|
الصوم شعيرة جاهلية
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 13:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الصوم شعيرة جاهلية ، كان عرب الجاهلية يمارسونها ، وكذلك اليهود والنصارى . ولما جاء الاسلام اقر هذه الشعيرة ، بحسب المؤرخين والباحثين ، وقد كفانا مؤونة ذلك الدكتور جواد علي في كتابه القيم (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام) ، وهذا نص ما قاله الباحث بشأن الصوم ، انقله كما هو وادع التعليق للقارئ الكريم . يقول جواد علي :(( وأما "الصوم"، فنحن لا نجد له ذكرًا في الكتابات الجاهلية بالمعنى المفهوم منه عند أهل الكتاب أو المسلمين. وهو في اللغة الإمساك عن الشيء والترك له. وقيل للصائم صائم لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح ، وقيل للصامت صائم لإمساكه عن الكلام. "وقوله عز وجل: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} . قيل: معناه صمتًا ، ويقويه قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . والصوم: الصبر كذلك . وقد ذكر "الصوم" في السورة المدنية ، أما في السور المكية ، فقد ذكر مرة واحدة ، في "سورة مريم": {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . وقد حددت السور المدنية أصول الصيام في الإسلام. والصوم المعروف عند اليهود والنصارى معروف عند أهل الجاهلية الذين كان لهم اتصال واحتكاك بأهل الكتاب. فقد كان أهل يثرب مثلًا على علم بصوم اليهود؛ بسبب وجودهم بينهم. وكان عرب العراق وبلاد الشأم على علم بصوم النصارى ؛ بسبب وجود قبائل عربية متنصرة بينهم. وكان أهل مكة ، ولا سيما الأحناف منهم والتجار على معرفة بصيام أهل الكتاب. وبصيام الرهبان ، المتمثل في السكوت والتأمل والجلوس في خلوة ؛ للتفكير في ملكوت السماوات والأرض. ويظهر من أخبار أهل الأخبار أن من الجاهليين من اقتدى بهم ، وسلك مسلكهم. فكان يصوم ، صوم السكوت والتأمل والامتناع عن الكلام والانزواء في غار حراء وفي شعاب جبال مكة. ويذكر أهل الأخبار أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء. وفي هذا اليوم كانوا يحتفلون ، ويعيدون ، ويكسون الكعبة ، وعللوا ذلك بأن قريشًا أذنبت ذنبًا في الجاهلية ، فعظم في صدورهم ، وأرادوا التكفير عن ذنبهم ، فقرروا صيام يوم عاشوراء، فصاموه شكرًا لله على رفعه الذنب عنهم . وذكر أن رسول الله كان يصوم عاشوراء في الجاهلية ، ولما قدم المدينة واظب عليه وأمر الناس بصيامه حتى نزل الأمر بصيام رمضان. وقد ذكر العلماء أنه يحتمل أن قريشًا اقتدت بصيامه في الجاهلية، بشرع سالف ، ولذا كانوا يعظمونه بكسوة البيت الحرام فيه . وذكر بعضهم: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية ؛ اقتداء بشرع سابق، وكان النبي يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه على عادته وأمر أصحابه بصيامه في أول السنة الثانية ، فلما نزل رمضان ، كان من شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء لا يصومه. وعللوا سبب صيام "قريش" هذا اليوم ، أنه كان أصابهم قحط ثم رفع عنهم، فصاموه شكرًا . وورد "أن قريشًا كانت تعظم هذا اليو م، وكانوا يكسون الكعبة فيه ، وصومه من تمام تعظيمه". وذكر أن رسول الله، كان يتحرى صوم يوم عاشوراء على سائر الأيام ، وكان يصومه قبل فرض رمضان. فلما فرض رمضان، قال: من شاء صامه ، ومن شاء تركه. وبقي هو يصومه تطوعًا، فقيل له: "يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله" . وذكر أيضًا أن قريشًا كانوا إذا أصابهم قحط ثم رفع عنهم صاموا شكرًا لله وحمدًا له على إجابة دعوتهم . وقد أشار أهل الحديث إلى صيام "يوم عاشوراء"، فجعله بعضهم الصيام الذي كان في الإسلام قبل فرض صيام شهر رمضان ، وذكر بعضهم أنه كان مفروضًا إلى السنة الثانية من الهجرة ، ثم نسخ بصوم رمضان . وقد أشير إلى الصيام في السور المكية من القرآن الكريم كما أشير إليه في السور المدنية ، ويدل نزول الوحي به في مكة وفي المدينة أنه كان من الشعائر الدينية القديمة ، وأن قريشًا كان لها علم به. ويظهر من بعض الآيات أن المراد من الصوم لم يكن الامتناع من الأكل والشرب حسب ، بل كان يعني في أول عهد النبوة الامتناع عن الكلام كذلك . ورواية أن قريشًا كانت تصوم في يوم "عاشوراء"، لا تتفق مع الروايات الأخرى في كيفية فرض صيام شهر رمضان. ففي هذه الروايات أن النبي "حين قدم المدينة رأى يهود تصوم يوم عاشوراء ، فسألهم: فأخبروه أنه اليوم الذي غرق الله فيه آل فرعون، ونجى موسى ومن معه منهم. فقال: نحن أحق بموسى منهم ، فصام ، وأمر الناس بصومه. فلما فرض صوم شهر رمضان. لم يأمرهم بصوم يوم عاشوراء ، ولم ينههم عنه" . وورد أن يهود خيبر والمدينة كانوا يعظمون صيام عاشوراء ويتخذونه عيدًا" . ويقصدون بصوم اليهود يوم عاشوراء ، ما يقال له "يوم الكفارة"، وهو يوم صوم وانقطاع، ويقع قبل عيد المظال بخمسة أيام، أي في يوم " تشرى" وهو يوم "الكبور" Kipur. ويكون الصوم فيه من غروب الشمس إلى غروبها في اليوم التالي ، وله حرمة كحرمة السبت ، وفيه يدخل الكاهن الأعظم قدس الأقداس لأداء الفروض الدينية المفروضة في ذلك اليوم . ومما يلاحظ أن علماء التفسير والحديث، قد اختلفوا اختلافًا كبيرًا في موضوع الصيام قبل نزول الأمر به وفرضه. فقال بعضهم كان المسلمون يصنعون كما تصنع من صيامهم خمسين يومًا "حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر" . وقال بعض آخر، كان صيام الناس قبل فرض رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وذكر أن ذلك كان تطوعًا لا فرضًا، ولم يأت خبر تقوم به حجة بأن صومًا فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان . ولم أتمكن من العثور على خبر قاطع يفيد بأن المسلمين كانوا يصومون بمكة قبل الهجرة إلى المدينة. ولا صلة لقصة "أبي قيس بن صرمة الأنصاري" "أبو صرمة الأنصاري" و"عمر بن الخطاب" بصيام عاشوراء ولا بعدد أيام الصوم. وكل ما ورد فيها أن المسلمين كانوا في أول ما افترض عليهم في رمضان إذ أفطروا وكان الطعام والشراب وغشيان النساء لهم حلالًا ما لم يرقدوا، فإذا رقدوا حرم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة، فلم يزل المسلمون على ذلك، حتى نام "أبو قيس بن صرمة" بعد إفطاره وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجر، فلما أفاق أبى أن يأكل شيئًا وأصبح صائمًا، وكان "عمر" قد وقع على جارية له، فنزل الوحي بنسخ ذلك عنهم في آية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} . فلا صلة لقصتيهما بموضوع الصوم. ويظهر أنه خبر صيام قريش يوم "عاشوراء"، هو خبر متأخر، ولا يوجد له سند يؤيده. ولا يعقل صيام قريش فيه، وهم قوم مشركون. وصوم "عاشوراء"، هو من صيام يهود. وهو صيام كفارة واستغفار عندهم، فلمَ يستغفر قريش ويصومون هذا اليوم؟ وماذا فعلوا من ذنب، ليطلبوا من آلهتهم العفو والغفران؟ وإذا كان هناك صوم عند الجاهليين، فقد كان بالأحرى أن يصومه الأحناف ، ولم يرد في أخبار أهل الأخبار ما يفيد صيامهم في "عاشوراء" ولا في غير عاشوراء. ثم إن علماء التفسير والحديث والأخبار، يذكرون أن الرسول صام "عاشوراء" مقدمه المدينة على نحو ما ذكرت قبل قليل. وأنه بقي عليه حتى نزل الأمر بفرض رمضان. ويظهر أن الرواة أقحموا اسم قريش في صيام "عاشوراء"؛ لإثبات أنه كان من السنن العربية القديمة، التي ترجع إلى ما قبل الإسلام وأن قريشًا، كانت تصوم قبل الإسلام . ويظهر من روايات أهل الأخبار، أن صوم أهل الجاهلية: صوم امتناع عن الأكل والشرب وإتيان النساء. وهو صوم الإسلام ، وصوم امتناع عن الكلام وحبس اللسان ، إما لأمد معين قصير، مثل يوم أو أسبوع ، وإما لأمد طويل. وقد أشير في القرآن الكريم أن هذا الصوم في قوله تعالى: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . وروي أن رجالًا من زهاد أهل الجاهلية كانوا يصومون هذا الصوم. وقد اتخذ الصوم نذرًا، روي أن "أبا بكر" دخل على امرأة من "أحمس" يقال لها "زينب" فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة، قال لها: تكلمي. فإن هذا لا يحل. هذا من عمل الجاهلية ، فتكلمت. فقالت له: من أنت: قال امرؤ من المهاجرين: قالت: أي المهاجرين؟ قال لها: من قريش: قالت له: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول. أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم. قالت: وما الأئمة؟ قال لها: كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك على الناس . فالتصميت ، وهو الصوم عن الكلام ، من فعل أهل الجاهلية. وهو معروف عندهم ، ولعله وقع لهم بتأثرهم بأهل الكتاب )). هذه هي حقيقة الصوم ؛ اما ان هناك من يقول بان للصوم فوائد صحية ! ، فان العلم الحديث لم يثبت ذلك .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الارستقراطية في الاسلام
-
اطالة اللحية – الذقن شعار بدوي
-
في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
-
العراق في ظل حكم الشيعة
-
ختان النساء عادة جاهلية
-
الذبح في الدين والشريعة
-
ناظم الثرثار وناظم الغزالي
-
المجون في الاسلام(1)
-
الحدود في الاسلام (1)
-
إبن خلدون ... واقراره بالسحر
-
لماذا الغزالي يكفّر الفلاسفة ؟!
-
هل كان ابن كثير تكفيري؟
-
السحر في فكر الرازي المفسر
-
لبيد يسحر النبي !
-
تعدد الزوجات نظام جاهلي
-
الشذوذ الجنسي في الجاهلية والاسلام
-
ما حقيقة وأد البنت التي اشار لها القرآن ؟
-
ماذا يقولون عنه لو كان اينشتاين اسلامي ؟!
-
كيف نثبت (عذاب القبر) عقلا ؟
-
حول زواج المتعة
المزيد.....
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|