خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 4820 - 2015 / 5 / 28 - 07:51
المحور:
الادب والفن
لم يكن يصارع الظلمة سوى ضوء المصابيح الآتي من أول الشارع. جلسوا جميعاً على حافة الشارع قرب باب الخمارة، وكل منهم قد فتح فمه متثائباً. ثمة أنين صامت يخرج من الكراسي الحديدية التي يقعدون عليها. اندفع من أول الشارع صف من العسكر يجرون وراءهم مئة رجل اخرجوا من ديارهم عنوة، وقد لفت وشائح حول أعينهم كي لا يكونوا الضحية الشاهدة. صليل ينبعث من السلاسل التي تربط أرجلهم، يرتفع عالياً يندد بالشقاء والسجن القاتل.
رفع رجل يتوسط الجالسين على الكراسي رأسه إلى أعلى بعد غفوة، فلم ير أي شيء يثيره. أرجع رأسه المستدير كالبوم إلى صدره ليغفو مرة أخرى. ثم نقل يده اليمنى يريحها على طرف كرشه الضخم المتدلي حوله الذي كاد أن يلامس الأرض.
اقترب صف العسكر وضحاياهم من الجالسين وأخذت أصوات تجلجل وتختلط بصليل السلاسل والبؤس المستديم. خرج صوت رهيب والوقار يزينه:
- اخرجوا من ديارهم بغير حق.
رفع صاحب الكرش رأسه مندهشاً وكأن الصوت قد أزعج غفوته الروتينية:
- متى أصبحت ديارهم !.. إن الملك لله. ورجع أدراجه على ما كان عليه. لكن الصوت صاحب الوقار زمجر مرة أخرى:
- الذين يكنزون الذهب والفضة.
قاطعه أحد الجالسين بجانب المتكرش ولم يكن يسمع ما يقال، بل انفجرت شفتاه الغليظتان كبعير:
- أن الملك لله. خيم صمت بعد أن أخذ الظلام يلتهم العسكر ومن معهم، وأخذت المصابيح في أول الشارع تحتضر أمام وجوه المخمورين، وكأن عراكها مع الظلمة ابدي. وفي سكراتها الأخيرة بدأت تتواطأ مع الشمس التي أخذت تهدد بفجر جديد .
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟