جوزفين كوركيس البوتاني
الحوار المتمدن-العدد: 4815 - 2015 / 5 / 23 - 20:40
المحور:
الادب والفن
سأل صبي امه: "ماما، متى بدأت الحروب في بلادي؟"
ردت الأم بأسى: "منذ ان اكتشفوا النفط يا ولدي."
"ومتى ستنتهي؟" سأل الولد حائرًا.
"عندما يجف النفط! عندها فقط ستجف دموع الأمهات وستشرق وجوه الأباء!" ردت الأم بنبرة غاضبة.
"ومتى سيجف النفط؟" استمر الصبي في اسئلته...
لم ترد الأم. كانت شاردة وهي تتأمل ولدها الذي انجبته عن طريق "الخطأ"، كما تدّعي معظم الأمهات، رغم كل الأحتياطات التي اتخذتها حينها. ومع ذلك، هاهو اليوم امامها كائن مستقل ومن حقه ان يعيش حرًا وسعيدًا، رغم انه صادف ان ولد في بلد غارق في احلام دموية.
واسترسلت الأم في شرودها وهي تحلم بأخذ ابنائها بعيدًا عن لغة "الدم" لئلا تطالهم يد الحرب كما طالت نصف رجال عشيرتها ممن ادمتهم الحروب الأهلية والأقليمية. حروب لدول صديقة وغير صديقة. حروب اجبرت آلاف الامهات لأرسال خيرة ابنائهن لكي يموتوا "في سبيل وطن" لا ناقة لهن به ولا جمل. وطن لايهمه ابناءه وبناته بقدر ما يهمه التباهي بأن لديه ابطال صناديد ومناضلين يناضلون من اجل اي جهة واي قضية كانت. لا يهم السبب ولا تهم الغايات. المهم ان البلد يشارك في الحروب بعد اقناع الناس بأن المشاركة في هذه الحرب او تلك "واجب وطني".
وأما هي فلم يعد يقنعها شيء منذ ان خسرت اباها واخاها وابناء عمومتها في حروب غير مجدية. باتت تكره الحروب وصناعها والمتاجرين بها والمروجين لها. فمنهم من يروج باسم الدين ومنهم من يروج بأسم الإنسانية والقومية، كل هذا تحت ستار "الوطن" المسكين.
عادت الأم لأرض الواقع حين احست بابنها يهز يديها سائلاُ: "اين ابي؟"
"ابوك ذهب ليقاتل يا ولدي."
"يقاتل من؟"
"يقاتل ظله يا بني."
فضمت ولدها الفضولي وشرعت تقص له حكاية دونكيشوت حتى غاص بنوم عميق وغاصت هي بحزن عميق وصوت سعال الاب وهو يقاتل في مكان قريب من البيت يرن في اذنيها باستمرار. كان مستعدًا للموت في سبيل بيته وعائلته، رغم انه لم يعد يعرف من هم اعداءه. فاذا كان دونكيشوت يحارب الطواحين، فزوجها يحارب ظله الثقيل...
#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟