العاهرة،أو أليست الحياة عاهرة 1932(جين رينوار):حكاية الرجل الأخلاقي الوحيد

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4828 - 2015 / 6 / 5 - 12:29
المحور: الادب والفن
    

العاهرة،أو أليست الحياة عاهرة 1932(جين رينوار):حكاية الرجل الأخلاقي الوحيد
نتعرف على الفيلم من خلال مسرح الدمى
نحن فخورين أن نقدم لكم كوميديا عن التصرفات البشرية وعن الأخلاق
ولكن أحد الدمى يقاطع قائلا:لاتحاول اثبات أي شيء
(ليجنراد-مايكل سيمون) أربعيني من الطبقة الوسطى مريض بالسذاجة هو الحبكة المركزية للفيلم الناطق الثاني لري
لرينوار والذي سيحقق له بعض الحضور والشهرة...
ليجنراد يعمل ككاتب محبط في بنك وسمعة تسلط زوجته عليه تلاحقه أينما كان خصوصا بين زملائه في العمل،ولكي يتخلص من عمله الممل وتسلط زوجته عليه التي دائما ما تعايره بزوجها السابق السيرجنت المتوفي يلجأ الى الرسم...أي الى الحس الفني وبذلك نعرف أن هذا الرجل المحكوم عليه مسبقا من قبل مجتمعه،يمتلك شيئا من عاطفة وحساسية تجعله غير قادر على مواجهة المجتمع بالشكل الحقيقي المألوف،أي انه وبمعنى آخر لايستطيع الأندماج مع المجتمع...هنا وكأن رينوار يعالج فيلما وحبكة فيها شيء من حكمة الأبله للديستيوفسكي...لايوجد تقدير اجتماعي عام لفنه.
الزوجة اديلا،تبدو شريرة وتحط من قدر اعماله الفنية معلقة:أريدك ان تخرج اقمة القنب هذه من شقتي.
لنلاحظ ان القصة فردية وفيها نعكاس للواقع الأجتماعي ككل وهذا ليس ضد مبدأ الواقعية الشعرية الفرنسية،وان كان هذا الفيلم لاتظهر فيه الملامح القوية لذلك المذهب الفني مثل الأفلام اللاحقة لرينوار(الوهم الكبير وقواعد اللعبة)،ونحن نفضل صياغة هذا الفيلم ضمن واقع أدبي من الواضح أن بعض مقصوده عكس الواقع،وان قلنا ان القصة فيها شيء من عوالم ديستيوفسكي،فلينجراد فيه شيء أيضا من الشخصية الوجودية،ولكن رينوار لايقدم العمق اللازم لأثبات ذلك،ويفضل أن يكون ملتزما على ان يقدم شخصية فيها شيء من معالجة أدبية.
عندما يرسم لينجراد بورتريه لنفسه فهو من الواضح أنه يعيش في تجاهل تام للعالم من خلف لوحاته،وعالمه الخاص مقصوده تجاهل من حوله،وهذا شيء يدعونا الى القول أن هذه القصة فيها شيء من أدبية واضحة،وعندما يرتبط عرضيا بعلاقة غرامية مع عاهرة مغرمة أصلا بقوادها وتحاول استغلاله لاحقا من خلال بيع لوحاته الأمر الذي يجعلنا نتساءل:هل هو عالم واقعي مختلط بالأدبية؟
نفضل ان نفسره على انه عالم أدبي مقصوده انتقاد هذه الحياة ليس من ناحية مادية بل من ناحية أخلاقية،فهنا المثالية في مواجهة المجتمع،على أن الفيلم يبدو أحيانا لايمتلك العمق ولا الدقة اللازمة للتعبير عن كل ذلك.
وهناك قضية أخرى يطرحها الفيلم ألا وهي الزيف الاجتماعي...
اللوحات تباع بأثمان عالية عندما ترتبط باسم خيالي (كلارا وود) وهو الاسم الذي يشير الى العاهرة لولا ولكنها لم تكن تساوي شيئا عندما كان يرسمها ليجنراد،وبذلك يستخدم الفن لأغارض دنيئة لأن الذي استطاع الترويج له هم الدنيئيين أنفسهم،وهذا كله يدل على ان الفيلم لايخلو من واقعية مرة...
ومن مظاهر الزيف الاجتماعي أيضا ان السيرجنت(غودار) التي تتباهى أديلا بتضحياته دوما لازال على قيد الحياة ويبدو رجلا وضيعا متشردا زيف موضوع موته للتخلص من زوجته فقط،وهذه الاكتشافات تدل على أن ليجنراد الأخلاقي الوحيد في مجتمعه،ولكن سعادته بالتخلص من زوجته تقطع على الفور عندما يكتشف ان حبيبته لولا ليست سوى عاهرة مغرمة بقوادها،وهي عند اكتشافه لحقيقتها تعامله بمقدار كبير من الوضاعة وتعترف له بأنها لم تهتم به سوى من أجل لوحاته مضيفة على الموضوع برمته شيء من الاحتقار وبالتالي يقتلها ويقبل يد جثتها في نفس الوقت.
هذه علامة ضعف وعلامة يأس في نفس الوقت
ولكن العدالة الألهية تأخذ مجراها لأن القواد (أندريه جوكيان) يعدم شنقا في مكان عام متهما بقتل لولا.
والنهية الطبيعية كانت أن ليجنراد ينتهي الى متشرد مجنون،وهذه هي نهاية فنان بيعت لوحاته بمبالع كبيرة وقدرت عندما لم تكن منسوبة له...هو مجنون متشرد يلتقط عشرين فرنك ويعتبرها ثورة...
ان الذي يحدث حقيقة اجتماعية عن التقدير والأحترام
رينوار حذر...يعرف ما الذي يريد أن يقوله بالضبط،والفيلم يحافظ على مسار درامي واضح مختلط بميلودراما،على اننا لم نرى فيه اي سقطة ميلودرامية واضحة،ولكن هذه النهاية كان الوصول اليها هو افتعال واضح وهي نهاية ليست واقعية على الاطلاق،وان كان الفيلم ملتزم بحبكة فردية مركزية وتقريبا مكانه محدود وان لم يكن مغلق،فرينوار لم يكن أبدا ضد الفردية ،وفيلم (أليست الحياة عاهرة) هو فيلم عن قسوة التصرفات البشرية بامتياز،وهو من أجمل افلام رينوار ويستحق المزيد من الاهتمام.

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات