|
جميلة هي أمي
علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 4822 - 2015 / 5 / 30 - 19:26
المحور:
الادب والفن
المكان: ألمانيا - الجامعة الزمان: 2015
الجَوُّ خريفيّ .. الساعة الرابعة ظهراً .. إنه وقت انصراف الموظفين والموظفات في الجامعة .. ها قد بدأت عطلة نهاية الإسبوع .. أنهى للتّو إعطاء محاضرته الأخيرة لهذا اليوم .. يجلس على كرسيه الأزرق في مكتبه واضعاً قدميه على الطاولة .. ناظراً إلى الأشجار التي لا تتوقف عن التَّعَرِّي مِنَ الأوراق الصفرّاء حالما تشعر بنظراته المشتاقة .. يسترخي جسده ويغمض عينيه ..
المكان: ضيعة حمين - الدريكيش الزمان: 1989
كان معها في ضيعة "حمين" في ضيافة صديقهما المشترك .. خرجا في ذاك المساء هرباً من العيون للتَّمَشِّي في شوارع الضيعة التي لا يعرفانها والتي لن يرا شيئاً من معالمها .. فالجَوُّ بارد والأمَكَنة مُعْتِمة .. لعلهما بحثا عن مكان للقبلة الأولى .. وصلا إلى تخوم القرية .. جلسا تحت شجرة زيتون .. الأرض باردة ورطبة .. السماء سوداء .. أشعل عود ثقاب لينظر إلى عينيها السوداوين الحنونتين .. وضع سيكارة بين شفتيها أشعلها ودخناها سوية .. استلقيا بجانب بعضهما مثل طفلين كبيرين .. ضمّا بعضهما لاشعورياً بحثاً عن الدفء .. يتساءل في سره: كيف سيكون طعم البَوْسة الأولى؟ .. هاجمت شفتاه الخائفتان المرتجفتان العطشانتان شفتيها المُعْوَجّتين الحارتين المُسْتَسْلِمتين .. ما أطيبهما! .. كاد يطير .. كاد يموت .. همست له بسؤال يشبه الليل: بماذا تُحِسّ؟ خاف من سؤال لم يسمعه من قبل .. من سؤال لم يفهم معناه .. ما الرسالة التي ترغب إمرأة في إيصالها؟ .. حاول التَهَرُّب من الإجابة .. لعلّه تمنّى أن يقول: أَحَسُّ بِأَلَمٍ في بَطْنِي .. أَحَسُّ بالبرد والجوع .. أو أشعرُ بطعم غريب في فمي يشبه طعم الكرز .. هل هو كرز شفتيك .. بالمختصر أُحِسُّ بِالفَرَحِ يَغْمُرنِي .. لكنه تمتم متلعثماً: لا أُحِسُّ بشيء .. وأنت بماذا تَحسّين؟ هي: أَحَسُّ في هذه اللحظة بأني أمك .. هل تحب أن ترضع؟ .. المكان: مدينة "لوس أنجلِس" الزمان: 2015 يأتيه ما يشبه صوتها عبر الهاتف بعد مرور أكثر من خمسة وعشرين عاماً على رحلتهما المشتركة في ضيعة حمين .. هي: رأيتُ صورة أمك .. رحمها الله .. أحببتها .. بدت في الصورة قوية وجميلة .. قالوا: أن أبوك .. رحمه الله .. قد أحبّها حتى السُّكْر .. يا الله كم سيكون رائعاَ لو كانت حيّة كي تفرح بك .. يقولون: أنّك كنتَ في الثامنة أو التاسعة عندما طارت أمك إلى السماء .. هل تشتّاقها؟ .. هل تحبّها؟ .. هل تحلم بها؟ .. هل تعتقد بأنّي أشبهها؟ .. هل تعتقد بأنّي جميلة وقوية مثلها؟ .. تَلَجلَجَ وتَلَعثَمَ قائلاً: ماذا تنوّين قوله؟ .. ماذا تقصدين؟ هي: أَحَسُّ بأنّها تشبهني .. أنا هي وهي أنا .. جميلة وقوية .. عاشقة وحنونة .. صبورة وصعبة .. مثلها تماماً .. هي وأنا من نحبك في هذا الكون وكل منا على طريقته الخاصة .. لن يحبك أحد في هذا العالم أكثر ممّا أَحبَّتكَ .. أو أكثرَ مما أُحِبُّكَ.
المكان: الجامعة - ألمانيا الزمان: 2015
استيقظ البروفسور من نومته العميقة على الكرسي الأزرق في مكتبه على رنين الهاتف .. نظر إلى ساعة يده .. ابتسم مخاطباً نفسه: لقد أَخَذَتْني الغَفْوَة بعيداً .. رنّ جرس هاتف المكتب من جديد .. على شاشة الجهاز ظهر اسم "أنغيليغا" .. آلو أنا البروفسور ... من معي؟ .. جاء صوتها من الطرف الآخر ناعماً حانياً مشتاقاً .. أنا السيدة "أنغيليغا" .. لدي هنا أوراقاً تحتاج إلى إمضاءك .. هو: لا بأس .. سأنظر إليها وأمضيها بطيبة خاطر .. هي: صوتك ساحر وحنون .. وكأني أعرفك منذ دهر .. سأموت إذا لم تسمح لي اليوم أن أراك .. لن أخذ من وقتك الكثير .. فقط بضعة دقائق .. هو: لا بأس .. أنتظرك في مكتبي رقم E969 .. أحضري الإضبارة معك .. هي: خمسة دقائق وأكون بجانبك .. تقرع الباب وتدخل إمرأة عَذَبَةُ المُحَيّا والابتسامة .. متوسطة العمر .. ينظر إلى وجهها وشعرها .. إلى عينيها وفمها وإنفها .. إلى جسدها .. تبادله النظرات دون كلمات .. تغلق الباب وتقترب منه .. تداعب وجهه بأصابع يدها اليمنى .. تضم نفسها إلى صدره .. تهمس له: ما أدفئك .. أَحَسُّ وكأنّي أعرفك منذ زمن بعيد .. أَحَسُّ وكأنّي أمكَ التي ولدتك .. دعني أشمك .. دعني أبوسك! ..
المكان: ألمانيا - بسنادا الزمان: 2015
في المساء يهاتفُ صديقه .. يسامره قليلاً .. ثمّ يخبره بأنّه قد وجد إمرأة تشبه أمه .. وأضاف: أظنُ أنها وُلدت من جديد وباسمٍ حديث في ألمانيا بعد موتها السريري في المشفى الوطني في اللاذقية ..
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -21-
-
موعد مع السيد الرئيس
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -20-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -19-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -18-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -17-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -16-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -15-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -14-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -13-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -12-
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -11-
-
حكاية أبو العُلى -3-
-
حكاية أبو العُلى -2-
-
حكاية أبو العُلى -1-
-
كومبارس في مقهى ألماني
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -10-
-
النَّقْصُصَّافِي في ألمانيا
-
حَمِيمِيَّات فيسبوكية -9-
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|