كتب و مقالات عديدة ككتابه المنهجي المهم " الحس العلمي " ثم " سوسيولوجيا الجزائر " و " الاجتثاث " و " التمييز " و " ماذا يعني التحدث " و " الإنسان الأكاديمـي " 1984 . و أسئلة علم الاجتماع " و " حرفة عالم الاجتماع " . و القائمة طويلة إذ بلغت حوالي 158 منشورا ، توفي 23 يناير سنة 2002 . تطبع كتابات هذا الرجل روح نقدية عميقة و نفس فلسفي واضح . منطلقه النظري هو نظرية المجال حيث يدرس الظاهرة الاجتماعية باعتبارها بضاعة يتم تداولها داخل مجال معين له قوانينه الداخلية و تنافسية و زبانية . فالظاهرة هنا موضوع تنافس و محط صراع حول السلطة و النفوذ ، و من حيث البعد الكرونلوجي يأتي بورديو في الجيل الذي تلى جيل سارتر و " ريمون أرون " و " ليفى ستراوس " و جيل يورديو هو الجيل الذي أتى لكي يحدث القطيعة مع الوجودية السارترية أو الفينومينولوجيا على طريقة سارتر ، و يتحول إلى الإبستمولوجيا و فلسفة المصطلح و العلوم الإنسانية . و لكي نفهم عقلية هذا الجيل المسيطر في الساحة الفرنسية و خصوصا بورديو يلزم أن تأخذ بعين الاعتبار وجود تيارين عريضين كانا قد سيطرا على الساحة الثقافية الفرنسية طيلة الأربعين عاما الماضية هما : التيار الوجودي : ممثلا في جان بول سارتر و مارلوبنتـي و هذا التيار كان معجبا بالبحث عن المعنى معنى الظواهر و الوجود و كان منغمسا في السياسة و كانت تلك هي الفترة التي ازدهرت فيها فلسفة الذات و الحرية و الالتـــزام و الثورة . ثم التيار الأخر و هو التيار الإبستمولوجي الذي يمثله في فرنسا غاستون باشلار و الكسندر كوبري و خليفتهما جورج كانغيلم الذين ركزوا على أهمية المصطلـح و المفهوم و العقلانية و فلسفة العلوم أو ما يسمى بشكل عام بالمنهجية الإبستمولوجية . و كان بورديو كفوكو قد أحس بالحاجة إلى الانخراط في المنهجية الإبستمولوجيـة و اعتناق الروح العلمية الجديدة بشكل كامل و ذلك بعد أن سقط في نظره الخطاب الفلسفي العمومي و التقليدي السائد في " السربون " و كذلك موقفه من السوسيولوجيات الكلاسيكية ( فيبر – دوركايم – ماركس ) على اعتبار أن نظريات هؤلاء المفكرين الكبار تبدو متناقضة أو متضادة فيما بينها إضافة إلى كونها أنتجت تشويهات قسرية هزت أركان العلم الاجتماعي . لهذا السبب انضم بورديو " انضماما كاملا إلى المنهجية الإبستمولوجيـــة و اعتناقها ، خصوصا الفكر العقلاني المطبق لذلك لابد من إطلالة في هذا المدخل على إبستمولوجيات باشلار باعتبارها الإبستمولوجيا التي استنجد بها بورديو في قراءته لتاريخ علم الاجتماع . العقلانية المطبقة : كانت لدى باشلار دعوة إلى التجديد في الموقف الفلسفي بصفة عامة ، و كان من حظه أن وجد الدعامة التي اعتمد عليها في دعوته ، و كان الأساس الموضوعي الذي استند إليه باشلار هو الثورة العلمية المعاصرة التي بدأت منذ النصف الثاني مـن ق 19 و استمرت خلال القرن 20 . و ما جعل فلسفة باشلار تحتل مكانا متميزا ضمن الفلسفة ، هي الكيفية التي استجابت بها للتطور الكيفي الذي عرفه تطور العلوم و المتمثلة في إبراز ما حملته هذه الثورة العلمية من قيم جديدة للمعرفة العلمية خاصة و الإنسانية عامة . لم تقتصر فلسفة العلوم الباشلارية بالإستجابة للتطور الذي عرفته العلوم بل تتميز أيضا بكيفية استجابتها لظروفها من تاريخ الفلسفة ، ففي علاقته بالفلسفات التي عاصرها . كان باشلار فيلسوفا مساجلا . إذ لا نكاد نجد مذهبا فلسفيا واحدا لم يشمله الحوار الباشلاري أي لم يفتح معه جدلا ، و لم يقف باشلار عند حدود مناقشته هذه الفلسفات المعاصرة له بل يتجاوز ذلك إلى مناقشة خلفياتها الفلسفية المتمثلة في الفلسفات الحديثة خاصة فلسفة ديكارت التي قال ضدا عليها . ابستمولوجيا لا ديكارتية و هذا الحوار المستمر الذي تميز به باشلار يعتبر أحد العوامل التي جعلت فلسفته تحظى بمكانة خاصة و ينبغي أن يفهم في إطار الارتباط مع الأساس الموضوعي للنقد الباشلاري الذي هو الثورة العلمية المعاصرة . و ما ساهم كذلك في إضفاء القيمة على فلسفة باشلار هو أن هذه الفلسفة كانت مثار إلهام الفلاسفة و مفكرين معاصرين . بمختلف اختصاصاتهـــم و اتجاهاتهم الفكرية ، و هذا الإلهام كون نوعا من التأويلات لفلسفة هذا الرجل ، و بعبارة أخرى . إلى جانب نقاد باشلار هناك مفكرون أقل تعارضا مع الفكر الباشلاري و أكثر قبولا لأطروحته حيث عملوا على إدراج و استخدام مفاهيمه و أدواته . أي نجد لديهم حضورا قويا وواضحا للفكر الباشلاري . ضمن مشاريعهم الفكرية ، و لاشك أن تطبيقا لهذا الفكر ، كالذي قام به عالم الاجتماع الفرنسي " بيير بورديو " الذي أعطى للسوسيولوجيا قراءة في ضوء ما جاء به باشلار في العقلانية المطبقة . و هذا ما سنحاول إبرازه في هذا العمل أي تأثير هذا الفيلسوف الكبير على " بورديو " الذي تبنو وجهة نظر باشلار و استخدمها في علم أخر لم يفكر فيه باشلار و هو علم الاجتماع و هذا التطبيق يمنح إلى جانب فعاليته في قراءة تاريخ علم الاجتماع يمنح فرصة لهذا الفكر بالالتقاء مع علوم أخرى هي العلوم الإنسانية و علم الاجتماع خصوصا . و امتداد التحليل الباشلاري إلى هذه الميادين المعرفية الحديثة النشأة يغني هذا الفكر ويطوره . كانت تلك إذن هي العوامل التي أضفت أهمية على الفلسفة العلوم الباشلاريــة و الآن سنعرض لهذا المشروع الذي أثار اهتمام " يورديو " كما سيتضح ذلك لاحقا . فهذا المشروع الذي يوجد ضمن واقع الفلسفة الفرنسية و يبرز كدعوة إلى التجديد في الموقف الفلسفي لكي يستجيب للمرحلة الراهنة من تاريخ العلوم . و نقصد بالمشروع الباشلاري ما كتبه باشلار ليعبر به عن الصورة العامة للموقف الفلسفي الذي يريد بناءه . و عن شروط قيام هذا الموقف الجديد و يظهر هذا المشروع في الخطاب الباشلاري على مستويين : ـ المستوى الأول : و هو الذي يقدم فيه باشلار تصورا جديدا لفلسفة العلوم الذي يقوم على نقد و مجازة التصور الذي كان سائدا ، و ذلك بفضل إعادة النظر في المهام التي ينبغي أن ترجع إلى فلسفة العلوم و في الشروط التي تلزم لإنجاز هذه المهام . ـ المستوى الثاني : و هو الذي ينظر فيه باشلار إلى النظريات العلمية لا من حيث هي ثورة في ميدان العلوم بل من حيث أنها تمثل دعوة إلى إقامة موقف إبستمولوجي جديد يبرز القيم المعرفية الجديدة التي جاءت بها تلك النظريات . و يحاول باشلار أن يحدد الطبيعة العامة لهذا الموقف الجديد مميزا إياه عن المواقف التقليدية التي كانت موجودة إلى حين قيامه و ينعت فلسفته بنعوت مختلفة فهو يسميها العقلانية المطبقة Rationalisme appliqué و يدعوها أحيانا أخرى ب " المادية العقلانية Matérialisme rationnel أو المادية التقنية Matérialisme technique و يدعوها مرات بفلسفة لا philosophie du non و مرات أخرى ب " الفلسفة المفتوحة philosophie ouverte . إن هذا الخطاب الباشلاري جاء مرافقا لتناول المشكلات الإبستمولوجية . فبشلار كان هدفه هو إنجاز برنامج عمل لكل ميدان فلسفة العلوم الذي هو ميدان بحثه بامتياز لذلك نجده يرفض أن تكون فلسفة العلوم تدخلا فلسفيا في العلم على عكس الفلسفات الأخرى التي احتوت النتائج العملية لعلم الأنساق الفلسفية ، و ضدا على هذه المواقف يخاطبنا باشلار بخطاب إبستملوجي لا يتخدر صورة التدخل الفلسفي في العلم بل يتجه إلى النتائج العلمية في ذاتها و يعبر عن هذه النتائج مبرزا القيمة الفلسفية لها خارج كل أهداف تبريرية و يرفض باشلار كما ينتقد وظيفة فيلسوف العلم و المتمثلة في محاولة بناء نظرية عامة للمعرفة ، لأن خطأ هذه النظريات يكمن في محاولة تقديم حلول نهائية لمسألة المعرفة . بعد هذا الرفض يطرح باشلار تصورا بديلا يتضمن ثلاث مهمات أساسية لفلسفة العلوم : - العمل على إبراز القيمة الإبستمولوجية للعلم : القيمة الإبستمولوجية ليست قيمة عامة للعلم بل مجموع القيم المتجددة مع تطور الفكر العلمي و هي قيمة للعلم و ليس من حق الفيلسوف أن يضفي عليها قيما خارجية ، و لإنجاز هذه المهمة لابد لفيلسوف العلم أن يتخذ موقف اليقظة من العلم المعاصر . و ذلك بتجاوز موقفا منهجيا سائدا في فلسفة المعرفة ثم عليه كذلك الانتباه إلى مظاهر الجدة و الخصوبة في الفترة العلمية التي يعاصرها ، فمن خصائص العلم المعاصر لنا أن الواقع فيه هو الواقع المبني و ليس المعطى ، و هذا ما استحضره " بورديو " عند القول ب الوقائع تنتزع ، تبنى في مواجهة الحس الشائع . - البحث عن أثر المعارف العلمية في بنية الفكر : ذلك لأن البنية العقلية ليست بنية ثابتة بل بنية متطورة بفعل أثر المعارف العلمية عليها ، لذا على فيلسوف العلم أن يبين لنا حالة المعارف العلمية في كل مرحلة من تطور الفكر العلمي مبرزا القيم المعرفية الجديدة التي تبرز في هذه المرحلة و الآثار الذي تحدثه هذه المعارف على بنيتنا الفكرية. - المهمة الثالثة : أو ما يدعوه باشلار بالتحليل النفسي للمعرفة الموضوعية . إذ يفترض باشلار أن لدى الباحث العلمي ، مكبوتات عقلية على الإبستمولوجي أن يبحث في باقي الأثر الذي تتركه على هذا العمل العلمي للعالم ، و يعتبر عائق إبستمولوجي أمام المعرفة العلمية . هكذا يكون شعورنا حول فلسفة باشلار بأنها فلسفة تحمل في طياتها إرادة التجاوز تجاوز الفلسفات التقليدية و تأسيس خطاب ابستمولوجي جديد يمكن الفلاسفة من تمثل المضمون العميق للنتائج العلمية الجديدة ، و يبشر العلماء بأنهم لن يجدوا فيه ذلك الخطاب العدمي بالنسبة للتقدم العلمي لأعمالهم . كل ما أتينا على ذكره سابقا يخص المستوى الأول من المشروع الباشـــلاري و المتعلق بالصورة التي يريد باشلار أن يكون عليها الخطاب الإبستمولوجي الجديد ، أما في المستوى الثاني من هذا المشروع ، و الذي يهمنا بالأساس في هذا البحث باعتباره الجانب الذي اعتمده " بورديو " في قراءة تاريخ علم الاجتماع ، يخص طبيعة هذا الموقف الفلسفي الجديد الذي يعتبره باشلار مطابقا للمرحلة الراهنة من تطور العلـوم ، و في سياق تميزه لهذا الموقف يرى أنه لفهم طبيعة التفكير العلمي لا يمكننا الاختيار بين موقفين متعارضين فالعقلانية وحدها و الواقعية وحدها قاصرتان على إفهامنا معــاني و دلالات الاكتشافات العلمية الجديدة فالصراع بين هذين الاتجاهين داخل الميتافيزيقا أمر مستبعد داخل الفكر العلمي إلا في حالة التكامل بين الاتجاهين لأن الفكر العلمي لا يفهم في إطار موقف فلسفي واحد بل العكس . يلقب باشلار موقفه بالانتقائية في الوسائل ضدا على الانتقائية في الغايات ، و التي تبنتها الانتقائية التقليدية التي يرفضها باشلار معلنا أنه ضد الانغلاق و النسقية الفلسفية المنغلقة لأن الفكر العلمي المتفتح و القابل للتخلي عن حقيقة أولى لقبول حقيقة ثانيــة لا يمكن فهمه إلا بفلسفة متفتحة تستفيد من المعطيات المعرفية , يدعوه ثانيا بالعقلانية المطبقة Rationalisme appliqué لأنه يرفض أن يكون عقلانيا بالمعنى المطلق ففلسفته فلسفة عقلانية لكن تتميز بإرادتها في أن تنطبق و يتميز هذا الموقف بعدم وقوفه عند مبادئ ثابتة بخلاف العقلانية التقليدية التي تعود إلى نفس المبادئ ، أما العقلانية المطبقة فهي عقلانية العلم المعاصر الذي يتطور دون أن ينسى إعادة النظر في مفاهيمه ، فهي تتميز في كونها العقلانية التي تسعى إلى أن تزيد من تطبيقاتها و تسعى إلى أن تكون دائما فلسفة إعادة النظر كما تريد أن تعيد الانطلاق و أن تجدد و تعيد تنظيم المعارف ، يقول باشلار " الفكر العلمي على أهبة باستمرار لا للبداية من جديد فحسب فهو أقل ما يمكن قوله ولا إعادة البناء فحسب بل على أهبة لإعادة التنظيم " و العقلانية المطبقة كما تتميز عن العقلانية التقليدية . فإنها تتميز أيضا عن الفلسفة التجريبية التي تقدم الفكرة كما لو كانت تلخيصا للتجربة و ذلك بالفصل بين التجربة و كل قبليات التهيء ، و تتعارض كذلك مع الأفلاطونية التي تقول بأن الأفكار تنحط و تفقد قيمتها الفلسفية عندما تنطبق على الأشياء ، و في نظر باشلار فإن الوقائـع لا تكون وقائع علمية لمجرد كينونتها بل عندما تصبح معقلنة أي عندما نمتلك عنها فكرة عقلانية قابلة للتطبيق . و يصف باشلار موقفه بأنه فلسفة متفتحة و التفتح سمة ملازمة و ضرورية لكل فلسفة تريد أن تكون فلسفة الفكر العلمي المعاصر . الذي أثبتت نظرياته مدى اتسامه بالتفتح و يظهر ذلك على مستوى قبوله لنظريات جديدة كلما دعا التفسير العلمي المعقول للواقع إلى ذلك حتى و إن تطلب الأمر إعادة النظر في مبادئه الأساسيــــــــة و مفاهيمه الأولية ، و هذه العملية تعتبر إخضاعا لتلك المبادئ لجدل المعرفة العلميـة . و تنفتح العقلانية المطبقة كذلك على الأنساق الفلسفية من خلال عدم ترددها في الأخذ بمفاهيم و مقولات الفلسفات الأخرى ، في حالة قدرتها على إفهامنا اكتشاف علمي جديد . إن السعي المستمر إلى التطبيق و التفتح ميزتان يترتب عنهما صفة جدلية فهو يصف فلسفته بكونها عقلانية جدلية . و الجدل معناه أن العقلانية المطبقة ليست أوتوماتيكيــة أو أنية من استلهام المنطق فالجدل هو إخضاع المبادئ لصيرورة التطور العلمي ، و من جهة أخرى فإن صفة الجدلية تعني أن الموقف العقلاني الجديد ينطلق من إشكالية معينة بخلاف الفلسفات العقلانية التقليدية التي لا تضع أمامها إشكالية . إذ كما يقـــول باشلار " إن عقلانيا بدون إشكالية إن هو إلا عقل لا يتنفس عقل يختنق و يسقط في الدوغمائية إنه إنسان الليل الذي يواصل وجوده المريح . و الذي لا يقوم بعمله النقدي أساسا و ينبغي للعمل الذي هو في أساسه نقدي أن يبحث بتأن عن كل أخطاء التنظيم التي تحمل مسؤوليتها كما ينبغي لها أن تقوم بالتجارب « كانت هذه جملة النعوت التي تميز بها فلسفة باشلار التي أعلنها ضدا على الفلسفات العقلانية التقليدية . كإبستمولوجيا لا ديكارتية و المقصود ليس " ديكارت " فحسب بل كل موقف فلسفي يستلهم الديكارتية ، فإذا كان ديكارت يقر أنه بعد رحلة الشك يبرز يقين أول هو وجود الأنا و من هذا اليقين الأول ينتقل إلى يقينيات أخرى هي وجـــود الله و العالم الخارجي ، ووجود الأنا كجسم ، و ذلك بالإعتماد على الوضوح و التميز . أما العقلانية المطبقة فتأمن بأنه ليس هناك يقين ما يمتلك الصلاحية المعرفية المطلقة ليصبح مصدرا ليقينيات أخرى ، لأن طريق العلم المعاصر إلى الحقيقة هي جملة من التجارب المعقدة التي تعتمد على أدوات ووسائل مادية و نظرية و معقدة و لا يمكن لحقيقة ما أن تصبح يقينية لمجرد صدورها عن يقين أول و تتعارض العقلانية المطبقة مع الديكارتية في مبدأ البساطة على اعتبار أن العلم المعاصر لا يعرف مكانا لمبدأ البساطة و الواقع البسيط فالعلم المعاصر يقرأ المعقد الواقعي في مظاهر البساطة أي البحث عن المعقد وراء البسيط . و على هذا الأساس يرى باشلار بأن الإبستومولوجيا لن تكون قادرة على إبراز القيم الإبستمولوجية للعلم المعاصر إلا إذا قامت كإبستمولوجيا لا ديكارتية . و في الختام سوف أعرض المفاهيم الثلاثة التي تكون في مجموعها التصور الباشلاري عن تاريخ العلوم و هي : - مفهوم العائق الإبستمولوجي L’Obstacle épistémologique و الذي يعبر باشلار عن كل مظاهر التعطل أو التوقف أو النكوص التي قد تحدث في سير تاريخ العلوم . - مفهوم القطيعة الإبستمولوجية épistémologique La rupture و هو المفهوم الذي يعبر به باشلار عن القفزات الكيفية التي تحدث في تاريخ العلوم ، و عن مظاهر الثورة التي قد تتحقق في هذا التاريخ بفضل قيام بعض النظريات العلمية . - مفهوم الجدل dialectique و هو الذي يعبر به عن العلاقة الجدلية التي تقوم في تاريخ العلوم بصفة عامة بين القطيعات و العوائق ، ثم عن العلاقة الجدلية التي تقوم داخل العمل العلمي بين النظريات الرياضية و التجريب الفيزيائي . و الجدل بين العقلانية و التجريبية و الجدل بين ما هو قبلي و ما هو بعدي ...إلخ
#سعيد_الكواكبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|