|
متى يُهزم داعش وكيف؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003، مرحلة مفصلية مهمة وأساسية اختبرت فيها واشنطن نتائج ستراتيجيتها على المستويين العسكري والسياسي ، لاسيّما بعد احتلال أفغانستان في العام 2001، حين اندفعت في نهج الانتقام على نحو شديد بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإجرامية العام 2001، مستخدمة سياسة العصا الغليظة التي اتبعتها منذ انهيار نظام القطبية الثنائية في أواخر الثمانينات وانتهاء عهد الحرب الباردة (الأولى)، وانحلال الكتلة الاشتراكية وانفراط عقد الاتحاد السوفييتي وتقسيمه. ومنذ بداية عقد التسعينات حصل تحوّل كبير في سياسة واشنطن، لاسيّما محاولتها التسيّد على العالم وبسط نفوذها على المجتمع الدولي وإعلانها انتصار الليبرالية الجديدة على المستوى الكوني، وذلك بعد الحرب التي شنّتها على العراق العام 1991، لتحرير الكويت بعد غزوها من جانب القوات العراقية في 2 أغسطس (آب) 1990. لكن إدارة الرئيس باراك أوباما اختلفت عن إدارة الرئيس جورج دبليو بوش ليس بسبب الاختلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل بسبب المأزق الذي وجدت نفسها فيه، الأمر الذي دفع بأوباما في حملته الانتخابية الإعلان عن نيته في الانسحاب من العراق، وذلك تحت ضغط الرأي العام العالمي، ولاسيّما الأمريكي والغربي، إضافة إلى الأزمة المالية التي ضربت العالم وتركت تأثيراتها البليغة على الولايات المتحدة منذ أواخر عهد الرئيس بوش وبداية عهد الرئيس أوباما، وأدّت إلى انهيار بنوك عملاقة وشركات تأمين كبرى، وكذلك في ظل رفض شعبي عراقي وممانعة ومقاومة أدت إلى مقتل أكثر من أربعة آلاف وثمنمائة جندي أمريكي (4800) حسب التقديرات الرسمية للمصادر الأمريكية، وبشكل خاص وفقاً لبيانات البنتاغون، عدا أفراد الشركات الأمنية والمتعاقدين من العسكريين والمدنيين وغيرهم، يضاف إلى هذه الأرقام نحو 26 ألف (ستة وعشرون الف) جريح ومعوّق وحالات انتحار عديدة ومرضى نفسيين يزداد عددهم يوماً بعد يوم. حين وصلت داعش إلى واجهة الأحداث، كانت واشنطن لا ترغب في التورّط مجدّداً في المستنقع العراقي، على الرغم من " إلتزاماتها"، كما قالت إزاء العراق، وفقاً لاتفاقية الإطار الستراتيجي لعام 2008، حيث كان لطريقة انسحابها وهزيمتها أكبر الأثر على تردّدها وتمنّعها من التدخل العسكري المباشر، خصوصاً بإرسال جنود لها إلى العراق، ولكن تحت الضغوط الكبيرة ولحماية المصالح الأمريكية، قرّرت القيام بالتدخل عبر قصف قوات داعش ومناطق وجودها من الجو دون إرسال جنود على الأرض، والاكتفاء بإرسال بضعة آلاف من الخبراء العسكريين، بهدف التدريب ولأغراض استخبارية لمساعدة القوات العراقية، كما أعلنت عن رغبتها في تسليح الجيش العراقي، وعلى نحو منفصل تسليح قوات البيشمركة الكردية وتسليح شيوخ العشائر العربية السنّية، وهو ما أثار تعارضات في الموقف العراقي المنقسم أساساً، بل والمُحترب والمليء بالشكوك والاتهامات والاستقطابات. وقد نشرت مجلة انترناشنول جورنال مؤخراً تقريراً مطوّلاً حول الاستراتيجية التي ينبغي على واشنطن أن تتبعها، خصوصاً في ظل تصاعد نفوذ داعش بعد احتلالها محافظة الموصل في يونيو(حزيران) العام 2014، وهيمنتها على نحو ثلث الأراضي العراقية، إضافة إلى سيطرة داعش على الرقّة ونحو ثلث الأراضي السورية، في خطوة كانت أقرب إلى إلغاء حدود سايكس بيكو، وإفساح المجال أمام قوات داعش للانتقال بانسيابية وسهولة بين العراق وسوريا، الأمر الذي وضع واشنطن أمام مسؤوليات جديدة تفرض عليها بحكم التزاماتها الدولية ومصالحها الخاصة، التحرّك لوضع حد لتنظيم داعش، وهو ما عبّر عنه عدد من المسؤولين الأمريكان، في حين إن فروقاً كبيرة بين تقليص نفوذ داعش وبين القضاء عليها، خصوصاً بتجفيف منابعها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والتربوية والنفسية وعدم عدالة نظام العلاقات الدولية الذي يؤدي إلى فرض الهيمنة والاستتباع ونهب الموارد الاقتصادية للشعوب والبلدان النامية، وهو ما يساعد على تفقيس بيض الإرهاب ونشر التطرّف بجميع أشكاله. التقرير الذي وضعته المجلة احتوى على آراء كبار منظري السياسة الخارجية، ورؤيتهم لكيفية التعامل مع داعش خلال الفترة المقبلة، وشمل آراء أليوت ابرامز وجوزيف جوفي وفرح بانديت وبول بيرمان وستيفان كول وجيمس روبن ومايكل شيهن وكنعان مكية وشادي حامد. وقد حاول كل منهم أن يقدّم تصوراته ضمن حدود اختصاصه، وهو ما جعله متنوّعاً، لاسيّما إذا تمت قراءته على نحو جامع وضمن رؤية شمولية. ولعلّ أهم استنتاج عبّر عنه الخبراء هو ما يتعلّق بالنتائج السلبية لحروب الولايات المتحدة، لاسيّما بعد احتلال أفغانستان والعراق، حيث لا تزال أفغانستان تعصف بها الريح من كل مكان، وتعاني من عدم الاستقرار الأمني والاحتراب الداخلي، وضعف الدولة ومؤسساتها. أما الوضع في العراق، فبعد 12 سنة على الاحتلال، لم تنجح العملية السياسية التي صمّمتها واشنطن ورسمتها بدقة، حيث أدّت إلى تشظّي الوضع العراقي بسبب نظام المحاصصة الطائفي والإثني واستشراء الإرهاب والعنف وتفشي الفساد والرشا، وازدادت رؤية القوى السياسية تباعداً وغاب أي قرار موحد، فحتى مواجهة داعش أدّت إلى انقسامات حادة، بحيث يريد إقليم كردستان المزيد من الدعم الأمريكي ويعتبر العلاقة مع الولايات المتحدة ضمانة له، مثلما كان يعارض الانسحاب الأمريكي ويرغب في استمرار الاتفاقية الأمنية العراقية - الأمريكية التي انتهى مفعولها في أواخر العام 2011، واضطرّت حينها الولايات المتحدة إلى الانسحاب السريع من العراق. أما السنيّة السياسية فبعد أن رفضت الاحتلال الأمريكي، اضطرّت للتعامل مع نتائجه بالتقسيط، وخصوصاً بعد تشكيل جماعة الصحوات، وبالغ بعضها في التشبّث بواشنطن، وهو ما يدعو إليه بعض رؤساء الكتل السياسية وبعض رؤساء العشائر الذين طالبوا واشنطن بتسليحهم، خصوصاً بعد تشكيل الشيعية السياسية جماعة " الحشد الشعبي" ودخوله المعارك ضد داعش، واتهامه بارتكابات في تكريت ومناطق أخرى، وقد اضطرّ رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى احتواء بعض تداعيات هذا المشهد للقوى المسلحة غير النظامية من الشيعية السياسية، وأعلن عن إلحاق جماعة الحشد الشعبي بالقوات المسلحة العراقية وبه شخصياً، باعتباره القائد العام. وترفض جماعات الشيعية السياسية الوجود العسكري الأمريكي، خصوصاً بإرسال جنود أمريكان، مثلما تشكّك بدور القوات الجوية الأمريكية وقوات التحالف الدولي الذي تم تشكيله بقيادة واشنطن للحرب ضد داعش، ويعتبر بعضها هذا الدور مشبوهاً ومتواطئاً مع داعش، في إطار خطة لتقسيم العراق سيضطر إليها العراقيون قسراً، باعتبارها "أحسن الحلول السيئة"، لاسيّما بعد هزيمة تنظيم داعش، وهو سيهزم لا محال لأنه ضد قوانين التطور وضد الإنسانية، حتى لو بقيت الظاهرة لحين، لكن الخشية هو ما بعد داعش، فهل سيبقى العراق موحداً؟. وإذا كان في العراق عند احتلاله نحو 170 ألف جندي أمريكي، لكنهم لم يتمكّنوا طيلة مدّة بقائهم التي استمرت ثمان سنوات من ضبط الأوضاع الأمنية، فكيف سيتمكن قصف من الجو وضع حد لتنظيم داعش ؟ وماذا سينفع ذلك في ظل الانقسام السياسي الحاد والعمودي بين الكتل والجماعات وأمراء الطوائف، فضلاً عن تدهور الأوضاع الأمنية واحتمالات التفتيت الفعلية؟ وهو ما تسعى إليه قوى كثيرة بحسب مصالحها، إضافة إلى أنه قد ينسجم مع مشروع جو بايدن الذي طرحه العام 2007 وحظي بدعم الكونغرس، وهو ما يجري الحديث عنه في ظل خطر داعش من جهة، ومحاولات التسليح المنفردة للجيش العراقي وقوات البيشمركة والعشائر السنيّة العراقية في المناطق الغربية، من جهة ثانية. ومن الاستنتاجات المهمة التي احتواها التقرير هو الإقرار بأنه بعد ما يقارب من 20 عاماً وحتى الآن لم تستطع واشنطن خلالها تقدير القوة الحقيقية للقوى الإرهابية، وقد كانت ردود الفعل الأمريكية غير المناسبة قد ساعدت في انتشارها حول العالم، ابتداء من شمال أفريقيا في التسعينات ومروراً باحتلال أفغانستان والعراق، ثم التجارب الفاشلة في ليبيا واليمن وسوريا ونيجيريا، وغيرها. ويتجلّى الفشل الأمريكي أيضاً في عدم قدرة واشنطن في الحدّ من تجنيد داعش لآلاف الشباب الأمريكي والغربي، وهو ما دفعها وتحت ضغط الواقع إلى مقاومة " إغراء" عدم التدخل العسكري بسبب التجارب المريرة التي عاشتها، ولكن تدخلها هذه المرّة كان من الجو، وهي لا تزال تقدّم خطوة وتؤخر خطوة أخرى، ناهيك عن اضطراب ستراتيجيتها وعدم توازنها، بل إتّباعها نهجاً يمتاز بالازدواجية والانتقائية، حيث كانت تغضّ النظر عن وجود داعش في سوريا، في حين تحرّكت ضده في العراق، ونوّهت لخطره بعد احتلال الموصل، ولاسيّما سعيها للتمدّد، خصوصاً ما بين سوريا والعراق. إن مواجهة فاعلة لداعش تحتاج إلى ستراتيجية موحّدة وتعاون دولي وإقليمي فعّال ضده، لا من أجل وضع حدّ له ، بل للقضاء عليه واجتثاث منابعه المختلفة وتجفيف مصادر تمويله، ومعالجة مخلفاته في البيئة التي احتضنته أو تسترت عليه ، لأنه يمثل خطراً عالمياً حقيقياً لا على سوريا والعراق وبلدان المنطقة فحسب ، بل على الغرب ذاته والبشرية جمعاء.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قالوا.. نظام إقليمي عربي
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى-ح 15
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى-ح 14
-
هلوسات ما بعد الموت الأول
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى -ح 13
-
متلازمة الدّين والإنسان
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 12
-
تحدّيات التنوير منظوراً إليها أكاديمياً!
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 11
-
عن القوة الناعمة
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 10
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 9
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 8
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 7
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 6
-
العقد الثاني لليسار في أمريكا اللاتينية
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 5
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 4
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 3
-
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 2
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|