ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 4838 - 2015 / 6 / 15 - 08:08
المحور:
كتابات ساخرة
أمة تضحك الأمم
ماجد الحيدر
بالعباس مو آني!
كتابة التاريخ في أممنا البدائية شديدة الشبه بما يحدث في مدارسنا الابتدائية.
يتشاجر اثنان من الطلبة ويحالان الى المدير للحكم بينهما، فيبدأ التلميذ الأول بالتباكي والنمسكن:
-أستاذ مو آني.. بالعباس هو الضربني بالأول.
فيقسم الثاني وقد احمرّ من الحماس:
-لا والله أستاذ هو الضربني وفشّر عليَّ.
-لا بالقرعان أستاذ هو أول مرة فشر عليّ وكلي إبن الـ..
ثم يجلب كل طرف من يشهد له من أصدقائه وينتهي النزاع بعدد من ضربات العصا على أكف أحد الطرفين أو كلاهما، وعلى أكف بعض الشهود المشكوك بصدقهم في كثير من الأحيان!
قد يتصالح الولدان في اليوم نفسه وقد يُنسى كل شيء في ساعات معدودات. ولكن الويل كل الويل للشاهد الذي يحاول أن يقف على الحياد أو يدلي بشهادة تدين الطرفين معا إذ يصبح عندها منبوذاً ومكروهاً ومنافقا وابن ستين كلب في نظر المدرسة كلها!
نعم. هذا هو حال التاريخ وكتابته عندنا:
الأمم التي بلغت سن الرشد توثق التاريخ، تغربله، تتوثق من الصحة النسبية لكل شيء، تبحث عن الوثائق والبراهين، تدرسها ببرود ودون تحيز، تستخلص منها العبر، تقدس الحقائق لا الأشخاص و"الرموز التاريخية" ، لا تعاني من عقدة "الخطوط الحمراء" وربما تصل، في حكمها على أي نزاع تاريخي، الى إدانة وتخطئة كل الأطراف!
الأمم التي تعيش مراهقة أبدية تحفظ التاريخ شفاها، تقحم فيه كل الخرافات والتناقضات والأكاذيب، تصدق كل شيء، تلوكه في حماس وتحيز، تعيد كل أخطائه وخطاياه وحماقاته، تتبادل الشتائم واستدعاء شهود الزور وحججها لا تتعدى "بالعباس مو آني"
ربما تتناسى خلافاتها مؤقتا، ربما تلفق سيناريوهات بالألوان الزاهية، وكثيراً ما ترجع أسبابها الى "مؤامرات الأعداء"
والويل كل الويل للمؤرخ الموضوعي المعتدل!
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟