|
لقاء
سيف عبد الكريم الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1339 - 2005 / 10 / 6 - 11:56
المحور:
الادب والفن
- هل رأيت الشيخ ؟ كان يبكي طوال الوقت! - هذه ليست المرة الأولى... - ما السبب برأيكِ؟ - لا اعلم.... كان ذلك منذ أكثر من عشرين سنة ، أيام طفولة سعيد وسرى، طفولتهما البريئة الخالية من كل التعقيدات والملابسات ... خالية من التزييف... خالية من أقنعة الوجوه ... تتسطر أحداث الطفولة بعيدا عما يدور حولها ، يمارسون البراءة بأوجها، لا يملكون أي تفسير لأي حدث حولهم، تصرفاتهم تجري بعفوية، كل حسب تعويده... والشيخ عمران احد هذه التعويدات ، حيث جرت عادتهما بفضل براءة الطفولة وحب الشيخ عمران للأطفال جرت إلى زيارة مسجد الشيخ يوميا ... تمر الأيام وسيناريوهات الحياة تعيد نفسها ... سعيد وسرى يزوران المسجد ، ويسلمان على الشيخ عمران الذي بجلسته المعتادة المتواضعة يجيب على أسئلة الناس، يقبل الأطفال، ويمسح بيده الناحلة على رؤوسهم الصغيرة، كانت جلسته الصامتة المتواضعة تحمل في طياتها الغموض والكثير من المعاني لأحداث كابدها في حياته فوضعت بصماتها على وجهه المتعرج الملثم بلحية بيضاء كثيرا ما داعبت وجوه الأطفال . كان صامتا طوال الوقت لا يتكلم إلا إذا سُئل أو حيي ، يده السمراء لا تفارق العصا التي يتوكأ عليها وكأنها شريكة حياته، حفرت عليها كلمات وأحرف غامضة لا احد يعرف معناها... أحيانا تسيل في تعرجات وجهه دموعا لا يملك الأطفال تفسيرا لها... وانقضت أيام الطفولة كحلم ابيض، أو غمامة صغيرة ذهبت بمهب الريح... وعلى مدى عشرين سنة حاول سعيد لدى دخوله المسجد من الباب الخلفي ، حاول استرجاع ما سحقته أنياب الزمن من ذكريات طوال مدة سفره ، فبدأت جدران المسجد تعرض عليه صور الماضي المتآكلة وذكريات الطفولة التي تكفل بها النسيان، اخذ يتابع خطواته كما لو كان طفلا واتى ليزور المسجد وليسلم على الشيخ .... ولكن زيارته هذه قد خلت من معاني الطفولة التي تلاشت في صحراء العمر ، وقد خلت أيضا من أخته سرى التي تزوجت ابن عمها كريم ... اخذ يتأمل ذكرياته مع الشيخ عمران ... ترى أما زال على عهده به ...(( بني، عليك بمخافة الله ، وطاعة الوالدين، وحسن الخليقة))... وأخذت تجري في أعماقه انهار الشوق لرؤية الشيخ، لابد انه نسي شكل سعيد ، فعشرين سنة كفيلة بوأد شفرات الذاكرة، لكنه سوف يعرفه بنفسه حال لفائه به ، لابد انه يجلس كعادته عند الباب الأمامي للمسجد ... أخذ يتابع خطواته بتلكؤ، ولكن الذي أدهشه هو وضع المسجد الذي يستولي عليه الصمت بفظاعة، إذ توحي أجوائه بالخمول ، لا وجود للأطفال الذين اعتادت عليهم جدران المسجد أيام طفولة سعيد .... وقفت قدماه أمام مكتبة المسجد واخذ يقلبها بنظراته الملهوفة ، ممتزجة مع تراب القِدَم فوق الكتب، يستنشق ريحها المتربة ، تملكه الإحساس بالطفولة المتجددة، وكأن ريح التاريخ بدأت بالعصف نحو سعيد... يشده الشوق للشيخ ... ليجلس عنده فيمسح الشيخ على رأسه ويقبله كما كان يفعل قبل عشرين سنة... عشرون سنة فصلت بينه وبين جمال الطفولة وعذوبتها حاملة بين طياتها السفر ومتاعب العمل. وقبل أن يحمل خطاه إلى الباب الأمامي حيث جلوس الشيخ ، انتابه شعور غريب واخذ الخوف يزلزل في قدماه ، ازدادت دقات قلبه بصورة غير طبيعية فلم يتملكه كهذا الشعور من قبل .... خدر اخذ يدب في أطرافه المصفرة ، المثلجة ، التي يكاد يفقد السيطرة عليها وكأنها خيوط سائبة في الهواء ، تكاد تعجز قدماه على إيصاله إلى الباب الأمامي ، ووحشة المكان تزيد علية الضعف .... رأسة يلوك الافتراضات والتكهنات العشوائية ..... لمن هذه الجثة المنخورة ... صنعت فجأة ... لا مبرر لهذا الحال . اخذ يسير بحاله الموحش متوكأ على الحائط ، ازداد خوفه وارتباكه حال تذكره لحديثه مع أخته سرى عن كابوس راوده أكثر من ليلة : - ليلة أمس أيقظتنا بصراخك... - نعم ... انه كابوس مؤرق يا سرى. - ما هو؟! - لا اعلم لكن الأمر يتعلق بالشيخ ، والموت ...صراعات غامضة لا املك تفسيرا لها... انه مخيف جدا. - اقرأ آية الكرسي قبل أن تنام وسوف تتخلص من أحلامك هذه. - الأمر ليس كما تتصورين انه ليس مجرد حلم ، فهناك شيء غامض. يزداد ضعفه شيئا فشيئا وأعضائه تنزف عرقا ، يكاد يفقد بصره ، ورؤية الشيخ حلم لا زال يتوسط عينيه ... يتمنى لو يقتلع هذا الرأس المثقل، ككومة ركام ... انقطع حلمه ووئد أمله برؤية الشيخ حال وصوله إلى الباب الأمامي، ورؤيته لمكان الشيخ خاليا ، لم يستطع إسناد كيانه الهزيل فهوى إلا الأرض لا يملك أي قوة للنهوض أو الحركة أو حتى مقاومة إغماض عينيه، وقبل اغماضته الأخيرة لمحت عيناه جملة (( هنا توفى الشيخ عمران النجفي..... 1/9/2005
#سيف_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دوستويفسكي))... الإبحار في النفس، واختزال المعاناة))
-
مذكرات سجين
-
((وقت الرحيل))
-
(العجوز)
-
صوت الرماد
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|