|
إطلاق سراح السياسة فى المؤسسة الجامعية .. متى؟
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1338 - 2005 / 10 / 5 - 12:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يحدث فى الجامعات المصرية الآن لا يقل أهمية عما يجرى فى الساحة السياسية بكل ما تشمله من أحزاب وحركات وجماعات بكل درجات الطيف السياسي والفكرى. فهناك مؤشرات متعددة على ان الحركة الطلابية بتلك الجامعات أصبحت على مشارف حلقة جديدة من تلك الحلقات التى تشكل سلسلة من " التاريخ" العريق لاسهام هذه الفئة المهمة، نعنى الطلاب، فى الحركة الوطنية والديمقراطية . وأهمية الحركة الطلابية – فى النضال الوطنى والديموقراطى – تتجاوز أسوار الجامعات بطبيعة الحال، لأن هؤلاء الشباب المفعمين بالحماس والبراءة ليسوا فقط نصف الحاضر وكل المستقبل كما يقال فى الأدبيات الشعبية ، وانما أيضا لانهم هم الذين يغذون الحياة السياسية والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى بدماء جديدة وأفكار فتية . ولذلك .. رأينا ما يكاد ان يكون قانوناً ، يتمثل فى ان نهوض الحركة الطلابية يكون غالبا مقدمة لحيوية استثنائية للمجتمع بأسره ، وبخاصة للجزء الناطق من الأمة . ولذلك أيضاً.. رأينا ان منحنى صعود وهبوط الحركة الطلابية يكاد يتطابق مع منحنى صعود وهبوط الحركة الوطنية والحركة الديموقراطية . حتى عندما كان هناك احتكار مطلق من جانب الدولة للعمل السياسي وتأميمه فى صيغة الحزب الواحد، كانت الحركة الطلابية الأكثر حساسية فى الاستجابة للتطورات والأزمات والأكثر استعداداً للتمرد على رداءة الأمر الواقع. ومن هنا نستطيع أن نتبين خيطاً خفياً يربط بين نضال الطلبة من خلال اللجنة العليا للطلبة والعمال قبل ثورة 23 يوليو 1952، وبين الهبة الطلابية التى هزت الجامعات المصرية بصورة متصاعدة بعد هزيمة 5 يونية 1967، حيث كان الطلاب أول من رفض الهزيمة، وأول من طالب بمحاسبة المسئولين عنها، وأول من طرح رؤية شاملة للرد على هذه الهزيمة المرة تكاد ان تكون برنامجاً يجمع بين البنود الوطنية والديموقراطية والاجتماعية والاقتصادية . والعجيب أن هذه الانتفاضة الطلابية ، ذات الصبغة الوطنية والديموقراطية ، تعرضت لصنوف شتى من القمع لكن أخطرها كان استعانة الدولة – فى الحقبة الساداتية – بالجماعات الإسلامية المتطرفة ، والمسلحة بالجنازير والسيوف، فضلا عن الأفكار التكفيرية والظلامية، لضرب هذا التوجه الوطنى الديموقراطى . وقد نجح هذا التكتيك إلى حد كبير، وبينما كان الرئيس السادات يفرك يديه فرحاً بنجاح سياسته ضد الحركة الطلابية – الوطنية الديموقراطية– فوجئ بان الذئب الذى استعان به ضد خصومه اليساريين والليبراليين سرعان ما استقوى واستدار إليه حتى وقع حادث المنصة المأساوى، بالتوازي مع سقوط الجامعات تحت سطوة وإرهاب تلك الجماعات التكفيرية، حيث رأينا صوراً مروعة للاعتداء على الحرية الشخصية للطلاب والأساتذة على حد سواء ، والتدخل حتى فى الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمى وبخاصة فى العلوم الإنسانية . وتفشت هذه الممارسات الفاشية تحت سمع وبصر إدارة الجامعات، وربما بالتواطؤ معها فى بعض الأحيان، أو بخضوعها للابتزاز وتراجعها أمام تغول هذه الجماعات. وبعد حقبة كئيبة من الاستسلام لهذه الوصاية التكفيرية والظلامية ، التى تتنافى مع المناخ الجامعى وما يتطلبه من أوسع قدر من الحريات وفتح النوافذ والأبواب أمام حرية التعبير والتفكير والاعتقاد وتقديس الحياة، عادت الروح إلى الحركة الطلابية مرة أخرى. وبدلاً من الجماعات المتطرفة المدججة بالجنازير والمتشحة بأزياء باكستانية غريبة عن الذوق المصرى، وجدنا الموجة الجديدة من التحرك الطلابى يقودها "ائتلاف" واسع يضم إلى جانب الأخوان المسلمين نشطاء ينتمون الى مجال الطيف السياسي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين . وهو ما نجد ترجمة له فى البيان التأسيسى للجنة تنسيق العمل الطلابى المسمى "جامعتنا"، والذى يقول بالنص : "نحن مجموعة من الطلاب المنتمين إلى عدد من الحركات السياسية والناشطين المستقلين، طالعنا تاريخ الحركات الطلابية ونضالها الباسل فوعيناه ، ورأينا مآسى الواقع فى جامعتنا من فساد فى مؤسساتها وتقييد لحرية طلابها وقصور فى مناهجها التعليمية وتهميش لدورها فى مجتمعا فأنكرنا ذلك الواقع ". وأضاف هذا الائتلاف الجديد "نحلم بالتغيير وبجامعة مستقلة ونشاط إبداع متحرر ودور فعال فى نهضة مجتمعنا ، فقمنا نشق طريق حريتنا بأيدينا". هذا الوعى الجديد – المختلف بكل تأكيد عن الخطاب الظلامى للجماعات المتطرفة المسيطرة على الجامعات المصرية سابقا- جاء مرتبطاً بقائمة مطالب محددة، من بينها إسقاط لائحة 79، وصياغة لائحة طلابية جديدة تحظى بموافقة الطلاب، وتحرير الاتحادات الطلابية من قبضة الأمن، وإبعاد الأجهزة الأمنية عن الحرم الجامعي ، وإلغاء سلطة الأمن فى الموافقة أو عدم الموافقة على السكن فى المدن الجامعية . وفضلا عن مطالب طلابية مثل خفض المصروفات وأسعار الكتب بما يتناسب مع دخل الأسر المصرية، إلى جانب تقديم مناهج دراسية تحترم عقلية الطالب ووسائل تعليمية وخدمات تحترم آدميته، ارتبطت هذه الموجه الجديدة من الصحوة الجامعية بمطالبة محددة بتفعيل المشاركة الطلابية فى الحياة السياسية . وهذا هو بيت القصيد . فالقاعدة المتبعة فى الجامعات منذ بداية النصف الثانى من القرن الماضى هى تحريم العمل السياسي، لكن هذا الحظر كان جزءاً من تحريم العمل السياسي فى المجتمع كله خارج إطار الحزب الواحد. وفى الحقبة الساداتية اكتسب هذا التحريم وجها جديداً بعد أن أطلق الرئيس الراحل أنور السادات شعاره الشهير "الطالب طالب علم"، حيث تم تكبيل الحركة الطلابية بقيود كثيرة اكثر من الهم على القلب. وكان من الطبيعي بعد فتح ملفات الإصلاح السياسي والدستوري في البلاد، أن تصل مطالب الإصلاح إلى المؤسسة الجامعية. وهذه الموجة الجديدة من الموجات المتلاحقة للحركة الطلابية هي الوجه الأول لحركة إصلاح الجامعات. والوجه الثاني الذي لا يقل أهمية يتمثل في بزوغ حركة إصلاحية تضم أعداداً متزايدة من أساتذة الجامعات. ومن أبرز الجماعات التي تضم أعضاء هيئة التدريس والتى تتبنى أجندة إصلاح الجامعات "حركة 9 مارس". وهذا التاريخ يشير إلى اليوم الذي قدم فيه أحمد لطفى السيد استقالته من رئاسة جامعة القاهرة احتجاجاً على فصل أستاذ جامعي شاب في ذلك الوقت إسمه طه حسين! وهذه الحركة – نعنى حركة 9 مارس – تطالب باستقلال الجامعة. وقد أعدت مؤخراً وثيقة بالحقوق والحريات الطلابية تتضمن الحقوق التعليمية (مثل المجانية كحق أساسي للطلاب، والحصول على تعليم جيد وفقا للمعايير الدولية، وإعطاء الطالب الحق في المشاركة في الحياة الجامعية بكافة جوانبها). وإلى جانب ذلك أكدت الوثيقة على حق الطلاب الجامعيين في تنظيم أي أنشطة علمية، أو رياضية، أو اجتماعية، أو فنية ، أو ثقافية، أو سياسية، داخل الحرم الجامعي، وحظر تدخل أجهزة الأمن بأي صورة من الصور في هذه الأنشطة . وأن تكون الاتحادات الطلابية منظمات مستقلة لا يحق لأي جهة إدارية التدخل في انتخاباتها ونشاطاتها. إذن .. هي المطالبة بعودة السياسة إلى الجامعات .. أو بتعبير أدق هي المطالبة بإسباغ الشرعية على عودة السياسة إلى الجامعات. فهي موجودة دائماً لكن المشكلة أن هذه الممارسة السياسية غير مشفوعة بالشرعية. وهذه المطالبة تأتى من جانب قطاعات متزايدة من الطلاب ينتمون إلى مدارس سياسية وفكرية متنوعة، كما تأتى من جانب قطاع مهم من هيئات التدريس. والواضح أن هذه الموجة الجديدة يتسع نطاقها، بدليل أن المظاهرات الطلابية التي رفعت هذه المطالب المشار إليها في السطور السابقة حدثت في عشر جامعات في آن واحد. والواضح أيضاً أن هذه المطالب ديموقراطية، وتتسق مع روح الإصلاح الذي ينشده المجتمع بأسره. والأهم .. أن الإصرار على حظر السياسة في الجامعات – فوق أنه غير واقعي ولم يفلح في منع الطلاب من ممارسة السياسة في كل الظروف – أصبح يتناقض تناقضاً حاداً مع الدعوة إلى تفعيل المشاركة السياسية للمواطنين، خاصة بعد أن ثبت للقاصى والدانى تفشى عزوف الناس عن المشاركة في الشأن العام، الأمر الذي تجلى من تدنى نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية في السابع من سبتمبر الماضي، حيث لم تتجاوز هذه النسبة 23% رغم كل الجهود التي بذلت لحث الناس وتعبئتهم. وهذا يعنى أن 77% من المسجلين بالجداول الانتخابية أداروا ظهورهم للعملية الانتخابية. والسؤال الآن: كيف تستقيم الدعوة – التي يطلقها الكثيرون بما في ذلك الحزب الوطني– إلى المشاركة السياسية مع استمرار حظر النشاط السياسي بالجامعات؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مثقفون.. ملكيون اكثر من الملك فاروق -الثانى-
-
كرامات الوزير المعجزة: 9 و10 يونيه في عز سبتمبر!
-
لا مكان للمعارضة.. في الدولة الدينية
-
!هيا بنا نلعب .. ونتعلم
-
انتبهوا أيها السادة : النار مازالت تحت الرماد
-
توابع هولوكوست بنى سويف
-
بلاط صاحبة الجلالة فى انتظار الفارس الجديد
-
! البقية في حياتكم
-
لغز وزير الثقافة وأنصاره
-
لماذا حصل -الاستبداد- على تأشيرة -إقامة- في أرض الكنانة؟
-
محرقة بنى سويف: الجريمة والعقاب
-
الدين والسياسة: سؤال قديم وإجابات معاصرة
-
من هنا نبدأ
-
بعد انقشاع غبار الانتخابات : صورتنا بدون رتوش
-
محور الشر.. كاترينا وبوش
-
بناء الثقة .. اليوم وليس غداً
-
-الجمهورية- تستعيد ذاكرتها.. ودورها التنويرى
-
قطار الديمقراطية الذي تلكأ كثيرًا قبل دخول محطة مصر
-
الدين لله والوطن للجميع.. أمس واليوم وغدًا
-
المبادرة الغائبة
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|