محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4831 - 2015 / 6 / 8 - 11:48
المحور:
الادب والفن
على كتف المدينة ينبسط المطار.
والمدينة هاجعة في لحظات الفجر الأولى، تحت سماء مجللة بالغيوم، رجالها نائمون ونساؤها نائمات.
والطائرة تهبط في المطار، فيها رجال ونساء من مختلف الأقطار، نذروا أنفسهم لزيارة البلد الذي مزقته الحروب. والمطار خالٍ من المسافرين، وله هيئة موحشة، وليس ثمة سوى عدد من رجال الشرطة وبضع موظفات ساهرات.
إحدى الموظفات، بزيها الرسمي الأزرق، وبساقيها الغليظتين، تقتاد وفد الرجال والنساء إلى صالة الضيوف في المطار، لكي يرتاحوا قليلاً، ريثما تتزود الطائرة بالوقود. تتركهم هناك، وتعود إلى مكتبها، تقف أمام النافذة، ولا يروق لها الغبش الرمادي الذي يطوق الفجر الوليد، تجلس على الكرسي وتغمض عينيها لعل الشمس تشرق، فيغادرها ما تحسّ به من اكتئاب.
تنهض من جديد. تذهب إلى صالة الضيوف، وليس في هدأة الفجر سوى وقع حذائها الأسود الرتيب. لا يروق لها منظر الصالة دون نادل يقدم الشاي أو القهوة للمسافرين. تهم بتقديم الاعتذار لهم، غير أنها لم تجد أحداً يعيرها انتباهاً، فأكثرهم مالوا برؤوسهم على المقاعد الوثيرة وناموا، ما عدا رجلاً في الخمسين ظلّ يرنو إلى امرأة في الأربعين، ظلت هي الأخرى ترنو إليه على نحو لا يفصح عن احتمالات محددة، وما عدا فتاة شابة تمتهن الرقص، تجلس في حضن زميلها الشاب، وتحدق في عينيه بصمت.
تمكث موظفة المطار في الصالة لحظة،
تخرج متجهة إلى مكتبها، تفتح أحد الأدراج، تعيد قراءة رسالة وصلتها قبل أيام من مسافر تعرفت عليه في المطار. تطوي الرسالة وتعيدها إلى مكانها، تخرج من جديد، تتمشى بين المكتب والصالة إلى ما بعد شروق الشمس بقليل.
تعود إلى بيتها الوادع ولا تنام.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟