أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعد دريد ثابت - شهر رمضان في بلاد الفرقان














المزيد.....

شهر رمضان في بلاد الفرقان


دعد دريد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 4839 - 2015 / 6 / 16 - 21:47
المحور: الادب والفن
    


من المعروف الميل الدرامي المبالغ به في بلاد الشرق وأخص بلاد العرب وبالذات أكثر المسلمين، لكل متعلقات الحياة، من حب، كره، ولادة، موت، سرقة، قتل، ظلم وديانة.
لنعود الى بداياتي مع الدين وفرائضه وطرق ممارسته. ففي صغري لم يصم أحد في بيتنا غير جداتي. وبالرغم من هذا لم ألحظ أي تعكر أو قلق أو إكراه الآخرين على ضرورة صومهم. ولم الحظ تحضيرات مميزة، ولا تكديس للطعام. وكانت جدتي لأبي تحاول بطرق لطيفة وحبيبة الى قلبي وجيبي، ترغيبي بذلك. ساعة تعدني بمبلغ بسيط، إن أستطعت تحمل مشاق الصيام، وأخرى بأن الرب سيحبني وسيصطفيني الى أخياره. كانت جدتي تحاول معي بكل الحيل لجذبي الى هذا المجهول لي. حتى بقراءة القرآن، كانت تتحجج بإنها لاتستطيع الرؤية جيداً، بالرغم من علمي بأنها تحفظه عن ظهر قلب. فكنت أجاريها، محبة لها وفضولاً لهذا العالم. ولكن الرب أصطفاني لعالم آخر منذ صغري، وأعيت جدتي كل حيلها معي. ولكن السماحة والتآلف الذي كان في قلبها وقلوب المتمرسين للدين، يعطي الآخرين مساحة من الحرية تسمح لهم التحرك كل حسب قناعاته بالصوم والصلاة وغيرها. وكنا غير المصطفين في دهاليز الدين، ننتظر مع جدتي إطلاق المدفع في التلفزيون، لنأخذ حصتنا من الإفطار البسيط وبالقفشات التي يطلقها الكبار ودعابات الصغار في جو من الحميمية والألفة .
وبسبب إبتعادي القسري عن بلادي، حُرمت من ضمن ماحُرمت من شهر رمضان مع جدتي ومن جدتي أيضاً. ولم أعد أتابع تغيير الأحوال والأوضاع، لحين قدومي الى دمشق في سوريا لعملي هناك.
لا أستطيع وصف قرب حلول رمضان، الا وكأن العالم يتهيأ لحرب كونية نووية، تكون نهايتها القيامة الأزلية. فالناس أفواجاً أفواجا في التكويم والتكديس، الى حين حلول رمضان. وهنا تبدأ معاناتي مع هذا الشهر. فأنا لا أقتنع بهذه الممارسة منذ طفولتي، وزاد الأمر بهذه القناعة. فالتزامي وعدم إسرافي بالطعام والشراب، بالإضافة الى إنسانيتي وأخلاقي في التعامل، الغت بالنسبة لي على الأقل مغزى هذا الشهر بحرماني لتهذيب الجسد والروح. ولكن بسبب التعصب والتزمت الديني، أصبح على الجميع حتى من ذوي الأديان الأخرى ومن غير المقتنعين بذلك مثلي أو حتى المُرضى، عدم إستطاعتهم ولو جهراً، تناول الطعام والشراب. وإن فعلت ذلك، فالويل لك ثم الويل. يُنظر اليك شزراً والشرر والحقد والحسد يتطاير من الأعين عليك. كل هذا وتصورت إن الحب والتسامح هما على الأقل ما يبرران هذا التعصب. ولكن مارأيته يغلق علي منافذ الفهم والوعي. فالنزق والغضب وعدم الصبر، كل يريد شراء مستلزمات الإفطار الأخيرة، وكل يريد إيقاف سيارته أمام باب البقالة أو الخضروات أو بائعي اللحوم. فترى الشوارع وقد أُغلقت والزمامير تصدح والصراخ والسباب والوعيد والشتم يملأ الآذان خدشا . وعندما أعياني الصبر، ونبهت رجلاً كان يقف ويشتم ببذاءة، وذكرته بأن هناك جمع من النساء والأطفال وهذا لايليق، رد علي بجواب ياليته لم يفعله، الا وهو إنه صائم وتعب. فقلت وكنت أتمنى لو أستطعت صفعه، أأنت تصوم لي أو للناس، وتحملنا مسؤولية ذلك، أم لنفسك ولتهذيب أخلاقك وردعها عن قول وفعل القبيح المنكر؟ ولا أنسى وأضيف، وكأننا من الشعوب المتقدمة التي تنتج وتعمل لخير أنفسنا ولبلادنا طوال السنة، حتى نختزل أوقات عملنا في شهر رمضان. فالدوائر الرسمية تعمل الى منتصف الظهيرة فقط. تصوروا هذا ! وكل شئ يتوقف الشوارع تضحى قفراء خالية، ماعدا متبضعين الطعام مع صراخهم. والكل نيام في بيوتهم المبردة، الى قبل حلول موعد الإفطار بساعة، عندها تدب الحياة بصراخها وجلجلة الصحون والقدور. وتعد الموائد كأنهم في قصور السلاطين والملوك مما لذ وطاب. ويحين موعد الإفطار، وهذه المرة ليس على صوت مدفع الإفطار، وإنما وعلى أغلب الظن على خبر لقصف صاروخ أو قذيفة سقطت في العراق أو سوريا أو اليمن، ليتم إنهاء هذا الفرض المكروه المجبرين عليه لا مخيرين، ليتم بعدها بالطبع محاولة هضم كل هذا، تراهم يستلقون مع صحن الكنافة والنابلسية وصحون الفواكه بالكاد يحشرونها في آخر محل فارغ في معدهم. ليناموا، وتبدأ الحياة بعد العاشرة ليلاً، لتضج الشوارع بكل الأطياف والأجناس، وليبدأ الغزل ولقاء الصبايا والصبيان الملتزمين نهاراً، ليحيلوا ويعوضوا ذلك ليلاً.
وأنا أعيش نظامي المألوف بصعوبة وأرى كل هذا، وأشعر بغرابة وجودي وإختلافي التام عما يجري حولي. أأنا الوحيدة، في هذه البلاد التي تجزع لكل هذا؟ أين هو شهر رمضان من كل هذا؟ أين هو تآلف الناس وتسامحهم وتهذيبهم وإحساسهم بالجائع والفقير والمظلوم؟ أيشعر المسلمون بالفقير ولو بشهر واحد؟ كيف لأمتنا من مسلم وعربي وكردي وتركماني ومسيحي وغيرها من الأديان والعقائد السياسية، أن يعتبروا أنفسهم بشر يُستحق أن تُطلق عليهم هذه التسمية، وبلادنا منكوبة والقتل والذبح والتهجير والسبي يجري على قدم وساق أمام أعينهم وأسماعهم؟ كيف يهللون لشهر رمضان، والأطفال تموت جوعاً وقيظاً في الصيف وبرداً في الشتاء؟ وموائدهم عامرة ويختالون بأنفسهم، بأنهم الأبرار المصطفون المؤمنون الذين يتبعوا تعاليم ربهم ويحذون حذو رسوله وستكون مكافأتهم الجنة، وكذبهم وإرتشائهم وأنانيتهم فاقت حتى موائدهم العامرة. كيف للعالم الإسلامي الصوم والصلاة والحج وهم القتلة والجناة، إن لم يكن بشكل مباشر، فسكوتهم على هذا الظلم والطغيان، إنما هو لأبشع وأقبح بنظري. ولا أخص المسلمين فقط ولا أصحاب الديانات الأخرى، إنما كل إنسان يعيش ويرى بأم عينيه هذه المآسي، ولا يحرك ساكناً.
كم نحن حمقى وأغبياء، بإعتقادنا بإننا بصومنا هذا سنمحو آثام جبننا لقرون مضت ودهور ستأتي، إن بقينا على حالنا البائس هذا !
والى أن نعود أناس بما تعنيه هذه المفردة ، كل عام ونحن فرقان !



#دعد_دريد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاطرة إمرأة إنسانة
- أشجار الكرز تموت منتشية
- مسرحية مع وقف التنفيذ !
- وكما لله في خلقه شؤون، أقول للسلطات في مصالحها شؤون !
- يالة - يالة
- هل الحياة لحن، أم اللحن حياة؟؟
- مابين نقطتين
- يانساء الشرق إتحدن!
- حنظلة آلامي
- مسمار جحا
- تانغو الحرية
- هل في سريرة كل منا داعشي صغير؟؟!!
- ملل الآلام
- قولوا نعيماً!
- ذاكرة الريح
- ماهو الوطن؟
- أنا أحمد- Je suis Ahmed-
- صرخة وطن مكتومة -الأغتصاب الأبدي-
- لماذا يخيفهم الضحك؟
- الأثنان، أم الواحد؟!


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دعد دريد ثابت - شهر رمضان في بلاد الفرقان