بابلو سعيدة
الحوار المتمدن-العدد: 4830 - 2015 / 6 / 7 - 09:30
المحور:
الادب والفن
أمّ العبد والكيس "2 "
أمّ العبد لا تعرف البسمة ولا الضحكة في شبابها . وقضت سنوات كهولتها بائعة متجوّلة متكئة على عكّازتها التي لا تفارقها. وترتدي ثياباً سوداء في الفصول الاربعة . ويُغطّي وجهها وشعر رأسها منديلٌ أبيضٌ . وتحمل على كتفيها كيساً. وتفترشه يوميّاً على الأرض في ساحة المدرسة لبيع التلاميذ الشكْلِس والبسكوت والراحة والشبس والدروبس . وفي يوم عاصف بالمطر والثلج تحوّلت ساحة المدرسة المسّورة بالحجارة إلى بحيرة مائية صغيرة . وكان من ضحايا العاصفة أم العبد وكيسها معاً في 27 فبراير 2015 . وحزن التلاميذ من أعماقهم على رحيل محتويات الكيس وصاحبته والذي ترافق مع تنامي عدد الشهداء والجرحى والمعطوبين في البلدة جرّاء حربٍ سياسيّة مجنونة لا تعرف الشفقة ولا الرحمة . وأثناء دفنها اصطفّ جمهور المصلّين وراء الثري الشيخ سلمان الذي يردّد دائماً في صلواته واحاديثه وخُطبه : الدنيا فانية .. والآخرة ... باقية . وما اضعفك يا إنسان حيث ذبابة تقتلك . أمّا الاستاذ الذي شارك في جنازة الدفن فهو الوحيد الذي ظلّ بعيداً عن جمهور المصلّين . وقد انضمّ إليه فتىٍ منغوليّا. سأله الاستاذ : كيف حال البقرة الحلوب التي تُشرف على إدارتها وإطعامها ؟. ردّ عليه الفتى بصوت جُهوريّ قائلاً : لقد باعها رئيس انعاش الريف في سوق الهال بثمن باهظ . وسأله الاستاذ ثانية : أيهما افضل في نظرك البقرة الحلوب أم الذين يُردّدون الدنيا فانية .. . والآخرة ... باقية ؟ . اجابه الفتى بصوت هادئ وضحكة لا يا استاذ البقرة الحلوب فيها فائدة ولها ثمن في سوق الهال . أمّا العاطلون عن العمل في دنياهم فلا ثمن لهم مطلقاً في سوق .... الهال .
#بابلو_سعيدة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟