|
حزب التحرير الاسلامي- فلسطين: من مرحلة الوعي السياسي إلى الممارسة السياسية
بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي
(Bilal Awad Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 4833 - 2015 / 6 / 10 - 13:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حزب التحرير الاسلامي- فلسطين: من مرحلة الوعي السياسي إلى الممارسة السياسية د. بلال عوض سلامة و د. كرم "راجح محمد" دعنا
هذه الدراسة وحدة في كتاب يرصد الخطاب الفكري والسياسي لحزب التحرير سلامة، بلال عوض و كرم دعنا (2015). حزب التحرير الاسلامي- فلسطين: من مرحلة الوعي السياسي إلى الممارسة السياسية . في حزب التحرير الاسلامي في فلسطين: الفكر والسياسة بين النظرية والتطبيق. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بالمساهمة مع عدة مؤلفين. (عربي وانجليزي).
يختبر المشهد السياسي الفلسطيني خلال العقد الأخير حضور وتكثيف لأنشطة حزب التحرير الاسلامي من؛ محاضرات، وندوات، ومهرجانات خطابية، بيانات وتصريحات صحفية، ولم تنحصر أنشطته في ذلك فقط، وإنما اتسعت لتشمل المسيرات المنددة بالاتفاقيات السياسية ما بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي، والدعوة لإعادة بناء الخلافة الاسلامية من جديد، مما يوشي بوجود تصور جديد للحزب ودوره السياسي في الساحة الفلسطينية أو العالمية في المرحلة المقبلة. تحتل المفاهيم السياسية(الكفاح السياسي، الدولة الاسلامية، الخلافة، الخليفة) مكانة أساسية وجوهرية في تشكيل وصياغة المرجعية النظرية والسياسية والدينية للحزب، الذي يتكئ عليها في تحليله، بجانب صقل مواقفه واتجاهاته متمثلاً بأعضائه تجاه القضايا المجتمعية التي تحيط بالشارع السياسي الفلسطيني، فالقارئ لأدبيات الحزب الداخلية يدرك مباشرة الاهتمام بالجوانب السياسية، والتي جعل من اهتماماته وأولوياته من أجل تثقيف الأمة سياسياً( )، وهذا ما نستشفه من خلال فهمهم وتعريفهم للحزب، حيث تشير إليه أدبياتهم باعتباره " حزب سياسي مبدؤه الاسلام. فالسياسة عمله، والإسلام مبدؤه، وهو يعمل بين الأمة ومعها لتتخذ الإسلام قضية لها، وليقودها لإعادة الخلافة..."( ) وتعد وظيفة الكتلة الحزبية سياسي بامتياز، باعتباره الطريق العملي في دعوته للإسلام، ولا يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل يعد العمل السياسي الذي يهدف إلى "الدعوة إلى الاسلام، والكفاح السياسي للوصول إلى الحكم"( )، ويشدد أيضاً على انه ليس بكتلة روحية أو علمية ولا خيرية، وهذا ما يبرز بدوره العمل والتحليل السياسي في مواقفه، ولعل من المهم التنويه هنا، إلى وجود الرؤية النقدية الحادة والراديكالية في نقد الأنظمة السياسية المحلية والاقليمية والرأسمالية العالمية، وتقديم حلولهم ورؤيتهم للنظام الاقتصادي( )، تعكس توجهاتهم تمترساً على رؤيتهم العقائدية في المجتمع، وهو حال الكلمات التي يستخدمها في أدبياته واطاره الفكري، والتي نستطيع أن نسوق هنا كلمة "مبدأه" حيث كتبت الهمزة على واو "مبدؤه" ويطلق عليها علماء اللغة العربية "بالهمزة المتطرفة"، ما ينسحب الايعاز السابق على طبيعة مفرداتهم وكلماتهم، ينسجم مع مواقفهم ورؤيتهم الفكرية والدينية التي لا تستوعب التغيير والتعديل، وهو ما يمنع الوصول إلى حلول وسط مع توجهاتهم الايدلوجية منذ نشأته. تسعى المقالة الحالية إلى تقصي مواقف واتجاهات حزب التحرير السياسية والايدلوجية والدينية من خلال الاجابة عن التساؤلات التالية: ما مكانة فلسطين في خطابها الايدلوجي، وما علاقة الحزب بالسلطة الفلسطينية وبالفصائل الوطنية والاسلامية الفاعلة في المشهد السياسي الفلسطيني، ما هي مواقف الحزب تجاه العملية السياسية، وأخيراً كيف يفهم الحزب مفاهيم كـ: "الجهاد والهدنة"؟. ومن أجل الاجابة على ما سبق، قام الباحثان بالاعتماد على المنهج الوصفي الكيفي في التحليل، واسلوب تحليل المضمون لوحدة الاهتمام، ممثلة بـ: منشورات الحزب السياسية، كتب حزبية تناولت نظام الحكم الاسلامي( )، بيانات "مناشير"، وأخيراً البيانات الصحفية وتصريحات بعض من أعضاء المكتب الاعلامي في الحزب، وبعد القيام بذلك، وجدنا ثغرات لم نستطع من خلالها الاجابة عن بعض التساؤلات السابقة بصورة كاملة، فقررنا إجراء مقابلات مع تسعة مقابلات مع أعضاء من الحزب، وتخلل ذلك صعوبات، أهمها حالة التكتم الشديد، والتشكيك في غرض البحث، والسرية العالية لدى الأعضاء والوسيط بيننا، وبعدما تم الاستفسار عن هوية الباحثان قرر عضوان آخران قياديان في محافظة بيت لحم مقابلة فريق البحث، ورفض 7 من اعضاء ذكر اسماؤهم أو البوح برتبهم التنظيمية والاكتفاء باختصار للاسم الشخصي والعائلة، وفي بعض الاحيان استخدموا اسم الأب، وسيتم الاشارة إليهم بالأحرف الأولى لأسمائهم في حين نقوم باستعراضنا لاتجاهاتهم، في حين قبل عضوان منهم احتلوا مناصب قيادية في الحزب باستخدام أسمائهم، وكان ذلك تحت ادعاء أن السرية من أهم الشروط في العضوية الحزبية، ولكونها "تعمل على الحفاظ على الحزب وهيكليته التنظيمية" (ن.ع، 2014)( )، واضاف (ع.أ، 2014)( ) "لا يوجد في الحزب تقسيمات، نحافظ عليه ليكون جسم واحد"، ونحن لا نعتقد بذلك على ضوء المعلومات التي قمنا بالوصول اليها. ومن المهم أيضا قبل العروج إلى استعراض محاور المقالة القول؛ أنه لم يتم الاعتماد الكلي على جميع محتوى المقابلات، وإنما ما يخدم مسار المقالة الحالية، حيث كان البعض منهم متردد في اعطاء تفاصيل ومواقف تتعلق بالسياق الفلسطيني بصورة مباشرة، باعتبار ان القضية الفلسطينية قضية هامشية في مصير الأمة الاسلامية، والتركيز أكثر على توحيد الامة العربية والاسلامية تحت راية الخلافة أولاً، ومن ثم سيكون تحرير فلسطين تحصيل حاصل، وقد يكون التردد نتيجة الخوف من الملاحقة الأمنية من قبل الاجهزة الأمنية الفلسطينية المتصاعدة في الآونة الأخيرة ضد اعضاء الحزب. ومن ناحية التمثيل للأعضاء الذين تم مقابلتهم فقد تم تمثيل الاعضاء بأجيال تعبر عن تطور الحزب، فمنهم من انتمى للحزب في مرحلة بداية التأسيس مثل سميرة خليل( )، و ماهر الجعبري، حيث كان الناطق الاعلامي سابقً باسم الحزب من سكان الخليل، وتعرض لاعتقالات ومضايقات من قبل اجهزة الأمن الفلسطينية، ومنهم انتموا للحزب في التسعينيات وبداية 2000، وكانوا من سكان رام الله ، والخليل، وبيت لحم، والقدس، وعكست المقابلات تنوع في الخلفيات الاجتماعية والديموغرافية للأعضاء. وحتى نسهل مهمة العرض لمحاور المقالة الحالية، سنقوم باستعراضها حسب العناوين التالية: اولاً: الماعة سريعة عن الحزب والتعبئة الايدلوجية يعد حزب التحرير الاسلامي من أقدم الاحزاب السياسية بفلسطين في التاريخ المعاصر، والذي تم تأسيسه عام 1953) (، ومنذ ذلك الحين حتى اللحظة: أثار ويثير الجدل في عدة جوانب أبرزها: 1. من حيث الخطاب العالمي المتعلق بوحدوية العالم الاسلامي وانسجام مكوناته الثقافية والفكرية، وانتظام رايتها وقرارها تحت إرادة الخليفة. 2. الحيادية وعدم اتخاذ مواقف صدامية عنيفة مع السلطات أو الدول التي تحتضنها، إلا بعد اقامة الخلافة(ن.ع، 2014)( ). 3. تبني خطاب دعوي ونقدي "يفكك العلاقة ما بين المواطن والحاكم"( )، وهذا الخطاب يتسم بعنف ناعم فيما يتعلق بأخلاقيات المسلم، مستمدين ذلك من رمزية تمثيلهم للدين، و"الوحيدون الذين ينادون بإقامة الخلافة"( ) 4. التشديد على موضوعة أولوية إقامة الخلافة وربط الحلول لمشكلات الأمة بوجودها، 5. رفض الخطاب العلماني باعتباره منتجاً غربياً. يتضح لنا من النقطة الثالثة في الفقرة السابقة، أن الحزب يسعى للوصول للحكم وإدارة دولة الخلافة، مع أنه ليس بالضرورة إن يشكل الحزب دولة الخلافة وفقاً لمبادئهم الداخلية، إلا أن هذا الموقف كان واضحاً في استجاباتهم، والتي أشاروا من خلالها إلى كونهم الوحيدون الذين يتبنون ويدعون إلى إقامة الخلافة، وهو الحزب الوحيد الذي: "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر"(ع.أ،2014)( )، وبالتالي حسب اعتقادهم انهم أحق من كل الحركات الاسلامية في استلام الخلافة الاسلامية، ولهذا لا نستغرب إن الحزب يقدم نفسه الحزب الناقد والواعي والمدرك والمتنبئ والحريص على الامة ومصيرها، وهذا ما يعده الحزب علامة تميزه وتقدمه على الحركات الاسلامية الأخرى. قدم حزب التحرير نفسه كمنقذ للأمة الاسلامية من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها( ) ويقدم رؤيته الاسلامية في معالجة تلك المشاكل والأزمات المحلية والعالمية( )، باعتباره الحزب القادر على الربط ما بين المبادئ الاخلاقية الاسلامية، والرؤية الاسلامية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، والقادر على وضع استراتيجيات وخطط تعالج مشكلات الأمة الاسلامية، والتي سيتم تطبيقها من خلال الدولة الاسلامية، هذه الرؤية استقطبت العديدين في صفوف الحزب وعلى وجه التحديد في فلسطين( ). ومن باب المفارقة إن الحزب الاسلامي الوحيد الذي تأسس في فلسطيني وتم عولمته في باقي الدول المجاورة والعالم أجمع، هو حزب التحرير، ولكن خطابه الايدلوجي لم يحمل في ثناياه مفاهيم قومية أو وطنية تنسجم مع شروط الانبثاق، أو لنقل تم تهميشه لصالح الأمة الاسلامية، وبالرغم من كون مؤسس الحزب فلسطيني إلا انه ترك الباب مشرعاً للدول الاسلامية في تحديد مصير فلسطين وأهلها، ويعتقد أن لظروف النشأة وخلفية مؤسسها تقي الدين النبهاني، والذي عبر فيه عن رؤيته للتخلص من الاحتلال من خلال كتابه الأول الموسوم بـ "انقاذ فلسطين"( ) دون التطرق إلى اقامة الخلافة، وجدير بالذكر أن مواقفه وتوجهاته الدينية ما تزال تؤثر حتى اللحظة على توجهات الحزب، فما يزال ينسجم ذلك مع محاولة الربط بين "هدم الخلافة العثمانية" بمصير ما حدث بفلسطين، ويستند الحزب في تمتين رؤيته ومواقف أعضائه فيما سبق، من خلال المناشير والمؤتمرات والمحاضرات حتى أيامنا هذه ( )، وفي بياناته الصحفية ( )، والحلقات الحزبية التوعوية، وبالتالي فإن الرؤية التي يحتكم إليها الحزب في تحرير فلسطين ليست مرتبطة بهم، ولا هم مخولون بذلك، باعتبارها أرض وقف اسلامي، فمهمة الأمة الاسلامية والجيوش العربية تحريرها. القارئ لأدبيات الحزب يستطيع إدراك أهمية فلسطين في كراساته التنظيمية وبياناته وتصريحاته الاعلامية، والتي يحض فيها الأمة الاسلامية على تحريرها حسب رؤيته الاسلامية، خصوصاً بعد أن اخفقت الدول العربية والاسلامية عام 1948 وما بعدها في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي المدعوم من الدول الرأسمالية الغربية، باعتبار إن الدول العربية تواطأت مع الاستعمار، الذي شوه وعطب دور تلك الدول في تحرير فلسطين، إلى جانب فشل القوى العلمانية والاشتراكية والقومية الفلسطينية والعربية في ذلك حسب معتقدهم، لأن تلك الفصائل حسب حزب التحرير منتج غربي، ولهذا بدأ حزب التحرير بالترويج لرؤيته القادرة على دحر الاحتلال من خلال تمسكه وطرحه لرؤيته الدينية حسب الشريعة الاسلامية، هذا التوجه استقطب الكثيرين من الشباب الفلسطيني، ومنهم سميرة خليل( ) التي انتمت إلى الحزب عام 1954 حيث جذبت للفكرة الدينية التي يتبناها الحزب في تحرير فلسطين، وتعبر عن مشاعرها "كان انتمائي للحزب افضل شيء حصل في حياتي، لقد علمني أشياء كثيرة ... لا تعلم في المدارس" رغم عدم معرفتها بعدد وانتشار الحزب في وقتها، وينسحب نفس الموقف على الكثيرين من الشعب الفلسطيني والعربي الذين انتموا للحزب. يعد حزب التحرير من الأحزاب السياسية النادرة في وقتنا المعاصر الذي ما زال يشدد ويحافظ على اتساق شبه كامل ومنسجم مع أيدلوجيته الدينية فيما يتعلق بالكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي يواجهها المجتمع الفلسطيني على وجه الخصوص، والعالم بشكل عام، والعمل على خلق حالة من الانسجام ما بين أعضائه، بغض النظر عن موقعهم ورتبهم التنظيمية، ويتمثل ذلك من خلال التعبئة التنظيمية عبر المنابر الجماهيرية، مثل؛ خطباء المساجد، اللقاءات العائلية والدعوية والمؤتمرات، وأهمها عبر صفحتها الالكتروني( )، وأخيراً الجلسات التنظيمية مع اعضائه، وجدير بالتنويه أن المقابلات التي أجريناها مع أعضاء الحزب في معظم المحافظات وباختلاف خصائصهم الديموغرافية، إلا أنه لم تختلف إجاباتهم ومواقفهم بالرغم إنها أجريت منفردة، أما فيما يتعلق بوحدة رؤيته الايدلوجية والدينية، فتلعب "مجلة الوعي" المدارة من قبل مجموعة من نشطاء حزب التحرير الاسلامي في لبنان والتي تأسست بتاريخ 15/11/1989( ) دوراً مهما في خلق وحدة انسجام ايدلوجي في المواقف الاستراتيجية وواقع الحياة اليومي، ويعد حزب التحرير-فرع فلسطين من أكثر الأحزاب السياسية مواكبة للأحداث المستجدة محلياً واقليمياً وعالمياً، خصوصاً السياسية منها، وبالتالي تصدير مواقفها للخلايا الحزبية ووضعهم في ضوء المستجدات، ونستوضح ذلك من خلال بياناتها وتصريحاتها الصحفية شبه اليومية بخصوص القضايا السياسية والمفاوضات والضرائب وسياسة البلديات في السياق الفلسطيني، والازمات الاقتصادية العالمية، مما يجعله من أكثر الأحزاب السياسية الذي يهتم بتوزيع مواقفه إلى اعضائه، ووضعهم في تطورات الموقف، ويشدد الحزب على عدم اختلاف أعضاء الحزب مع مواقفه كشرط لاستمراره/ا في الحزب، ويتبع الحزب سياسة تنظيمية صارمة في موضوعة السرية، وحتى يتم قبول العضو فيه؛ لا بد أن يظهر نضجاً في الثقافة الحزبية، وبعدها يقوم بأداء القسم التالي: "أقسم بالله العظيم أن أكون حارساً اميناً للإسلام، متبيناً آراء حزب التحرير هذا، مؤمناً بفكرته، واثقاً بقيادته، منفذاً قراراته وإن خالفت رأيي"( )، ومن هنا مبدأ التشديد والحرص فيه على المعلومات الداخلية والهيكلية التنظيمية، حيث أن عضو الحلقة الذي لم يحصل على العضوية لا يعرف التراتبية فوقه ولا المسميات فوقه ما عدا حلقة، ومشرف حلقة، مع العلم انها تتصاعد إلى مشرف محلي ومرشد دائرة، ومسؤول ولاية - فلسطين في هذه الحالة-، وبالرغم مما سبق، إلا أن الحزب يتعامل بسواسية مع جميع الاعضاء بغض النظر عن رتبهم التنظيمية، ولا تفرق بين قائد وعضو( )، لا في المعاملة ولا في المعلومة، مما نستطيع القول عنه، الحزب الملتحم بأعضائه بشكل عضوي. إن حزب الحرير حزب سياسي، ولذلك يهتم بالمنهج الجدلي الفكري والفلسفي مع الأفكار الأخرى المناقضة له وللعقيدة الاسلامية، إن كانت رأسمالية، أو علمانية، أو حتى يسارية ويعبأ أعضائه بأهمية "الوعي السياسي" ( )، والذي لا بد أن يتوفر له عنصران: الأول؛ هو النظرة إلى العالم كله بطريقة شمولية، والثاني؛ أن ينظر إليه من زاوية معينة، والتي تعني انطلاقاً من العقيدة الاسلامية للحزب، ولهذا يحتل مفهوم "الكفاح السياسي" مكانة هامة في بنية الحزب التنظيمية والسياسية، على اعتبار انهم يحايثون به تجربة النبي محمد -صل الله عليه وسلم- في الدعوة إلى اقامة الدولة أولاً ومن ثم الجهاد، يقول (ع.أ،2014): "الفكرة هي التي تحارب وهي التي تصل، والأفكار هي التي تنتصر، فالرسول حورب قبل استخدام القتال وانتصر"( )، وهو رد ضمني لاتهامات/اختلافات الحركات الاسلامية السياسية، والتي تعيب على الحزب بعدم استخدامه للعنف، خصوصاً فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وقبل الانتقال إلى مناقشة مواقف واتجاهات الحزب السياسية المتعلقة بالواقع الفلسطيني وعلاقته بالفصائل وبمنظمة التحرير الفلسطينية وبالعملية السياسية، من المهم التنويه إلى أن موقف "الحزب السلمي" تجاه الحكومات في العالم عامةً، وبفلسطين بشكل خاص؛ اتسم بالمرونة معها وعدم وضع نفسه في مواجهة عنيفة تستدعي تلك السلطات اجتثاثه أو مطاردته للتضييق عليه، مما خلق مناخاً جيداً للعمل والتعبئة والتأطير، وبالتالي الانتشار والتوسع في القاعدة الشعبية، خصوصاً الشرائح الوسطى الدنيا؛ من مهنيين وطلبة وتجار ومعلمين واطباء. ولكن من الواضح أن "حالة الحياد وعدم المواجهة" هذه لم تعد موجودة، من حيث اقتصار العمل التنظيمي على التعبئة السياسية والايدلوجية والجدل الفكري لأعضائها بخصوص نظام الحكم والقوانين الاسلامية وتجارب شخصيات نموذجية فيها، واختلافاتهم مع الأحزاب السياسية الإسلامية الأخرى، كما هو الحال مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي بفلسطين، أو مع الإخوان المسلمين كما هو الحال في دول العالم العربي، فقد اختبر المشهد السياسي الفلسطيني حضوراً مكثفاً في الشارع الفلسطيني في السنوات الأخيرة، متمثل بـ: مسيرات ضخمة بفلسطين مباشرة بعد الانقسام الفلسطيني 2007، وعلى وجه التحديد في منتصف عام 2008، حيث اختبر المشهد الفلسطيني وجود مكثف لحزب التحرير في الميادين والتجمعات والجوامع والمظاهرات الاحتجاجية والمطلبية، مما وضعه في مواجهة مباشرة مع السلطة الفلسطينية، ويرجع الكثير من المتتبعين للحركات الاسلامية أن الحزب يحاول تقديم نفسه باعتباره البديل عن الاسلامي السياسي، وبالتحديد حركة المقاومة الاسلامية حماس، وهذا ما استدعى من الحزب الرد على ذلك من خلال(بيان صحفي، 2011)( )، ومع أن الاستجابات التي تلقيناها من المبحوثين لسؤالنا: لماذا الآن تخرجون إلى الشارع؟ تشير إلى عكس ما سبق، حيث أجاب (ن.ع، 2014)( ) إلى انه يوجد: "توجيهات من أمير الحزب فتح الله على يديه بإقامة الخلافة الراشدة -عطا ابو الرشتة( )- الخروج إلى الشارع لأنه مؤشر مهم لمسلمين باكستان أو ماليزيا بأننا ندعو لإقامة الخلافة ونحن موجودون ونتحرك"، تشير الاستجابة السابقة إلى وجود توجه جديد داخل الحزب لمكانة فلسطين في خطابها وللأمة الاسلامية، ويرجع ذلك إلى الأهمية الدينية والعقائدية لفلسطين في كتاباتهم وكراساتهم التنظيمية وكفاحهم السياسي فيها( ) وما تمثله من أهمية في وعيهم السياسي، باعتبار أن بداية / أو أول مشروع لهم بعد اقامة الخلافة؛ هو تحرير فلسطين، إذن وكأن الرسالة التي يريد ايصالها الحزب لـ لأعضائه في أكثر من 40 دولة ( ) بأنهم موجودون ولهم حضور في الشارع الفلسطيني، فعليهم-أي اعضاء الحزب في العالم- البدء بالتحرك لإقامة الخلافة ونصرة أهل فلسطين، وعلى ما يبدو أن التوجه الجديد في الحزب هو الخروج إلى الشارع، وكأنها مسألة تحفيز اعضاء الحزب والحكومات في العالم العربي والاسلامي وطلب النصرة فقط من الجيوش لتحرير فلسطين غير كافي، وإنما يستدعى وجود تحركات ميدانية لهم في فلسطين بصورة أكثر نشطة. ثانياً: الحزب: ما بين الجهاد الفكري وحمل راية الجهاد لعل موقف حزب التحرير الاسلامي تجاه الجهاد من أكثر المواقف تناقضاً وجدلاً حول وجوبه أو عدم وجوبه، يلخص الشيخ( ) موقف حزب التحرير الاسلامي من خلال الجملة التالية "يسمح بالعنف ولا يمارسه ويريد إحياء الخلافة ويفضل الانقلابات العسكرية"، ولعل الموقف الأكثر وضوحاً هو موقف الحزب من الأزمة في سوريا في لقاء في منطقة كفر عقب في رام الله 18/2/2013 الذي اعلن فيه عن تأييده للجهاد في سوريا في خطاب جماهيري( )، وفيما يتعلق بالواقع الفلسطيني فإن للحزب نظرة مختلفة حولها، ويرى أن دور الفلسطينيين دور ثانوي وغير ضروري عليهم، استناداً إلى أرضية فقهية تقوم على التفريق بين "جهاد الدفع وجهاد الطلب"( )، بمعنى الخروج على الحاكم غير المطبق الشريعة شيء، والجهاد ضد "الكفار" شيء آخر، والدفاع عن النفس شيء مختلف، ينطبق مفهوم الجهاد من ناحية اصطلاحية وعملية بخصوص "الجهاد ضد الكفار" لنشر الاسلام، ويبدو ذلك واضحاً من خلال موقفهم القائل: بأن "الجهاد حرب لكل من يقف في وجه الدعوة الاسلامية، سواء كان معتدياً أم غير معتد" ويتم التعامل مع الجهاد من الناحية الوظيفية في رؤية الحزب باعتباره "إزالة لكل حاجز يقف في وجه الدعوة الاسلامية"( )، على أساس أن للجهاد غاية وحيدة فقط؛ وهي نشر الاسلام فقط في العالم، ويقول علاء ابو صالح الناطق الاعلامي للحزب، أننا لن نقوم بإكراه الناس على اعتناق الاسلام، وإنما من خلال الجهاد نعمل على ازالة "الدول والكيانات المهيمنة على الشعوب والتي تحول بين الناس ودعوتهم إلى الاسلام"( )، اذن من الناحية المفاهيمية الجهاد هو لنشر الاسلام، وحسب اعتقاد الحزب أن الذي يرفض اعتناق الاسلام، عليه دفع "الجزية" للدولة الاسلامية، كان قاطن في الدولة الاسلامية او في غيرها، وذلك مقابل توفير الحماية له. في الوقت الحالي نرى تصريحات ومواقف للحزب تتنافى جزئياً مع القاعدة الفقهية السابقة، ويظهر ذلك بصورة جلية في مواقفه تجاه الأزمات التي اختبرتها وتختبرها الدول العربية، وعلى وجه التحديد "سوريا وليبيا وتونس"، فقد أيد الحزب الجهاد في تلك الدول-رغم أنها حرب أهلية-، مما يستدعي القول بأن مواقف الحزب تجاه موضوعة الجهاد أخذت تتبلور وتوضح بصورة لا تستوعب اللبس فيها خارج فلسطين، ويعتقد إن ما يحدث في العالم العربي بعد ما يسمى "بالربيع العربي" شكل مفصل جديد وتحول نوعي في فهمه وتعاطيه مع الأنظمة السياسية العربية ووجوب القتال فيها خصوصاً في سوريا بالرغم من عدم وجود تصريحات مباشرة بذلك، فالتصور العقائدي يتمثل بـ "إن الحزب ليس من غايته أخذ الحكم، بل غايته استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية، فإذا حصل استئناف الحياة الإسلامية فقد تحققت غايتيه" وجل اهتمامه بالسياسة هو تعليم الناس ورعاية شؤونهم اعتماداً على الشرع والفقه والعقيدة الاسلامية، ففي نفس السياق يذكر الشيخ ( ) : "يشكل موقف حزب التحرير من العنف واحد من التناقضات البارزة في فكره، فقد جاء في إحدى نشراته " أن يُطلب من الحزب أن يشارك في الأعمال المسلّحة لأخذ الحكم طلبٌ مرفوض لأنّ الحزب كحزب لا يشارك في حمل السلاح لأخذ الحكم، لأنّه كحزب لا يقوم بالأعمال المادية، إن الحزب لا يطلب من غيره الآن أن يقوم بالأعمال المادية والأعمال المسلحة لأخذ الحكم، وإنّما يطلب ممّن لهم المنعة أن ينصُروه، أي أن يستعملوا قوّتهم ونفوذهم لنصرته سواءَ أكان ذلك بالأعمال المسلّحة أم بغيرها "، و " طلب الحزب للنصرة ليس طلب فرد من غيره أن يقوم بأعمال مادّية لمساعدته" نلاحظ مما سبق، أن الحزب يتبنى العنف، ولكن لا يمارسه، ويطلب من الآخرين ممارسته في نصرته، خصوصاً الدول الاسلامية والعربية وجيوشها، وفي تصريح لـ باهر صالح: عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير، يؤكد أن خلخلة الأنظمة العربية القمعية بعد ما يسمى "بالربيع العربي" اتاح للحزب الفرصة للتغلغل في الجيش باعتباره أهل القوة، الذي أصبح أسهل التغلغل والتأثير عليه أكثر مما سبق في مرحلة الاستقرار( )، ولهذا ينظر على أن الدور الوظيفي للحزب هو النقد اللاذع للسلطات والممارسات السياسية وتعريتها استناداً إلى الفقه الاسلامي، وأشار(م. ص، 2014)( ) في مقابلته معنا، إلى أن الحزب يتبع خطى الرسول كما يأتي "المرحلة الأولى؛ التثقيف، والمرحلة الثانية؛ مرحلة الكفاح السياسي والصراع الفكري وطلب النصرة من مراكز القوى وهي الجيوش، والمرحلة الأخيرة؛ استلام الحكم... لإعادة الخلافة الاسلامية" على ضوء المتغيرات التي تحيط بالمنطقة، وانسجاماً مع ما سبق، نستطيع القول أن الحزب يعيش في المرحلة الثانية، ولكنه لا يكتفي بطلب النصرة وإنما تشير الكثير من المعلومات إلى حضوره ودوره القتالي في سوريا، ويعبر (ن.ع، 2014) :"إذا كان هنالك مشاركة لأعضاء الحزب في سوريا، فإنها مشاركة فردية وليست حزبية وهو جائز شرعاً"( )، فالحزب يبيح الدفاع عن النفس كما هو الحال في سوريا، وفي فلسطين، باعتباره ممدوح شرعاً ولكن غير مؤثر، فالأعمال المسلحة الفردية حسب الحزب وإن كانت جماعية كما هو الحال في فلسطين ليس من شأنها أن ترد وتقهر العدوان( )، في حين أخذ الحزب منحى دعوي وسياسي في الحالة التونسية والليبية، إلى جانب محاولته في التأثير على الجيش واستقطابه لرؤيتهم السياسية، وكأنه يريد أن ينتقل إلى المرحلة الثالثة وهي مرحلة استخدام السلاح في سبيل تحرير فلسطين، ولكن من الخارج، وهي رؤية تنسجم مع توجهات الحزب في فهم الصراع في فلسطين. يطلق حزب التحرير على مرحلة البدء بالجهاد "بساعة الصفر"، وهي اللحظة المناسبة للبدء في الجهاد وتحرير فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي حسب اعتقادهم، وفي سؤالنا لأحد المبحوثين عن ما تعنيه ساعة الصفر، فأجاب "وعي عام لدى الناس ورأي عام للفكرة.. هي الاشارة"(ع.ن،2014)( )، وهذا يتطلب بالضرورة البدء في اقامة الخلافة حتى تأتي هذه المرحلة، والتي اعتقد أنهم بالمرحلة الثالثة والأخيرة وهي استلام الحكم، بمعنى ان الحزب يسعى في هذه المرحلة لاستلام الحكم في دولة اسلامية. في سياق التغيرات التي أخذت تعصف في المنطقة مؤخراً، بما يسمى "بالربيع العربي" والصراع الأهلي في سوريا على وجه التحديد، ونشوء حركات دينية مثل جبهة النصرة و داعش "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا" قد يكون له ارتباط وثيق بخطاب "ساعة الصفر"، التي يعول عليها الحزب على وجود دولة اسلامية في المنطقة، كنقطة انطلاق لهم، حتى نفهم توجه الحزب تجاه تلك الحركات طرحنا تساؤلاً؛ من هي الجهة الأقرب ايدلوجياً إلى حزب التحرير "النصرة او داعش"؟، فكان الجواب "الاثنان يتبنيان الاسلام"( ) ولكن هنالك قتل وذبح في داعش لدرجة التساؤل إن كان ذلك اسلاماً أم لا؟، كان المداخلة التالية، فأجاب :"قد يكون هنالك اخطاء ولكن لا تصدق الاعلام ... هنالك إرادة أمريكية لتشويه الدولة الاسلامية في ذهن المسلمين"، وبالتالي قد تكون انظار الحزب متجهة نحو "داعش" باعتبارها أول دولة اسلامية في المنطقة حسب اعتقادنا. ثالثاً: موقف الحزب من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي: الحل المنشود إن تعامل وموقف حزب التحرير الاسلامي مع/من حالة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي مشتق من رؤيته العقائدية، ويقوم بتقسيم العالم بشكل عام واليهود بشكل خاص بين ثنائية حادة لا تقبل تقسيم ثالث، وهي "مسلم وكافر"، ومن الندر أن نجد ايحاء دلالي لأية علاقة ما بين الصراع والهوية القومية، بل بالعكس يتعامل الحزب معها وكأنها منتجات أوروبية أو غربية جاءت لتتكالب على الأمة الاسلامية وتفتتها من الداخل، ويتعامل مع الاحتلال الاسرائيلي انطلاقاً من قاعدة دينية بحتة، ففي قراءتنا لبياناتهم وتصريحاتهم ومجلتهم "الوعي" يغلب عليهم استخدام "كيان يهود" حيث من الندر استخدام "الـ" التعريف مع كلمة "يهودي" في محاولة التعامل معهم معاملة النكرة، وحتى نتأكد مما سبق، طرحنا تساؤلنا على أحد اعضاء الحزب (أ.ص، 2014)( )، فأجاب "لا نعطي صفة المعرف لهم، وبالتالي صفة الشعب الواحد والكينونة الواحدة باعتبارهم من أصول وأعراق مختلفة لشعب ليس له أرض" . تزخر الكتب والبيانات الحزبية لحزب التحرير لمواقف تتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي، إلا ان الحزب بالرغم من اعطائها اهمية، وهي أهمية مستمدة من الدين والشرع، إلا انه يتعامل معها كباقي الدول الاسلامية التي ترزخ تحت وطأة الاحتلال كما يعتقدون مثل كشمير والشيشان( )، فتحرير فلسطين هو نفسه تحرير للشيشان، باعتبارها ارض اسلامية يجب الدفاع عنها، وهذا لا يتم إلا من خلال بناء دولة الخلافة التي ستسعى لتحريرها. وفيما يتعلق باتجاهات اعضاء حزب التحرير نحو فلسطين، يشير مشرف الحلقة المحلي في بيت لحم (ع.ن، 2014)( ) في مقابلته معنا إلى إن "أرض فلسطين هي أرض اسلامية مغتصبة من قبل اليهود... وسنقوم بإستئصال يهود من جذورها ونعيد فلسطين إلى حظيرة الاسلام" وهذا ما انسجم مع مقابلتنا مع (م.ي، 20014)( ) باعتبار أن "الجهاد هو الطريقة الشرعية لنشر الدعوة الاسلامية، وكذلك لا يتم تحرير فلسطين إلا بالجهاد" ويشير أيضاً أن الجهاد هو "زحف الجيوش العربية لتحررها" فينظر الحزب لنفسه باعتباره حزباً اسلامياً، وان فلسطين هي "أرض اسلامية خراجية" (ن.س، 2014)( )، تشير الاستجابات السابقة إلى أن فهم جوهر الصراع القائم بين المسلمين من جهة والكفار من جهة ثانية، وهم بهذه الحال "اليهود" أو من ناصرهم، هذه الرؤية قائمة على الصراع بين الأديان. إن التغيرات الدراماتيكية التي حدثت في العالم العربي تنسجم مع التوجه الديني لفهم حزب التحرير للصراع الاسلامي اليهودي، فالربط بالنسبة لهم بين التغيرات في المحيط العربي من جهة، وإقامة الخلافة من جهة ثانية، ومحاولة استقطاب الجيوش في الدول العربية مع توجه حزب التحرير، كلها تشير وتوطد رؤية الحزب في الالتحام والارتباط مع إقامة دولة الخلافة وتحرير فلسطين. تؤكد المؤتمرات والتصريحات التي يدليها قادة الحزب ما سبق، فيقول عطاء أبو الرشتة أمير حزب التحرير في العالم: "من أحب الأقصى وتحرير الأقصى عليه العمل الجاد المجد لإيجاد دولة واحدة للمسلمين، خلافةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة، تقتلع كيان يهود من جذوره وتعيد فلسطين كاملةً إلى ديار الإسلام، دونما تفاوض أو صلح، فإن لم يستطيعوا اليوم فلا أقل من أن يبقوا حالة الحرب قائمةً حتى يأتي من يكرمه الله بتحريرها، ومن ثَمَّ يكون له بذلك الفوز العظيم"( ). وبالتالي، نستشف أن البعد الاسلامي حاضر بشكل دائم في فهم الصراع، الذي حله يكون من الخارج، وليس من الداخل، باعتبار إن قضية فلسطين هي قضية المسلمين، وحل الصراع يكون عبر جيوش الأمة الاسلامية. وبهذا ينظر الحزب إلى ما يتم تشكيله في الشام بداية المشروع لديهم حسب فهمنا من السياق، وبالرغم من ان الحزب لم يعبر عن رغبة في قيادة الدولة الاسلامية في أدبياته، إلا أنه لا يوجد مانع لديهم من استلام الحكم، باعتبار أنهم الوحيدون الذين قرأوا الخارطة السياسية وتحققت رؤيتهم، فلذلك يرى اعضاء الحزب بأنهم "احق من غيرهم في قيادة الدولة الاسلامية"( ). رابعاً: العملية التفاوضية... الهدنة : "انتحار سياسي" يعد حزب التحرير من أشد الفصائل السياسية المتواجدة بفلسطين الرافض بشكل جوهري فكرة التفاوض مع الاحتلال الاسرائيلي، وما يميزه عن الفصائل الفلسطينية الأخرى التي ترفض التكتيكات في العملية التفاوضية، ويتعاطى مع الاتفاقيات جميعها من "مدريد، وأوسلو.. واي ريفير..بروتوكولات باريس .. انابوليس.. الجهود الأخيرة لكيري" باعتبارها صناعة أمريكية، او حسب تعبيرهم "الذي يدير العملية السلمية في فلسطين دور الكفر وعلى رأسها امريكا" (ع.ن،2014)( )، على اعتبار ان التعامل الوحيد الذي يلتف حوله أعضاء الحزب؛ إن وجود دولة اسرائيل جاء على انقاض المجتمع الفلسطيني وتشرده وقتله، والمعاملة الوحيدة معهم هي أن تكون " العلاقة مع اليهود على انهم مغتصبين لأولى القبلتين... والتعامل معهم يكون على اساس استئصالهم حتى لا يبقى لهم أثر"(م.ي، 2014)( ) فهم بذلك يرفضون الهدنة أو أي عملية تفاوض مع دولة الاحتلال الاسرائيلي. إن الموقف السابق للحزب، لم يكن استجابة لاتفاقيات أوسلو أو العملية التفاوضية في التسعينيات فقط، وإنما كان سابق لذلك، من خلال موقفهم ضد اتفاقية كامب ديفيد مع السادات وكان شعارهم حينها" لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات مع دولة يهود"( )، ويسجل أول موقف للحزب تجاه التفاوض مع اسرائيل او الاعتراف بها، ونقدهم للقيادة الفلسطينية باعتبارهم "خونة"، من خلال بيانهم وردهم على انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 13/11/1988 لإعلان استقلال الدولة الفلسطينية، حيث جاء في بيانهم "ولما كانت المنظمة وعلى رأسها الخائن الأكبر، ياسر عرفات تدرك خطورة هذه الاعلان، وما فيه من الخيانة الساخرة، والاستسلام المخزي، لجأت إلى عقد دورة طارئة"( )، وكان موقفهم حينذاك باعتبار اعلان الاستقلال هو اعتراف صريح بإسرائيل، وان الاجتماع جاء كاستجابة للمطالب الامريكية( ). وبالرغم من أن الحزب لا يؤيد الانتفاضة، إلا انه تعامل مع ذهاب الوفد الفلسطيني إلى مدريد 1991، واتفاقية أوسلو 13/9/1993، أو محادثات السلام بقاعدة بولينغ الجوية بواشنطن بتاريخ 19/12/2000، باعتبار إنها خيانة للأمة الاسلامية وطعن للقضية الفلسطينية، ورأوا في بيان لهم بتاريخ 25/12/2000؛ إن المفاوضات طعن وتآمر على الانتفاضتين لتنفيذ الحلول التي خرجت من اتفاقية كامب ديفيد الخاصة بتصفية القضية الفلسطينية، بدلاً من استثمار الانتفاضة الثانية كنقطة بدء "لاجتثاث اليهود"( ). وتعامل الحزب مع مؤتمر أنابوليس باعتباره تنازل عن حقوق الفلسطينيين في خضم استبعاد القدس واللاجئين واستمرار الاستيطان في أكل الأراضي الفلسطينية للتمهيد لتهويدها، وأن الهدف الرئيسي من المؤتمر هو ربط أمن ما "تسمى السلطة الفلسطينية حسب تعبيرهم" مع الأمن اليهودي، وذلك بتعيين الجنرال كيث دايتون والذي ستتكثف "... مهمته في مساعدة السلطة الفلسطينية على بناء وتأهيل الأجهزة الأمنية... -وسيشمل أيضاً- تغطية الترتيبات الأمنية بين الدولة الفلسطينية والدول المجاورة لها"( )، مشددين إلى أن هذه الوعودات بالدولة عبارة عن أوهام مخادعة يروج لها الاعلام العربي والفلسطيني في المحطات الرسمية، والتعامل معه على أنه "مؤتمر خياني لأجندة الكفر"( )، ويعد حزب التحرير؛ الحزب الوحيد الذي حشد مظاهرات ومسيرات ضد انابوليس عام 2007، مما وضعه في مواجهة مباشرة مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، أدت إلى قتل متظاهر واعتقال العشرات في محافظتي الخليل ورام الله، ومنذ ذلك الوقت حتى اللحظة تقوم اجهزة السلطة باعتقال أعضاء الحزب النشيطين بعد كل بيان أو مظاهرة يقومون بها. إن موقف حزب التحرير من المفاوضات المتعلقة بحق العودة واضح تجاه هذه القضية، ففي بيان بتاريخ (2/12/2003) في مناسبة توقيع وثيقة جنيف في بداية الشهر، فقد اتهم الحزب بأن السلطة تنازلت عن حق العودة، في اعلان الجزائر واتفاقية اوسلو والتنازل عن فلسطين 1948( )، وموقفهم من هذه المفاوضات بأنه لا يوجد لأحد حق التنازل عن أرض فلسطين، وحق العودة بالنسبة لحزب التحرير هو "عودة الأرض للناس قبل عودة الناس للأرض"( ). ولا يختلف الموقف للحزب تجاه جولات جون كيري ومقترحاته للحل، عبر القيادي في حزب التحرير حسن المدهون عن رفضه لخطة كيري المتمثل برفضه نشر قوات ناتو أو قوات دولية في فلسطين( ). وعودة إلى موضوعة الهدنة حسب فهم حزب التحرير، فإنه من الندر أن تجد في أدبياتهم أو كراساتهم أو مواقفهم مفاهيم دقيقة ومفصلة عن الهدنة، باعتبار أن دور الحزب في فلسطين هو الكفاح والصراع الفكري لا غير، بانتظار الجيوش الاسلامية لتحرر فلسطين، لكن في حال سؤالنا وجدنا تبايناً صغيراً بين اتجاهات من قابلناهم في فهممهم للتهدئة، فأشار ( )؛ مشرف حلقة، إلى إن الهدنة "يقيمها الخليفة وليس الحزب أو أي جماعة قبل وجود الدولة الاسلامية وتكون من مصلحة الأمة وضمن الأحكام الشرعية" ويضيف( ) "فيما يتعلق بالهدنة مع اسرائيل فيحرم عقد هدنة مع اسرائيل، لأنه كيان يهود على أراضي اسلامية فلا تصح هذه الهدنة لأنها تعتبر تمليك الكفار أرض المسلمين" في اشارة لاختلافهم مع حركة حماس وانتقادهم لهم في فهم الهدنة المحددة، باعتبار أن حركة حماس حزب، وليست دولة إسلامية. فالهدنة في فكر وممارسة الحزب لا يقيمها حزب سياسي وطني كان أو حتى اسلامي، وإنما يشترط بإقامة الهدنة من قبل الخليفة، أي بعد إقامة الدولة الاسلامية، ويشترط ان تكون "مسقوفة بفترة زمنية وغايتها نشر الاسلام" ( )، ولهذا يؤكد الحزب في مشروع دستور دولة الخلافة في النقطة الرابعة "الدول المحاربة فعلاً كإسرائيل مثلاً يجب ان نتخذ معها حالة الحرب أساساً لكافة التصرفات. وتعامل وكأننا في حرب فعلية سواء أكانت بيننا وبينها هدنة أم لا. ويمنع على رعاياها من دخول البلاد"( )، والهدنة هنا لا تكون بين الفلسطيني والاسرائيلي، وإنما بين دولة الخلافة ودولة الاحتلال، ولهذا وضعوا موقف شرعي تجاه الهدنة ما بين حماس ودولة الاحتلال، باعتبارها غير جائز شرعاً، لأنه بحسب اعتقادهم "اعتراف بوجود إسرائيل والقبول بها"( ). أن النص السابق مؤشر مهم على إمكانية اقامة هدنة مع اسرائيل من قبل الدولة الاسلامية وتكون محكومة بفترة زمنية وهي 10 سنوات كما كانت المدة في صلح الحديبية كما حدثت ايام النبي، ولكن السؤال يبقى مفتوحاً في حال استلم حزب التحرير الدولة، بما يعني ان اميرها عطا أبو الرشتة الفلسطيني، قد يكون من الممكن اقامة هدنة في حال كان ذلك في مصلحة الأمة. خامساً: موقف الحزب من منظمة التحرير ووليدتها السلطة لا يوجد شيء اسمه الهوية الوطنية الفلسطينية في الأدبيات الحزبية لحزب التحرير الاسلامي، بالمبادئ القائمة على البعد الجغرافي أو القومي، باعتبار أن المكان عاجز عن افراز مبادئ أو أفكار حسب اعتقادهم، حيث يؤكد الحزب على وحدة الأراضي الاسلامية على أرضية الدين، فالتقسيمات لديهم هي "مسلمون، ونصارى، ويهود"، والتعامل مع الآخرين انطلاقاً من هذا المبدأ الذي يحكم علاقتهم بالآخرين، ولهذا يعتقد حزب التحرر ممثلاً بأعضائه بأن إنشاء منظمة التحرير أدت إلى "... تقزيم القضية الفلسطينية وحصرها ضمن إطار الشعب الفلسطيني... وإزالة عبء تحريرها عن كاهل الأنظمة الحاكمة... -التي- قامت بتصفية قضية فلسطين"( )، نستطيع القول هنا؛ إن مواقف حزب التحرير كانت واضحة منذ البدء في التعامل مع منظمة التحرير باعتبارها مشروع جاء لاستجابة أوامر أمريكا "دول الكفر" حسب تعبيرهم، وإنها عبر تفاوضها مع اسرائيل تعمل على "خيانة" الأمة الاسلامية. لم يكن هذا الموقف بجديد، تشير بياناتهم وتصريحاتهم منذ السبعينيات والثمانينيات حول ذلك، ولكن المتتبع لتحركات الحزب الأخيرة منذ 2007، يستطيع القول أن السلطة في البداية رفعت الغطاء عنهم في اعطائهم المجال لهم بالتعبير عن مواقفهم في الشارع، في مناكفة منهم ومحاولة لإضعاف حركة حماس-والتي يعتقد البعض أن هنالك زيادة على قوة ونفوذ الحزب على حساب حركتي حماس وفتح في مناطق الضفة الغربية( )-، ولكن بعد ذلك، اصبحت تحركاتهم وانتقاداتهم للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية وعقد الاجتماعات؛ تؤرق السلطة، مما رفع مستوى الضغط عليهم من ملاحقات واعتقالات ومنع اقامة تجمعات لحزب التحرير الاسلامي، كانت أخرها بتاريخ (4/2/2014)، والذي هاجم به البيان شخصياً الرئيس محمود عباس واتهامه بالخيانة، وجاء في البيان الصحفي "إن تصريحات عباس الوقحة تؤكد على الدور الخياني التآمري لمنظمة التحرير ووليدتها السلطة الذليلة، هذا الدور الذي أكد فيه حزب التحرير عند إنشاء منظمة التحرير... وأن المنظمة ووليدتها لا تمثلان أهل فلسطين"( )، وتشير معظم البيانات إلى التعامل مع منظمة التحرير أو السلطة باعتبارها موجودة لتحقيق أمن وحماية اسرائيل وليس حماية الفلسطينيين. وإن السلطة الفلسطينية عاجزة عن وضع حلول للمشاكل التي يعاني منها الفلسطينيين، فمشاكل الفقر وغلاء المعيشة والفساد المالي والسياسي مستشري فيها، وهي "غير قادرة على حماية نفسها فما بالك حماية الفلسطينيين"( )، هذا كان موقف الحزب قبل الفضيحة الأخيرة في ملفات الفساد بين محمد الدحلان والرئيس محمود عباس والمناكفة الاعلامية بينهم. وفي ضوء حوار فصائل العمل الوطني الفلسطيني والاسلامي حول اهمية تجديد واصلاح منظمة التحرير، واعادة هيكلتها..الخ، فإن موقف حزب التحرير تجاه المنظمة هو؛ إزالتها، باعتبار إن كل اعمالها وقراراتها "لا يمكن ان تندرج في اطار السعي لتحرير فلسطين"( )، وبدل من أن تطالب السلطة الحكام العرب والمسلمين لتحرير فلسطين تطرح مبادرة السلام العربية بخيانة وتفريط أكثر ( )، ويصرح ماهر الجعبري عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير بـ "أن حزبه لم يعترف يوماً بمنظمة التحرير باعتبارها الممثل للقضية الفلسطينية"( ). وفي ضوء انتقادات الحزب للسياسات الاجتماعية والاقتصادية للسلطة، يشير مرشد دائرة بيت لحم ( ) إلى أن "سياسة السلطة تزرع الفقر وترعاه حق الرعاية، وتأكل أموال الناس بالباطل، وتسبب البطالة، وتدمير المشاريع الصغيرة، وتشجع الهجرة للخارج، وتعمل على تخريب عقول أبناء فلسطين بتغيير المناهج لتلبي طلبات يهود" ويعد حزب التحرير من الأحزاب السياسية المتواجدة بفلسطين والتي انفردت في نقد السياسة المالية والاقتصادية والضرائب والفساد في بياناتها في العقد الأخير، حيث اقامت ندوات منددة بما سبق، وقامت بتوزيع بيانات تهاجم فيه السلطة الفلسطينية على تغييرها للمناهج التعليمية التي تم تغييرها بما ينسجم مع الرؤية الاسرائيلية والأمنية، وذلك من خلال بما يعرف باللجنة الرباعية الدولية للمنهاج الفلسطيني(السلطة الفلسطينية، واسرائيل، والأردن، وأمريكا) لمتابعة المنهاج التعليمي في السلطة الفلسطينية. ويتعرض أعضاء الحزب في السنتين الاخيريتين إلى مطاردات ساخنة نتيجة تصعيده لانتقادات السلطة في كل كبيرة و صغيرة، حيث طالت الاعتقالات أكثر من 300 عضو، وكما وتحظر انشطة الحزب الثقافية والسياسية كانت في المواقع العامة او في الجوامع، رغم أن ذلك يتعارض مع القانون الفلسطيني الذي "لا يطبق على حزب التحرير" حسب باهر صالح( )، حيث يقوم اعضاء الحزب بتبليغ السلطة عن نشاطها، وتفاجأ أن السلطة تقمع التجمهر، مما يشير إلى أن المنع ليس من الجهات المحلية بقدر ما هي املاءات من أمريكا حسب اعتقادهم( ) . وحتى نختم العنوان، يتم التعامل مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، باعتبارها كيان جاء ليحمي الكيان الاسرائيلي ويحقق طموح الاسرائيليين في تحقق وطن قومي يهودي حسب وجهة نظر حزب التحرير والتي يعبر فيها عن ذلك في مناسبات عدة. سادساً: الفصائل الوطنية والحركات الاسلامية في خطاب الحزب فيما يتعلق بالمحور الأخير من المقالة، بخصوص العلاقة مع الأحزاب السياسية الفلسطينية، فإنه لا يكاد يكون هنالك مواقف واضحة وصريحة حتى في مراجعة أدبيات الحزب التنظيمية التي استطعنا الحصول عليها- وقد يكون دليل على عدم الاعتراف بها-، فلا يوجد موقف واضح تجاه الفصائل الوطنية المنضوية تحت منظمة التحرير، وعلى ما يبدو أن نفس الموقف ينسحب عليها باعتبارها منضوية تحت راية منظمة التحرير من جانب، ومن جانب آخر فإنها ترفض الفصائل القائمة على البعد الوطني والقومي، ويرفض الحزب اي فصيل "لا يطبق ويتبنى الاسلام"( )، باعتبار ان هذه الفصائل متأثرة بأفكار الغرب وتتبنى ايدولوجية علمانية، وان تنوع الاحزاب يضعف الأمة الاسلامية، ويرفض الحزب أية افكار لها علاقة بالجغرافيا لأنها عاجزة عن ابتكار "فكر" عالمي، واشار(ع.أ، 2014) "أن فكرة الحكومات الوطنية تنشأ فقط في الأزمات"( )، ولا تنشأ في ظل حكومة إسلامية لأن من مسؤوليتها وضع الحلول لمواطنيها، وينطبق نفس الموقف على حركة حماس، حيث ينظر الحزب " إلى حماس كتجربة اسلامية محلية وطنية لا تختلف عن باقي التنظيمات السياسية... ولم تجعل الاسلام والاحكام الشرعية مقياساً لأعمالها"( ). وفيما يتعلق بالموقف تجاه الحركات الاسلامية، وبالتحديد حركة حماس، فإنها تنال ما تناله منظمة التحرير من انتقاد، فإنهم يتعاملون مع السلطة بغض النظر؛ في غزة المدارة من قبل حركة حماس، أو السلطة في الضفة المدارة من قبل حركة فتح، بنفس الموقف؛ لأن السقف السياسي لهم الذي تعمل تحته حركة حماس مسقوف بأوسلو، والذي يعني لحزب التحرير الاعتراف بإسرائيل، إلى جانب الاختلاف مع حركة حماس في تبنيها للمقاومة المسلحة قبل انشاء الخلافة، وانها-أي حركة حماس- تؤمن بالتغيير التدريجي كما هو حال الاخوان المسلمين، وتؤمن بالديمقراطية تحت الاحتلال على أساس مشاركتها بانتخابات عام 2006، ولم تسعى لتطبيق أو ايصال الاسلام إلى الحكم، حين وصلت إلى الحكم حسب باهر صالح( ). وينظر باهر صالح إلى ان نظرة الحزب لـ"الحركات الاسلامية تختلف عن النظرة للدول، علاقتنا بالحركات علاقة تناصح، أي نصححها بما نراه صواباً، ونقر بما نراه أعمالاً جيدة، ... فهنالك أيضاً مواقف جيدة لحركة الجهاد الاسلامي نمدحها لفكرة المقاومة، ومنها مواقف لا نؤيدها"( )، وهذا الموقف من حركة الجهاد الاسلامي هو نتيجة لموقفه المؤيد أو المتفهم لحزب الله وعدم تأييد ما يحدث بسورية، ومن الأمثلة التي نستطيع أن نسوقها هنا لحالة المواجه بين حركة حماس في غزة وحزب التحرير في تضييق نطاق الحرية على أنشطة الحزب الخطابية والمهرجانات، مما أدى بالأخير لانتقاد الوصاية السياسية لحركة حماس على حزب التحرير( )، والذي رفضت فيه حركة حماس اعطاء تصاريح للحزب للتعبير عن رأيه، كما وانه تم اعتقال اعضاء منهم من قبل حركة حماس. ويؤكد باهر صالح ان هنالك تنسيق بين الحزب وحركة حماس وحركة فتح والجبهة الشعبية في ايار 2011، فيما تعلق بإجراء المصالحة وليس الاتفاق على برنامج سياسي، وهم مع التنسيق معهم طالما هنالك حاجة ومصلحة البلد والمسلمين( )، وكانت هنالك زيارة في شهر 2/2014 باسم الحزب مع حركة فتح والجبهة الشعبية بخصوص الطلب منهم لإعلان موقف ضد تصريحات عباس( ). في سبيل خاتمة، بعد استعراضنا لأهم المفاصل السياسية لحزب التحرير المتعلقة "بالايدلوجية، الوعي السياسي، الموقف تجاه الهدنة والسلطة وفصائل منظمة التحرر"، فإننا نستطيع القول أن حزب التحرير من الاحزاب السياسية الراديكالية والأصولية في فهمها وتعاطيها مع القضايا السابقة، والتي تكاد الرؤية نفسها التي انطلق الحزب على اساسها، ولم يشهد تغيير على مدار ما يقارب 61 سنة الماضية، ولكن الطارئ على الحزب في السنوات الخمس الأخيرة، هو توجهه الجديد نحو المنافسة والحضور في المشهد السياسي الفلسطيني، مما يشير إلى خروج الحزب عن القاعدة التي اتبعها في السابق وهي العمل الدعوي والتوعوي، والتعبير عن وجودهم في المشهد السياسي الفلسطيني كمؤثرين وفاعلين جدد، في خضم اثبات تجربة الفشل السياسي في الوصول الى دفة الحكم كما هو الحال في غزة من قبل حركة حماس، والإخوان المسلمين في مصر، مما يوشي بوجود طرح ضمني بتقديم نفسهم كبديل سياسي عنهم ممثلاً برؤيتهم السياسية، والذي كانت احدى اهم نقاط الخلاف مع الحركات الاسلامية، والتي تنادي بأولوية اقامة الخلافة ومن ثم تحرير فلسطين. وعلى ما يبدو أن ما حدث في دول ما يسمى بـ "الربيع العربي" لعب دوراً محفزاً لهم، حيث نعتقد ان الحزب لا يختلف كثيراً عن المبادئ التي تتبناها "داعش" الدولة الاسلامية في العراق والشام، والتي يتعاملون معها باعتبارها نواة للدولة الاسلامية، والتي قد تكون نقطة الانطلاق في المرحلة الثالثة حسب رؤية الحزب، وهي استخدام السلاح والزحف لتحرير فلسطين في حال استلامهم للحكم، وهو أمر لا يرفضونه وإنما يسعون اليه باعتبارهم هم الوحيدون الذين "دعوا إلى اقامة الخلافة". وحتى نختم، نستطيع القول استناداً على قراءتنا وفهمنا لأنشطة الحزب وازديادها بصورة متوالية هندسية مؤخراً، وفعالياته السياسية، وتصوره العقائدي الذي يقدمه باعتباره القادر على حل مشاكل الأمة الاسلامية، وبتبنيه "استراتيجية اللاعنف" قبل اقامة دولة الخلافة، وتصاعد البعد الدموي في دول ما يسمى بدول الربيع العربي، والفشل الذي اصاب الاسلام السياسي في المنطقة، فعلى ضوء هذه المتغيرات؛ فإن الحزب قادر على الصعود والتوسع في قاعدته الحزبية، إلا أن هذا الصعود مرهون ومرتبط بنتائج ميدانية واحراز تقدم على الأرض، سيكون معيار استقطاب الجماهير أو عدمه في الفترة القادمة.
المراجع والمصادر ابو الرشتة، عطاء (26/6/1990). الأزمات الاقتصادية: واقعها ومعالجتها من وجهة نظر الاسلام. محاضرة القيت في المركز الثقافي الملكي، عمان. أبو رمان، محمد و حسن أبو هنية (2012). الحل الإسلامي في الأردن: الإسلاميون والدولة ورهانات الديمقراطية والأمن. عمان: مؤسسة فريدريش إيبرت. أبو صالح، علاء (2008). "مفهوم الجهاد بين الواقع والشرع وعلاقته بإقامة الخلافة"، موقع علاء ابو صالح،(تاريخ الزيارة 19/3/2014). أبو عودة، رائد ناصر (2009). فكر حزب التحرير: دراسة تحليلية.(دراسة ماجستير غير منشورة). الجامعة الاسلامية، غزة. بيانات صحفية بيان صحفي (25/5/2013). الخلافة تحرر الأقصى وتغيث المسلمين وتنقذ البشرية .رقم الإصدار 150/013. بيان صحفي (8/2/2011). أيضاحات للقراء من المكتب الاعلامي لحزب التحرير في فلسطين حول التقرير الذي أوردته وكالة معاً. رقم الاصدار99/011. < http://www.pal-tahrir.info/> بيان صحفي (4/2/2014).رئيس السلطة عباس يؤكد على تنازله عن معظم فلسطين لليهود في كيان أمنه محفوظ ويحقق للناتو والغرب بقيادة أمريكا أطماعهم التي لم يحققوها في الحروب الصليبية. رقم الاصدار168/014. < http://www.pal-tahrir.info/> بيان صحفي (9/5/2013).اليهود يسارعون الخطى لتحويل المسجد الأقصى إلى كنيس يهودي فأنقذوه وطهروه من دنسهم يا جيوش العرب. رقم الاصدار 149/013. < http://www.pal-tahrir.info/> بيان صحفي(9/2/2013). كل محاولات سلطة غزة لفرض الوصاية السياسية على حزب التحرير فاشلة بإذن الله. رقم الاصدار 128/013. < http://www.pal-tahrir.info/>
جريدة العرب (23/3/2012). حزب التحرير الاسلامي ومعضلة الخلاف مع حماس، ص.13، ع. 8685.
بيانات حزب التحرير الاسلامي(2013أ). "درس - نكبتنا الكبرى يوم هدم خلافتنا – بيت حنينا"، موقع حزب التحرير الاسلامي، (تاريخ الزيارة 9/7/2013). < http://www.pal-tahrir.info/> حزب التحرير الاسلامي(2013ب). " المئات يلبون دعوة شباب حزب التحرير في منطقة كفر عقب وقلنديا لحضور فلم عن ثورة الشام"، موقع حزب التحرير الاسلامي،(تاريخ الزيارة 9/7/2013). < http://www.pal-tahrir.info/>
بيانات حزب التحرير الاسلامي (3/11/1999). بيان بعنوان: لن تخضع الأمة الإسلامية لدولة يهود. حزب التحرير الاسلامي (25/12/2000). بيان بعنوان: عرفات وحكام العرب والمسلمين يسخرون الانتفاضة والدماء الزكية التي سفكت فيها لتصفية القضية الفلسطينية. حزب التحرير الاسلامي(1/12/2007). بيان: معلومات للشباب: مؤتمر "أنابوليس" بين الوقائع والأوهام المكذوبة. حزب التحرير الاسلامي (2/12/2003). بيان: التنازل عن (حق العودة) لم يبدأ في جنيف، بل بدأ يوم التنازل عن فلسطين (48). سعادة، تغريد (11/2/2013). باهر صالح؛ نعمل في 40 بلداً، وننتظر ساعة الصفر، ولسنا مع الكفاح المسلح، جريدة الحياة الجديدة،ع.6205. الشايب، يوسف (2012). " حزب التحرير ضد منظمة التحرير"، موقع فلسطين،(تاريخ الزيارة 1/3/2014). < http://palestine.assafir.com/> الشايب، يوسف (12 آب، 2007). "أمير حزب التحرير يربط تحرير فلسطين بإقامة الخلافة"، جريد الأيام، ع 1428. الشيخ، ممدوح (2012). "تناقضات حزب التحرير: يسمح بالعنف ولا يمارسه ويريد إحياء الخلافة ويفضل الانقلابات العسكرية"، موقع العصر،(تاريخ الزيارة 9/3/2014). < http://alasr.ws/> عبد العال، علي (2011). "حزب التحرير الإسلامي في تونس...أي مستقبل"، موقع مجلة الوعي، ع. 290، (تاريخ الزيارة 9/3/2014). <http://www.al-waie.org/>
فلسطين الآن (2009). "حزب التحرير: منظمة التحرير أداة لتقزيم وتقسيم الشعب الفلسطيني يجب التخلي عنها"، موقع فلسطين الآن،(تاريخ الزيارة 12/3/2014). فلسطين اليوم (2014). "اعتقال أعضاء المكتب الاعلامي لحزب التحرير دليل إفلاس سلطوي سياسي"، موقع فلسطين اليوم،(تاريخ الزيارة 11/3/2014). <http://paltoday.ps/> مجلة الوعي (2014). "مجلة الوعي. مجلة جامعية. فكرية. ثقافية" موقع المجلة الالكتروني، (تاريخ الزيارة 10/4/2014). <http://www.al-waie.org/> المكتب الاعلامي لحزب التحرير في فلسطين (2014). موقع حزب التحرير الاسلامي-فلسطين، (تاريخ الزيارة 9/3/2014). < http://www.pal-tahrir.info/>
منشورات حزب التحرير منشورات حزب التحرير (2013أ). قضايا سياسية (بلاد المسلمين)-نسخة محدثة-. بيروت: دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع. منشورات حزب التحرير (2013ب). مشروع دستور دولة الخلافة- طبعة معتمدة -. (د.م): (د.ن). منشورات حزب التحرير (2010). حزب التحرير: تأسس سنة 1372ه-1953م. ط 2. بيروت: دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع. منشورات حزب التحرير (2005). مفاهيم سياسية لحزب التحرير.ط4.(د.م): (د.ن). منشورات حزب التحرير (2001). مفاهيم حزب التحرير. ط 6. (د.م): (د.ن). النبهاني، تقي الدين (2004). النظام الاقتصادي في الاسلام. ط.6. بيروت: دار الأمة. النبهاني، تقي الدين (1950). انقاذ فلسطين. (ب.م): مطبعة ابن زيدون. النبهاني، تقي الدين (1951). نظام الحكم في الاسلامي. بيروت: دار الأمة.
مقابلة شخصية مقابلة سرية مع (م. ص)؛ مشرف حلقة محلي في بيت لحم، 4/3/2014. مقابلة سرية مع (ن. س)؛ مرشد محلي في بيت لحم، 5/3/2014. مقابلة سرية مع (م. ي)؛ مرشد jjjبيت لحم، 5/3/2014. مقابلة سرية مع (ع. ن)؛ مشرف حلقة محلي في بيت لحم، 6/3/2014. مقابلة سرية مع (أ. ص)؛ عضو في حزب التحرير في بيت لحم، 11/3/2014. مقابلة سرية مع (ع. أ)؛ مشرف محلي في بيت لحم، 6/3/2014. مقابلة سرية مع (ن.ع)؛ مشرف حلقة محلي في بيت لحم، 6/3/2014. مقابلة مع سميرة خليل؛ عضوة سابقة في الحزب، في ماسوشوستس،9/2013. مقابلة مع ماهر الجعبري؛ كان المتحدث باسم المكتب الاعلامي لحزب التحرير، 3/2012
#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)
Bilal_Awad_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوسيولوجيا الكتابة بالحمام: تحليل مضمون كتابة ورسومات المراه
...
-
فلسطين: كلمات موجعة وكتابتها مؤلمة... بلد الالتباسات
-
الفاعل الاجتماعي( 1) : رؤية نقدية على ضوء تحديات المشهد الفل
...
-
فشة خلق تعبوية بفلسطين الهوية والمنهاج
-
شذرات سريعة في المخيم والقدس والقهر
-
وسائط الاتصال/الاعلام وثقافة المقاومة الفلسطينية: من حرب الع
...
-
فلسطين: يوجد مقاومة ولكن ليس هنالك انتفاضة ؟ من يقرر ذلك؟
-
سلطة القمع والخضوع والتمرد ما بين سلطة أوسلو وقهر الاستعمار؛
...
-
أن تعمل في بيئة غير قابلة للعمل: نحو تأصيل مفهوم وممارسة الع
...
-
استطلاع رأي بمناسبة الاحتفالية ب 40 سنة لتأسيس جامعة بيت لحم
-
الحركة الطلابية الفلسطينية ما بين الواقع والامكان *
-
الثقافة المدنية: حصار الثقافة وغياب المدينة في فلسطين
-
الحركة الطلابية في بيت لحم
-
تحليل نقدي للمجتمع الفلسطيني: البنية الثقافية والمجتمع المدن
...
-
مكونات وعناصر المجتمع المدني في الخليل (فلسطين)
-
الخطاب السياسي لدى الطفل الفلسطيني: أطفال مخيم الدهيشة بين ر
...
-
ثقافة المدن، مرآتها سكانها: دراسة مقارنة ما بين الخليل وبيت
...
-
المرأة والمشاركة السياسية
-
محاولة بحثية لموقع ومكانة المرأة في المؤسسات الاسلامية في فل
...
-
ملاحظات عامة في قضايا مرتبطة بالمدن العربية
المزيد.....
-
في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة -تريفي-
-
لغز مرض تسمم الحمل الذي حير العلماء
-
-بايدن قد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته- -
...
-
قلق على مصير الكاتب صنصال إثر -اختفائه- بالجزائر بظروف غامضة
...
-
هل نحن وحدنا في الكون؟ ماذا يقول الكونغرس؟
-
مشاهد لآثار سقوط صواريخ لبنانية في مستوطنة كريات أتا (صور +
...
-
-حزب الله-: إيقاع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح
-
مشاهد لـRT من موقع الضربة الإسرائيلية لمنطقة البسطة الفوقا ف
...
-
مجموعة السبع ستناقش مذكرات التوقيف الصادرة عن الجنائية الدول
...
-
لماذا يضاف الفلورايد لمياه الصنبور وما الكمية الآمنة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|