بيكاسو الفنان الملتزم رائد الفن التكعيبي

فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4849 - 2015 / 6 / 26 - 05:29
المحور: الادب والفن
    

ان قيمة الإعمال الفنية في لوحات الفنان ( بيكاسو) تتضاعف عندما نفهم رسالة الفنان الإبداعية التي هي حصيلة إمكانياته ألثقافته والتقنية ومواهبه التي أبدع التعبير عنها عبر الشعور والإحساس وشحذ إدراكه البصري والجمالي كوسائل تجمعت عنده عبر الخبرة الجمالية والتي توجهت إلى أحاسيسه وما يتصل بالاستجابات أخرى، كالخيال والفهم والعاطفة، وبما أن الفن يوجه إلى الإدراك عبر الأجهزة النفسية والحسية، فإن عمل الفن يتوقف على طبيعة هذه الأجهزة في المشاهد، فهناك الإحساس بفاعلية الصور والأضواء والحركات في العمل الفني، ضمن هذا البعد، يتحرك الفنان( بيكاسو) لخلق إعمال الفنية .
فـ(بيكاسو)، واسمه بالكامل (بابلو خوسيه رويز)، ولد في 25 أكتوبر عام 1881م بمدينة ( مالقة) الأسبانية، وهو يهودي الديانة، فوالده (خوسيه رويز) كان يعمل أستاذاً للرسم والتصوير في إحدى مدارس الرسم، كما كان أمينا للمتحف المحلى ومتخصص في رسم الطيور والطبيعة، و والدته تدعي (ماريا بيكاسو) وهي من أصول ايطاليه، وقد كني من اسم والدته (بيكاسو) نفسه، فأسمى نفسه (بابلو بيكاسو) هو الاسم الذي اشتهر به فيما بعد.
و(بابلو) ظهر شغفه ومهارته في فن الرسم والتشكيل منذ نعومة أظافره، حيث تلقى على يد والده العديد من الدروس في الرسم الزيتي، وعندما بلغ الثالثة عشر من عمره، قام بإتمام رسم أحد (السكيتشات) التي لم يكن والده قد انتهى منها ، وحينما تفحص والده تقنية ابنه في الرسم شعر انه قد تفوق عليه، مما شجعه للتقديم في امتحان القبول للمستوى المتقدم بـ(أكاديمية الفنون الجميلة في برشلونة) التي كان يعمل أستاذا بها في ذلك الوقت، وبالفعل أجتاز الامتحان في أسبوع واحد مما أذهل لجنة التحكيم .
وفي عام 1901م نشر( بابلو) بعض رسوماته التشكيلية، وبعدها قام بتأسيس مجلة مع صديقه (فرانشيسكو سولير) باسم (فن الشاب) وكان (سولير) يكتب المقالات بينما يساهم (بيكاسو) بالرسوم التي كان أغلبها كاريكاتيرية لتصوير معاناة الفقراء، ومنذ هذا الوقت بدأ بالتوقيع على لوحاته باسم ( بيكاسو) بعد أن ظل طوال سنواته السابقة يوقع على أعماله تحت اسم (بابلو رويز بيكاسو).
وبحلول عام 1905م أصبح (بيكاسو) من الرسامين المفضلين لدى العديد من جامعي اللوحات ومن أبرزهم الكاتبة (جيرترود شتاين) التي أصبحت الراعي الرسمي لأعماله حيث كانت تحصل على رسوماته ولوحاته وتقوم بعرضهم في صالون منزلها بباريس،إضافة إلى ذلك فانه نشط بشكل ملحوظ خلال هذه لفترة بالمشارك وعرض لوحاته في العديد من المعارض الفنية بمختلف دول العالم، ليصبح بذلك من أشهر رسامي العالم.
على ضوء هذه الخلفية، يمكن القول بأن الفن عند (بيكاسو) لا يمكن تذوقه والإحساس بقيمته إلا عبر المتعة الجمالية التي تحفز المشاعر والأحاسيس، وتتولد عنها تأثيرات حقيقية وحسية ووجدانية وإيحائية وانطباعية ونفسية وواقعية في الذات التي تتولد علاقة سيكولوجية بين الفنان والمتلقي لعمله ، رغم كون هذه العلاقة غير متكافئة أو متوازنة بسبب اختلاف مستوى الثقافي للمتلقي، إلا أن في المحصلة النهاية تأتي بالراحة والقبول بما يفرزه العمل من القيم الأخلاقية والغريزية ومن الأحداث وغيرها من العناصر التي تحقق للعمل الفني نجاحه، وهذا لا يأتي إلا من خلال ما يقوم به الفنان من ابتكار إشكال جديدة والتوازن بين الشكل والمحتوى. ومن هنا فان تطور إعمال (بيكاسو) شكلت نموذجا لهذا المسعى نحو التجديد لدرجة التي يمكننا إن نصنف إعماله عبر مراحل عدة، فالإعمال التي تم تنفيذها بين عامي( 1900 و1904 ) سميت بالمرحلة الزرقاء، وهى الفترة التي أكثر استخدام اللون الأزرق الشفاف البارد في لوحاته، واختار لموضوعاته أفقر الأحياء حيث يقيم المنبوذون و المعدمون من فقراء المجتمع، فسادة لوحاته بغلالة من الكآبة والحزن وإثارة الغيظ معا، أراد الفنان الإنسان، ولا ننسى القول هنا بان (بيكاسو) كان فنان ملتزم يمارس دوره النضالي مع رفاق دربه من الشيوعيين كونه منتميا إلى الحزب، فان سعيهم لإزالة الفوارق الاجتماعية كان في صميم أهدافهم النضالية، وبذلك ركز (بيكاسو ) إلى إبرازها كموضوعات تمس واقع المجتمع آنذاك وفى هذه الفترة الزمنية أيضا أنجز كثيراً من أعمال الحفر على الخشب أو المعادن التي تحمل كل هذه السمات، فلو أخذنا على سبيل المثال وليس الحصر- لان لـ(بيكاسو) خلال هذه الفترة رسم العديد من اللوحات الممتازة - فلوحته الموسومة بـ( عازف الكيتـار العجـوز) التي تمثـل نموذجـا لطبيـعة لوحـات في (المرحلـة الزرقـاء) التـي تعمـد فيـها (بيكاسـو) رسـم شخـوص لوحاتـه بهيئـات منكسـرة ومشوهـة وحزينة و مكتئبة ، في هذه اللوحـة تمكن من التعبيـر ببراعـة عـن التـدهور الجسمانـي والمعنـوي لشخصيـة موضوع اللـوحة، حيث يبـدو العـازف العجـوز الأعمـى بملابسـه الرثـة وجسـده الهزيـل وهـو يعزف على آلة (الكيتار) بـلا اهتـمام، وقـد اتـخذ وضـع جلـوس غيـر مريـح وبـدا كمـا لـو أنـه لا ينتـظر أي عزاء أو إشـادة من العالـم المحيـط بـه، أو كما لـو أن الحيـاة تسربـت من جسـده الشاحـب ولم تـعد تعنـي لـه شيئـاً.. العـازف العجـوز كـان أحـد بؤسـاء المرحلـة الزرقـاء، أي نفـس الفئـة التـي وجـد (بيكاسـو) نفسـه متعاطـفا مع أفرادهـا بعد وصـوله إلى بـاريس لأول مـرة وكـان عمـره لا يتجـاوز التاسعـة عشـرة، وقـد أفـرد (بيكاسـو) لهـذه الفئـة العديـد من اللوحـات الـتي رسمهم فـي أشكـال عديدة، من الحرمـان والبـؤس مستخدمـا اللـون الأزرق، الذي أصبـح بفضـل (بيكاسـو) ومرحلتـه الزرقـاء رمـزا للسوداويـة والحـزن وخلـو الحيـاة مـن أي معنـى أو هـدف، وهي مرحلة التي سعى فيها (الشيوعيين) للنضال من اجل تغير هذه الأوضاع المزرية التي كانت تضرب عموم أوربا لحين إن انفجرت ثورة الاشتراكيين الشيوعيين في روسيا .
إما (المرحلة الوردية) فيمكن لنا تصنيفها بين عامي( 1904 و1907 ) حيث اتخذ فن ( بيكاسو) منحى جديدا و مختلفا، فقد اختفى من لوحاته الألوان الزرقاء بكل درجاته، ليحل مكانه للألوان القرمزية والرمادية والوردية، الأمر الذي أطلق هواة التقسيم على إعمال هذه المرحلة بـ(المرحلة الوردية) ودخلت في لوحاته شخوص جديدة الراقص والبهلوان و مهرج السير، وتعتبر لوحته المعنونة (صبي وغليون ) نموذجا للمرحلة الوردية، وقد رسمها بيكاسو في العام 1905 وعمره 24 عاما، وتصور اللوحة صبيا باريسيا كان يتردد على مرسم (بيكاسو) في (مونمارتر) حيث يبدو الصبي – كما يظهر شكله في اللوحة - مرتديا ملابس زرقاء ومطوقا رأسه بباقة من الورد وممسكا بيد اليسار (غليونا)، وكان (جون ويتني) سفير الولايات المتحدة في بريطانيا قد اشترى اللوحة في عام 1950 بمبلغ 30 ألف دولار، يقول بعض النقاد أن اللوحة ترمز للغموض وجمال الشباب الذي أهلها لأن تكون إحدى أكثر لوحات (بيكاسو) تقديرا واحتفاء .. فيما يميل البعض الآخر إلى القول بأن السعر الذي بيعت له اللوحة له علاقة باسم الفنان أكثر من كونه اعترافا بجدارة اللوحة أو أهميتها التاريخية.. إذ أن لـ(بيكاسو) لوحات أكثر أهمية لكنها لم تحقق حتى نصف هذا السعر عند بيعها. . وثمة من يجادل بأن اللوحة تحتوي على عناصر جمالية واضحة رغم أنها لا تنتمي للأسلوب (التكعيبي) الذي ابتكره (بيكاسو) وبرع فيه وحفظ له مكانة مميزة في تاريخ الفن التشكيلي العالمي، ويذكر بان هنا لـ( بيكاسو) أربع لوحات هي من بين أغلى عشر لوحات في العالم، ويليه الفنان التشكيلي (فان كوخ) بثلاث لوحات من مجموع ذلك .
اما (المرحلــــــــة الإفريقية) فهي الفترة التي يمكن لنا حصرها ما بين عام (1907 و1909 ) حيث اتجه (بيكاسو) نحو الفن (الإفريقي) إذ تأثر بالتماثيل والأشكال الزنجية البدائية حيث أثار (بيكاسو) فيها تشويه متعمد في صياغة الشكل، وتتناقض تماما مع كل القواعد التقليدية في مقاييس الجمال المعهودة آنذاك، فكانت بمثابة ثورة على المألوف، مثل ثورة فن(الوحشيين) في مجال استخدام الألوان وإيحاءاتها.
و إما (المرحلة التكعيبية التركيبية) فهي الفترة التي يمكننا حصرها ما بين عام (1910 و 1919 ) فهي مرحلة تجديد حقيقية في أسلوب الفنان (بيكاسو) وتقنياته الفنية.
فالفنان (بيكاسو) كغيره من الفنانين في هذه المرحلة من مراحل (القرن العشرين) كانوا يبحثون عن التجديد، فبعد إن ظل الفن لحقبة طويلة يحاكي الأشكال الطبيعية المرئية في الأعمال التشكيلية وهذا ما نشاهده في كافة الإعمال التي نفذوها خلال قرن (التاسع عشر) او ما قبله , إلا أن منذ مطلع (القرن العشرين) شهد تغيرا جذريا في تاريخ (الفن التشكيلي (حيث بدا الفنانون يهتمون بابتكار وسائل جديدة للتعبير عن تصورهم للفن بما يلاءم التطور الحضاري الذي يحدث في العالم الحديث، ونتج عن هذه التغيرات ظهور ثلاث مدارس فنية في نفس الوقت تقريبا هي :
المدرسة(التكعيبية) في فرنسا و(التعبيرية) في ألمانيا و(المستقبلية) في ايطاليا.
حيث رفض الفنانون في فرنسا مبدأ محاكاة الأشكال الطبيعية , وبدءوا يختزلون هذه الأشكال إلى أجزاء هندسية وخطوط مستقيمة , ثم أعادوا صياغتها من جديد، ‏والواقع أن بشائر الثورة على الأشكال الطبيعية قد بدأ ظهورها قبل ذلك في (فرنسا) في أواخر (القرن التاسع عشر) في أعمال الفنان المجدد( سيزان ), الذي ركز في إظهار إشكال الطبيعية في مساحات هندسية مبسطة متينة البنيان , وقد تمكن فنانو (القرن العشرين) من تطوير فكرتهم الهندسية إلى مرحلة متقدمة , فتمكنوا من رؤية مكعبات ومخروطات واسطوانات في الأشكال الطبيعية، كانت المدرسة( التكعيبية) أضخم انتفاضة ثورية فنية عرفها العصر الحديث, وهي (باريسية) النشأة, ظهرت في أعقاب المدرسة (الوحشية) بمثابة رد فعل لنظريات هذه المدرسة وللنزعة التعبيرية، والواقع أن (التكعيبية) كانت تتجه إلى التحرر من الشكل مثلما تحرر (الوحشيون) من الألوان الطبيعية وكان الفنان التشكيلي (ماتيس) من أوائل المتأثرين بها، ‏وارتبطت تسميتها بالناقد الفني (لويس فوكسيل ) الذي وصف لوحات التي عرضها الفنان (جورج براك )عام 1908 في صالة ( كانفيللر ) بأنها تتكون من (مكعبات) , وكرر الوصف مرة ثانية في العام التالي , وكذلك ذكر أن (ماتيس) وصف اثنان من لوحات (جورج براك) اللتين قبلتهما هيئة التحكم في صالون الخريف عام 1908 , بأنها تتكونان من (مكعبات صغيرة) , وبذلك التصقت التسمية بالأسلوب الجديد، وانتشر هذا الوصف بعد ذلك , واستخدمت هذه التسمية لوصف أية لوحة تتصل بالمدرسة , ووصف الناقد (أبولينير) أعمال الرسامين هذه النزعة عام( 1913 ) بالرسامين ( التكعيبيين) .
فـ(التكعيبية) ظهرت كأحد المدارس المعمارية الحديثة في بداية) القرن العشرين)، تقول العبارة المشهورة للفنان (سيزان) أن الكرة، والأسطوانة، والمخروط، هي جوهر البنية الطبيعة، و(التكعيبة) كمدرسة في الفن التشكيلي قد نشأة عن نوع من الالتباس في فهم هذه العبارة، فلم يكن الغرض فرض هذه الأشكال الهندسية على الطبيعة، لأن هذه الإشكال هي موجودة فعلا في الطبيعة، غير أن (التكعيبيين) قد عمدوا في سبيل بناء اللوحة لتصبح متماسكة وقوية إلى هندسة الصورة الطبيعة، و لم يكن غرض (التكعيبيين) عندما أخذوا في تحليل صور الطبيعة، وتقسيمها إلى الأشكال الهندسية وإخضاع أشكالها للعمل الفني سوى البحث عن أسرار (الجمال)، على أنهم في هذا كانوا مدفوعين بالإحساس العام السائد بين فناني العصر الحديث، وهو ((أن الحقيقة شيء خفي يختبئ وراء الصور الظاهرية)) .
و هنا نقول بان بداية هذه الحركة المرحلة التي بدأها الفنان (سيزان) بين عامي (1907 و 1909م ) تعتبر المرحلة الأولى من (التكعيبية)، وقد كان هدفها ليس التركيز على الأشياء، وإنما على أشكالها المستقلة التي حددت بخطوط هندسية صارمة، فقد أعتقد (التكعيبيون) أنهم جعلوا من الأشياء المرئية ومن الواقع شكلاً فنيا، ومن هنا جاء (بيكاسو) متأثرا كل تأثير بهذا الأسلوب الحديث، ليصبح أحد أهم منظري وفناني المدرسة (التكعيبية) و أشهر فناني هذه المدرسة إلى جانب كل من الفنان) جورج براك (و (ليجرد ( و (جاك فيلون ( و (سيزان (.
ومن هنا نستطيع القول بان المدرسة (التكعيبية) اتجاه الفني أتخذ من الأشكال الهندسية أساسا لبناء العمل الفني إذا قامت هذه المدرسة على الاعتقاد بنظرية (التبلور التعدينية) التي تعتبر الهندسة أصولا للأجسام، حيث اعتمدت (التكعيبية) على الخط الهندسي أساسا لكل (شكل)، فاستخدم فنانوها الخط المستقيم والخط المنحني، فكانت (الأشكال) فيها إما أسطوانية أو كرويه، وكذلك ظهر المربع والأشكال الهندسية المسطحة في المساحات التي تحيط بالموضوع، وتنوعت المساحات الهندسية في (الأشكال) تبعا لتنوع الخطوط والأشكال واتجاهاتها المختلفة، لقد كان الفنان ( سيزان) المهد الأول للاتجاه التكعيبي بين عامي ( 1907- 1909) وتعتبر المرحلة الأولى من التكعيبية، ولكن الدعامة الرئيسية هو الفنان (بابلو بيكاسو) لاستمراره في تبينها وتطويرها لمدة طويلة من الزمن، فكان هدف (بيكاسو) باستحداثه (التكعيبية) في فنه لا يقوم على التركيز على الأشياء، وإنما على أشكالها المستقلة التي حددت بخطوط هندسية صارمة، وأظهر أجزاء الأشكال بأسلوب تكعيبي والتركيز على رسم وموضوع مترابط وواضح المعالم من خلال الخطوط (التكعيبية) كما تظهر في لوحة (الجورنيكا) على سبيل المثال وليس الحصر، التي رسمها (بيكاسو) عام( 1937 ) حيث تعتبر من أشهر أعماله (التكعيبية) وهي تمثل مأساة (الشعب الأسباني) في الحرب العالمية الأولى .
و (جورنيكا) لوحة جداريه ، تنتمي إلى المدرسة (التكعيبية) استوحاها الفنان (بيكاسو) اثر الهجوم بالطائرات والقصف بالقنابل التي تعرضت له قرية (جورنيكا) شمال (إسبانيا) من طرف القوات التابعة لـدكتاتور (فرانكو) حاكم اسبانيا آنذاك، بدعم من (النازيين) عـام 1938، وتم إلقاء خمسين طنا من القنابل على القرية الآهلة بالسكان، الأمر الذي أسفر عن سقوط مئات القتلى وجرحى، فجاءت لـوحـة (جورنيكا) لتـجسـد وحشـيـة الـحرب والـجرائـم البشـريـة، واثر انتشار إخبار هذه الجريمة التي ارتكبتها القوات الألمانية في اسبانيا كـان (بيـكـاسـو) أثـنـاء ذلـك يـقيـم فـي بـاريـس، ولـدى سـمـاعـه بالخبـر، تـأثـر تأثيرا بالغا بهذه الفاجعة التي تعرض له أبناء شعبه في (اسبانيا) ، فقرر أن يـرسـم لـوحـة احتجاجية و كصرخة علـى مـا مـورس من أعمال وحشية في الحرب، وأن يـهـدي هـذه اللـوحـة لمـوطنـه (إسبـانيـا)، و حيـن عـرضت لـوحـة (جورنيكا) لأول مـرة فـي أحـد الـعروض الفـنيـة، نـالت اعتـراض بـعض النـقـاد وخـاصـة (الألـمـان) منـهم، بـادعـاء أنـها لـوحـة بسيـطة ومـجرد خربشـات يسـتـطيـع أي صبـي صغيـر رسـمـها.. ولـكن بـعد ذلـك، بـدأت اللـوحـة تـأخـذ مكانتها فـي السـاحـة الفـنية، حتـى اعتـبـروهـا مـن أهـم وأقوى اللـوحـات الفـنيـة التـي رسـمهـا (بيـكـاسـو) علـى الإطـلاق.
ففي هذه اللوحة، لوحة (جورنيكا) عبر (بيكاسو)عن بشاعة الحرب ليدينها وليذكر كل العالم بقسوة الدمار الذي خلفتها الحروب على البشر، وبقتلها الأبرياء، حيث تحتوي لوحة (جورنيكا) العديد من الرموز التي تحتمل العديد من القراءات والتفسيرات حسب ثقافة و وعي المتلقين، لكن فكرتها الرئيسية تتمحور حول ما تخلفه الحرب من مآس وفي نفس الوقت تحث على السلم والسلام، حيث نـرى مشـهـد ذعـر وألـم وبـلبلـة يـحـيـط ببـعض البشـر أثـنـاء حـدوث اعتـداء عليـهـم.. مـنـهـم مـن يـصـرخ، مـنهـم مـن يبـكي.. ومـنـهـم مـن يـستـغيث.. ومـنهم من يـحاول الهـرب .. ومـنهم من هو ملـقـي على الأرض صـريـعا.. إحداث الدمـوي بشعة نراها في اللوحة (جورنيكا) ، فـيها نشـاهـد أيضا امـرأة تـحـمل طـفـلا، وهنا يـقـال النقاد بان هذا المشهد اسـتـعـاره (بيكاسو) مـن فكرة لـوحـة (مـذبـحـة الأبـريـاء ) للفـنـان (بـول روبنـز)، وقد اسـتـعـمل (بيـكاسـو) بـعض الأمـور التـي تـدل علـى الحـرب كالسـكيـن والحصـان والثــور.. وربـمـا (الثـور) جـاء في لوحة (جورنيكا) رمـزا للهـمجيـة والـعـنـف المـمـارس فـي الحـروب، مـا يـلفت النـظر فـي هـذه اللـوحـة، أنهـا رسـمت باللونيـن (الأبيـض والأسـود).. ربـمـا قصـد (بيكاسو) من ذلـك للإشارة إلى سـوداويـة الـحرب وبشـاعتـهـا، كـمـا وأن (بيـكاسـو) تـخـلى هـنـا عـن رسـم الجـنـود المعتـديـن، وسـلّـط الضـوء بـدل ذلـك علـى البشـر، وعلـى الأبـريـاء والأطفـال ضـحـايـا أي عـدوان يـمـارس، مهـمـا كـانت جنسـيـة المـعتـدي ومـهـما كـانت دوافعـه.
فلـوحـة (جورنيـكـا) صـارت اليـوم رمـزا لهـمجيـة الـحرب ومـآسيـهـا ورمـزا احـتـجاجيـا علـى حـقـوق الإنسـان الضـائـعة فـي كـل الحـروب، حيث يبلغ طولها 3,5 متر وعرض يبلغ 7,8 أمتار، اول عرض كان لها في أوروبا ثم أمريكا، ولم تذهب إلى اسبانيا حتى العام 1981 لتستقر في موقعها الحالي في متحف مركز الملكة (صوفيا) الوطني للفنون مدريد 1992، ووضعت نسخة عنها في مبنى الأمم المتحدة، العام 2009.
فـ(جورنيكا) التي رسمها (بيكاسو) بأسلوب (تكعيبي) أظهرت عن مدى قدرة هذه المدرسة في التعبير عن موضوعات حيوية وتأخذ مكانة مرموقة في عالم الفن (التشكيلي)، ومن هنا يرجح الفضل في نمو (التكعيبية) وازدهارها إلى التجارب التي قام بها (بيكاسو) بتصور عقلاني متفهم بين الشكل والموضوع, ويظهر في اشكال لوحة (جورنيكا) المكعب والمخروط والأسطوانة والكرة وبما يوازي مع مضمون اللوحة ومعبرة بشكل جمالي سلس وهذا الصياغة المتقنة تعود إلى خبرة الفنان وقدرته الإبداعية .
لقد بلغت المدرسة التكعيبية عام 1910 وبجهود كل من (بيكاسو) و( وجورج براك) درجة كبيرة من التطور في خلق وتشويه معالم الشكل الطبيعي, وقد اقتبس كل منهما من الآخر في تلك الفترة لدرجة التي أصبح التمييز بين أعمالهما صعبا جدا وخاصة إعمالهما المحصورة ما بين عامي( 1910 - 1911 ) إلا للدارس المتخصص , وتوضح ذلك لوحتا (كمنجة وباليت 1910) للفنان (جورج براك) و(لاعب الأكورديون 1911) للفنان بيكاسو)، وخلال هذه الفترة انتشرت المدرسة (التكعيبية) انتشارا واسعا بين الفنانين التشكيلين وقد ‏استخدم كثير منهم أساليب (التكعيبية) في الفترة 1908 -1911 بالرغم من أن الكثير منهم لم يكن يعلم تماما مفهوم هذه النظرية، ونذكر ممن تأثر بالمدرسة ( التكعيبية ) الفنان (خوان جري) و كما اجتذبت المدرسة عددا كبيرا من الفنانين المتفهمين لخطوات المدرسة (التكعيبية) أمثال (فرناند ليجيه) و(البرت جليزس) و(جان متزنجر) و(روبرت ديلوني) و(جاك فيلون) و(مرسيل دوشامب) ، واشترك أغلب هؤلاء الفنانين التشكيليين في أول عرض جماعي لهذه المدرسة وقوبلوا بالهجوم من النقاد إلا أن النقد كان له رد فعل عكسي , حيث جذب عددا ضخما من الجمهور إلى صالة العرض التي اكتظت بهم , وصارت (التكعيبية) في فن التشكيل فننا لا يمكن تجاهله .‏
ومنذ عام 1912 انتشر المذهب (التكعيبي) خارج فرنسا , فأقام الفنانون التشكيلين معارض لإعمالهم (التكعيبية) في عدد من مدن الأوربية منها معرض (الفارس الأزرق) بمدينة (ميونيخ) , و معارض في ( كولون وبرلين وزيوريخ وموسكو وبرشلونة , وفي لندن )، وفي السنين التالية ظهرت اتجاهات جديدة في (التكعيبية) كان أهمها حركة (اورفيزم) التي ابتدعها الفنان التشكيلي( ديلوني) واستمدها من (التكعيبية التحليلية) , كما ظهرت نتائج للحركة (التكعيبية) والحركات الفنية الجديدة المتعددة التي بدأت تغزو أوروبا , مثل الأسلوب (الميكانيكي) والاهتمام بالآلة الذي قدمه الفنان التشكيلي( ليجيه ) في فرنسا،‏
وبالرغم من أن الحرب العالمية الأولى أوقفت نشاط المدرسة التكعيبية إلا أن تأثيرها كان قد تسرب إلى الفنانين الناشئين، كما ذكرنا سابقا .‏
وبعد قيام الحرب العالمية الثانية استمر (بيكاسو) الإقامة في (باريس) حينما احتلها الألمان، إلا أن أسلوب (بيكاسو) الفني لم يكن يتناسب مع الفكر (النازي) في ذلك الوقت، ولذلك لم يعرض (بيكاسو) لوحات في هذه الفترة رغم كونه ظل يمارس نشاطه الإبداعي في الرسم في مرسمه ، وكان من بين هذه اللوحات حياة ساكنة مع لوحته الشهيرة (الكيتار عام 1942)، و(مقبرة تشارنيل عام 1944 (وعلى الرغم من (الألمان) منعوا استخدام البرونز في باريس إلا أن (بيكاسو) استمر في استخدام البرونز في أعماله والتي كان يتم تهريبها إليه من قِبل المقاومة الفرنسية.
في هذه الفترة بدأ (بيكاسو) الكتابة وألهو مع نساء صغيرات السن، كمخرج بديل لعدم جلب انتباه الأمان على نشاطاته الحزبية مع (الشيوعيين)، حيث تعددت علاقاته العاطفية بشكل كبير رغم انه منذ عام 1904 انغمس في ملذات الحياة والعبث مع النساء ، إذ في حياته هنالك العديد من العشيقات إلى جانب زيجاته حيث تزوج مرتين وأنجب أربعه أطفال من ثلاث نساء ، ففي عام 1904 ,التقى بـ( فيرناندا اوليفر - فنانة بوهيمية) والتي أصبحت فيما بعد عشيقته, حيث ظهرت في عدد من لوحات (بيكاسو) في المرحلة (الوردية) والتي تركها فيما بعد, بعد اكتساب بعض الشهرة والثروة من أجل (مارسيل همبورت،ايفا ) والتي عبر عن حبه لها في العديد من لوحاته التكعيبية أيضا , وفي عام 1915 ماتت (ايفا) عن عمر يناهز 30 ,الأمر الذي ترك موتها أثار نفسية في حياة (بيكاسو) في تلك الفترة، وفي صيف 1918, تزوج (بيكاسو) من (أولقا كوكلوفا ) راقصة باليه (روسية) وهي (الزوجة الأولى) لـه، حيث أنجبت منه طفل اسماه (باولو) , ليكبر ويصبح ابنا فاسقا انخرط مع مسابقي الدراجات النارية ولم يقتفي بسيرة أبيه، و كان هناك العديد من الصراعات بين(بيكاسو) وزوجته اولقا .
في عام 1927 التقى (بيكاسو) بـ (ماري والتر) وكان عمرها 17 عاما والتي أقام معها علاقة سرية, انفصل بعدها عن زوجته (أولقــآ ) وانتهت علاقته بها بانفصال بدلا عن الطلاق لأنه لم يرغب لها أن ترث نصف ثروته، و قد بقيا الاثنان متزوجان شرعا إلى أن ماتت (أولقا) عام 1955، وبعدها استمرت علاقة (بيكاسو) بـ (ماري تريز والتر ) وأنجبت منه ابنه )مايا( ,وكانت تعيش على أمل زواج (بيكاسو) بها يوما ما وهو الأمر الذي لم يفعله ، فقتلت (ماري والتر) نفسها شنقا , بعد أربعة سنوات من وفاة (بيكاسو).
وفي عام 1944 بدأ (بيكاسو) علاقة جديدة مع فتاة تصغره بـ 40 سنة وهي طالبة للرسم اسمها ( فرانسواز غيلوت) , والتي أنجبت منه (فرانسواز) ولدان من(بيكاسو) الأول سمته (كلود)عام 1947 و الثاني سمته (بــآلوما ) عام 1949 ، وقد انتهت علاقة(بيكاسو) بها، مما أثار غضبها وضغينتها على (بيكاسو) لذلك بادرت (فرانسوا) فى عام 1964 بإصدار كتاب عن حياة (بيكاسو) بعنوان (الحياة مع بيكاسو) وصفت فيه (فرانسوا) معاملة (بيكاسو) البذيئة معها وخياناته المتعددة التي دفعتها لمغادرته ومعها طفليها، وكانت هذه ضربة قاسية بالنسبة (بيكاسو) لان الكتاب أظهره بمظهر غير ما كان عليه عند عشاق فنه، وأثناء علاقته بـ(فرانسوا ) دخل (بيكاسو) في علاقة جديدة مع (جينفيف لابورت ) والتي كانت تصغره بحوالي خمسة وأربعين عاما وهو فارق عمري أكبر من الفارق بين عمره وعمر (فرانسوا)، واستمرت هذه العلاقة ثلاثة سنوات منها ستة أسابيع ظلت علاقته فيها مع (فرانسوا) قائمة، وفى هذه الفترة، وكما يبدو من أعمال (بيكاسو) ، بدأ في التصالح مع سنه المتقدمة وبدأ انجذابه للشابات يتراجع.
وفي عام 1961 تزوج (بيكاسو) من (جاكلين روكي ) وهي (الزوجة الثانية) له، والتي كانت تعمل بصناعة الفخار في (الريفيرا) الفرنسية,استمر الاثنان معا إلى أن مات (بيكاسو) حيث كان زواجه الثاني انتقاما من ( فرانسوا غيلوت) التي كانت قد طُلقت من زوجها (لوك سيمون ) لسعيها للزواج من (بيكاسو) لتأمين حقوق أبنائها كورثة شرعيين له فيما بعد، ولكن بعدما تقدمت (فرانسواغيلوت) لطلب الطلاق من( لوكسيمون) كان (بيكاسو) قد تزوج سراً من (جاكلين روكي)، الأمر الذي جعل علاقته بأبنائه من(فرانسوا غلوت) كل من (كلود) و(بالوما) متوترة إلى حد كبير.
وقبل هذا الوقت كان (بيكاسو) قد شيد منزلا كبيرا على الطراز (القوطى)، و الذي تم منحه من قبل الدولة الفرنسية في جنوب فرنسا تكريما لإبداعاته وبكونه قد أصبح من مشاهير العالم حيث أصبح الاهتمام كبيرا بحياته الشخصية تماما مثل الاهتمام بفنه.
وقد توفي (بابلو بيكاسو) في (8 من أبريل عام 1973( عن عمر يناهز (91( عام، خلال حفلــة أقامها هو وزوجته (جاكلين روكي) للأصدقاء، وقد دفن (بيكاسو) في (شاتو) بالقرب من مقاطعة (أيكس ) في قطعة الأرض التي كانت قد منحت له عام 1958 ثم انتقل للعيش فيها مع (جاكلين روكي) منذ عام 1959 حتى 1962، وقد منعت زوجته (جاكلين روكي ) ابنيه (كلود) و(بالوما ) من حضور جنازة أبيهما، وعاشت من بعده (جاكلين روكي ) وحيدة ومحطمة حتى أطلقت علي نفسها الرصاص عام 1985 وانتحرت عن عمر يناهز الـ 59 عاماً، في وقت الذي كانت (ماري والتر) عشيقة (بيكاسو ) قد انتحرت شنقا , بعد أربعة سنوات من وفاة (بيكاسو).
وفي حياة (بيكاسو) إضافة إلى الإرث الفني الكبير الذي تركه خلفه، فان لـ(بيكاسو) مؤلفات عدد من كتب خلال فترة ما بين عام( 1935 و 1959 ) حيث كتب أكثر من( 300 ) قصيدة، وكانت هذه الأعمال غير معنونة باستثناء بعض التواريخ وأماكن الكتابة أحيانا، وقد صنفت هذه الأعمال كونها مثيرة إلى حد كبير، مثل مسرحيتيه (الرغبة التي أشعلها الذنب) عام 1941، و(الفتيات الصغيرات الأربع) عام 1949، بالإضافة إلى ذلك فقد شارك في بعض الأفلام التي كان يظهر بها بشخصيته الحقيقية، منها (وصية أورفيوس) عام 1960م وفيلم (لغز بيكاسو) عام 1956م للمخرج (هنري جورج كلوزو).
وبالرغم من العديد من أعماله التي جاءت مناهضة للحرب، إلا أن (بيكاسو) كان قد اتخذ موقفا محايدا تجاه كل من الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية الإسبانية، والحرب العالمية الثانية رافضا الانضمام للقوات المسلحة لأي جهة أو بلد، ويذكر بأنه عند اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية عام 1937 كان (بيكاسو) في أواخر الخمسينات من عمره، وبالتالي كان أكبر سنا في الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن أن يتوقع أن يحمل سلاحا أو يشارك في الحرب كمواطن إسباني يعيش في فرنسا، لأنه كان يعيش تحت إكراه القتال ضد الغزاة (الألمان) في كل من الحربين العالميتين.
في الحرب الأهلية الإسبانية كان للإسبانيين المقيمين بالخارج فرصة ما إذا كانوا يرغبون العودة طواعية إلى بلدهم للمشاركة في الحرب مع أي من الجانبين، على الرغم من تعبير (بيكاسو) عن غضبه وإدانته لـ(فرانسسيسكو فرانكو) والفاشيين تم من خلال أعماله، إلا أنه لم يرفع سلاحا ضدهم، فإنه بقى بعيداً عن حركة الاستقلال (الكتالنية) خلال شبابه على الرغم من دعمه العام لها وصداقته لبعض الناشطين فيها، في عام 1944 انضم (بيكاسو) للحزب الشيوعي الفرنسي، وحضر مؤتمر دولي للسلام في )بولندا)، وفي عام 1950 حصل على جائزة (ستالين) للسلام من (الاتحاد السوفيتية) وقد ظل (بيكاسو) في صفوف الحزب (الشيوعي) عضوا مخلصا للحزب حتى وفاته.
وفي مقابلة له مع جريدة (جيروم سيكلر) قال (بيكاسو):
"..أنا شيوعي ولوحاتي شيوعية، لكنني إذا كنت إسكافيا، ملكيا كنت أو شيوعيا أو أي شيء آخر، فإنني لن أطرق حذائي بطريقة ما كي أظهر سياستي..".
وفي عام 1962 حصل (بيكاسو) على جائزة (لينين للسلام) ، و كان(بيكاسو) ضد تدخل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في الحرب (الكورية)، وقد قام بتصوير مذابح) كوريا( في لوحته (مذبحة كوريا- عام 1951) إلا أن تشدده الشيوعي بالإضافة إلى القواسم المشتركة التي كانت تجمعه بالعديد من المثقفين والفنانين في هذه الفترة رغم حظرها رسميا من قبل (إسبانيا) في ظل (فرانكو) وهى فترة من التاريخ الإسباني (1936 - 1975 ) كانت فيها( إسبانيا) تحت سيطرة الحكم الدكتاتور (فرانسيسكو فرانكو( وكانت مثارا للجدل حول (بيكاسو) لفترة كبيرة من الوقت، وهناك عدة مصادر بارزة كانت قد أشارت إلى علاقة (بيكاسو) المتوترة نوعا ما بالفنان الإسباني) سلفادور دالى) و(اندريه بريتون) وآخرين بسبب مواقفهم من الحزب الشيوعي بكون (بيكاسو) يشهر بشيوعيته علنا و يعلن عن مواقفه المؤيدة للحزب( الشيوعي) .
فبيكاسو الفنان الملتزم بمعانات الشعوب ظل وفيا مع مبادئه وإيمانه بالقيم الاشتراكية والشيوعية وجسد هذا الانتماء عبر إعمال جسد فيها روح النضال لدى الشعوب المضطهدة وصراعها مع الدكتاتورية كما ناضل شعبه الاسباني ضد حكم (فرنكو)، فجسد نضاله بإعمال خلدت تاريخ شعوب المناضلة من اجل الحرية وضد النازية في إعمال خالدة من أبرزها لوحة (جورنيكا) حيث ان الخبرة الفنية لـ(بيكاسو) وإدراكه بقيمة التذوق الفني جسد بمواضيع اجتماعية عبر عنها بالإحساس والشعور صادق ما جعل إعماله الفنية تبرز بقيمتها الجمالية، بعد إن جعل من أساليب الحداثة مادة تعبيرية تخدم موضوع العمل الفني، فمن هنا تبرز سمت الإبداع في إعماله، وهو الأمر الذي يجعلنا نحس بقيمتها الجمالية بحجم توافقها (الهارموك) بين الشكل والمضمون، وهو الذي يجعل من فن (بيكاسو) الفنان الملتزم و المرتبط بمعانات الإنسان يهب لإعماله قيمة إبداعية يهتدي إليها المتلقي بكل سلاسة وشفافية، ويعد التذوق الجمالي في لوحاته محور المعايشة الجمالية.. و هو القطب الموجب في العلاقة الجمالية الناشئة بين المتلقي والأثر الجمالي في مجمل إعمال (بيكاسو) الخالدة .

#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات