|
مجدى عبد الملاك: شخصية من مصر
محفوظ أبو كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 4832 - 2015 / 6 / 9 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مجدى عبد الملاك ميخائيل ( اوائل أربعينات القرن العشرين – 2 مايو 2015). شارك فى حربى 67، و1973، مقاتلا فى سلاح الطيران. بعدها خرج من البلاد مهاجرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إستجاب بعد سنتين قضاهما هناك لمناشدة أبية وإلحاحه عليه بالعودة ليشاركه حلمه بمعاونة أخيه في إدارة مقهى ريش،. وكان أبوه أول مصرى يشتري المقهى في أوائل الستينات من مالكه السابق اليوناني ، الذى إنتقلت اليه ملكيته من منشئه الألمانى في 1908 ، ويأحذ أسم ريش ويعني بالفرنسية المقهى الغني. من يومها يصبح المقهى مٌستقرًا ومُقامًا ورفيقًا لـمجدى فقد كانت ريش ذات التاريخ الذى يزيد على المائة عام جزءا من تحولات مصر السياسية والثقافية والفنية، وتحمل بين جدرانها السياسة والثورة والموسيقى والشعر والقصة والفلسفة والقانون والفنون التشكيلية منذ إنشائها فى عام 1908 ، ومن ثم حدثت بها تغيرات اجتماعية فى تركيبة روادها من البشوات والبكوات والأفندية، وشاركت فى الأحداث الثورية، والسياسية حيث كانت تطبع فى قبوها منشورات ثورة 1919 الوطنية الكبري. وحملت المقهى فى جنباتها وأحجارها، روح عديد من سادة الكلام والأفكار فى مصر والعالم العربي، كانت "ريش" ملتقى لمن تفرقوا خارجها، الساسة والمثقفين والشعراء، على رأسهم نجيب محفوظ، و يحيى حقي، ويوسف إدريس وجمال الغيطانى وإبراهيم أصلان، ونجيب سرور، وبهاء طاهر ويحيى الطاهر عبد الله، وأمل دنقل، وعبد الرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم والبياتى ومحمد الفيتورى وسعدى يوسف و حمدين صباحي ورفعت السعيد وعمرو موسى والشاعرة الإماراتية الأميرة ميسون القاسمى التى أعدت وثيقة تاريخية مذهلة عن تاريخ المكان ورواده عبر قرن من الزمان. وآخرون من جيل الستينيات والسبعينيات. .. وهنا غنت أم كلثوم وهى لم تزل صبية فى بداية مشوارها، وفى هذا الركن كتب نجيب سرور قصيدته الرائعة بروتوكولات حكماء ريش، وصدح أحمد فؤاد نجم ساخرا: (يعيش المثقف على مقهى ريش.. يعيش يعيش يعيش.. محفلط مظفلط كتير الكلام!).. هنا أيضاً كانت قبلة الشعراء العرب الكبار: البياتى والفيتورى وبسيسو.. وفى المقابل كانت عيون البوليس السياسى والمخابرات وأمن الدولة على مدى عهود مختلفة تتجه مترقبة ومتحفزة إلى مكان يردد الكثير من أهله ما لا يُعجب الجالس على كرسى الحكم!. وقد كان مجدى عبد الملاك حريصاً على تقاليد المكان، وطبيعة تكوينه الثقافى المفتوح على الحوار بين مريدينه، وعدم السماح بالتجاوز أو التحرش اللفظى بينهم، ووقف بضراوة إزاء محاولة بعضهم تحويلها إلى حيز للغو والمشاكسات. وبفضل هذه القواعد الصارمة التى صاغها ونجح فى تنفذيها وتحويلها إلى تقاليد، استطاع مجدى الحفاظ على الطابع التاريخى للمقهى كفضاء ثقافى. محافظا على تاريخه وتقاليده وطقوسه التاريخية القديمة، كرئة ثقافية فى وسط القاهرة .وحول البدروم، إلى متحف مصغر يهديك متعة استنشاق عبق التاريخ!.. يحتوى على وثائق تاريخية نادرة لتاريخ الوطن وأحداثه وتسجيلًا رائعًا للقاهرة فى المائة عام الأخيرة من قصاصات صحف ومحاضر بوليس، وإعلانات أعمال فنية من أوائل القرن الماضى. وقد كان يزين حوائط الصالة الصغرى للمقهى بصور عدد من مرتاديه الكبار من القمم فى مجالات الأدب والفن والعلم والفكر والسياسة. فى داخل ريش هرب عريان يوسف سعد عام 1919، بعد أن ألقى قنبلة على موكب يوسف وهبه باشا رئيس الوزراء الذى خالف إجماع كل القوى الوطنية بقبول تشكيل الوزارة آنذاك. كما كان البار القديم يفتح على ثلاثة مخارج ليهرب منها الثوار فرادى حتى لا يُقبض عليهم، مخرج يفتح على شارع هدى شعراوي، والآخر على ممر مقهى البستان والثالث على ميدان طلعت حرب. وفى ذلك المكان أوت الجماعات الثائرة عام 1919، وعندما كان مجدى يجرى بعض الإصلاحات عام ١-;-٩-;-٩-;-٢-;- عثر على نفق سرى يقود إلى بدروم كان يستخدمه الثوار للهروب من الجنود الإنجليز!.. ووجد المطبعة القديمة فى قبو المقهى شاهدًا على الدور الوطنى لذلك المكان العريق الذى كانت تطبع فيه المنشورات الوطنية السرية لثورة 19. وفى أثناء ثورة يناير 2011، لعب مجدى عبد الملاك دوراً مهما فى حماية بعض الشباب الثائر من غوائل الأحداث والعنف السلطوي، وعنف غلاة الإسلاميين السياسيين.. انتقده كثيرون واتهموه بالعنصرية بسبب انتقائه رواد المقهى.. وكان لدى معظم المنتقدين مشاعرمتناقضة، منها شعور بالسخط رافض الانتقاء من منطلقات إنسانية وأيديولوجية، وشعور بالرضا للحفاظ على أجواء لا يعكر صفوها متطفل أو متطاول!. كما تكبد الكثير من اللوم والهجوم والخسارة المالية ليحافظ على شكل المكان.. لم يعد في القاهرة مكانا يذكرنا بتاريخ وسط البلد سوى ريش، لو لم يفعل هذا لما تضمنتها المنشورات السياحية التي يحملها السائح في حقيبته ويخصص لها وقتا للزيارة كما يخصص للمتحف المصري. ولقد عكست كلمات الأحياء من مثقفى مصر فى قاعة الكنيسة يوم تأبينه حزن الوطن ولوعته على رجل فريد من أبر أبنائه. وأنتاب المشيعيين شعور بالهلع من أن تُطمس هوية ريش الثقافية تحت وطأة قواعد البزنس، ليلحق بمصير أماكن أخرى مماثلة كمأساة فيلا أم كلثوم؟!. وتعاهدوا مثقفين وكتاباً وسياسيين على إيجاد صيغة ما للإبقاء على ريش كما هو، صفحةً مميزةً من تاريخ الحركة الوطنية والثقافية.
#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شخصية منمصر: دكتور فرج فودة
-
دكتور فرج فودة: شخصية من مصر
-
هيباتيا: شخصية من مصر
-
-;-كيف تشكلت دولة الجزائر
-
كيف تشكلت دولة تونس
-
كيف تشكلت دولة ليبيا
-
كيف تشكلت دولة السودان
-
كيف تشكلت دولة لبنان
-
كيف تشكلت دولة سوريا
-
كيف تشكلت دولة العراق
المزيد.....
-
بشخصيتين.. دنيا سمير غانم -عايشة الدور- في رمضان
-
لماذا لم يُبعد السجين الأردني في إسرائيل عمّار الحويطات إلى
...
-
سوريا: تنصيب الشرع -الجولاني- رئيساً للمرحلة الانتقالية وحل
...
-
تعيين أحمد الشرع رئيسا لسوريا في المرحلة الانتقالية
-
تركيا تعلن مقتل 3 من مواطنيها بغارة إسرائيلية على الحدود الل
...
-
إعلام مصري يبرز -لاءات- السيسي الحاسمة على مقترح ترامب
-
إيطاليا تواجه اتهامات بالتنصل من التزاماتها الدولية بعد الإف
...
-
الرئيس الألماني يحذر من ارتداد بلاده إلى -عصر مظلم-
-
الدفاع الروسية: إسقاط 4 مسيرات أوكرانية فوق القرم وبيلغورود
...
-
كينيدي جونيور: أنا داعم للسلامة والتقارير الإعلامية حول اللق
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|