|
مثقفون.. ملكيون اكثر من الملك فاروق -الثانى-
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1337 - 2005 / 10 / 4 - 11:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أثارت " استقالة" وزير الثقافة ، فاروق حسنى، جدلاً صاخباً، وصل الى حد الانقسام والاحتقان فى صفوف الجماعة الثقافية . لكن اغلب هذا الجدل الدائر .. خارج الموضوع . وعلى سبيل المثال فان الحديث عن " إنجازات " فاروق حسنى ليس هو بيت القصيد ، بل هو تهرب من الإجابة – دون لف او دوران- على السؤال الأساسي التالى : هل يتحمل الوزير المسئولية عن محرقة بنى سويف أم لا ؟ اجتهادي فى الإجابة على هذا السؤال المحدد ان سيادة الوزير مسئول . وغنى عن البيان ان مسئوليته ليست جنائية، وانما هى سياسية وأدبية . ولانها كذلك فانه لا يجدر التمحك فى الاعتبارات القانونية والتخريجات الفقهية والمذكرات التفسيرية . لاننا نتحدث عن مسئولية " أدبية " كما قلنا . وهذه المسئولية السياسية – الأدبية راجعة إلى ان الوزير هو الرئيس الأعلى لوزارته بكل قطاعاتها . وانه هو الذى يرسم سياساتها ويشرف على تنفيذها ويراقب تطبيقها ويحاسب مرءوسيه بالعقاب والثواب على اوجه التقصير أو أوجه الإنجاز . وبالطبع فان المسئولية السياسية والأدبية للوزير – اى وزير – لا تتعلق بسفاسف الأمور، أو حتى بالأمور الإدارية الكبيرة التى يكفى معها التحقيق الإداري أو الجنائي ، مثل اختلاس عشرات أو مئات الجنيهات ، أو تبديد عهده ، أو تقاضى رشوة ، وما الى ذلك من المخالفات التى تحدث كل يوم فى كل المرافق والمصالح والهيئات . وبالتالى فانه من قبيل التنطع ، والتزيد، إقحام المسئولية السياسية والأدبية لاى وزير فى مثل هذه الحالات التى يكفى فيها خصم اجر بضعة أيام من رواتب عدد يزيد أو يقل من صغار الموظفين الغلابة، أو تحويلهم إلى التحقيق الإداري أو الجنائى . وهذا يعنى ان الحديث عن المسئولية السياسية والأدبية لا ياتى فى هذا السياق التافه، وانما ياتى مرتبطا بأخطاء كبيرة ومصائب ناجمة عن خلل السياسات العامة أو الإهمال فى متابعة تنفيذ او عدم تنفيذ هذه السياسات . وهى بهذا المعنى مسئولية لها جانب " تقديرى" .واضافة الى الجانب الادبى المتمثل فى الاعتذار للرأى العام عن المصيبة التى وقعت، فان الاستقالة الوزارية – كتعبير عن تحمل المسئولية السياسية- تكتسب أهميتها من زاوية ثانية هى ان يتم التحقيق الجنائي بحرية ودون خوف من وجود الوزير واحتمال تأثيره على مجراه . والسؤال الآن هو : هل ما حدث فى قصر ثقافة بنى سويف، التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة، التابعة لوزارة الثقافة .. مجرد خطأ "محلى" من جانب موظفى قصر بنى سويف أم ان هذا الخطأ، الذى أدى إلى كارثة إنسانية وثقافية ، ناتج بدوره عن إهمال جسيم من القيادات العليا وغياب للرقابة والإشراف الجدى ؟ الإجابة على هذا السؤال لا تحتاج الى اجتهاد من عندياتنا .. بل جاءت على لسان الوزير فاروق حسنى نفسه، الذى اعترف – واعترافاته مسجلة بالصوت والصورة – بأنه شخصيا يتحمل المسئولية من اكثر من زاوية ، هو والقيادات العليا لوزارته . وعدد هذه الزوايا ابتداء من الموافقة على اختيار قصر ثقافة بنى سويف كمكان لهذا المهرجان المسرحى، وانتهاء بالإهمال الجسيم فى تجهيز هذا القصر – وغيره من القصور – بعوامل الأمان الضرورية . إذن .. من يحاول الدفاع عن الوزير فاروق حسنى من هذه الزاوية، ويحاول ان يجد له مخرجا او مهربا من تحمل المسئولية السياسية والادبية عن هذه البلوى .. سيضع نفسه فى موضع بالغ الحرج .. لأنه باختصار سيكون ملكيا اكثر من الملك "فاروق الثانى " .. فالوزير نفسه اعترف بمسئوليته .. وهذه نقطة تحسب لصالحه ويستحق التحية عليها . وهذا ما فعله الأديب الكبير نجيب محفوظ عندما أشاد بخطوة استقالة الوزير قائلا انها ذكرته بالتقاليد السياسية العريقة التى كنا نعرفها فى الماضى ثم اندثرت بغير رجعة كما كنا قد تصورنا ( لاحظ ان نجيب محفوظ يستخدم تعبير "التقاليد السياسية العريقة" فى وصفه للاستقالة كتعبير عن تحمل المسئولية السياسية والادبية، مما يعنى ان مطالبتنا بتحمل الوزير –اى وزير- لمسئوليته السياسية والأدبية ليست بدعة) .. واضاف " لقد اعادنى فاروق حسنى الى عصر الممارسة الديموقراطية فى شبابنا . وتذكرت محمود باشا شاكر الذى كان مدير عام السكك الحديدية فقد حدث ان وقع حادث لقطار بسبب إهمال أحد الخفراء الذى نعس فى إحدى الليالى أثناء نوبة عمله فلم ينتبه لضرورة إغلاق المزلقان عند مرور القطار . ولقد احس شاكر باشا على الفور بمسئوليته الأدبية والسياسية عن الحادث . فلم ينتظر ان يستقيل الوزير الذى كان يتبعه بل بادر هو بالاستقالة . وحين سئل قال : إذا قصر موظف بالسكة الحديد فى عمله حتى ولو كان خفيراً فانا المسئول . وعلى كل مسئول ان يتولى مسئوليته ". هذا هو الدرس الذى أعطاه نجيب محفوظ لنا فيما يتعلق بالمسئولية السياسية دون لف او دوران ، ودون فذلكة قانونية . فهل حادث القطار الناجم عن غفلة عامل المزلقان اخطر مما حدث فى قصر ثقافة بنى سويف؟! وهل يعفى الوزير من هذه المسئولية السياسية أن له إنجازات ؟ العكس هو الصحيح .. إن بقاء الوزير على رأس وزارة الثقافة ثمانية عشر عاما متصلة يحرمه من حجة عدم الإحاطة بمجريات الأمور . فهذه الفترة الطويلة غير المتاحة لاى وزير ثقافة آخر فى العالم بأسره تجعله مطالبا بان يعرف دبة النملة فى دهاليز وزارته . وبهذا المعنى .. فان المسئولية السياسية والأدبية للوزير ثابتة . والغريب ان يعترف بها هو ويتطوع المثقفون الذى وقعوا بيان المائتين برفعها عنه ؟! أما القول بان المسئولية السياسية لا تقع على عاتق وزير الثقافة وحده فهو قول صحيح . لكنه لا يؤدى الى المطالبة بعدم قبول استقالة فاروق حسنى ، وانما يؤدى الى المطالبة باقالة او استقالة الوزراء والمسئولين الآخرين المشتركين فى المسئولية السياسية عن الكارثة . وبهذا المعنى أيضا .. فان المشكلة ليست مع الوزير ، لان الرجل قدم استقالته واذا كانت هناك مشكلة مع الوزير بهذا الصدد فهى متعلقة بالشتائم التى وجهها للمعارضين وتسفهيه لمواقفهم وتشويهه لنواياهم واهدافهم، فضلاً عن تراجعه السريع عن الاستقالة بصورة أعطت للكثيرين الحق فى استنتاج انها كانت استقالة استعراضية. المشكلة الحقيقية مع الذين لم يهتموا بدماء ضحايا محرقة بنى سويف قدر اهتمامهم بإبقاء فاروق حسنى على كرسى الوزارة وكأن الثقافة ستصبح يتيمة ولن تجد من يرعاها إذا رحل فاروق حسنى . والانكى ان هذا التشبث العجيب بالوزير ، جاء متناقضاً مع أشواق المصريين للتغيير ، الأمر الذي يعنى رحيل الحكومة بأسرها وليس وزير الثقافة وحده . وبدلا من ان يتجاوب المثقفون الموقعين على بيان المائتين مع أشواق التغيير وجدناهم يناورون ويهرولون ويبحثون عن فتاوى قانونية شكلية لتبرئة ساحة أحد أعضاء هذه الحكومة من مسئولية الأدبية عن واحدة من ابشع الكوارث الإنسانية والثقافية . والسؤال لهؤلاء الزملاء والأساتذة : هل كنتم ستتخذون نفس الموقف لو أن أحدكم ، او ابنكم ، أو بنتكم ، أو أحبائكم ، كان فى قلب هذا الجحيم لا قدر الله ؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كرامات الوزير المعجزة: 9 و10 يونيه في عز سبتمبر!
-
لا مكان للمعارضة.. في الدولة الدينية
-
!هيا بنا نلعب .. ونتعلم
-
انتبهوا أيها السادة : النار مازالت تحت الرماد
-
توابع هولوكوست بنى سويف
-
بلاط صاحبة الجلالة فى انتظار الفارس الجديد
-
! البقية في حياتكم
-
لغز وزير الثقافة وأنصاره
-
لماذا حصل -الاستبداد- على تأشيرة -إقامة- في أرض الكنانة؟
-
محرقة بنى سويف: الجريمة والعقاب
-
الدين والسياسة: سؤال قديم وإجابات معاصرة
-
من هنا نبدأ
-
بعد انقشاع غبار الانتخابات : صورتنا بدون رتوش
-
محور الشر.. كاترينا وبوش
-
بناء الثقة .. اليوم وليس غداً
-
-الجمهورية- تستعيد ذاكرتها.. ودورها التنويرى
-
قطار الديمقراطية الذي تلكأ كثيرًا قبل دخول محطة مصر
-
الدين لله والوطن للجميع.. أمس واليوم وغدًا
-
المبادرة الغائبة
-
المنافقون.. اخطر أعداء مبارك
المزيد.....
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
-
ترامب -يعلن الحرب- على دعم فلسطين داخل المؤسسات التعليمية
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|