أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - وليمة














المزيد.....


وليمة


صبيحة شبر

الحوار المتمدن-العدد: 1338 - 2005 / 10 / 5 - 12:29
المحور: الادب والفن
    


الوضع رهيب ، والقسوة بالغة الفظاظة ، لقد أرعبني وقلب قنا عاتي ، لم أكن أحسب أن الإنسان ، المخلوق العاطفي الرقيق ، يمكن أن يقدم ، وبملء إرادته ، على عمل تقشعر لهوله الأبدان ، ومن قام بهذا العمل الرديء والآثم ؟ انه ولدي ، الابن العاق الذي ربيته يوما بعد يوم ، سهرت على راحته ورعايته ساعة بعد ساعة ، قام هذا الابن بطعني وبأعصاب باردة ، وبدون أي شعور بالتردد
هالني ما أقدم عليه ولدي ذاك ، لم أمنحه العلم فحسب ، بل غرست في نفسه المباديء السامية والعواطف المرهفة ، لكن الذي أثار فزعي ، وولد حزنا بالغا في نفسي أن المشاعر الرقيقة التي غرستها في نفس ابني لم تثمر ، وأن الشجرة التي تعهدتها بالعناية والسقاية والاهتمام ، قد ماتت قبل أن تورق أغصانها ، أحاول أن أخبيء حزني وأستر لوعتي وخيبة أملي ، وأنا أجد ولدي العائد توا من السفر يقدم على قتل حبيباتي ، حمائم جميلة رقيقة ، زاهية الألوان ، كانت تملأ علي المنزل سرورا وتبدد شعوري بالوحشة ، وتقلل من إحساسي بالوحدة وذلك الهاجس الذي ما انفك يلازمني بأنني مخلوق غير مرغوب فيه ، قد أنهكته السنون وابتعد عنه الأصحاب والأحباب ، وفارقته شريكة العمر إلى الرفيق الأعلى ، فلم يبال ولده الوحيد بآلامه وأوجاعه ولم يكلف نفسه أن يطمئن على أحواله أو يستفسر عن أموره ، كل ما كان يطلبه أن تصل إليه الحوالة المالية مطلع كل شهر ، ولم يكن يدري كيف أتمكن من تهيأة المال المطلوب وأنا المتقاعد العجوز العاطل عن العمل ،وما شأنه هو ؟ كل همه الحصول على المال لا غير ، لقد فرحت بقدومه ، وحدثت نفسي بأن متاعبي سوف تزول وأن شعوري المؤلم بالوحدة والغربة لن يستمر إلى الأبد ، وسأودعه إلى غير رجعة
ما إن وصل ولدي إلى بيتي ، وقبل أن يريح نفسه من وعثاء السفر كما يقولون أعجب بحماماتي
- ما أجمل هذه الحمامات يا أبي ، إنها بمنتهى الروعة ، ألوانها بديعة بين الأبيض والسماوي والرمادي
- إنهن صديقاتي بابني
- كيف استطعت أن تجمع هذا العدد ، وبمثل هذا الجمال ؟
حدثت ولدي عن بناتي ، وأنني أجد سعادتي قربهن ، وأنهن متلهفات على صحبتي ، لا يظهرن مللا من وجودي مهما استطال هذا الوجود ، لقد اعتدن على الترحيب برؤيتي في الصباح ، ما أن أغادر سريري ، حتى أهرع إلى الفناء ، وأجدهن أمامي مرحبات باشات يرفرفن فرحا وطربا ، ويعزفن بأجنحتهن سرورا ويطرن قريبا مني ابتهاجا ، وأنا مستبشر أشكر الله على نعمه الجليلة وأسأله أن يديمها علي ، فأنا وحيد في هذه الدنيا وحماماتي مصدر هنائي وسر بهجتي
عندما وصل ولدي وسألني عنهن ، أطلت الحديث عن مزاياهن ، وعن الخصائص التي تتمتع بها كل واحدة منهن ، وكنت أحسب أن ولدي سيشاركني اهتمامي ، ولكن الذي أثار نقمتي وبدد فرحي أنه أراد أن يقتلهن وأمامي
- لكنها قسوة بابني ،كيف تذبح هذه الطيور الوديعة من أجل أن تقيم وليمة لأصدقائك ؟ يمكننا أن نشتري اللحم من كل الأنواع
- إني أريد هذه الحمامات ، لقد وعدت أصدقائي أن أقدم لهم حماما محشوا في وجبة الغداء
اقترحت على ابني أن يشتري ما شاء من الحمام وأن يذبحه لوجبة المدعوين ، لكنه أبى إلا حماماتي
لم أكن أظن أن الولد إذا كبر وشب وبلغ مبلغ الرجال يقضي على حياة أبيه ، ويئد شعوره بالسعادة ، وكثيرا ما حدثني بعضهم عن عقوق الأبناء ، فلم يكن بمقدوري أن أحسب أن ولدي سيكون ضمنت هؤلاء الأبناء العاقين ، كنت أظن أنه سيرحم عجزي ويعطف على شيخوختي ، فيبقي على حماماتي ، فهن انسي وفرحي
أخذ يمسك الواحدة منهن وهي وادعة مستسلمة تتكيء على كتفي ، أو تقف على رأسي او تلقط الحب من يدي ويربطها بيديه ، وهي تنظر الي بعتب تود أن تصرخ وتعلن عن احتجاجها وثورتها ، لكن يدي ولدي قويتان ، الدموع تسيل من عيون حماماتي ، وأنا واقف لاأستطيع أن أقدم لها نجدتي وانقذها من براثن هذا الابن القاسي ذي القلب المتحجر ..... والدموع كانت تسير مني مدراراعلى وجنتي ، وتصل الى فمي ، كنت أحاول جاهدا أن لا يرى ولدي دموعي ، فمن يدريني ؟ قد يتهمني بالجبن والخنوع ، لم أستطع أن أنظر إلى حماماتي الحبيبات وهن يذبحن ، بل كنت أبعد عيني إلى الجهة الأخرى ، وبقيت مسلوب الإرادة أمني النفس إن لا يبيد ولدي كل حماماتي ، حتى أتى على آخر حمامة ، فقمت بمغادرة الفناء إلى غرفة نومي ، بقيت حزينا أفكر بالمصير المأساوي لحماماتي وكيف إنني مخلوق ضعيف لم يستطع دفاعا عن بناته الضعيفات ، وأنني غير جدير بالحياة ، فكم تكلمت عن الشجاعة وعن حرية تقرير المصير ، وإذا بي أكتشف أنني رعديد وجبان ، وأنني عاجز عن حماية من يأويه منزلي ،وبقيت أشعر بالضعف والهوان ، حتى قررت أن أبدأ من جديد وأشتري زوجا من الحمام ، آتي به إلى بيتي ، ليشاركني حياتي ويبدد شعوري بالوحدة



#صبيحة_شبر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الارهاب .... لماذا ؟
- قراءة في ديوان بلند الحيدري - ابواب الى البيت الضيق
- اليك عني ياهمومي :
- المرأة العراقية والحقوق
- عدو لدود اسمه الفقر
- المهجرة
- المساواة خرافة
- أحرام أم حلال؟
- نوع من العنف مسكوت عنه
- الايجابي والسلبي في الاديان
- ثرثرة حول حقوق المرأة
- الامثال والحكم يمثلان الطبقة الحاكمة
- الوشاية : قصة قصيرة
- رسالة الى صديقتي المقتولة
- الطاعون : قصة قصيرة
- استاذتي .... ماعاد لك : قصة قصيرة
- البناية
- سطو : قصة قصيرة
- ساق للبيع


المزيد.....




- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
- فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
- جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا ...
- المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان
- عام على رحيل صانع الحلم العربي محمد الشارخ
- للشعبة الأدبي والعلمي “جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 ال ...
- من هو ضحية رامز في 13 رمضان؟ .. لاعب كرة قدم أو فنان مشهور “ ...
- فنانون يبحثون عن الهوية بين أرشيف التاريخ وصدى الذاكرة
- أمير كوستوريتسا: الأداء الأفضل في فيلم -أنورا- كان للممثل ال ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - وليمة