غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4829 - 2015 / 6 / 6 - 22:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رسالة ثانية إلى البابا فرانسوا
يزور البابا فرانسوا مدينة سارايفو البوسنية Sarajevo
والتي كانت جزءا هاما من الدولة اليوغوسلافية, قبل وقوعها بحرب أهلية طائفية مزقتها لثلاثة دويلات, لم تهدأ فيها غالب الخواطر الجريحة... وقد شبهها البابا فرانسوا لمدينة القدس, حيث يعيش فيها اليوم رغم ذكريات الحرب
الصرب وهم ارثوذكس
البوسنياك وهم مسلمون
والكروات وهم كاثوليك
وقد ندد البابا فور وصوله إلى هذه المدينة حيث استقبله فيها خمسة وستون ألف مواطن منها.. بالحروب الطائفية التي تهدد العالم, باسم صراع الحضارات.
هذا اليوم حسب الجريدة الفرنسية المعروفة Le Parisien
*********
يا سيادة البابا
سمحت لنفسي بمناداتك كرسالتي الأولى إليك, يا "سيادة البابا", بدلا من "قداسة البابا".. كما كان ينادى لمن سبقوك على رأس هذه الدولة, منذ تأسيسها, والتي طلبت أنت بذاتك أن تنتزع بكل بساطة إنسانية طبيعية صفة القداسة.. بالإضافة إلى علمانيتي المتأصلة الراديكالية التي لا تؤمن بأية قداسة... مما أضاف وضاعف احترامي لك, عندما شجبت الحروب الطائفية وتجار الحروب في العالم.. ولكن كل خطاباتك وشجبك ومناداتك وإعلاناتك, كرئيس طائفة ورئيس دولة لا تملك أسلحة بطش ولا عسكر.. ضاعت هباء.. وخاصة أن أشد المحاربين شراسة اليوم هم جماعات تعتبر نفسها أفضل أمة عند الله, وأنها مختارة كأفضل البشرية, للدفاع عنه وفرض شريعته.. وكل ابتهالات الملايين من الأبناء المؤمنين بديانتك.. ضاعت هباء.. بكل من العراق وسوريا.. حتى اصبحت أنهار هاتين البلدين, قبل أن تــجــف خجلا.. حمراء أياما وأشهرا طويلة.. ولم تؤدي نداءاتك لإنقاذ المطرانين السوريين اللذين خطفتهما أشباح ملتحية مغبرة داعشية شيشانية وغيرها.. وحتى توسلاتك وصلواتك النقية الصافية القريبة من إلــهــك, والذي حسب التفاسير الدينية هو نفس إلههم.. لم تؤد حتى هذه الدقيقة إنقاذ رقبة واحد منهم.. ولا فــك عسر أسير... وأنت تــصــر على أن هذه الحروب ليست حروب حضارات... ما هي إذن يا سيدي.. أهي خلاف فريقي كرة قدم.. أم فعلا حرب حضارات وفكر.. بين حضارات إنسانية متطورة, مغسولة من كل شوائب التاريخ ووحشياته الحيوانية.. وبين جماعات تحمل رايات الله واسمه ورسوله, وتغتصب وتقتل وتغزو وتفرض ديانتها وشريعتها.. وترغم البشرية جمعاء على إعادتها إلى شريعة الغاب وطبيعة الحيوان وعصور الحجر.. وأن كل فكر إنساني وانفتاح فكري على الحريات المتطورة والمساواة بين البشر.. كــفــر وزندقة!!!...
يا سيادة البابا
أنا أعرف طيب نواياك وأنت تابع لتعليمات معلمك السوري القديم عـيـسـى بن مــريــم " من ضربك على خدك الأيمن.. حول له الأيسر ".. متسامحا منتظرا من ضاربه والمعتدي عليه الخجل والعودة والتراجع عن الضرب معتذرا.. ولكن الداعشيون اليوم في العالم كــثــر تتكاثر يوما عن يوم... وأولادك المؤمنون, يزداد ذبحهم وخطفهم وقتلهم أو تهجيرهم نحو بلاد مغلقة جامدة مسدودة.. يوما عن يوم.. وأفكار التسامح والمحبة والدفاع بالصلاة والابتهال, لم تؤد في بلاد عيسى بن مــريــم, إلى إنقاذ أبسط عدد من الهاربين من الموت الداعشي.
لماذا يا سيادة البابا, لا تصرخ بوجه رؤساء الدول الأوروبية والغربية وخاصة رئيس أمريكا.. وهم الذين أشعلوا الفتنة نار الفتنة والموت والخراب.. وغالبهم من أتباع ديانتك..متظاهرين بالورع واحترام تعاليم الكنيسة التي ترأسها.. لماذا لا تصرخ بوجههم مهددا أنك سوف تفضح رياءهم وخداعهم وجشعهم وتحريضهم للحروب واستعمال داعش وأبناء داعش وأبناء عم داعش, ودس الفتنة الطائفية في العالم وتحريض الحروب.. حتى تدوم هيمنتهم الرأسمالية البغيضة على العالم... أو كما كان يسميه بابوات الأمبراطورية.. عندما كان الفاتيكان يسيطر على الملوك والحكومات الأوروبية.. نزع صفة المسيحية عن هؤلاء الملوك والحكام Ex-communication
أو على الأقل فضح سياساتهم على المنابر الدولية.. وأنت بالرغم من أنك لا تدير جيشا ولا تملك سلاحا.. ما تزال لديك سمع مليارات البشر في العالم.. بالإضافة إلى المنابر الدولية.. ويسمعك مليارات البشر, لأنك إنسان صادق.. ومنذ استلامك هذا المنصب الصعب, بهذا العالم المليء اليوم ببراكين الحقد والتعصب الطائفي, وجشع المال والمكاسب والمناصب.. ما زال غالب البشر يستمعون لأقوالك وكلماتك الإنسانية لصالح البسطاء والفقراء والمعوزين والمهجرين والمحرومين من خيرات الإنسانية...
بــلاد المسيح.. وأفكار المسيح.. وطيب المسيح تحترق بالعالم اليوم.. هـــنـــاك وهـــنـــا...
وأنا بانتظار بعض الكلمات الإضافية القوية, اليوم وغدا لإنقاذ بلد مولدي.. وشعبه الجريح المتعب المنكوب... وخاصة حــضــارة بلد مولدي ســـوريــا, الذي خلق أولى الأبجديات.. ووزع ونشر أولى الحضارات.. قبل ابتداع جميع الأديان.. يا سيادة البابا فــرانــســوا... واســأل إلـهك عنه.. يا سيادة البابا فـرانــســوا...
بـــالانـــتـــظـــار... وبمتابعتي الجدية لأقوالك وأعمالك.. لك مني أصدق تحية محترمة.. مهذبة...
***********
عـلـى الــهــامــش
ــ لــفــت نــظــر
لا بد أن العديد من أصدقائي وغير أصدقائي الذي يعرفون تمسكي بالعلمانية الراديكالية, وفصل الدين عن الدولة.. سوف يستغربون ويندهشون ويعلقون في ندواتهم ويعترضون بأشكل كاريكاتورية انتقادية مختلفة رسالتي هذه إلى البابا فرانسوا, رئيس الفاتيكان, ورئيس الطائفة المسيحية الكاثوليكية في العالم... لهؤلاء أذكرهم أنني خلال سنوات طويلة ومنذ اخترت فرنسا كوطن.. حتى استطيع امتلاك حـرية أفــكــاري والتعبير عنها.. والدفاع ما أراه حقا وصوابا وإنسانية طبيعية وحريات عادية لجميع البشر... كتبت مئات الرسائل والمنشورات لرؤساء دول ومسؤولين سياسيين وعلماء, وحكام اشتهروا بحياتهم سلبا وإيجابا, بأشكال مختلفة إنسانية أو معادية للإنسانية.. ولم أمضغ كلماتي وأرونقها وألمعها حسب الشخصية أو السلطة.. حسب موافقتي أو عدم موافقتي معها أو لا... بل قلت دوما ما أعتقد.. وهذا لا يعني أن معتقداتي وثوابتي لم تتغير.. حسب تطور الأحداث وأساليب الحكام ومالكي السلطة سلبا أو إيجابا.. وكما قال شارل ديغول.. إن الأغبياء وحدهم لا يتغيرون... لهذا السبب إذ أنني أتوجه اليوم للبابا فرانسوا, كما توجهت له ببداية رئاسته الروحية والسلطوية للفاتيكان, وتصريحاته الأولية للدفاع عن المرهقين والمظلومين في العالم.. ولهذا السبب أعيد التجربة مرة أخرى, بكل احترام, رغم قناعتي أنــه ــ بطيبه وتسامحه المسيحي ــ لن يغير العالم.. ولكن صوته مسموع لدي العديد من (شعوب) العالم... فلعل هذه الأكثريات الصامتة التي تسمعه, مع قوة بيانه وصراحته.. تغير شيئا من اتجاه بوصلة الحكام الغربيين الذين يتعامون, عن عمد ومصلحة..أو إهمال مقصود.. اتجاه هذه البوصلة السياسية الحربجية الآثمة العرجاء التي تهدد مستقبل كيان بلد مولدي ســوريـا وديمومة حياة شعبه المنكوب...
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم.. هـــنـــاك و هـــنـــا... وبكل مكان في العالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق تحية طيبة مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟