|
الإسلام والغرب والإرهاب
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4840 - 2015 / 6 / 17 - 21:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإسلام والغرب والإرهاب
د.عبدالخالق حسين
نحن أمام مشكلة معقدة تداخلت فيها الأوراق واختلط فيها الحابل بالنابل كما بقولون، في معرفة من وراء ما يسمى بـ(الإرهاب الإسلامي) المنظم المستشري في المنطقة على شكل جيوش جرارة؟ هل هو الإسلام بسبب ما فيه من نصوص تدعو إلى العنف وإبادة المختلف، أم هناك دول قوية وراء هذا الإرهاب ولأسباب سياسية ولخدمة مصالح الغرب وإسرائيل والسعودية وغيرها؟ فوراء هذا الخلط والالتباس، وبلبلة الأفكار، مفكرون كبار يتفنون في استخدام الحقائق لتمرير الباطل، وبالتالي يقودون الضحايا إلى تشخيص خاطئ لمعرفة أسباب تعرضهم للكوارث فيضيعون أوقاتهم وجهودهم في علاجات خاطئة.
في البدء، أود التوكيد أني لا أنكر لما للغرب من فضل كبير في تقدم الحضارة البشرية الحديثة، وما أنتجته هذه الحضارة من قيم إنسانية نبيلة واجتماعية تقدمية وفي مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والعلمانية، وما تقدمه للبشرية من خدمات في جميع المجالات العلمية والطبية والتقنية والاجتماعية والإنسانية...الخ. ولكن إلى جانب هذه القدرات الفائقة، هناك سياسيون يستخدمون هذه القدرات لأغراض سياسية دنيئة حتى ولو تضاربت مع الأخلاق والقيم الإنسانية. لذلك قيل (لا أخلاق في السياسة). وهذا وفق مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) التي بشر بها مؤسس علم السياسة ماكيافيلي. والجدير بالذكر، أن هذا المبدأ تتبعه غالبية البشر في كل مكان وزمان وحتى قبل ولادة ماكيافيلي، ولكنهم في نفس الوقت يشتمون صاحبه. وفي هذا الخصوص يدافع الفيلسوف الإنكليزي برتراند رسل عن ماكيافيلي، أنه ذكر هذا المبدأ لأنه من صلب السياسة، كما يشرح عالم الفيزياء ما في الذرة من قوة تدميرية، فهذا لا يعني أننا يجب أن نشتم عالم الذرة.
فالغرب بوجه خاص لن يتردد في استخدام أخس الوسائل بما فيها تشكيل منظمات إرهابية إذا اقتضى الأمر، لتحقيق أغراضه، وفي نفس الوقت يعرف كيف يظهر نفسه بلبوس الحمل الوديع والمحارب الصلب العيد ضد هذا الإرهاب. فقد بات معروفاً دور المخابرات الأمريكية في تشكيل التنظيمات الإرهابية في أمريكا اللاتينية، والمنظمات الجهادية في أفغانستان في النصف الثاني من القرن العشرين. والآن هناك دلائل تشير إلى أن أمريكا هي وراء داعش وجبهة النصرة في سوريا والعراق، وقد جئنا على هذا الموضوع في عدة مقالات، ونعود إليه الآن في هذا المقال لأن هناك مازال من يشك بالأمر، لذا أقتضى تسليط المزيد من الضوء عليه لما يحتاج من إثبات وتوضيح.
كنت كغيري من المثقفين العلمانيين، أعتقد بشكل جازم ولحد وقت قريب، أن الإرهاب هو النتاج المباشر للإسلام لما فيه من تعاليم ونصوص تدعو إلى العنف وإلغاء الآخر المختلف، وأن الحل الوحيد هو إصلاح الإسلام. ولتحقيق الإصلاح هذا عُقدتْ المئات من المؤتمرات و اللقاءات والندوات الفكرية في العالم، ونشروا عشرات الكتب، وآلاف المقالات والدراسات. وكنت من أشد المتحمسين لها، وشاركت في بعضها. والمهزلة أن السعودية راعية الإرهاب كانت ومازالت من أكثر الدول التي تصرف المال على عقد هذه المؤتمرات ولكن من أجل ذر الرماد في العيون.
ولكني توصلت أخيراً إلى قناعة أنه يجب أن نعوِّد أنفسنا على التفكير خارج الصندوق، ومن زوايا عديدة، بعيداً عن النمطية، فكثير من الأفكار نتبناها لأنها سائدة عند الأغلبية ونعتقد أن لا يمكن أن تكون الأغلبية على خطأ، وهذا بحد ذاته خطأ إذ لا يجب أن نفسر الأشياء على ضوء الأحكام المسبقة. لذا وبعد تفكير عميق لمدة غير قصيرة توصلت إلى قناعة أن إلقاء اللوم على الإسلام وحده في كل كوارثنا لا يعطينا الجواب الشافي، فالتشخيص الخطأ يقود إلى العلاج الخطأ، أشبه بالجراح الذي يعتقد أن كل ألم في البطن ناتج عن التهاب الزائدة الدودية، فيحضر المريض لعملية جراحية ويعمل فتحة صغيرة قريبة من الزائدة، ليفاجأ بأن الزائدة سليمة، وأن هذه الأعراض كانت نتيجة مرض آخر مثل انفجار قرحة المعدة، أو الإثني عشري، أو نزف من حمل خارج الرحم في حالة المرأة... إلى آخر القائمة الطويلة من الحالات المرضية التي يمكن أن تسبب نفس الأعراض التي تسببها الزائدة الدودية الملتهبة. وكما ذكرت في مقالي الموسوم (أزمة الشرق الأوسط وعلاجها)(1)، أن العلمانيين يرون أن علاج الإرهاب يكمن في الإصلاح الديني للإسلام، و الفصل بين السياسة والدين. لا شك أن هذه الإجراءات ضرورية للتطور الاجتماعي وبناء الدولة الديمقراطية ودولة المواطنة، وكلنا ندعو إليها، ولكن ما يجري في منطقتنا من إرهاب منظم على شكل جيوش جرارة مجهزة بأحدث الأسلحة والتدريب وأقام دولة على مساحات واسعة من العراق وسوريا، هو شيء آخر وجديد لا علاقة له بالنصوص الدينية التي تدعو إلى العنف، لأن هذه النصوص كانت موجودة لأربعة عشر قرناً من الزمن ولم يحصل مثل هذا الإرهاب المتوحش إلا بعد الثورة الإسلامية في إيران والحكم الشيوعي في أفغانستان، حيث تم توظيف الإسلام الوهابي وبالأموال السعودية لنشر التطرف والإرهاب، وهذا بات معروفاً لدا القاصي والداني.
وإذا ما جئنا إلى الإسلام وإصلاحه، فهذه إيران الإسلامية قد أوقفت العمل بجميع النصوص التي لا تلائم العصر مثل: السن بالسن والعين بالعين... ورجم الزاني والزانية بالحجارة حتى الموت، وبتر يد السارق... إلى آخره من أحكام. ولكن مع ذلك فإيران تعتبرها أمريكا من ألد أعدائها وتعمل على تغيير نظامها لأنه إسلامي ويجب إقامة نظام علماني، بينما نرى العكس في علاقة أمريكا والغرب مع المملكة العربية السعودية التي هي سبب كل البلاء وعدم استقرار المنطقة، فهي التي تطبق قوانين الشريعة الإسلامية في العقوبات الجنائية في قطع الرؤوس وقطع الأيدي، والرمي بالحجارة حتى الموت، وجلد كل من يتجرأ على نقد السلطة، والتجاوز على أبسط حقوق الإنسان، وتنشر التطرف الديني، وهي التي أسست المنظمات الإرهابية وترعاها وتدعمها بالمال والسلاح والفتوى، ولكن مع كل ذلك فالسعودية هي العزيزة المدللة والحليفة الكبرى للغرب.
ومن كل ما تقدم نستنتج أن سبب الإرهاب هو ليس الإسلام، بل أسباب سياسية بحتة لها علاقة بمصالح الغرب وإسرائيل والسعودية وغيرها من الحكومات الراعية للإرهاب، ولكن تم توظيف الإسلام ونصوصه لهذا الغرض. وقد عددنا الأسباب الذي تؤكد أن الغرب وحلفائه في المنطقة هم وراء الإرهاب ولمصالحهم السياسية، وذكرنا عشرة أدلة في مقالنا الموسوم (لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟)(2) ومقال آخر بعنوان (داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق)(3)، ونضيف في هذا المقال دليلين آخرين حسب ما توفرت لدينا من معلومات جديدة: الأول، تقرير نشرته صحيفة الغارديان اللندنية بعنوان: (انهيار محاكمة ارهابي خوفاً من إحراج المخابرات البريطانية)، جاء فيه: ((انهارت محاكمة مواطن سويدي متهم بالأنشطة الإرهابية في سورية في محكمة أولد بيلي [لندن] بعد أن اتضح أن الاستمرار في المحاكمة من شأنه أن يفضح الاستخبارات البريطانية ويحرجها، ويعرض الأمن للخطر. حيث جادل محامو المتهم أن الاستخبارات البريطانية كانت تدعم نفس الجماعات المعارضة السورية [جبهة النصرة] التي خدم فيها المتهم، وكانت [الاستخبارات البريطانية] طرفا في عملية سرية لتوفير الأسلحة ومساعدات أخرى إلى تلك الجماعات...الخ))(4 و5).
ثانياً، وهناك عامل آخر يجعل الغرب بحاجة إلى عدو دائم، وهو العامل الاقتصادي، فيعملون على نشر التوتر والحروب في منطقة الشرق الأوسط الغنية. فمبيعات الأسلحة وتدريب الجيوش في هذه منطقة هي من الصناعات الكبيرة في الغرب. كما وترتبط أسعار النفط والسلع بالحروب وبأوقات التوتر. فعندما يكون هناك توتر أو حروب بين الدول تتوفر الفرص لبيع المزيد من السلاح، وزيادة أسعار النفط، وما إلى ذلك. فالمسألة ليست مجرد حرب الأيديولوجيات، ولكنها الحروب المالية والاقتصادية. فلوبي السلاح في الغرب وخاصة في واشنطن هو من أقوى اللوبيات المدعومة من اللوبي الإسرائيلي (AIPAC). فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يعتبر الرئيس الإيراني المعتدل الدكتور حسن روحاني "ذئب بثوب حمل"، وأنه أخطر من سلفه محمود أحمدي نجاد. فنتنياهو لا يريد رئيس معتدل في إيران لإطفاء البؤر المتوترة لأنه يحرمه من وجود التوتر الدائم في المنطقة. ومن مصلحة إسرائيل والحكومات الخليجية إبقاء شعوب المنطقة متحاربة ومتخلفة وضعيفة لكي تبقى الأسر الحاكمة في الحكم، وتبقى إسرائيل هي الدولة العظمى في المنطقة. [email protected] ــــــــــــــــــــــــــــ روابط ذات صلة 1- عبدالخالق حسين: أزمة الشرق الأوسط وعلاجها http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=470337
2- عبدالخالق حسين: لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟ http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=472184
3- عبدالخالق حسين: داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=471576
4- انهيار محاكمة ارهابي خوفاً من إحراج المخابرات البريطانية The Guardian: Terror trial collapses after fears of deep embarrassment to security services http://www.theguardian.com/uk-news/2015/jun/01/trial-swedish-man-accused-terrorism-offences-collapse-bherlin-gildo
5- الغارديان:القوى الغربية التي أوجدت “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا لن تستطيع هزيمته http://www.raialyoum.com/?p=267749
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يحتاج الغرب إلى عدو دائم؟
-
داعش ذريعة لتغيير النظام في العراق
-
مؤتمر باريس لدحر الإرهاب أم لدعمه؟
-
أزمة الشرق الأوسط وعلاجها!
-
جدل حول أسباب الإرهاب
-
السعودية دولة إرهابية يجب مقاضاتها
-
سقوط الرمادي كسقوط الموصل، تم من الداخل
-
تفحيرات الأعظمية مقدمات لشكيل قوات طائفية
-
دروس من الانتخابات البريطانية 2015
-
مشروع القرار الأمريكي، هل هو بالون اختبار؟
-
حول إشكالية التعامل مع الماضي
-
لكي لا ننسى الهولوكوست البعثي الداعشي
-
هزيمة السعودية في اليمن
-
محنة العراق بين إيران والسعودية
-
الحشد الشعبي(مليشيات شيعية) مدعومة من إيران!
-
حول تقرير ال(واشنطن بوست) عن علاقة البعث بداعش
-
لماذا الحملة الهستيرية ضد الحشد الشعبي؟
-
لماذا تثير السعودية الفتن الطائفية؟
-
القوة العربية المشتركة..لماذا الآن؟
-
حرب السعودية في اليمن على خطى النظام الصدامي في إيران
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|