|
ابويغي .. قصة قصيرة
طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)
الحوار المتمدن-العدد: 4849 - 2015 / 6 / 26 - 15:29
المحور:
الادب والفن
ابويغي ... قصة قصيرة
كان قد فك قيد حصانه المتعب وحرره من عربة النفط الذي اجهده ثم وضع أمامه باقة البرسيم فراح يلتهمها بشغف .. لم يخطر على بال احد ان ابويغي سوف يتزوج يوما.. لكن فخريه لم يصعب عليها إيجاد احدى العوانس اليائسات له ! اشترطت عليه ان يترك الخمر ..!! هاهو ابويغي يحمل طفله المعجزة !! راح يداعبه ويلاعبه وهو يحمله على صدره ؛ هي هي .. أمسك بسبابة الطفل وراح يشير بها الى تلك الكوة التي تطل على الزقاق الجانبي وتقابل الخربة التي اتخذ منها مسكنا له .. كان يقول للطفل : تلك التي قضمت عمر ابيك يا بني ..هي هي .. راح يغني للطفل بصوته الخشن الذي ينطلق من منخريه الواسعتين .. كانت تحيط بعينيه المحتقنتين هالة سوداء تتوسط تجاعيد عميقة دائرية وآخر هلالية تحتضن فمه ذو الشفة الهاطلة دوما .. راح صليوه يضحك وهو يناول شابا ملثما قنينة ملفوفة بكيس ورقي اسمر من تلك الكوة المنبثقة من جدار نادي الموظفين .. كان بويغي يروح ويجيء في الزقاق ليس بعيدا عن تلك الكوة وهو يداعب الطفل .. صاح به رمضان من بعيد : هيهات ان تترك الزحلاوي يا بويغي ... كان رمضان يجلس على احد الأرائك الخشبية بالقرب من عاكول .. تطل قهوة عاكول على الغراف مجاورة للطبكة الوحيدة التي تنقل العابرين من والى الجانب الاخر للشط .. خرجت فخرية من الخان وهي تصرخ في بويغي وتحذره : إياك ان تقترب من صليوه والا طلقت منك شلتاغه وحرمتك من لفته !! كانت فخرية سمراء طويلة القامة وسليطة اللسان ... كانت صبغة الديرم لا تفارق فمها وذلك اللسان ابدا.. كيف تسنى لبويغي ان يتحمل الجلد المزمن بلسان فخرية ؟! يمكن ان يكون خنوع زوجها الذي يشاركها ببيع البرسيم والعلف عذرا له ... كان بويغي يعمل في الصباح فراشا في ثانوية الحي ويكمل يومه حتى الليل ببيع النفط وهو يدرج مع حصانه المتعب في ازقة المدينة .. تعود الطلاب على وجهه الذي يشبه وجوه المصابين بالعجز الكلوي .. عيون منتفخة ووجه تأكله التجاعيد العميقة .. كانت تفوح من فمه رائحة العرق صباحا ويتحرك بهدوء وهو يحاذر السقوط ، لكن مرحه ونكاته التي يطلقها بين الحين والآخر جعلت الآخرين طلابا ومدرسين يحبونه ويأنسوا اليه .. حتى ملاطفاته وسخريته من بعض الطلاب والمدرسين القرويين كما كان يسميهم باعتباره ( ابن اولايه) !! كانت تمر بلا اعتراض بل تقابل بالضحك .. كانت سخريته تنصب على ذوي الوجوه التي تفتقد الجمال ويخدم بحرارة من كان جميلا !!،مدرسا كان ام طالبا ... فقط كان المدير يوسف عيسى يَصْب غضبه على ابويغي حين يمسكه وهو يبيع سكائر المفرد للطلاب .. حتى نساء المدينة ورجالها كانوا لا يشترون منه النفط الا وبغمزونه ببعض الكلمات ... ها ابويغي ؟! تفوح منك رائحة المسك والعنبر ؟! هكذا كانت حياة ابويغي .. ينتهي يومه وقد تزود من تلك الكوة بما يجعله يسير متمايلا وهو يتخذ من احدى آرائك قهوة عاكول مجلسا وهو ينتظر بائع الفشافيش القريب ان يجلب له عشاءه اليومي .. كانت قهوة عاكول ملتقى لاعمار مختلفة من ابناء المدينة ..كانت هي المقهى الوحيدة في المدينة التي تطل على الشط.. في الداخل وحيث تظلل ارائكها الخشبية وكراسيها المصنوعة من جريد النخيل ، أشجار الصفصاف و الحور .. هناك وعلى جرف الشط يتخذ الشباب مكانا لهم وهم يلعبون النرد والدومينو .. اما البعض الاخر فتراهم يتصفحون الكتب والمجلات ويتبارون في قراءة قصص ديستويفسكي وتولستوي ونجيب محفوظ ! واحيانا يعرجون همسا على اخر اخبار اليسار !! اما على الكورنيش فيتخذ المسنون ، عادة، مجالسا لهم مولعين بمتابعة الشارع والداخلين والخارجين من نادي الموظفين .. عادة ما يستذكرون ايام الشباب ويجترون الأحداث القديمة والذكريات ...خرجت فخرية مرة اخرى وهي تصرخ ببويغي بان يدخل بالطفل الى الخان فنادى عليها رمضان : دعيه يشم الرائحة على الأقل!!! ردت عليه بلسانها السليط : رمضان .. تسكت ام اشهرك امام الناس وافضح كل سوالفك .. انطلق الجالسون بنوبة ضحك وقد اعتادوا على تلك المماحكة بين رمضان وفخريه التي كانوا يستأنسون بلسانها السليط وهي تجلد به من يحتك بها .. كانت امرأة أربعينية ليس عليها شائبة غير ذلك اللسان المؤنس احيانا ... شكا احد الرواد المسنين لصاحبه من سرقة نصف دينار من صندوقه الخشبي الذي أودعه تكلفة دفنه حين يموت ! كان ابويغي مولعا بسماع الحوادث التي تخص أولئك العجائز الذين يصنفون عليه ويسخرون منه حين يسكر ..!! في ذلك المساء صرخ ابويغي وهو لا يزال يحمل طفله قبالة الكوة : ها ها .. نادى على زاير صالح : انظر زاير ذاك هو النصف دينار الذي سرق منك !!! كان يشير الى حفيد الزاير ، ( نزاع ) وقد خرج من النادي مترنحا وقد اخفى نصف وجهه بكوفية عنيقة ....
#طالب_الجليلي (هاشتاغ)
Talib_Al_Jalely#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خوخ الحي ...فصة قصيرة
-
رهن..
-
بين سبيلك و ميركه سور 18 ..( أوراق على رصيف الذاكرة)
-
بين سبيلك و ميركه سور 19 ( أوراق على رصيف الذاكرة)
-
ومضة ..
-
حزن ...
-
عراقيون
-
من هو زاير مبرم ..؟!
-
قضية زاير مبرم ...
-
شيخ ( جار الله)
-
ماهي اجروح..
-
حرت وياك..
-
وطن مذبوح
-
فضيحة جديدة
-
حمى أعبيد وزيارة النجيفي
-
يا عراق...
-
The animal farm
-
تحذير
-
يا ..حبيبي
-
عزف في الخريف
المزيد.....
-
مهرجان كان السينمائي يختار الممثلة جولييت بينوش لرئاسة لجنة
...
-
صدور أول كتاب للفن المعماري الطليعي الروسي باللغة العربية في
...
-
الكويت تطلق الدورة الـ30 لمهرجان القرين الثقافي
-
مداخيل السينما بالمغرب تحقق 12.7 مليون دولار في 2024
-
مكتب نتنياهو يُعلن إرسال وفد إلى الدوحة نهاية الأسبوع لمناقش
...
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|