أ.د. داخل حسن جريو
الحوار المتمدن-العدد: 4817 - 2015 / 5 / 25 - 14:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إيران فوبيا
عضو المجمع العلمي العراقي
يلاحظ بإستغراب كل من تابع المشهد السياسي للبلدان العربية بعامة ودول الخليج العربية بخاصة,ردود الفعل الحادة والمتشنجة إزاء الأتفاق المزمع توقيعه بين الدول الكبرى وإيران حول تسوية محتملة لبرنامج إيران النووي, الذي يفترض أن يصب في مصلحة أمن وسلام العالم أجمع,وفي مقدمتها إيران وعموم دول منطقة الشرق الأوسط , بإبعادها عن كل مخاطر سباق التسليح النووي الذي يستنزف موارها المالية ولا يوفر لأي منها الأمن والآمان ,لاسيما أن هذه الدول في معظمها إن لم يكن جميعها تعاني من إضطرابات وعدم إستقرار,لا يستبعد معها وقوع هكذا أسلحة فتاكة في أيادي الجماعات الإرهابية التي لا تتردد ولو للحظة واحدة من إستخدامها حيثما سنحت الفرصة لها بذلك.
ومما يثير الإستغراب أكثر تتطابق مواقف هذه الأنظمة مع موقف الكيان الصهيوني ( الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية ولا تخضع منشئاتها لأية رقابة دولية , وتمتنع عن توقيع إتفاقية حضر إنتشار الأسلحة النووية) المعارض لأي إتفاق بين الدول الكبرى وإيران لا يتضمن التدمير الكامل لمنشئات إيران النووية حتى ولو كانت جميعها مخصصة للأغراض السلمية, لضمان تفوقها على جميع دول المنطقة في جميع المجالات, في الوقت الذي رحبت بهذا الإتفاق جميع دول العالم.وقد إتخذت الحكومة الإسرائلية موقفا غير مسبوق في العلاقات الدولية حيث قام رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية بدون دعوة رسمية من حكومتها ,والقاء خطابا في الكونغرس الأمريكي تحريضيا ومعارضا لسياسة الإدارة الأمريكية في هذا الجانب,بدعم وتشجيع من اللوبي الصهيوني الأمريكي المتنفذ حاليا في الكونغرس.كما قامت الإدارة الأمريكية بدعوة قادة مجلس التعاون الخليجية لحضور مؤتمر قمة في كامب ديفد لتدارس أبعاد هذا الإتفاق على دول المجلس ,التي كان من أبرز نتائجه إستعداد الولايات المتجدة الأمريكية بيع هذه الدول المزيد من الأسلحة المتطورة ,وكأن هذه الدول بحاجة لها وهي تحضى بالحماية الأمريكية بحضورها المباشر عبر قواعدها العسكرية في تلك البلدان.
ومما يثير الدهشة أكثر أن أي من هذه الدول لم تبد أي إعتراض على إمتلاك إسرائيل للأسلحة النووية ورؤوس الصواريخ النووية التي بإمكانها ضرب أي بلد عربي بكل يسر وسهولة, وكأن هذه الدول لا تشعر بخطر الأسلحة النووية الإسرائلية عليها,بينما تخشى من خطر برنامج نووي مزعوم يجري العمل حاليا من قبل الدول الكبرى على تحجيمه ووضعه تحت الرقابة الدولية المشددة بموافقة الحكومة الإيرانية.ويبدو أن ذلك لا يروق لها ,إلاّ بتوجيه ضربة عسكرية إسرائلية لتدمير المفاعلات النووية الإسرائلية على غرار ضربتها لمفاعل تموز العراقي عام 1981 , وربما أبعد من ذلك بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بتمويل خليجي لتدمير القدرات العسكرية الإيرانية وربما تدمير كل إيران على غرار ما حصل ويحصل حاليا في العراق,متوهمة أنها بذلك يتحقق لها الأمن والآمان كما توهمت بالأمس أن تدمير العراق سيحقق لها الأمن والإستقرار, وإذا بأبواب جهنم فتحت بوجه الجميع ,وباتت مشاريع التفتيت والتقسيم جاهزة للتنفيذ.
وبين ليلة وضحاها تحولت أنظار دول الخليج هذه نحو إيران وتوجيه آلته الإعلامية الضخمة من صحف عربية وقنوات تلفاز فضائية مدعومة وممولة خليجيا , ومراكز أبحاث ودراسات ستراتيجية يديرها ويعمل فيها مفكرون وأكاديميون لحساب هذه الدول , لعزف معزوفة الخطر الإيراني الداهم على أمنها وإستقرارها وإتهامها بالتدخل في شؤونها, وتحويل أنظارها عن الخطر الحقيقي التي يواجه شعوب هذه الدول المتمثل بالإرهاب والفساد وفقدان الحريات والحقوق والعدالة والمساواة, ,فضلا عن توجيه الأنظار عن قضية العرب المركزية الكبرى ,فلسطين المغتصبة وضياع حقوق شعبها الفلسطيني.
هنا نقول أن لا مصلحة للعرب لمعاداة إيران ,كما أن لا مصلحة لإيران لمعاداة العرب,إنما العكس هوالصحيح,حيث ترتبط إيران والبلاد العربية بروابط التاريخ والجغرافية , وأن لا خيار لأي منهما سوى التعايش السلمي وحل المشاكل حيثما وجدت بالحوار وحسن النوايا والثقة المتبادلة والتفاهم على وفق مبادئ القانون الدولي وضمان حقوق جميع الأطراف, إذ ليس هناك ما يدعو إلى التناقض بينهما, فالمشتركات بينهما أكثر من الإختلافات. فإذا كان للعرب الفضل بهداية الفرس بنور الإسلام , فإن التاريخ يشهد أيضا على دور إيران في نشر الحضارة الإسلامية في الهند وأطراف الصين وبلدان أخرى كثيرة, حيث برز الكثيرون من رجالات الفرس أعلاما من أعلام الحضارة الإسلامية ، وكانوا من دعامات نهضتها الثقافية و الفكرية ,نذكر هنا البعض منهم على سبيل المثال لا الحصر : الإمام أبو حنيفة النعمان , و سيبويه أحد أعلام النحو و اللغة , وابن إسحق ,وابن سينا الطبيب الحكيم و الفيلسوف المشهور وغيرهم الكثيرون.
وفي جميع الأحول ينبغي التميز بين الشعوب ونظمها السياسية ,ذلك أن النظم السياسية تتغير بمرور الزمن ,بينما الشعوب لا تتغير فالعرب هم العرب في بلدانهم وكذا الفرس هم الفرس في بلادهم. لذا لا يصح بث روح العداء والكراهية والحقد بين الشعوب بسبب إختلاف المواقف السياسية أو تضارب مصالح حكومات بلدانها التي يمكن أن تتغير بتغير تلك المصالح.والشواخص التاريخية على صحة ذلك كثيرة إقليميا ودوليا ,فالحروب الكثيرة التي خاضتها الدول الأوربية وما لحق بجميع دولها من ضحايا بشرية ودمار هائل , وبخاصة في الحربين العالميتين الأولى والثانية لم يمنع هذه الدول من الصداقة بين شعوبها لاحقا, والتوقف عن بث الحقد والكراهية بينها على أساس الإختلافات الدينية أو المذهبية أو العرقية , ولا حتى نبش مآسي الماضي وما عانت هذه الشعوب من حكومات البلدان المختلفة,بل توجهت نحو السلام والتعايش والتنمية , وإقامة إتحاد دولها متجاوزة كل تبايناتها ,لتحقيق تقدم ورفاهية جميع هذه الدول.
وكذا الحال بين إيران والدول العربية , ففي الأمس القريب كانت إيران مرتبطة مع العراق وتركيا بحلف بغداد,وكان شاه إيران وملك السعودية فيصل بن عبد العزيز آل سعود , أبرز مؤسسي منظمة المؤتمر الإسلامي, كما كان نظام الشاه يتمتع بعلاقات وطيدة بجميع ملوك العرب ومشايخ الخليج العربي ,لدرجة تنصيبه شرطيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على منطقة الخليج العربي بأسرها في أعقاب إنسحاب بريطانيا من تلك المنطقة في مطلع عقد السبعينات من القرن المنصرم.كما إرتبط الشاه بعلاقات وثيقة مع ملك مصر فاروق لدرجة مصاهرته,وبعدها إرتبط بأنور السادات بعلاقات وطيدة لدرجة ان مصر كانت الدولة الوحيدة التي وفرت للشاه ملاذا آمنا بعد أن ضاقت به الدنيا على رحبها بعد فقدانه عرش حكمه في بلاده ليدفن في مصر فيما بعد. أما الآن فأن جهات عديدة تسعى لتخويف الدول العربية من خطر إيراني مزعوم لإفساد العلاقات بينهما وجعل منطقة الشرق الأوسط بؤرة توتر دائم لإستنزاف موارها بدفعها لشراء الأسلحة بمليارات الدولارات ,فضلا عن إقامة قواعد عسكرية في أراضيها بدعوى حمايتها,وكذا الحال بالنسبة لإيران لإستنزافها هي الأخرى عبر مشاريع تسليحية ضخمة وإنماء شعور العظمة الزائفة لديه, وصرفها عن إقامة مشاريع تنموية حقيقية لمصلحة شعبها الذي أنهكته الحروب والصراعات الأقليمية التي لا ناقة ولا جمل له فيها.
أن ما أردنا قوله هنا أن العلاقات بين الدول تتغير بحسب نظمها السياسية وتطلعات وتوجهات تلك النظم . وأن أفضل العلاقات هي تلك العلاقات التي تقوم على الإحترام المتبادل بين الدول صغيرها وكبيرها وتبادل المنافع المشتركة, ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى العلاقات الوطيدة بين إيران الشاه وإيران الجمهورية الإسلامية وسلطنة عمان التي تمثل إنموذجا جيدا للعلاقات بين الدول بصرف النظر عن تباين نظمها السياسية التي نأمل أن تحذو الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية حذوها لما في ذلك من منافع لجميع هذه الدول وضمان أمنها وإستقرارها بعيدا عن مداخلات الدول الأخرى. لذا فإنه من الحكمة التوقف عن معزوفة الخطر الإيراني بالعمل على تعزيز الثقة بين جميع الأطراف والبحث الجاد عن إيجاد حلول عملية لجميع المشاكل التي تواجهها دول المنطقة بعيدا عن مداخلات الدول الأجنبية وبما يحفظ الحقوق المشروعة لإيران والدول العربية ويحفظ وحدة وكرامة وسيادة جميع هذه البلدان على وفق إختياراتها في الحياة المناسبة لها.والكف عن إثارة الصراعات التي باتت اليوم تحرق المنطقة بأسرها حيث تقف البلدان العربية على فوهة بركان هائج قد يحرق الأخضر واليابس ولن تكون إيران بمنأى عن ذلك كما قد يعتقد البعض.
وأنه لأمر مؤسف حقا أن نرى أنه في الوقت الذي تشهد فيه مناطق العالم المختلفة إنفراجا دوليا واسعا وتوجها نحو المزيد من التكاتف والتعاون بين الدول بصرف النظر عن طبيعة نظمها السياسية وثقافات شعوبها,وإقامة تكتلات إقتصادية واسعة فيما بينها بما يعود عليها جميعا بالمنفعة ,تتجه البلدان العربية نحو المزيد من الفرقة والتشتت والإنقسام وإحتدام الصراعات فيما بينها من جهة, وبينها وبين بعض دول الجوار,وهذه حالة تكاد تنفرد بها حاليا بين دول العالم.وبرغم مشترياتها الضخمة من السلاح وإقامة قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها فإنها برغم كل ذلك ما زالت تشعر بعدم الأمان.
وخلاصة القول أن إختلاف النظم السياسية ينبغي أن لا يؤدي إلى إثارة العنعنات الدينية والطائفية والأثنية , وأن لا يكون مدعاة إلى العنف والإحتراب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى , وأن لا يكون مدخلا لإثارة الأحقاد والكراهية بين الأمم والشعوب بنبش الماضي وإستحضار كل ما هو سيئ في التاريخ ,حيث لا يخلو تاريخ أية أمة من بعض الفضائع بحق شعوبها أو شعوب البلدان الأخرى من بعض حكامها في هذه الحقبة التاريخية أو تلك . والشعوب الحية هي وحدها القادرة على إسدال الستار على تلك المآسي , والشعوب الأكثر شجاعة هي الأقدر على الإعتذار عن أية أخطاء إرتكبها حكامها.
#أ.د._داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟