ميرغني أبشر
الحوار المتمدن-العدد: 4822 - 2015 / 5 / 30 - 10:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ونحن نشتغل على مقالات اللادينين، نجد أن أطروحتهم التى تحدثنا عن البنية المثولوجيه لكتابنا الكريم, تنهض فى تأكيدها لتلك البنية، على الحكى الاعجازي الذي يتضمنه هذا المقدس , وعلى تفسيراته ذات الطابع الميثى, المسطورة فى متون كتب التفسير ومنقولنا التراثي, كما أنها تذهب فى مذهبها للدلالة على المحتوى الأسطوري لهذا المقدس، إلى مقاربته بالماضي من شعر الفترة الجاهلة , مستيقنة بذلك أسبقية النظم العربي للحكاية القديمة حتى على مستوى مفرداته وإيقاعها الداخلي على متلو القرآن . ودعنا نقبض عاجلا على شاهد يوقن طرحنا الذي بسطنا أنفا , لنبين من خلاله على لهثهم العجول فى أطروحتهم التي نناقش, ليأتي مقصودهم فطيرا ذا عوج, تستبين لك عورته بقليل تأمل , ونقتنص شاهدنا من عند مسطور القمنى (الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية )، ولا يأتى اختيارنا لهذا الشاهد اعتباطا, بل هو قنص مقصود، لان مطروح هذه المدرسة في هذا المبحث محل اشتغالنا يأتي على نوله، ولا يفارق نسجه كثيرا , فيكون بياننا فيه، بيانا يصلح منهجه في التناول للكشف عن ركائز التبييت الايدلوجى الهش ، لهذا الكثير المحكي، وفق طرائق شاهدنا عليها الموضوع محل نقاشنا , ومن هنا تأتى أهمية عرض بواطن سقطاته الظاهرة!!.
يسطر القمنى في كتابه المذكور آنفا :( تلك الثقة التي تجلت في الاعتقاد بأن جيش أبرهة قد تعرض لهجوم فريد في نوعه ، إذ أرسل الله على الجيش طيورا ترميه بالأحجار ، وينقل السهيلي عن النقاش : " أن الطير كانت أنيابها كالسباع ، وأكفها كأكف الكلاب ، وذكر البرقي أن ابن عباس قال : أصغر الحجارة كرأس الإنسان ، وكبارها كالإبل " وهذا الذي ذكره البرقي ذكره ابن إسحق في رواية يونس عنه ، وفي تفسير النقاش أن السيل احتمل جثثهم فألقاها في البحر.
و بهذا الاعتقاد أرسل ( رؤبة بن العجاج ) رجزه قائلا :
ومسهم ما مس أصحاب الفيل ترميهم حجارة من سجـيـل
ولعــــب بهم طيــــر أبـابيل فصيروا مثل عصف مأكول )
ابتداءً نجد فى هذه النتفة التي قرأت، أن صاحبنا ما غادر ورطة منقولنا الديني وموروثنا الثقافي , زد على ذلك تغييبه إعمال العقل فى متون هذا المنقول ، واكتفى منه بنقله الأمين لما يعضد مطروحة القصد . فمن المنطقي جدا والمعقول أن تكون هذه الأبيات لاحقه لعصر القرآن لا سابقة له , وهى منحولة على الشاعر الجاهلي عبد الله بن رؤبة بن حنيفة بن مالك ،ويكنى أبا الشعتاء ، والعجاج لقب له, بوصف أن ورودها فى متون موروثنا، يأتى فى سياق تأكيد الحادثة ذات البعد الخيالى والغرائبى، الذى يبتلعه الإيمان لا العقل , وفقا للمفهوم منها من عند ظاهر النص المقدس , بفرض أن حكمة الوراقين الإسلاميين، تقتضى حذف المنظومات الجاهلة من الذاكرة العربية المدونة، والتي تتناول بعضا من حكى القرآن اللاحق ،حتى تفرد للنص المقدس إعجازه الذى يميزه, وهو القول السابق لكتابات اللادينيين حديثة العهد فى نمقها الأخير , والذي سبقنا إلى بسطه عميد الأدب العربي طه حسين فى كتابه الضاج (فى الشعر الجاهلي) حين سطر(..ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء ، وإنما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام ، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين . وأكاد لا أشك في أن ما بقى من الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على أي شيء ، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي .. ) (1). وعجبي أن هولاء الباحثين فى التراث لم يقفوا على أطروحة طه حسين المعاصرة !!.
وشاردة أخرى ما فطن إليها صاحبنا، ولا سلفنا الصالح محل نقله الحرفي , وهى مسمى سورتنا المثال، ومسمى السنة ، فقديما يؤرخ العام والسنة بحدث مميز , فكان هذا الحدث هو الفيل , الشيء الذى يضعنا فى حيرة, فالمنطقي والمعقول وفقا لعادة الجاهلة أن تسمى تلك السنة بسنة الطير الأبابيل، لان الأخيرة هي الدهشة وليس الفيل المطروق وصفه للسامع العربي آنئذ، لأنه حيوان عرف منذ فجر الحياة على الأرض ، أما الأبابيل بحسب المسرود عنها فى منقولنا التراثي، تكون هي سيدة المشهد لا الفيل!
ومن هنا ينطرح التساؤل التالي : ماهي حقيقة هذا الطير الأبابيل الذي يرمى بحجارة من سجيل ؟ وللإجابة على هذا التسأول أبدؤك من عند لسان العرب لابن منظور , نجد فى مادة طير (..وقال العنبري:
طارُوا إِلـيه زَرَافاتٍ ووُحْدانا
ومن أَبـيات الكتاب:
وطِرْتُ بمُنْصِلِـي فـي يَعْمَلاتٍ
فاستعملوا الطَّيَرَانَ فـي غير ذي الـجناح )(2) وحين نقف على معنى أبابيل نجدها تعنى ( وقال الزجاج فـي قوله "طيراً أَبابـيل": جماعات من ههنا وجماعات من ههنا. وقـيل: طير أبابـيل يتبع بعْضها بعضاً إِبِّـيلاً إِبِّـيلا أَي قَطيعاً خَـلْفَ قَطيع؛ )(3) أما كلمة سجيل فنقبض على دلالتها من عند تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، فنجدها تعنى (..على ما في المجمع، بمعنى السجين و هو النار، و قال الراغب: السجين حجر و طين مختلط، و أصله فيما قيل فارسي معرب) (4) وعند ما ننظر لطبيعة مكة، نجدها محاطة من جهتها الشرقية والشمالية بسلسلة جبلية بركانية , حتى إن سلسلتها الشرقية تسمى بجبال حران . وفقا لتقديماتنا التى قرأت، يكون قد اكتمل مقصدنا لك , فسجيل وبحسب دلالتها اللغوية تغدو الترجمة الدقيقة لكلمة (Lava)، وهى المادة البركانية المنصهرة شديدة الحرارة، والمتحولة تدرجا بحسب درجة الحرارة الخارجية، إلى حجارة ، والتي تدفقت من حالق، أبابيلا على جيش أبرهة الحبشي، فجعلته كنبات قضمت أطرافه , و يأتى الإعجاز فى تزامن الثورة البركانية لجبال مكة مع قدوم الغازي الحبشي لبيت الله ، وينكشف لنا سر تسمية ذلك العام الذي ولد فيه رسول الإسلام بعام الفيل، بوصف أن الفيل هو الصورة اللا معتادة للناظر العربي، لان الثورات البركانية وأبابيلها التي تمطر سجيلا كانت هي المعتاد في الذاكرة العربية.
-----------------------------
(1)طه حسين،فى الشعر الجاهلى
(2)ابن منظور ، لسان العرب
(3)المصدر السابق
(4)الطباطباى،تفسير الميزان
#ميرغني_أبشر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟