أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( أنخاب ) / قصة قصيرة














المزيد.....

( أنخاب ) / قصة قصيرة


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4848 - 2015 / 6 / 25 - 21:38
المحور: الادب والفن
    


ما بين الكرسي الهزّاز والكرسي المتحرك مسافة دهشة، يتماوج الأمس مجرّحاً بمرايا لا تكاد تلمح فيها سوى ظلّ بقايا امرأة، يحلّق الأسى فوق رموش عينيها، يداها الناعمتان ترتجفان، تمسكان طرفي الكرسي المتحرك بشدّة، تحاول أن تستدير نحو اليمين، يصفعها موج التذكّر، تفزعها ضحكته، هي ذات الضحكة المجلجلة في أقبية المجهول، ضباب كثيف، دخان حرائق، عيناها تعاودان الترتيل، تحدّق في ملامح الصدفة، يساورها الشك، الكرسي الهزّاز يتعاطى الصمت،
" هذا المسخ الجالس فوق الكرسي أعرفه، قبل سنين أعرفه، لطالما أقام أعراسه على رماد القتلى"
الزمن يبتلّ بالتوقف، تنتصب ظهيرة الأمس عند حافة الرعب، تنطفئ مرايا الأحلام، يتجلى جنونها صراخاً يملأ أزقة المدينة، لا شيء غير لافتة سوداء تحمل بقايا قمر أفل قبل أوانه، لقد رحل مع الراحلين. تقطب حاجبيها، يرتسم العبوس على محياها، تضيق مساحة الرؤيا، تحدّق مرة أخرى في ملامحه، لم ترَ غير وجهاً مكتئباً، يقطر كرهاً حتى اللحظة الراهنة. الساعة المعلّقة على الجدار، خلف الكرسي ترتبك دقّاتها، تتغلغل في تجاعيد الخراب، عقاربها تتخذ شكل علامة استفهام حانقة، اللحظة ملغومة بالجنون، تطمر بين ثناياها دوائر مغلقة، مشفّرة، تنتصب ظهيرة الأمس عند شرفة مظلمة، لحظة مخيفة، رجلٌ أعرج مترهل، يلتهم أحلامي البريئة، يخادعني، يلقي بجثته فوق الكرسي الهزّاز، يتجاهلني، يرشقني بتساؤلات غائمة، فتيات يصدرن صراخاً في غرف متجاورة، أتطلّع إليه، أتضاءل في منفاه، تطاردني عيناه، يتلذّذ بمفاتني الذاوية، يمارس حضوره، أتشاغل بثباتي، أجاهد إغراءاته، يستشيط غضباً، يصرخ في وجهي، ينهض من فوق كرسيه، يلغي المسافة الممتدّة بيننا، يداعب خصلات شعري، يمرّر أصابعه فوق خصري، أجفل في سعة من الاستغراب، يقف خلفي، يدسّ أنفه في عنقي، تخنقني أنفاسه الكريهة، يحاصرني طغيانه، يمسك شعري بقوة، يشدّه للخلف، يحسم أمره:
- عليكِ أن تعترفي.
- ولكنّكَ تعرف أنّي بريئة.
- إطلاق سراح زوجك مرهون بك.
تجاهلت مستنقع الرذيلة، ادعيت البلاهة. في تلك الظهيرة المدجّجة بظلام الكون كنت طيراً مكسور الجناح، نجمة غطّاها سحاب الاحتضار، تجفّ أوراق شجيرة الأمل عند ابتسامة هازئة، كلّ شيء معدّ سلفاً للاحتفال بجسدٍ أرهقته المخاوف. يطلق خيول شبقه، أختنق بأنفاس الوحشة، يتهدهد لعابه في كأس خمر، يتسلّق ظلّي المحتمي بزوايا غرفة يلفّها الظلام، يصفعني الصوت:
- في صحة عفتك.
" يا لتعاستي، من يفكّ حصار ارتباكي؟ أما من أحد يسمع صراخي؟"
انتظار موحش، الصدى يرتدّ، يختبئ في تجاويف زمن متخاذل، أحلام بريئة في مواجهة سياط مشحونة بالنباح، أتساقط في حظيرة خنزير، أتطاير في الفراغ، تلفّني العتمة، أتبعثر في مدار خارج عن مساره، جسدي المتّشح بجواهر العفة، المتوهّج بأحلامه العاطلة، يتقلص حياءً، يتوارى تحت دثار الفجيعة، يختبئ في شرخ المجهول. لن أنسى تلك الظهيرة حين شيعت براءتي على هدب الخراب، ألملم شتات كوني، أرتدي صراخي، مكسوة بدموع الأسى، أنسج فضاءً من عويل، أعتلي رهبة المكان مبتلّة بطقوس من جنون، أتدثّر بهمسك، أتخذ من دفء عناقك ملاذاً، أتبع ظلّك، أبصرتك عن قربٍ حبيباً ينسج خمار الكبرياء، أتلو ما تيسر من وجعي المكبوت لعلّي أحضي ثانية بالحضور، وتخلع ثوب الفضيحة، لكنّ الجرح يكمل دورته، يطفح بجرح آخر حين اشتعل المساء بضجيج رحيلك، ينهكني غيابك، انطفئ، تحتلّني وساوس التغريب بعدك، أدخل مواسم الوجع، متّكئة على ساق الجنون. منذ سنين يطوقني زند التيه، يرسمني مثابة للعزاء، أتصحر في كرسي متحرك، مكتحلة بأحزان أزقة مقفرة، تنشد عهداً يشهق موتاً كلّ حين. يصفعني الصوت مرة أخرى، لكن على غير عادته:
- تفضلي، هل من خدمة؟
المكان غارق بترف باذخ، مكتبه الجديد متوهج بالخديعة، مسبحته السوداء، تتراقص بين السبابة والإبهام، أحدّق فيها هازئة، فإذا بها هراوة تسعى في الفراغ، يملأني الحنق، أغلي بالانتقام، أتطلع إلى وجهه، ما زال ينبض بالكراهية، أتعثّر بظهيرة الأمس، زمن ملوّث بالقهر والخداع، مصفرّ حدّ الغثيان، يلوي عنان صبري، أتقيأ خوائي،
"أنّى لهذا الكرسي أن يحتضن ذات الجلاد على رغم تعاقب الفصول؟". عيناه تنفرطان استغراباً، ينشقّ الصوت خفيضاً، يتغافل سطوتي، أفقأ عين السرّ:
- أتذكر تلك الظهيرة حين رسوت على مرافئ عفتي؟
أتهجّى مخاوفه، يمتطي سبيل الخفاء، يعزف على وتر بعيد، عيناه تلهثان بالعمى:
- ما كان عليكَ أن تتركني لأعيش.
كان كلّ شيء يتساقط أمامه، حتى الطيور المحلّقة في اللوحة القابعة فوق الجدار، تبدو نافقة، تنقبض ملامحه، تهتزّ فرائصه، يتوارى خلف أعذار واهية، تجتاحه نوبة هلع، يسقط طريح الكرسي، يتوقف نبض الاهتزاز، يتولاني شعور بالبطش، أضغط بقوة على كأس الحريق، استحضر كلّ مراسيم دفني، أضحك بشكل هستيري، أغرز أظفاري في عينيه، أسملهما:
- في صحتكَ، في صحة عرشك.
أتعمد بفيض الثأر وبصراخه اللاهث خلفي، أترك بصاقي على قارعة التوسل، وأمضي في سِنَة من عطش.



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( مرايا الشيب ) نص يؤسس لنمط مميز في السرد
- بلاغة الغموض في رسائل الموتى / دراسة نقدية - بقلم الناقد الم ...
- ( مدارج العتمة )
- ( الرفيق ديونيسوس )
- في قباء الكوابيس
- رفيف التجلي
- عند منعطف النسيان
- لمّا أوغلَ فيَّ الفراغ
- في مُقام التجلي
- بيادق محنّطة بالغياب
- للهذيان قامة
- حين أعياهُ العدّ
- ماذا بعد انتخابات 2014
- ترنيمة انتظار
- ( محجر رقم 1 ) - قصة قصيرة -
- اللمسة الأخيرة - قصة قصيرة -
- قلبُ أمّي لم تخنْهُ النظرة - قصة قصيرة-
- خطوة على الطريق - قصة قصيرة-
- فلنرجم كلّ الفاسدين بإصواتنا
- إنّهُ يرتّلُ أنفاسي - قصة قصيرة -


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( أنخاب ) / قصة قصيرة