أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن طويل - محمد الماغوط : انشودة التسكع















المزيد.....

محمد الماغوط : انشودة التسكع


حسن طويل

الحوار المتمدن-العدد: 4844 - 2015 / 6 / 21 - 23:03
المحور: الادب والفن
    



" مخذولٌ أنا لا أهل ولا حبيبه
أتسكعُ كالضباب المتلاشي
كمدينةٍ تحترقُ في الليل
والحنين يلسع منكبيّ الهزيلين
كالرياح الجميله ، والغبار الأعمى
فالطريقُ طويله"( قصيدة جناح الكآبة )
محمد الماغوط شاعر يكره الاستقرار الانضباط ، يزلزل كل شيء ؛ القصائد و الحيوات و الكلمات و الارواح .فالمبدع في نظره كالنهر الجاري ان استقر تعفن . ينطلق من الصور ليحولها بسحره الى زخات مطر وبقايا حيوات . هو عاشق للخمر و السيجارة والحياة ، يسقط الكلمات لتتحول الى مزيج من المرارة والحزن و الجمال. طفولة قلبه تطحن عمق تجاربه لتصير نضجا صادما يصفع القارئ كأنه مشروع عدو للشعر والشعراء .هو خلق ليتسكع في الارصفة و المدن و الكلمات ، هو بدوي رحالة احمر لكن من نوع خاص ، انه بدوي ، وفق تعبيره ، يغني في اركسترا الصحراء . انه بدوي مقلوب : همجي في بداوته الى حدود المدنية الحقيقية و محارب للتصنع والزيف الى حدود الثمالة، فبيته الشعري بدون سقف .يحاول ان يبيع حياته شعرا صادقا ، ويحرق تجاربه وبؤسه بحطب الكلمات ؛فقد صرخ في إحدى لوحاته :
كل الايام التي قضيتها بلا طعام
و الليالي بلاغطاء
وكل سخرية من اسمالي في الاعياد
وكل ليلية قضيتها مشردا في الشوارع
............
وكل قملة عثر عليها هذا الحلاق او ذاك المفتش في راسي
وعقب سيجارة ملتقطة من الشارع في فمي
.......
اريد ثمنه شعرا
او صورة شعرية واحدة جديدة
وعفا الله عما مضى " ( قصيدة حب افلاطوني ، ديوان البدوي الاحمر )



هو في شعره مغتصب للكلمات ولكن للاسف بجمال عنيف ، يذكرنا بمشهد الاغتصاب في الفيلم الامريكي كلاب القش ، اليس كل اغتصاب هو فعل ذنيء؟ . "حين يكتب محمد الماغوط ، ينحني على الورقة البيضاء ، كمن يريد نحر الكلمات بمبضع جراح "(محمد الماغوط اغتصاب كان و اخواتها، خليل الصويلح )، في وحشيته هذه نشم رائحة لعنة احباطات و عذابات الشاعرارتير رامبو وعشقه للاستقلال العاري الخشن ؛
" حتى لو كان البرد من حولي يقطع المسمار
ارفض ان اكون من او في بطانة احد
افضل ...
العراء البكر
العراء النابغة . (قصيدة حروب مشردة ، ديوان البدوي الاحمر )
هو يتعرى شعريا بعنف ، ليس له الوقت الكافي لإزالة قطع ثياب كلماته قطعة قطعة ، فهو مطارد مزق من الخوف قصائد كثيرة . يقترب بشعره لرجل الارصفة ، يحطم الشعر النخبوي على ابواب البؤساء و يعيد إليه الحياة بدون وساطات ، ويجعله لغة للقلوب الصادقة و الفورية منغمسا في قطرات المطر .
"كلما كتبت كلمة جديدة ...
تنفتح امامي نافذة جديدة
حتى انتهي في العراء(الربيع من ديوان البدوي الاحمر)
في احدى حواراته يصرح " لم اجد نفسي في خيمة التنظيرات . اردت ان ابقى وفيا لتجربتي كماهي . اذ لم اكن متم بالشكل بل بالاحساس القادم من تجربة ما و معاناة ما . فليس في شعري رموز او اسطورة "(محمد الماغوط اغتصاب كان و اخواتها ،خليل الصويلح)
لقد عاش الغربة مع جماعة الشعر ، حيث اقتحم سكون بداهاتهم و استبدادها ، معلنا عن نهاية التدجين ، فالشعر في نظره حيوان بري حر ، الوزن و التفعيلة و القافية تعتقله . فلقد حول الشعر " من الصومعة الى المقهى " . انه فعلا بدوي كما كانوا يقولون ، لكنه بدوي ازقة و ارصفة ، متسكع في الحياة و متمتعا بسقوط المطر، بدل إنتظار سقوط الغيث كأي بدوي كلاسيكي، على الارض داعيا الله ان يحولها معه الى عشب اخضر . بدوي وحشي يصيد الحيوات و يحولها الى كلمات عاهرة لاتخضع لقانون . هو نحاث جميل لفعل الخرق ، حيث يحوله الى تمثال فاتن يتبول على القوانين و المعارض الفلكلورية . هو ضد الجدية حيث يعتبر كل انسان جدي مريض وفيه خلل حيث ينسج حياته كغرفة بملايين الجدران.هو شاعر زوربوي (زوربا اليوناني )، يرقص و يغني ويكره البنادق ، فالحياة رغم كل مرارتها ، لا تحتاج دائما الى بطولة جندي ، بل في غالب الاحيان الى رصاص قصائد و كثير من البساطة و العبث .
محمد الماغوط عاش التعاسة و العذابات في قريته " السلمية" ووسط اسرته الفقيرة، فتعلم منهما السوداوية و الحزن و التمرد . فحول خليط احاسيسه هذه الى وقود كلمات عارية و مندفعة ، الاهم فيها ليس الشكل بل ما تحمله من مشاعر صادقة في مواجهة التصنع المجاني ؛ الذي يقدس وضعية النقط في الجمل او نحوية المفردات، و يستبد بالارواح و عريها و يحاول سجنها في قيود من ذهب شعري موضوع بعناية من طرف القبيلة الشعرية. محمد الماغوط صعلوك فوضوي مقاتل ضد سجن مشاعر الجماعة لفائدة احاسيس الفرد، الم يصرح في احدى حواراته " انه يحزن ان نال احدهم صفعة ، اكثرمن حزنه على استعمار بلد " . كان يتقن امتصاص احساس الفرد ، ولو سبب ذلك في الموت الجماعي في ساحة الشعر . وهو وحش طليق يتحدث بواسطة شعره الى روحه الطوافة البرية و لا يهمه الآخر . فجمهوره ، ارادوا ام لم يريدوا، هم ضحايا روحه و طرائد سهامه و قرابين معبده الشعري . لقد كان لايحتمل توظيف الرموز و الحواجز في قصائده فقد صرح :"اني احب ان اطلق الاشياء كالصرخة او الطعنة . و مامن طعنة تصيب هدفها ، اذا جاءت الي متعرجة الطريق او مترددة . و لدي قناعة قديمة هي انه لايمكنك ان تصيب أي هدف و يدك ترتجف" (محمد الماغوط اغتصاب كان و اخواتها ، خليل الصويلح ) . كلماته رصاصات مباشرة من بندقية روحه واحاسيسه ، لكنها ليست هيكل عضمي بئيس في قاعة درس ، " انا لااكتب اذا لم اكن مثخنا بالجراح "كما قال في نفس الحوار . فهو سياف للكلمات بامتياز يصيب قارئه في الروح و يدميها مطرا و صديد غابة . اختار ان يكون غرابا هداما و سوداويا ، فالشعر في نظره فيه جانب كبير من النواح ولايهم نوعه زغاريد او بكاء .
"نُصفُهُ نجوم
ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه
ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل
وراء كل نافذه
شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ،
قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ،
تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغير . "( قصيدة رجل على الرصيف)
محمد الماغوط طفل صغير داخل شاعر كبير ، استوطنته القصائد فروت روحه العطشى للدهشة و العري ، فالطفل يكون في ابهى لحظاته ، عندما يرمي لباسه في حوش الدار ساخرا من والديه كالقرد المتوحش الصغير .ولاينسى ان يرقص على موسيقى صيحاتهما وصيحات الجيران خارقا سكون زمن القيلولة. فقد قال يوما " انا طفل لدرجة استطيع ان اشم معها رائحة الحليب على شفتي ".
قصائد محمد الماغوط حيوانات برية حرة ، اصطيادها يحتاج ضوء القمر و روح ممزقة حلوة تعشق الارصفة والتسكع في الازقة و الحانات و تحث قطرات المطر. كلماته صعبة على الترويض، وتعشق التحليق في الغابات و البراري .لقد رحل عنا محمد الماغوط و في فمه سيجارة ، لقد ذهب مع مروضته الوحيدة ، تاركنا في صمت مزعج و في وحش كبير لروحه البرية الجميلة ، التي رغم كل شيء ترقص لنا في قصائده المجروحة بالموت القادم من الشرق .
" اخذوا سيفي كمحارب و قلمي كشاعر و ريشتي كرسام و قيتارتي كغجري ...
واعادوا لي كل شيء و انا في الطريق الى المقبرة ...
ماذا اقول لهم اكثر مما يقوله الكمان للعاصفة "(مرآة اخيرة )



#حسن_طويل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توحش امتحانات البكالوريا في المغرب
- اعترافات نصف مجنون
- ازمة اصلاح نظام التربية والتكوين بالمغرب
- شطحات مايسة الناجي الشعبوية
- بن كيران : البهلوان المبكي
- العلمانية روح الديمقراطية
- -فقسات - مغربية
- حركة 20 فبراير : نقذ ذاتي
- تسويق الوهم : حزب بنكيران و الإصلاح
- المغربي الصغير
- قوى اليسار والانتفاضات العربية : الادوار والمهام
- العدالة والتنمية في المغرب :محاولة المخزن لادارة الازمة
- خواطر و أغلال
- بؤس التفكير الأصولي
- مشاهد مغربية بئيسة
- مشاهد مغربية
- وهم النجاح في المجتمعات المتخلفة
- اللغات بالمغرب : مجال للهيمنة
- تفجير أركانة : المطالبة بالديمقراطية أكثر أحسن رد
- كلمات خارجة عن القانون


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن طويل - محمد الماغوط : انشودة التسكع