|
الفصل الثالث من رواية (( ابني اليهودي )) مع الفصلين الأول والثاني
كامل عبد ألرحيم ألسعداوي
الحوار المتمدن-العدد: 4815 - 2015 / 5 / 23 - 10:47
المحور:
الادب والفن
الفصول الثلاثة الأولى من رواية ((ابني اليهودي )) (كامل عبد الرحيم السعداوي )
الأهداء الى جعفر وجوناثان
الفصل الأول
لاأدري كيف صار جابر صائغا , وقد كنت طوال حياتي كارها للذهب ولسيرته ولم أكن افهم ، ولازلتُ، ضعفَ النساء امامه وولعهن بتكديسه واقتنائه ،وعلى كل حال فلقد كان جابر مختلفا في كل شيء عني ،انا المبتلى بتضخم الغرائز وكرةٍ من الطيش لا تنفك تكبر بلا رادع ،لقد بدأتْ موهبتُه مبكرا فلقد كان مهتما باصلاح لعبه ولعب اخوته واخواته ,حيث كان وهو في عمر الخمس سنوات يمتلك عدة من أدوات التصليح خاصة به وكانت تكبر معه ،ثم دأَب على جمع ما تخرب من حلي كاذبة ورخيصة تعودُ لأَخواته ويقوم باعادة تأهيلها ووضعها في حافظات انيقة يصنعها بنفسه أيضا ويعيد اهدائها لأخواته ويبيع بعضها ليشتري من جديد عددا جديدة وادوات اخرى ،وفي احد الأيام اصلح سلسلة ذهبية تعود لأُمه بعد أن اسقطتها امه سهوا وقمت بدهسها بسيارتي في الكراج (عمدا ) كما اتهمتني أَمه آنذاك ،كان عمره سبع سنوات وفيما كنا نتشاجر انا وأّمه بسبب الحادث ،هي تتهمني وانا أدفع التهمة عني كالعادة،جاء جابر وهو يحمل السلسلة الذهبية وقد اعادها افضل مما كانت ،فتحت أمه عيونها واشداقها متعجبة ،اما انا فلقد ادركتُ لأول مرة معنى نصف الجملة الغامضة ألتي كنت اسمعها بين الفينة والاخرى (جابر عثرات الكرام ) ،وهكذا بدأت ألأمور حيث تعودت على رؤيته وهو يصلح مصوغات أمه وصديقاتها اوخالاته والجيران ،ورغم عداوتي للذهب فلقد كان لي صديق صائغ ، أَحب جابر قبل أن يعرف ولعه بالصياغة ولما علم بذلك ألح عليَّ بأن يقضي جابر عطلته الصيفية في محله الكائن في منطقة الكاظمية وهنا بدأت حياة جابرا المهنية أو فصل منها على ألأقل ، كنت وعلي (وهذا هو أسم صديقي الصائغ ) نلتقي مرارا في بيتي واحيانا في محله مع مجموعة من الأصدقاء ،وفي الحالتين تعوَّد جابر على أن يكون قريبا من تواجدنا بحجة خدمتنا ولكنه في الحقيقة ينتبه لأحاديثنا وبسبب انشعالاتي فهو يلح بالسؤال على علي الصائغ مستفسرا عن المعاني والأفكار والشخصيات ألتي نتداولها في نقاشاتنا ،وفي يوم من الأيام تم اعتقال علي من قبل الجهات الأمنية ،وكونه بدون أقارب تقريبا ماعدا أمه المسنة ،فطلبت مني وأثنى على ذلك أصدقائي ،أن يقوم جابرٌ بأدارة محل علي مؤقتا وهذا ما حصل فانتقل خطوة أخرى في عالمه المهني ثم تم استدعائي من قبل مديرية ألأمن للتحقيق معي حول طبيعة العلاقة مع علي الصائغ وخرجت في نفس أليوم بسبب شبكة علاقاتي التي تحركت على الفور لنجدتي وفي ذات اليوم توفيت أم علي ،علي أيضا لم ينجو تماما ،ففي حين أن الجهات الأمنية لم تجد حقا ما يدينه فهي أكتفت بتسفيره كونه من التبعية الأيرانية ولم يتسنى لي ولأصدقائي سوى ساعات لتوديعه، طلب مني خلالها شراء المحل بما فيه الذهب الذي يحتويه وتحويل مبلغ الشراء الى قبرص حيث سيستقر هناك مؤقتا ،أتفقنا على السعر وودعنا عليا وأصبح جابرُ تاجرا . كانت تلك فترة السبعينات الذهبية (بالنسبة لي على ألأقل ) ولم ندخل بعد في دوامة الحروب الكبرى وشبكة عملي تتوزع على عواصم عديدة ،بيروت ولارنكا وليماسول والدار البيضاء والقاهرة وكنتُ أمتلك بناية في منطقة الشياح في بيروت نهاية شارع أسعد الأسعد وقرب مطعم يدعى (for you ) على الخط الفاصل بين منطقتي الشياح وعين الرمانة وبدأ الحظ يدير ظهره لي عندما اندلعت الحربُ الأهلية في لبنان ،فأصبحتْ بنايتي في المنطقة الحرام التي بين المتقاتلين ثم صادرتها احدى المنظمات الفلسطينية ،وفي تلك الأيام أيضا تعكّرت العلاقة بيني وبين أم جابر وانتهينا ألى الأنفصال ،كان جابر في ذلك الحين قد دخل الأعدادية وعلى العكس من اخوته واخواته فلقد اختار الفرع الأدبي ليفاجئني مرة أخرى كونه يهوى الشعر بل وينظمه،لم أكن اتدخل في عمله وعند انفصالي عن أمه ،أصبح المحل وارباحه ومداخيله لأمه ولأخوانه ولم تكن لدي اية فكرة عن قيمة المحل ورأسماله ،وهل يعنيني ذلك وكنت أذا ما فكرت بجابر أرى الجانب المشرق من الحياة . كان بيتنا قبل انفصالي عن خديجة (أم جابر أو أم جواد نسبة الى ابننا الكبير جواد ) في منطقة حي العدل غربي بغداد في جانب الكرخ وكان بيتا كبيرا مشيدا على ألف متر مربع ويشتمل على حديقة مساحتها مائتان وخمسون مترا مربعا وبنائه متداخل بغرف كثيرة وديوان للضيوف وحمامات ملحقة بكل ذلك ومطبخين ومكان مخصص لشواء اللحوم والأسماك وكذلك ستة عشر غرفة نوم موزعة على طابقين ،كان البيت عبارة عن خلية نحل تديرها خديجة بمهارة بمعونة طباخة ومنظفة وحارس يقوم بمهام متعددة وكنت اذا مادخلت البيت فأن خديجة تهييء الجو المناسب فبعد الظهيرة بعد وجبة الغداء ،يسود الصمت لكي أَهنأ بقيلولتي بعدها يهم فارس ابني الثاني بعدجواد بأحضار اركيلتي اما زينب فتسارع لأحضار صينية بعد الظهر وهي مكونة من أبريق للقهوة وكذلك قدح عصير برتقال وآخر للزبيب (نسيت أن أقول أن زينب هي كبرى بناتي بل وأكبر ابنائي جميعا فهي اكبر من جواد أيضا ) ، أكون حينها قد استرخيت مقابل خديجة وهي تجلس على أريكتها تدخن بشراهة بأبتسامة نصف الرضا الغائمة وصعبة التأويل دائما،كنت قد استسلمت لنزعتها بقيادة كل شيء ،حتى نزواتي ،لكنها كانت تؤمن بي بشكل مطلق وقد ظلت تقول لأولادنا حتى بعد انفصالنا (أبوكم فدشي مو طبيعي ) ولم أفهم أبدا رغبتها الصارمة بالأنفصال عني الامتأخرا ، ولكن مالذي كان يدور بيننا فلقد كانت ألثقة بيننا مطلقة ولم أكن أختلف معها سوى بحبها للذهب واقتنائه وكنزه ،وحتى هذا لم يكن مهما جدا وكانت ملكيتنا مشتركة فعلا ولم نختلف حتى عند الأنفصال ،كانت معركتنا تستعر بالشفرات الحادة حول المشاعر والأمتلاك العاطفي واكثر من ذلك حول الجنس ،كنت أقول لأصدقائي ان الزواج مؤسسة بالية وماهي الا ملف جنسي تتبعثر اوراقه بعد برهة قصيرة من البداية ،كانت هي ،كأية امرأة تتعبد ناسكة لتقديس هذه المؤسسة ، اما أنا فجُبلت على كراهيتها والسخرية منها وخيانتها ،كنت لطالما أندهش واتسائل ،لماذا تلجأ امرأة قوية منظمة مثل خديجة للأحتماء بهكذا مؤسسة عقيمة بينما أنا اليتيم ومنعدم الجذور تقريبا ،لم أجد يوما نفسي الا بالتضاد مع تلك المؤسسة ،كنت أحتمي بها (بخديجة ) ولكن بعيدا عن ذلك ألقيد وهكذا فأنا أفعل ما أُجيده حقا وهو هدم كل شيء مهم أَبنيه . كانت سنوات نهاية ألسبعينات تبعث بأشارات سيئة وسماؤها تتلبد بغيوم سوداء فلقد خسرت عددا من اصدقائي حيث هرب بعضهم وأُعتقل آخرون وتم قتل احدهم في المجزرة التي قام بها صدام في قاعة الخلد ولكنني على صعيد العمل بدأت بتعويض ماخسرته في لبنان وكذلك ما تداعى جراء أنفصالي عن خديجة وكنت اراقب جابرا من بعيد بارتياح فعمله يزدهر وواجهة محله تكبر وتتثاقل بعناقيد الذهب وهوقد أكمل الأعدادية ودخل الى كلية ألآداب فرع اللغة العربية ،كان كل شيء يسير على مرامي مرة أخرى رغم الخسارات ،جواد افتتح فرعا لنا في الكويت وحصل على الأقامة فيها بل وتزوج (شيخة )كما يقول وفارس حقق حلمه وأصبح طيارا مدنيا بعد أن أكمل دورة تأهيلية في بريطانيا وتزوج أبنة خالته وأشترى بيتا ملاصقا لبيت خديجة ،حتى زارني احد اصدقائي وهو ضابط أمن في الكاظمية ليقول لي ما هدني وقلب حياتي، انه أتلف تقريرا امنيا يفيد بعلاقة جابر بالحزب ألشيوعي وهناك من أدلى بأعتراف عنه وهو تحت المراقبة حاليا ولايدري ماذا سيحصل ،كانت مقدمات ألحرب مع أيران تتضح وتتكون مثل كرة ألثلج ، اتصلت بخديجة ثم ذهبت لبيتها وقلت ماعندي فانهارت ،انهار هذا الجبل الشامخ فجأة ، وتراخت وأمسكت بيدي ثم بقدمي وهي تتوسل وتبكي (خلصه أبو جواد أبوس رجلك ) ،كنت قد أعددت خطة ،طلبت من فارس ادارة محل جابر مؤقتا وأخذته بالقطار الى البصرة ،لدي بعض الأصدقاء النافذين هناك ومقابل مبلغ كبير تم تهريبه ألى الكويت حيث استقبله أخوه جواد ،عدت لبغداد فوجدت الأمن أعتقلوا فارسا ، أما خديجة فتعرضت لنوبة قلبية ،وانا ماكانت الأزمات الا لتزيد من قوتي ولم يستغرق أطلاق سراح فارس مني سوى أربعة أيام ،ولكن معبدي وعريني أخذ بالتداعي ،بعت محل جابر بما فيه ووضعت ألفلوس في حساب خديجة وحساب زينب وبدأت اعد العدة لسفر فارس ،تمت اعادته لعمله مقابل مبلغ كبير أيضا ولقاء مبلغ مقارب رتبت له ايفادا له مع عائلته الى مكتب ألخطوط ألجوية ألعراقية في تونس ،وصل الى تونس فغادرها بعد أيام الى المغرب مثلما اتفقت معه ،حيث أستقبله أحد اصدقائي حيث افتتح مكتبا سياحيا ووكالة سفريات في اغادير . أثناء سفرنا في ألقطار ألى ألبصرة أنا وجابر ،قلت له :لا أراك شيوعيا يا جابر (شنو القصة ) ،فأجاب بعد صمت : انني أُجرب يا ابي أُجرب لأتقرب من المعذبين ان العذاب في عالم غير عادل هو الحياة الحقيقية وهذا ما تعلمته منك يا أبي ،ان لا أحيا الاحياة حقيقية وهذه لاتوجد على السطوح وأنما في الأعماق ،والأعماق يا أبي وايضا كما تعلمت منك ،باردة ومليئة بالقاذورات . وأين الذهب يا جابر أين ولعك بالجمال بل وأين مولانا والنفري وابن عربي وبعدين يا جابر كيف تعلمت كل ذلك مني وأنا المتمسك بتلابيب الحياة واحبو مثل الزواحف متهالكا على متعها ، نسائها وخمرها وطعامها كيف يا جابر ،أنا ايضا العب كما تلعب وكما علمتني ايضا ،ان نلعب بالمعاني والمعاني يا أبي لانجدها الافي الوحول ،الم تقل لي ذلك مرة ، ربما قلتها الى علي الصائغ (ألله يذكره بالخير ) عندما ودعته ،ولكن لم تكن معنا ساعتها يا جابروالوحل الوحيد في هذا العالم هو الحاجة ياجابر الفاقة وأاتي أقسمت أن لاتتذوقوها ياولدي . كنت في تلك الأيام قد تزوجت سميه ،بعد انفصالي عن خديجة بعام ،وسمية هي ابنة عم خديجة ،وقد كانت خديجة تقول لي سابقا (لو جنت أريد ازوجك آخذلك سمية ،تفيدك جسم متطور وبلا قلب) ،وعندما فاتحت سمية برغبتي ردت بسرعة (وخديجة تقبل ) فذهبت ألى خديجة مطأطأً رأسي لأبلغها قراري فقالت (ألآ هيه ؟ ) أجبتها (اي آني أختصاصي آل فتلة ) اشارة الى قبيلتها الكريمة والقوية (روح آني أحجي وياهه ) ،وهكذا تزوجت سمية وبهذا الزواج حافظت السلطة ألخفية لخديجة على استمرارها وهيمنتها ،وكنتُ مستمتعا بذلك في الحقيقة فانا على وشك نسج القماشة المبتغاة للعلاقة التي اتمناها مع خديجة ،كانت سمية تتصل وتستشير خديجة بكل شيء ،ماذا تطبخ لي وكيف تتصرف أذا ماكنت على ما لايرام وماذا تلبس ،بل وكانت خديجة هي من تشتري لها ملابسها ،حتى الداخلية منها ،وعندما تلبسها فتثير أعجابي ،تقول لي وهي تدفع رأسها للوراء بغنج (هاي خديجة أشترتها أليه ) ،كنتُ أفكُر احيانا من انتصر في النهاية ،من يقود من ومن فرض على الآخر طريقة حبه وأستحواذه للآخر ،كنت جذلانا بهزيمتي أمام خديجة وكم كنت أخشى هزيمتها وكأنها تحمل شفرة وجودي في نظراتها غير القابلة للتفسير ،في هذه الأثناء سمحت خديجة لأركان اصغر ابنائي وكذلك لزهورة ابنتي الاخرى للعيش معي في بيتي مع سمية ،طبعا كنا نتقاسم جابر معا فهو معي ومعها قبل أن تحصل قضية هروبه ،وبعودة أركان وزهورة الى البيت واطمئناني على سمية ،عدت مرة ثانية الى حياتي الطبيعية ،حياة الليل ،ليلي الخاص والذي يتضمن سهرة بريئة مع أصدقائي في احد البارات ،كانت البارات في الستينات والسبعينات في بغداد حاضنة اجتماعية وسياسية وثقافية وبيئه صحية وكنت متطرفا في تقريظها واظنني محق بذلك ،حيث كانت تلك ألبارات هوية لروادها وكذلك كان روادها يضيفون اليها شخصية وبصمة وقد كانت فرصة لاتعوض لتعارفات وعلاقات ما كنا سنحظى بها في حياة تقليدية ،وكنت تعرفت حتى بصدام في احدها وكان اسمه (مطعم فاروق ) ،ويقع بالقرب من معرض بغداد وهو بار ومطعم صغير راق بمأكله ومشروباته وزبائنه ومنهم صدام حيث يأتي مرة في ألأسبوع تقريبا وبمواعيد وايام مختلفة وقد كان اسمه ابتدأ بالأنتشار والذيوع كرجل قوي في السلطة الجديدة ،ربما كان ألعام 1969 أو 1970 ،فيهم فاروق (صاحب المطعم ) لاستقباله وتخصيص مائدة تليق به وكان لايصطحب معه الا شخص واحد يغيره بين الحين والآخر،وهو يرتدي قاط (سراوين )ويدخن السيكار ألكوبي ويحتسي الويسكي (black label) ،وفي أحدى ألمرات انضم لمائدتنا ليسلم على أحد معارفه من أصدقائي واسترسل في الحديث كونه منتشيا بنصف قنينية من ألسكوتش وكنت على سجيتي ومنتشيا مثله فقارعته بالحديث وكأني نسيت من هو وكان يضحك من قفشاتي وفجأة بادرني بالسؤال ( أنتة شيوعي ) فأجبته على ألفور (لا والله ما يقبلوني لأن أغش باللعب ) فأطلق ضحكة عالية وهو يهز كتفيه وكأنه يرقص (جوبي ) ، بعدها اذا ماحضر ورأى رهطنا يسأل بتعالي اجوف (وين هذا ألغشاش ) ،اما مؤيد ألبد ري فعلى العكس من صدام فله مائدة محددة ويوم محدد لمجيئه ،هو غير يوم الثلاثاء في كل الأحوال موعد بث برنامجه الشعبي ( الرياضة في أسبوع ) ،ولكن هذه المرة في مطعم آخر أسمه ( فوانيس ) يقع مقابل سينما بابل في الفرع المؤدي لشارع أبي نؤاس ،وهو مطعم يديره اربعة (بويات ) متجهمون بالنيابة عن صاحب البار أللآهي والمدمن على ألقمار ،وكنا نتردد في طلب مانبتغيه من (عصابة ألأربعة ) لسلوكهم الأرستقراطي ولكن لا يخل بحرفيتهم العالية ومعرفتهم بزبائنهم وامتناعهم عن أستقبال من لايعرفونه وهم يرددون ( المطعم مقبط ) رغم فراغ موائده ،وليس بعيدا عن فوانيس وفي مطعم وفندق (كهرمانة ) تعرفنا على الشاعر عبد ألوهاب ألبياتي والكاتب عزيز ألسيد جاسم حيث كانوا يحضرون بصحبة شاعر ثالث لاأتذكر أسمه ،كان البياتي أنيقا ببدلة من ثلاث قطع وهويلتمع مثل قطعه نقدية فضية ملكية بشعره ألمصفف بمفرق طويل ، اما عزيز فيرتدي على لأغلب (سفاريا ) بعثيا ويطقطق بسبحة كهرب طويلة وكنت اذا ما دخل أقول لصحبي (دخل الرجل الأكثر كآبة في ألعالم ) . لم أُكمل الدراسة الأعدادية الآ (بالشافعات ) ولكنني احتفظت بأغلب زمالاتي في الدراسة وفي كافة المراحل ،أطباء ومهندسون ،معلمون وضباط ،مثقفون وصعاليك ،وكان عملي الرئيسي في تجارة الجلود وتصديرها وبالمقابل استيراد ما يحتاجه البلد ويوفر لي ربحا وفيرا ,وكذلك كنت ادسُّ أنفي في مجالات أُخرى للعمل ،كانت لدي موهبة حفظ الشعر وتذوق اجوده ،ولطالما كنت اجد القليل من الوقت للقراءة وكذلك لزيارة بعض المكتبات وشراء بعض الكتب ما شكل عندي مايشبه ثقافة فجة سطحية تجاهد نحوالتجذر دون جدوى ،ولكنني كنت اعرف مصدر قوتي فهو يكمن في سلوكي الفطري ذي ألحضور الطاغي وتمكني من استخدام تلك ( الثقافة الفجة ) أفضل من اي محترف ،وكنت أخاف السياسة ولكنني شديد الأهتمام بصداقة السياسين وكان هؤلاء يجدون شيئا ضائعا فيَّ ،فهمته بغموض متأخرا ،هو مايمكن أن أُمثله كملاذ آمن لهم يوم تتدهور احوالهم ،وربما لهذا أصبحت مستودعا لأمانات الكثيرين مثل بنك متنقل متعدد الأغراض ،رغم أن دواخلي تمور بالخيانة وهذا ما أكتشفته سريعا خديجة وعرفت كيف يعمل هذا ألبنك . تأتي الأشياء بدون تخطيط فتستعبدنا وتتملكنا وتوجه مصائرنا الى وجهة لانعرفها ولكننا نبقى هناك ،ونحن لاندري امعذبون نحن ام سعداء ،فهكذا دخلت خديجة دون مقدمات حياتي ،اوقل دخلتُ حياتها ،حيث لم أكن أفكر بالزواج حينها ،وحتى لو فكرت ماكنت اجرُؤ لأفكر بخديجة ولكنها هي من قالت لي ( أريد أكسب بيك أجر ) فظللت أدور في فلكها ،جرما ضئيلا سعيدا بدفئ شمسه ألعظيمة ، وكنت يتيما لم أحلم بتلك ألعائلة والأبناء ألرائعين الأصحاء فنصبت لي خديجة عرشا أو فخا (لا أدري ) وما شبعت عيني ولاروحي من رؤية زينب وجواد وفارس أوجابر وأركان وزهراء،فأصحو كل يوم غير مصدق ما وهبت به , ثم جاء مرض جابر فصرخت وبكيت بوجه الأقدار (سأسقط عمري يوما فيوما وساعة بساعة وبكل فلس املكه أوطابوقة بأسمي تحت قدميك أيتها ألفاجرة ،فقط اعيدي لي جابرا معافا ،ثم كان جلعاد وقصته ألغريبة وتهت وحرت، كيف أرد الدين يا جلعاد وأنت البعيد النائي فاحتضنتَ القريب الحبيب فاصبحت حبيبا واقلقت قيعاني فهيجت فيها كل نبيل .
بعد عودتي من البصرة ،قالت لي خديجة ماكنت أفكر فيه بالضبط دون ألقدرة على البوح به ،قالت لي أننا سوف لن نستطيع ألعيش كما كنا سابقا مرة أخرى بعد ما حدث لجابر ،كنت اقاوم هذا اليقين القاسي ولكنني اتفقت معها بصمت ،كنت قد أوصيت جواداًبترتيب جواز لجابر بأية طريقة وتسفيره ألى ألمغرب ليكون قريبا من فارس فيهتم أحدهما بالآخر ،حتى نرتب أمورنا ، ولكن كان لجابر رأيا آخر ،فلقد سكن في بداية وصوله للكويت ألعاصمة في شقة مفروشة استأجرها له جواد في منطقة السالمية المطلة على الخليج وبينما كان يمشي في أحد الأيام على الشاطيء عصرا أحس بسيارة تقف الى جانبه ويترجل منها رجل مسن ويفتح ذراعيه ليحتضن جابر (جابر شجابك هني ) ( اوه عمي الحاج باقر ) ،كان الحاج باقرصائغا بحرينيا يتردد أحيانا ألى ألكاظمية لغرض الزيارة فتعرف على جابر وأحبه وكانت بينهم بعض المصالح وألكثير من الود ،وبعد أن أخبر جابر الحاج باقر عن أزمته قال له ألحاج أتيت بالوقت المناسب فمحله في الكويت لايجد من يديره بعد سفر أبنه ألى سويسرا لتدشين محلهم ألجديد هناك (تعلم مني ياجابر مثل ما تعلمت من أستادي ألأنكليزي : لاتخلي بيضاتك كلها في سلة واحدة ) ضحك جابر وقال للحاج (لقد تركت بيضي ودجاجي عند أبن آوى هناك ) ضحكا وأبتدأ جابر مرحلة جديدة ،حيث كان ألحظ ألسعيد هو من يسير مركبه اللاهي ،أعانه ألحاج باقر بترتيب أوضاعه وشرعنة وضعه فبعلاقاته أصدر جواز جديد من السفارة العراقية دون الحاجة لحضوره بل وسافر الى دمشق ليسجل في كلية ألآداب بالمراسلة ليكمل دراسته ومرة أخرى تكاثرت عناقيد ألذهب وأبتدأ جابر بأرسال مايفيض من ماله ألى خديجة ،وبدورها قالت لي (صارت عندي فلوس هواية وأنته هواية صرفت أخذ نصهن وخلي نصهن )، رفضت فقد كنت في أفضل أحوالي رغم كل شيء ثم طلبت مني ترتيب أمورها لكي تسافر ألى ألكويت وألمغرب ( أريد أشوف ولدي ) .سافرت خديجة وابتدأت ألحرب . (با با تعرفني أنتة ، آني أعالج كلشي بالرقص ) آه يا زينب يا زينب ياسلوتي وبكري وسعدي ودريئتي ،كم أحبك يا بابا وكم أسعدتيني برقصك وتمايلك وفرحك ،كنت أذا ماوجدتيني مهموما قلتي لي ( خلي أركصلك بابا ) فتجذبيني وتخطفيني لدروبك ألمبتهجة والمضاءة بقوس قزح روحك ،ظلمناك مبكرا فزوجناك (أو زوجتك خديجة ) من ابن خالتك رشيد ،ضابط ألشرطة ولم تستطيعي ألعيش معه سوى أشهر معدوددات ،ورغم ذلك أنجبتي (عمر ) أبنك ،حفيدنا الذي لم نهنأ به حيث أختطفه أبوه المجروح من رفضك ألعنيف له ودعمي لك الفريد (حيث كان بالضد من خديجة ) فكنت تضعين صورته أمامك وتبكين وترقصين ،فأبكي لبكائك وتحترق روحي لخذلانك ،لطالما قلت لأمك يازينب ،لاتورثيها مرضك ألعضال (ألقرف من ألجنس ) ياخديجة فزينب تختلف فجسدها وأحشاءها يتحرقان للحب ودمها يشتعل للعناق والذوبان ،وكنت أقول لك يا زينب أحبي يا حبيبتي ولاتخشي شيئا ، احبي حمالا في ألشورجة أوعاملا في مسطر أوحتي جنديا ( أفراريا ) فسأجعله هارون الجديد أو الرشيد ،فقط أحبي لكي أتخلص على الأقل من هذا الوحل وهويغطيني ،شعوري بالذنب ،الذنب يا زينب . فقط معك يا خديجة لاأشعر بالذنب ،عندما يخترق سيفي قلعتك ألحصينة ،أتأملك ،بوجه ألقطة ألشبعانة وأنت عصية على ألنشوة ،فكنت أداعبك (يمكن خديجة وآني فوكاج تحضرين قائمة المسواك ؟) فتجيبيني بدلع ( لا لك جانت حلوة ) ، وكنت تعودت على البقاء في ألبيت يوما أويومين اسبوعيا في المساء لكي أبقى بالقرب منك ، أنا أحتسى شرابي وأنت تدخنين سكائرك أو أركيلتك وكنت لاتسمحين لأولادنا الأ بالتحية والأنصراف فحسب وزينب تروح وتجيء لخدمتنا ،فنتبادل اطراف الحديث ،طرفا أبعد من الآخر وندور ونبث همومنا وأنتِ متعالية بمعرفتك كل شيء عني وأنا أُكافح لأخفاء خسائري وخياناتي عنك لأنهما مؤقتتان أما ربحي لك وبتجارتي فهما مطلقان ، تقولين لي ،سوف لن تخسرني مهما فعلت ، فأنا عندما أنظر اليك أرى خارطتك ومنذ زمن بعيد لم تعد زوجا أوحبيبا بل ابنا وربما وجها .لكنك تؤمنين بي وتقولين أن لي حاسة شم تجارية لاتخطئ (لاتعقد ألموضوع ،أمشي وراها ) ولكنني مشيت ورائك يا خديجة فأنت سلاحي ألحقيقي ،هل كنت أنتِ من دفعني للأبتعاد عنك بعض ألوقت وتذوق بعض (ثمار السوق ) بدلا من (أكل البيت ) ؟ لكي تستمتعي بنوع غريب من الأستمناء ، الأكتفاء وتحييده ومن ثم القرف منه ،حتى أنت قلت لي مرة ، أُحب الجنس مادام بعيدا عني ،لست راهبة كما تظن ، ثم كانت لعبتك ألكبرى مع سمية لكي أغرق أكثر فاكثر بالذنب . نعم أحببت سمية ،حبا تعالى موجة فموجة ومثلما تنمو وتستفحل الأعاصير تصاعد حبها ،نعم هي رغبة جارفة أكثر منه حبا ،كانت سمية متزوجة من رجل أسمه (جبار ) ،ولازالت عيون جبار ونظراته المخاتلة والمستكينة بل والمتعاونة تطاردني ،وفي أحد الأيام (فزيت )بالليل ،كما يحصل لي بين فترة وأخرى وأنا أمسك باكتشاف فاتني في زحمة عملي وانشغالي فأستيقظُ على كشف كأن يكون حاجة تخصني اضعتها فأعرف مكانها فورا أوخطأً حسابياً في قائمة بعتها أو اشتريتها أو كلمة ضائعة في الطريق وربما وجه مر بي سريعا فأ تعرف علية بين ركام ألسنين ،هو أشبه بالملاك الخفي الذي يسجل ليقدم لي كشفا في ساعات الليل الحالك ، استيقظت هذه ألمرة على فكرة مرعبة ،هل يمكن أن تكون سمية وجبار متفقين ومتواطئين على تقديم (وليمة سمية ) لي مجانا ،وهل هذا فخ أم مكيدة أو مكافأة من خديجة ،لم يتسنى لي أن أعرف ذلك فلقد كان جبار( نائب ضابط ) في الجيش العراقي وهوكذلك (حزبيا )متحمسا وفي تلك الأعوام (نهاية ألسبعينات ) أرسل صدام لواءا من المتطوعين الحزبيين ( الجيش الشعبي ) الى لبنان لدعم حزب الكتائب اللبناني وقد تدهورت احواله بعض الشيء في الحرب الأهلية اللبنانية ،اندفع جبار كالعادة متطوعا لتحقيق الوحدة العربية عن طريق حزب الكتائب المتحالف مع اسرائيل ،وربما كانت خديجة هي من دفعته للذهاب لأحقق أنا هذه ألوحدة ولكن مع سمية ،قُتل جبار في ألمتن ألشمالي وتركت جثته هناك وكوفئت سمية بمبلغ كبير من قبل الحزب أستولى عليه أخوان جبار ،وبقيت عيناه تطاردني ،عيناه المتواطئتان المتعاونتان وهو يقول لي (هذا بيتك أبو جواد اني أروح عندي اجتماع ) ليتركني مع سمية التي تتعرى على الفور ،وكأننا جميعا نقوم بأدوار محددة (أنا وجبار وسمية )لنقدم (show ) لمتفرج وحيد يستمتع في الظلام ، خديجة . صوتُ (عبد الوهاب ) ينساب من جهاز التسجيل في السيارة وأنا أخترقُ شوارعَ بغداد (ياما بنيت قصر الأماني وكنت أقول سعدي وافاني ) ،عندما أسمع عبد الوهاب بصوته القادم من عالم هندسي مكون من معادلات رياضية ولكنه على وشك ألأنهيار بسبب دمعة أو آهة ، عالم عبد الوهاب نسكنُه ،نستوطنُه لكننا نبكي لفقدانه ،صوتٌ يكثف ويقبض ويجسد تلك اللحظات الميتافيزيقية الخاطفة ، ألتي نعيشها ونحن نعلم أن هذه اللحظة سوف لن نستطيع أن نعيش بعدها كما كنا في السابق ،ماذا تمثل لحظة انزالنا ابنا ميتا في حفرة قبر ،هل يمكن أن تقاس بأُخرى ونحن نجلس في باص أو مقهى ، تلك اللحظات العصية على القياس ،هي من ينقلنا اليها صوته وهكذا ختم عطاءه بأغنية (توراتية )، (من غير ليه ) ،كنت أقضي أيامي وكأنني أستعرض جيوش ألحظ ألسعيد فوق سجادة حمراء لاتنتهي ،أحببت بغداد وكنت أجتاز شوارعها بسيارتي عصرا مثل عاشق يتفحص عري حبيبته للمرة ألأولى ،أخرج من بيتي في حي العدل نزولا الى حي ألمنصور بشوارعه وواجهات محلاته الملتمعة ثم الى منطقة الحارثية وكأنني رأيتها في فيلم امريكي لا أتذكر عنوانه،وأعود ألى حدائق الزوراء لأتجه يمينا صوب الجسر المعلق ،أعبره نازلا نحو اليمين ملتهما شارع أبي نؤاس رواحا ومجيئا وكأني أعبأُ رئتي بهوائه الممزوج من شهيق الطين وزفير أسماك حية،ثم الجادرية وعرصات ألهندية فالكرادة (عالبرة ) ثم (عالجوة ) فأدور حول كهرمانة باتجاه شارع السعدون وصولا لنصب الحرية وعندما أستدير باتجاه ساحة النصر اخطط لجلسة المساء ،يكون شريط عبد ألوهاب قد أنتهى لتبدأ (نجاة ألصغيرة ) شكواها من حبيب لاتستطيع ألأمساك به (طول عمري أحبك وأشكيلك وأشكي للعمة والخالة ) . كلُّ شيء موجودٌ في أغانيهم وكأنها الكتاب الجامع لسيرتنا جميعا فردا فردا والتأريخ الشامل لعشقنا وهزائمنا وخياناتنا ومكائدهم ، وكم كانت مثل مرآة أرى بها أشباح مستقبلي ووجوه سترحل وأخرى تتشوه ، انها حياة أخرى ،لكنها أكثرشمولا وصفاءا وصدقا ،سيأتي يوم اتحرر فيه من كل احمالي واتفرغ فقط للتماهي فيه مع هذا العالم ،العالم السري لرغباتنا ولكل مانخاف منه وذاك الذي نخاف من البوح به ،والى ذلك الحين سأبقى ادافع عن شركاء رحلتي الأجبارية بكل ما اوتيت من أسلحة للبقاء والفناء تختزنها روحي وانيابي . اندلعت الحرب اذن وتغيرت أقدارنا جميعا ،كنا نظن انها حرب شبيهة بالحروب التقليدية بين الدول اسبوع ،شهران وينتهي كل شيء وتعود الحياة لدورتها ألقديمة ،لكننا على ما يبدو دخلنا في نفق مظلم سوف لن نخرج منه أبدا ،وبعد كر الأيام وتساقطها من التقويم الدموي المعلق فوق جباهنا ،أيقنت بشكل غامض ما ينتظرنا وأدركت انني ومن أُحب ،لن نكون بمنجى او بمنأى هذه المرة ،وبدأت أُعد نفسي لتقبل وتذوق الخسارات وفي ساعات الأحباط ، أتمنى أن اكون اول هذه الخسائر ،ولكنني سيفُهم ودرعُهم ،فأمتشق اسلحتي من سراديبي ،وكأن هذه الحرب ،هي حروب كل العالم ضدي وقد كان خطاب لحرب مقززا من قبل صدام فتصاعدت مشاعر كراهيتي المدفونة له مع تعمق خوفي منه ،خوف من حيوان كاسر وجائع وقد غدا طليقا ،وكحال الكثيرين كنت قد استبشرت خيرا بالثورة الأيرانية كتحقيق غامض ومتأخر للعدالة ،لكن بطش الخميني برفاقه وتعليقهم فوق ألمشانق ودفاعه الشرس لتعميم عالم معتم وتسربله بالكراهية جعلاني غير مدرك، أيهما الأسوء ، رغم ذاك كنت أدركت بأن فنطازيا الرعب والدمار والدم وجدت مسرحها وان العرض سيطول . ومع الحرب تغير مزاجي بعض الشيء ،فغيرت بعض عاداتي ،ودأبت على تغيير علاقاتي وكذلك الأماكن التي ارتادها مغيرا ملاذاتي الليلية ،خديجة وزينب سافرتا ألى الكويت ومن هناك الى المغرب للقاء جابر وفارس ،سمية ارعبتها ألحرب وقصف الطائرات فتوسلتني للذهاب الى ألمشخاب،حيث اخواتها واخوتها ،فاصطحبت اركان وزهورة ،حيث كانت العطلة الصيفية لم تنتهي بعد ،كنت أتجول بسيارتي منتقلا من مكان لآخر وكأنني أبحث عن شيء لاأعرفه ،وفي احدى الليالي ألقيت مرساتي في (بلقيس )وهوبار يقع في بداية شارع أبي نؤاس ، بناء كبير بطابقين ، ارضي (شتوي ) وآخر صيفي ،على السطح ،كنت أعرف المكان ولكنني لم أدخل فيه ،ربما لشعبيته ،فدخلت الى بهوه الكبير بموائده المتعددة وضجيجه العالي المحبب وجلست على مائدة منعزلة جهة اليسار تقودني رائحة وبخار اللبلبي وصينية المزات الباذخة من بطيخ وجاجيك وباقلاء وآلوبالو وغيرها ،لم يكن وحش الحرب الضاري موجودا الا بأشباحه وهواجسه وبدأت بارتشاف العرق ألمستكي ،كنت مشوشا بسبب وحدتي واستشرافي المبهم لما ينتظرنا جميعا وقد أخذت بطمس يقين ، أخذ يتصاعد مع المذاق المتفرد للمستكي ،وهو انني جئت أستنجد ببلاهة الآخرين وعفويتهم بل وتقبلهم لما يعد لهم لشحذ عزيمتي ،كنت دائما أقول لنفسي في الأزمات ألكبيرة (خلي نفسك بدال صدام هسة شلون يفكر ) ،وجدت المكان أليفا وكأنني في حمام سوق وبدأت عضلاتي واعصابي تسترخي ، فنسيت حروب الدنيا واشتاقت روحي لخديجة وسمية معا ، كانت المائدة القريبة مني مزدحمة بخمسة شباب يتحدثون هامسين وقد كلكل الهم عليهم ،وفي وقت ما ،قفز أثنان منهم فزعين ، أحدهم الى فوق ( الصيفي ) والآخر للحمام ،فيما أخذ الباقون بالصراخ على بعضهم البعض ،كانوا خائفين ،وقد زاد خوفهم كون أحد الأثنين الهاربين ،وقد بدأت أُنصت لحديثهم الخافت ، هو من سيدفع حساب المائدة ،ربما ماشدني اليهم ايضا ،واحد منهم استرسل شعره الأسود المجعد الى الوراء ،حتي يكاد يصل كتفيه ،كان يشبه جابرا الى حد بعيد ويحرك كتفيه بنفس ألطريقة ،فازداد أهتمامي بهم ،ناديت ألنادل واعطيته مبلغا كبيرا من المال ،هذا حسابي وحساب المائدة المجاورة ،تنفس النادل الصعداء ،وطلبت منه ان يرسل لي صبي مطعم ألسمك ألمسكوف المقابل للبار ,وأخذت كأسي وأنتقلت لمائدتهم (السلام عليكم أسمي أبو جواد تسمحون انضم الكم ) ، أحدهم قال أوووه والآخر (الذي يشبه جابر )لم يلتفت لي وألثالث وهوأسمر البشرة بكتفين عريضين ووجه أكثر هدوءا من رفيقيه قال وكأنه ينتظرني (تفضل )،لا يوجد في ملامحي ما يشير ألى رجل امن اومتحرش جنسي ،وبهذا لم أُخيفهم ،ولكنهم كانوا مشتتين وخائفين (لدي ولد يشبه صديقكم وهو بعيد عني ألآن ) ،هكذا بررت تطفلي عليهم ،ويبدو أنه نجح فانتبهوا لما أقوله وقد تغيرت ملامحهم ،وزدت فقلت اليوم عيد ميلاده وبهذه المناسبة (وبعد أذنكم ) فلقد دفعت حسابكم وأرجو أن تشاركوني العشاء ،اخذت مكاني بينهم ورفعت كأسي( بصحتكم ) ،كان شرابهم نافذا وجاء النادل مع صبي السمك فاوصيت بالمزيد من الشراب ثم جاء السمك المسكوف تسبقة رائحته ألمدوخة ،وهكذا تعرفت على سامر ومحمد ومحمد . طبقت نصيحة ( الحاج باقر ) الى جابر قبل ان أسمعها فوضعت بيضاتي في اكثر من سلة فتعددت خطوط دفاعاتي ،بالأضافة الى عمارة بيروت والتي أصبحت حينها بلا ثمن ،كنت امتلك بناية أخرى في قبرص وتحديدا في ليماسول ،وهي عبارة عن شقتين ومطعم وسوبرماركيت ،يديركل ذلك ويشاركني فيها أيضا (أسحق ) وهو نصف فلسطيني ونصف لبناني ،وكذلك فندق في البصرة وبعض البساتين والأراضي الزراعية في المشخاب واليوسفية وكذلك حقل دواجن في منطقة التاجي ومعمل للحلويات والبسكويت في جميلة وكذلك طبعا محلاتي ومدبغتي ومعملي الخاص بعملي ألرئيسي في مجال تجارة الجلود واحتفظت ببعض الحسابات المصرفية في الكويت ولبنان وقبرص والمغرب ولندن وغيرها ،وفي أحد الأيام وأنا أشرب الشاي في مكتبي الكائن في ساحة الغريري ،دخلت مجموعة من الرجال وتأكدوا من هويتي ثم أمروني بالحضور في نفس اليوم الى غرفة تجارة بغداد القريبة من مكتبي ،ذهبت على الفور الى هناك ودخلت ألى قاعة الأجتماعات في الغرفة وقد كانت مكتظة بالحضور من التجار والصناعيين ورجال الأعمال ، الذين أعرف الكثيرين منهم ،وبعد خطبة وطنية ألقاها رجل يرتدي (الزيتوني )ومحاط بمجموعة من ( الزيتونيين )كذلك ،متسلحين بمسدسات فضية تتراقص تحت كروشهم ،كان الهدف واضحا ،اجبارنا على التبرع بمبالغ كبيرة للمجهود الحربي ،وبحاسة شمي السياسية المتواضعة ،قلت في نفسي هذا كمين ،فبادرت، بعد أن سبقني غيري، فتبرعت بكيلوين من الذهب ،كان يجلس قربي تاجر أعرفه الحاج أمين ) ،وكنا نعرف بعضنا بحيث كنا نسرق بعض ألأوقات لنحتسي البيرة( المجرشة ) ظهرا في بار في حافظ القاضي يدعى( رونق ) ، همس الحاج بأذني (ك عراضهم ناقصين فلوس ) فقلت له (حجي هاي حفرة لتوكع بيها ) فخرج الحاج أمين دون ان يتبرع ،قلت في نفسي (فلوسه عزيزة )بعد ايام سمعت بأن الأمن اقتادوا الحاج من محله ،ولم يره أحد او يسمع به من ذلك اليوم وتمت مصادرة أمواله ،ولم يكن وحيدا بتلقي هذا المصير ، خسرت بعضا من بيضي ،فنشرت أجنحتي للحفاظ على ما تبقى . لكنني لم أكن كدجاجة ذلك اليوم وانما مثل فأر وقع في مصيدة فاستمد من يأسه تهورا ،وهذا التهور هو من جعلني أصطحب تلك الليلة سامرا والمحمدين ،محمد صادق ومحمد عليوي ، كانوا (جميعهم ) مثلما خمنت هاربين من ألعسكرية ويتنقلون من فندق رخيص لآخر أو غرفة في الميدان وربما صديق يعطف عليهم وهكذا ،وتركتهم في ديوان الضيوف فناموا مثل أحجار ثقيلة واستيقظوا صباحا ودخلوا حماما دافئا واحدا واحدا ثم اعطيتهم ملابس نظيفة من خزانتي وخزانات أولادي ،كنت في تلك ألأوقات وحيدا في البيت بألأضافة ألى الحارس ،خرجنا بعد ذلك وتناولنا فطورا شهيا وأعطيت كل واحد منهم مبلغا من المال وأنزلتهم في الكرادة بعد أن اتفقت على لقائهم بعد اسبوع ، أقنعتهم بتغيير أماكن لقاءاتهم ، لا(بلقيس )بعد اليوم ،سنلتقي الأسبوع القادم في ( الشاطيء الجميل ) في ( السرداب ) ،لم يكن محمد عليوي (وهوالذي يشبه جابر ) هو من شدني للتورط معهم ولكن سامر وهو طالب في أكاديمية الفنون ،صف منتهي هارب بسبب اتهامه بالشيوعية وهو الآن متخلف عن ألعسكرية بسبب (زوال اعذاره ) كما يقولون حينها ،اما محمد صادق فهو جندي عاد للتمتع بأجازة فوجد أهله (مسفرين ) الى ايران ، ولا خبر عنهم وهو لايدري ما يفعل ،بعد أسابيع رتبت حلا لمشكلته ،فعن طريق جواد عرفت بان أهله وصلوا طهران وعرفنا مكانهم ،ثم هيئت له خروجا آمنا عن طريق مهربين عبر الشمال الى ايران ،يومها احتفلنا في سرداب الشاطي ء الجميل وبكوا جميعا وكذلك فعلت واعطيته مبلغا من المال ،وهكذا التحق محمد صادق بعائلته ، عندها قلت في سري (واحد صفر لصالحي يا صدام ) . في شبابي ألمبكر ،كنت أبحث عن ما أومن به ،فكر ومعتقد وقائد ،شيء أذود عنه وأمنحه فائض طاقتي وعزيمتي ،لكن يُتمي وعوزي يحول بيني وبين ذاك ،بعدها آمنت بالحياة ذاتها كقيمة وامتياز وُهبت للأنسان ، فعليه الحفاظ عليها والتمتع بها واستنزاف مكنوناتها من متع وأصوات ودقائق ودهور وهي كالكهرباء لا تدركها الا بالتواصل ،فأدركت ان الشر غباء والخير جمال وذكاء وعطاء وذهبت بعيدا أحيانا فجعلت المتعة غاية ومحركا للوجود ،لكن المتعة لاتتحقق الا مع وعبر الآخرين ، وهؤلاء بيني وبينهم عادات ومحرمات وموروثات ،وأنا اريد أن اغترف كل شيء من اي شيء ومع اي كان ، وكم كنت واثقا من قدرتي على اقناع اكثر الأدمغة جمودا بجمال الأشياء ، فالجمال يستوطن هناك ،في الخلف ،يتوارى ويموّه وكأنه (يتدلل ) ،وعندما كان جابر معلقا بينالحياة والموت ،ونحن (أنا وجلعاد )نبكي دمعا ساخنا فأقول له (ما الذي جذبك في جابر يا جلعاد فتركت اهلك وعملك ودينك لتتفرغ لرعايته ) (وكأنني أعرفه منذ قرون ياعماه ،وسوف لن أعرف شيئا بدونه ،يبدو لي احيانا انه مقذوف من عالم قديم مزقته حروب غير مسبوقة ،ولابد للحروب يا عماه أن تورِثَ حكمة،فيبدو لي جابر ،حكمة حروب كل ما مضى ،وقد حلت عبثا على أجيال وشعوب تستعد لحروب تفوق الخيال ) ،حينها أدركت انني أُومن بك يا جابر نعم أنت يا جابر وقد أخذت عجينتي المشوهة وصنعت منها قلما فكتبت شعرا لأُناس مسرعين ،أغلقوا حواسهم فتنبه اليك صديقك اليهودي جلعاد وقد صادفك وأنت في تيه صحرائك عليلا وعطشانا وقد شارفك الموت ،وبكل حروف الحب التي ذرفتها عيون محرومة ومهزومة رعاك ومنحك الحياة ،بل وهبني أنا الحياة والأمل . شيوعيون وبعثيون وقوميون ، أينما ذهبت وجدت هذه لتصنيفات،أصدقاء ، جيران ، تجارو أصهار ،معلمون وطلبة (نعم على راسي )ولكن قبل ذلك ،هل هم شيوعيون أم بعثيون ،ومنذ البداية قاومت الأغراء بأن أكون شيوعيا ،وساعدني على ذلك (حميد أبن المختار ) صديقي البعثي ،الذي كان صديقا حقيقيا ورجلا وقف الى جانبي في كل مراحل حياتي ،وكان رفيق صولاتي ونديمي وبهذا خفف من حذري من البعثيين ونفوري منهم ،ومع الأيام كانت لي صداقات كثيرة مع الشيوعيين ،وكنت أستمع اليهم كثيرا وأساندهم في محنهم العديدة ،ولكن كل صداقاتي معهم انتهت بالفشل ،فعلقت استنتاجي (كونهم بلا وفاء ) الى حين ،ومضيت في شأني يقودني حدسي ،وقلما أخطأ هذا . حميد رجل المتناقضات والمتعاكسات ،يحب عبد الكريم قاسم وصدام معا ، القتيل والقاتل ، (شلون دبرتهه حميد ) فيقول لي بأن الشعب لم يفهم صدام ،من عليه أن يفهم الاخر يا أبا جمال، أعطوه فرصة يا كاظم ، سيأخذ فرصته رغم أنف الجميع ، أما عبد الكريم قاسم فهو يسميه ( الخليفة الخامس ) وهذا ليس وقته وهنا ليس مكانه ، في ليالينا عندما أتصل به لنخرج يستأذنني ليصلي أولا ثم يلحق بي ،حسنا يا أبا جمال تقبّل الله الطاعات ، أنا ذاهب قبلك ،وحميد يلتقي في مقهى زناد ،على الشط نهاية شارع ألنهر ليومين او أكثر في الأسبوع ،يلعب الدومينو اوالطاولي مع مجموعة كبيرة من الأصدقاء وله كذلك عدد من الخيول تشترك في ألسباق في حي ألمنصور ،حيث يقتني نسخة من جريدة ( المضمار ) أو (الهينديكب ) كما يسمونها ليتابع جدول ألسباقات وأسماءالخيول المتسابقة وهناك يشتري (جوانص ) ويراهن عبر وسطاء غير شرعيين يسمونهم (كوميشن ) وأشهرهم هوصاحب المقهى نفسه الذي يشبه رئيس مصر حسني مبارك ألى حد كبير وألذي تروى عنه قصص كثيرة فهو كريم ولكن قاسي في اللعب ويقال أنه راهن بسيارته الفارهة وسعرها بسعر بيت في الكرادة برمية نرد واحدة فخسرها وذهب الى بيته مشيا على الأقدام ،كنت أكره المقاهي فهي الخطوة الأخيرة قبل المقبرة ،فالملامح المتعبة والأنفاس تتصاعد بتثاقل،ووجوه الناس وهيئاتهم ومشيتهم انما تذكرني دائما بحيوان ما ،فهذا فأرٌ والآخر بوجه حصان يكاد يصهل وهناك ثيران منهكة كثيرة كأنها في مستنقع وهناك فرس البحر والكركدن والسنجاب وجرذ النخل ، أكره المقاهي وأعشق البارات حيث الأجراس الحقيقية للحياة ،ما أن أدخل بارا تتصاعد الدماء والرغبة في عروقي وكأنني التهمت شريطا كاملا من الفياغرا ،وهناك حتى فرس ألبحر يتحول الى انسان مرهف . استقر سامر ومحمد عليوي في معمل الحلويات في جميلة ،فكانوا يديرون ألمعمل مع عمال من معارفهم وأخذوا يبيتون هناك أيضا ،ابتدأت الشوارع تمتلئ ب (زنابير الأنضباط) ومفارز الجيش الشعبي بحثا عن الهاربين من جبهات الحرب ،وقد أبلغني سامربأنه فقد ارتباطه بتنظيمه بعد أعتقال آخر حلقة وصل معهم فتفرغ للعمل والقراءة وأخذت بالأنشداد أكثر لسامر، لخصاله ودقته في ألعمل البقاء في حياتك ،(من عمري على عمرك ) ،كيف أحول تلك التمنيات الشعبية الى حقيقة ياجابر ،كيف يكون موتك موتي ومرضك سقمي وصحتك عافيتي ،كيف أكون دائما معك بل فيك وجواك وداخلك ،أحارب الفيروسات والجراثيم في دمك ،تحت جلدك وفي ألهواء ألذي تتنفسه أدرأ عنك ألمخاطر،بل وأمنع عن مسامعك مايكدرصفوك وعن محياك ما يخدش حيائك ، اردتك أن تكون الورقة البيضاء الصقيلة في كتابي المحترق ،من محنتك تعلمت بأن الموت ليس هو أصعب التجارب ،على العكس ، فان الحياة والعيش فقط لحمايتك والتخفيف عنك هو أثقل الأشياء ياجابر . سفر وفراق دموع وعناق ،لماذا يا ربي وأنا قد اكتفيت ببغداد عالما مكتملا ووحيدا فعشقت شوارعها ودفعت زوارقها سعيدا نشوانا ،كما العشاق وشربت ترابها بعيوني زقاقا فزقاق ،وأقسمت ، لايبعدني عنها طاغية أو أفّاق ،وكنت سعيدا بعالمي الصغير كراحة يدك ياخديجة ،قبل أن تسقيني طموحك وتلبسيني روح المقتحم فكانت واسعة وفضفاضة على قلب اليتيم الخائف وقد جائوا به من المشخاب طفلا عمره لم يبلغ الخمس سنوات ،فتنقلت من الفناهرة ألى التسابيل فقنبرعلي وأخيرا الدشتي وكلها محلات في رصافة بغداد وفي الدشتي عملت مع أبيك وكان قريبا لي من بعيد ومثلما عشقتك يا خديجة ، أحببت بغداد ، وكدت ،لولا لجامُك يا حباه ، أن أجن ببغداد مثل متصوفيها وقد صلبوا على أبوابها فتناثرت دماؤهم على وجهها الذي لايشيخ ،كم كنت أفهم عشاق بغداد ،هؤلاء الذين ماتوا وهم يحتضنونها على ضفاف دجلتها ،عبد الأمير ألحصيري وغني الطويل ومحمدحسين طويريج وفهمت اصرارهم على الرحيل واظفارهم تتشبث بطين دجلة ، عندما قلت لي أخيرا يا خديجة (كاظم تعبت كافي ، أريد أحبك على طريقتي ) ،فابتعدتِ ولازلتِ قريبة ،ولم أتوهم بحرية حصلت عليها وأنا الجذلان بعبوديتي لك . طعام ونبيذ وفن ،هذا عنوان احدى مغامراتي ،لم أبع كتبا في حياتي ولا افتتحت مطعما ،كان هذا بالنسبة لي خيانة ،رغم انني لا أتورع من التجارة في كل شيء،وكنت أتمنى أن أمتلك بارا ولتذهب الأعراف الى الجحيم فلطالما تأملت بدور البارات في العراق حصرا،فهي ليست أماكن تسقي الشراب فحسب ولكنها أيضا مساحات كثيفة لتوليد واخصاب الوعي السياسي والثقافي والأجتماعي ولا أدري مالفرق بينها وبين نظيراتها في ما يجاورنا من بلاد ,لكنني أعرف ان البار العراقي مختلف وسينتبه الحكام بعد ذلك لهذا وسيحاربونه بكل قوة وخبث ،وفي أول الثمانينات كانت حمى الخمور في أوجها وكان عليك أن تذهب مبكرا لتحجز مائدة في بار ما وتوسعت هذه البارات لتكون في كل منطقة وداخل الأزقة الضيقة وكلها تمتلئ بالزبائن وكأن الناس أحسوا بغريزة مبهمة ،ان جفافا وعطشا وكربا على الأبواب واستمعوا لنصيحة مظفر (ياهذا البدوي الممعن في الهجرات ، تزود قبل الربع الخالي بقطرة ماء ) والحق يقال فان المستوى المعيشي للناس قد تحسن ،وأسعارالخمر رخيصة وأوروزدي باك يجهز الزبائن المتكاثرين بأفضل أنواع الخمور وبارخص الأسعار ،فانتابتني الحمى ولكن أردت أن تكون بصمتي موجودة كالعا دة ،فاتخذت مكانا في منطقة عرصات الهندية وأنشأته على شكل محارة فضية تستقر وكأنها على وشك الأنزلاق من كفة يد الى لجة بحر أزرق ،حيث المدخل والباب والممر يتموج بلون أزرق يفضي الى عتمة شفيفة ،البار مع ستولات على اليمين وبيانو مع عازف يرتدي سموكينغ أسود في النهاية وهو يعزف ألحانا هادئة ،ممكن تنويعها بطلبات لزبائن مهتاجين ليسمعوا أغنية لأم كلثوم او فيروزوكل الجدران تزينها لوحات لرسوم من مدارس مختلفة ،ساهم سامر باختيارها ، والموائد صقيلة من خشب فاخر وبين مائدة واخرى حواجز مخرمة بزخرف أندلسي ،تكشف أكثر مما تخفي ،ثم تركت ادارته لصديقي عوني ،مديرا وشريكا ثم أسميته ،طعام ونبيذ وفن ، بعدها تنفست الصعداء . من المغرب عادت خديجة بصحبة زينب الى الكويت بعد ان قضت أكثر من اربعين يوما مع فارس وكانتا قد تمتعتا بصحبة جابر في الكويت لشهر كامل ،توقفت حركة الطائرات الى بغداد بسبب الحرب ،فعادتا الى الكويت وبعد قضاء اسبوعين آخرين مع جابر وجواد ،عادتا عبر الطريق البري عن طريق صفوان الى البصرة ليكملا الطريق الى بغداد وفضل جواد أن يصطحبهما الى البصرة ثم يعود ،وكان ذلك خطئا كبيرا دفعنا مقابله ألكثير ،كانت مواليد جواد ليست في الخدمة ،بالأضافة الى كونه مقيما في الكويت ،وهذا بحد ذاته يعتبر عذرا من الألتحاق( بخدمة ألعلم ) ،ولكن ماحصل هو اعتقال جواد لدى عودته في صفوان ،باعتباره متخلفا من الخدمة العسكرية ،وهذا ماكان يحدث كثيرا تلك الأيام فأخذوه مخفورا الى معتقل للأنضباط العسكري بالقرب من ساحة سعد في البصرة ،علمت في اليوم الثاني عن طريق أحد الجنود الذي تطوع لنقل الخبر لي ،صعقني الخبر ،هذا لم يكن في الحسبان ، اتصلت بحميد وذهبنا على الفور الى البصرة مصطحبين معنا ضابطا برتبة لواء من أصدقاء حميد ،وفي ذات اليوم عصرا كنا عائدين ألى بغداد وجواد معنا ،بعد أن تركنا سيارته في بيت أحد الأ صدقاء في منطقة الطويسة ،وبدأت معركة اعادته ألى الكويتاأو اخراجه من الجحيم بأية طريقة كانت ،ومن كل هذه ( الخبصة ) حصلت على فائدة غير متوقعة ،خديجة اختارت أن تبقى في بيتي طوال أزمة جواد ، لتحثني على العمل لخلاصه كما تقول هي ، كان شخص آخر أكثر سعادة مني لهذا القرار ، سمية ! . رغم وفاة ألحاج باقر فان جابرا استمر في ادائه الجيد ،فجاء (هادي ) ابن الحاج باقر الى الكويت ومعه توصية من أبيه بأن لايخسر جابر وأوصاه كذلك باستمرار شراكتهم في المحل ،وبعد أيام من الحسابات وتبادل الآراء حول التوسع وكذلك المزيد من التعارف ، أُعجب هادي بجابر وأعترف له بأنه جاء الى الكويت لتصفية المحل رغم وصية أبيه ولكنه بعد معرفته بجابر ،فهم سر تعلق أبيه بجابر ،كان هادي في الأربعينيات من عمره بملامح وسلوك أرستقراطي ورغم ذلك فهو ينطوي على ثغرة في روحه ،تجعله يبدو ضائعا ورغم فارق العمر بينه وبين جابر ترك لجابر القياد في أمور كثيرة ،كان جابر في هذه الأيام يذهب ويجيء الى دمشق لاكمال دراسته ويوسع من علاقاته ومعارفه ،قطع علاقته بالحزب ألشيوعي بعد ان تعرف على مفكر عراقي هناك يدعى العلوي ) ووقع تحت تأثيره ووجد عنده أجوبة لأسئلته وكانت توليفته عن المشاعية التصوف والزهد وجدت صدى في نفس جابر التواقة للتضحية والحساسة لآلام الآخرين ،وحينما يذهب الى بيت (العلوي ) البسيط يجد لديه شبابا ثائرين على كل شيء ورجال دين منفتحين ويسخرون من أنفسهم وشعراء وصعاليك ،وبعد أن تحدث جابر لهادي أبن ألحاج باقر عن العلوي ، أبدى هادي رغبة في رؤيته ،فذهبا معا الى دمشق وبعد الأستئذان ،حلاّ ضيفين على العلوي فازداد اعجاب هادي به وكذلك بجابر، وأقترب هادي من جابر جدا ،وربما أكثر من الطبيعي ، فهادي كانت له آراء غريبة وهي تخصه في كل الأحوال ،وخلال علاقتهم العاصفة والتي لم تستمر أكثر من شهرين ،كانت التجارة وراء ظهورهم ،رغم ان جابرا لم يكن ليهمل عمله في كل الظروف ،وهذه احدى علامات تفرده وقوته ،في تلك الفترة باحَ هادي لجابر بخليط أفكاره المتنافرة مقارنة بالمنظومة الفكرية لجابر والتي لاتتوقف عن التطور والتنظيم ،يقول هادي ان شاه ايران كان مثله الأعلى بالأضافة لستالين وهتلر وهذا موضوع آخر ،لكنه توقف عن الأعجاب بالشاه عندم أستسلم امام ( الرعاع )كما يسميهم هادي وأكتفى بقتل ثمانين ألف منهم فقط !!! وتخلى عن السلطة ،ثم أنتقل اعجابه للخميني عندما أعدم صادق قطب زادة ورفاقه الآخرين وهو بهذا فهم السلطة وتقمصها ،ثم تلاشت هالة الخميني بعد أن قام بالتنكيل بفدائيي ومجاهدي خلق ،وكان هؤلاء بالنسبة لهادي هم القادرين على رسم ملامح المنطقة ،وبشكل عام كانت لهادي مزيج من أفكار فاشية وماركسية وغير ذلك ،(لكنك ألان مثلي الأعلى ياجابر وسأتبنى رؤيتك للعالم وحلولك ) ،لم يتحدث لي جابر كيف أنتهت علاقته بهادي ،من فعل ذلك كان جلعاد ، فقال لي ،لقد كانت تجربته مع هادي هي من عكرت صداقته لي حيث ترسب أثرها السلبي في نفسه السوية وغدا متشككا الى الحد الذي جعله يحتفظ بمسافة ما تبعده من أية حميمة في علاقاته مع الناس ،ماذا حصل يا جلعاد ،لقد آمن هادي فعلا بجابر يا عماه وقد كان يؤمن انهما فعلا قادران على تغيير العالم وأقترح عليه الذهاب الى سويسرا والأعتكاف للقراءة ولشعر واجتراح الحلول ،لكنه ذهب بعيدا عندما قال لجابر مامعناه بأن روحيهما يجب أن تتحدا ويكونا مقدامين ومتقدمين عبرالأكتفاء ألجنسي ودعاها مباشرة للمثلية ألجنسية كذروة للتجاوز والريادة ،لقد طعن هادي جابرا في عرين ذاته الشفيف والذي احتفظ به مثل جوهرة مخبوءة في أعماقه ، وبقدر ما كان حزينا ،كان حاسما ،لقد أيقن جابر استحالة استمرار علاقته السريعة والعميقة مع هادي ،ولقد ترافق ذلك مع نفور بدأ يزداد من ألكويت بذاتها فهو كان يقول (الكويت ليست مدينة ، انها كاراج كبير للسيارات فحسب ) ومع عشقه المتنامي للشام وأهلها وما حصل مع هادي ،قام بتصفية أعماله في الكويت وانتقل الى دمشق ليفتتح هناك محلا جديدا للصياغة ولم ير أو يسمع بهادي مرة أخرى ، كان جابر يتخذ القرارات لوحده ويضعها أمامنا (أنا وخديجة وجواد ) على الطاولة ،وسوف لن يعترض أي منا أبدا ( سلامة راسك جابر ) نعم يا حبيبي المهم أن تحيا ، اتوسل اليك ياجابر أن تحيا وتنهض بحق جيفارا والمسيح وسبارتاكوس . الموت ليس قضاءا ولاقدرا ياجابر ولاهو أجل اوكتاب كذلك ، انما هو فكرة ، ما أن تصدقها أو تجعلها تخترقك وتهيمن عليك فسيأتيك الموت مهرولا ويأخذك ويأخذ من تحب بعربته المرعبة ، وفي تلك الأيام ، أيام الحرب والجنون ،حيث كان الموت يتجول في الآحياء والبيوت وكأنه استوطن العراق وطاب له المقام حتى قال صدام (يا حوم أتبع لو جرينه ) ،في تلك الأيام يا جابر لم أكن أخشاه ،لاعليّ ولاعليكم ،فلقد كنت ممسكا بقرني الحياة وكان ثورها الهائج يراقصني ،وقد كنت أسخر في سري من رغبة صدام الدموية بارسال الشباب اليه بالآلاف فبدا حاله حال من أفتتح مرآبا خرافيا وتعهد باحتكار النقليات حصرا الى الضفة الآخرى ، سمعت عنه في ما بعد قوله ( سآكل آخر سمكة في دجلة ) يالغروره ، والآن كم أسخر منه وأنا آكل سمكة مسكوفة مع قوطية بيرة ،بينما جسده أصبح حفلا لدود الأرض في قبره في العوجة ، وأنت في محنتك يا جابر تمسك بالحياة ولاتفكر بالموت فتجعله يحوم حولك ، اطرده بغناء الحنجرة العليلة ورقصة الأقدام المتعبة وأعلم انه خبيث وجشع فاهزمه عند الأبواب وأوصدها يابابي المرصعة بدموعنا ودعواتنا ،قاوم ياقوّتي ،أخوك جلعاد يقودني الان بعيدا عن الأبواب . أنت لا تنظر الي يا جلعاد ،تتكلم وعيناك في الأرض ، أتخجل مني يا بني ؟ (ياعماه لفرط ما تحدث لي جابر عنك فأنا أحترمك جدا و عفوا يا عماه احبك مثل أبي ، حتى تمنيت أن تكون أبي ،فأحتضنك بقوة فأشم رائحة رجولة نظيفة وانسانية تتنفس وكأنها حاضنة تجاهد لتمنح الحياة لطفل خديج ،يا الله لقد رمتني تلك الرائحة مثل طائر رخ عملاق الى ضفة أخرى ،الى ماقبل أكثر من أربعين عاما ،الى قنبر علي في بيت عمي وجارتهم اليهودية أم عزيز وأختها كرجية والرجل الغامض ( الياهو ) الذي كان يزورهم بين الحين والآخر (والذي سمعنا انه ذهب الى اسرائيل فيما بعد ) ويعقوب ، الرجل الأنيق اللطيف وهويحمل علب (السعوط) في جيب جاكيته ،حيث يضع بعضا منها في منخريه ليسعل بقوة ،جيبه هذا يحتوي على أشياء كثيرة ،قطع جكليت يعطيني واحدة كلما رآني وكذلك بطاقات لدخول سينما علاء ألدين في شارع الرشيد قرب المقهى البرازيلي ،فهو على مايبدو يمتلك أسهما فيها او شيء من هذا القبيل ،شممت رائحة قوية ونفاذة ومحببة لجبن يخرج من بستوكة كبيرة خضراء قاتمة اللون وصمون اسمر يختلف عن رغيف تنور بيت عمي ،تذكرت وجه كرجية الأسمر العربي الجاد والمختلف عن احمرار وجه أم عزيز وبدانتها وروح دعابتها التي لم تنتكس أبدا،و حتى بعد أن تمرضت أم عزيز بداء الخرف ونقلت الى بيت كرجية في البتاويين ،لم تنقطع زوجة عمي الطيبة عن زيارتها بين الحين والآخر حتى وفاتها فلبست عليها الأسود لأربعين يوما وبكيت لبكائها ،يرحمك الله يا أم عزيز وأهلا بك يا ولدي جلعاد . أحببت جابراّ عندما رأيته لأول مرة ،يقول جلعاد ،وهو ينزل من شقته بوسامته ونحوله وشعره الطويل الفاحم وأناقته الفطرية ويمر من أمام متجرنا الكبير وهو مطرق الرأس ،ثم أستهوتني اللهجة العراقية عندما سمعتها من بعض العراقيين وهم يستوقفون جابرا لينضم اليهم فيجاملهم لبعض دقائق ثم يمضي لحال سبيله فجذبتني جملهم ومفرداتهم ألرجولية وأكثر ما أنتبهت أليه شتائمهم لبعضهم وهم يمزحون فيما بينهم (أبو ال..... )( وأخ ال .... ) ، ولفرط تركيزي عليه ، أحسست انه ليس على ما يرام الى ان حانت فرصتي بالتقرب اليه عندما سقط مغشيا عليه في ألشارع ليس بعيدا عن محلنا ،فهممت بحمله مع أخي وادخاله في سيارتي والذهاب به الى المشفى ،وهناك صدمت عندما عرفت بمرضه،ولم أفارقه بعد ذلك ،وكلما عرفته أكثر ازداد تمسكي به وتورط أهلي كلهم بتعلقي بجابر وصار هو قضيتنا ومحبوبنا . كان جحيم الحرب يتسع بشكل جنوني وصار مشهد التوابيت المغطاة بالعلم العراقي مشهدا مألوفا في الطرق والحارات ودولاب النار والدم يدور بسرعة وتكاد لاتسلم أية عائلة منه ،وكان يمكن لجواد اذا ما التحق بدائرة تجنيده ، أن يزج فورا في أحد الجبهات ،وبعد أيام يعود لي ملفوفا بعلم ،لاوقت للمناورة ووعود حميد أبن ألمختار بتثبيته في ( القلم ) ، أي بعيدا عن الجبهة ، لاتقنعني ، وكلمات خديجة وتوسلاتها الأستثنائية ( لاتدزه كاظم فدوة أروحلك ) ،ففاتحت سامرا ومحمد عليوي ،وقد استقرت أمورهما جيدا في معمل جميلة ورتبوا أوضاعهم، قال سامر نستطيع أن نضمن له طريق ألى ايران عن طريق ألشمال ومن هناك يوجد من يساعده ويوصله ألى البحرين أو الأمارات ،وبأنتظار ذلك وحتى أتخذ القرار النهائي في الموضوع ، أبقيت جواد مع سامر ومحمد في جميلة بعد ان أجريت بعض التحسينات على المكان ليكون أكثر أمنا وراحة وتوثقت العلاقة بين جواد وسامر ،رغم ان جواد لايحتسي الخمور ويواظب على صلاته ، في هذه الأثناء كنت أعود يوميا الى ألبيت مبكرا لأكون قريبا من خديجة التي أستبد بها القلق ،كانت خديجة وسمية وزينب وزهراء وأركان يبيتون جميعهم في الديوان ،وأنا أتسلل ليلا الى غرفتي لأنام بعد أن أقضي الليل وسطهم بينما سمية وزينب تتنافسان لخدمتي وخدمة خديجة ، أنا أحتسي شرابي وهي تدخن أركيلتها وأركان ينفخ بأحجارها ،فيما هي تنظر اليّ والى سمية وتبتسم ,ولولا تشتت بالي بسبب جواد ، لكنت سعيدا جدا . (يا أبي أنت تخترق حصون جابر عبرالألتفاف والتسلل من خلالي ) وأبتسم جلعاد بعد ذلك ،وعندما يبتسم ،تظهر ثغرة محببة بين أسنانه ،هي بمثابة بوابة تغور منها الى دواخله، (رغم صدمة جابر من تجربته مع هادي ابن الحاج باقر وربما بسببها )يضيف جلعاد (وبسبب المد العالي لأندفاعات تقاربنا ولهفتنا ودهشتنا بتعارفنا وصداقتنا العاصفة ،فكنا لانفترق ونسينا مرضه لبرهة من الزمن وتوغل كل منا في روح الآخر بحرص ومتعة وكأننا علماء أحفوريات ،نخلص مومياءا من تحت تراب القرون ، ومنذ البداية فكرنا في النهايات وبصوت واضح وواحد ، قلنا ان حبنا لبعضنا بحر متلاطم وشاطئه الجسد ،فبسبب طبيعيتنا ونفورنا من (شذوذ ) ،يمكن أن يقصف حبنا ،فتطامّنا أن لانسقط في هذه الغواية،حتى صار عري صداقتنا حليبيا صحيا ،لايشعر بالذنب ويطيش كذلك ،غير مبال بالعواقب ) لم يدهشني ما قاله جلعاد ،حتى كأنني أعرفه بالتفاصيل ،ولكن يا جلعاد ماذا عنه ،هل كان طبيعيا ،هل كانت له حبيبة هل مارس الجنس مع صديقة ،هل ذهبتما الى ماخور أو هل ذهب هو قبل ذلك في الكويت أوبغداد أو دمشق ،لاتخفي عني شيئا ياولدي ،سكت جلعاد وطال سكوته وعيناه تخترق أرضية الفندق ،( لايشبهُ جابرٌ أحدا رغم طبيعيته ، فهو كان يمارس الجنس مع جثة مقدسة ان صح هذا القول ،فهو كما تعلم يا والدي لديه ابنة خالة ، زينة ،وهي بعمره تقريبا ،وكما تعلم يا أبي فلقد أعدمتها حكومتكم لأنها شيوعية في ألعام 1981 كما أظن ، وعندما كانا في عمر ألثانية عشر ،سافر جابر مع أمه في العطلة الصيفية الى المشخاب ،وكانت زينه هناك وكان يتخاصمان ويتناقران طوال النهار ،وفي الليل ينام الجميع وتنام زينة قرب جابر ،وهذه بداية تفتحهما الجنسي فيتعانقان طوال الليل وتمتد الأيادي والأذرع لاكتشاف تضاريس الآخر المبهرة، ماهذا يا زينه أنه ،جميل بزغبه النامي توا ،ولكن( مالتك أحلى جابر ،يخبل أريد آخذه وياية ) وفي نهاية الصيف عاد جابر الى بغداد ولكن ضراوة هذا ألحب ونار تلك ألرغبة لم تخمد ،وكانا ينتظران الصيف الآخر أو الأعياد أوالمناسبات ،بل حتى الجنازات ليرويا ظمئهما ،حتى قبول زينه في كلية ألآداب في بغداد ومكوثها في القسم الداخلي للطالبات وترددها على بيت أمه في الكاظمية،فوجد ذلك التأجج أكثر من متنفس له ، في البيت وحتى في القسم الداخلي بتواطىء من الطالبات الضاحكات وكذلك من الحارس المتجهم وهو يدندن ( يا طابخ الفاس ترجه من الحديدة مرق ) ،ماحصل بيني وبين زينة ،قال لي جابر ، يكفيني لألف عام فطعم جسدها ومذاق ريقها وفرجها ألذي أراه كل يوم وبشكل آخر كأنه فرج جديد يختلف عن البارحة،وبعد أن أعتقلوها وغيبوها ،ببساطة ماحصل لي ليس وفاءا ،كل مافي ألأمر ، فان زينه تركت لي مجلدات من الحب والجنس وأشغلتني بفتنتها وهي هناك ، لقد زودتني لرحلة المائة عام بطعم لايفنى ،تعرق ما تحت ابطها الحامض كليمونة بعقوبية ونصف سؤال غامض على الشفاه ألممتلئة لفرجها ، هذا يكفيني يا جلعاد ، يكفيني لألف عام ولقد أعدت جيدا زينه لرحلتها ، مثل فرعون يخطو نحو الخلود ) (ولماذا لاتسافر أنت يا سامر ) سألت سامر بعد أن تحدث لي بمرارة ،عن هروب قيادات حزبه وبقائهم وحيدين بدون توجيهات ولا امكانيات ولامخابىء وبدون وسائل للدفاع عن النفس ،(عمو أبوجواد ،أنا أصبحت شيوعيا بعد تفكير عميق وقراءة معمقة للفكر ،فلايوجد أحد في عائلتي شيوعي واحد ،والدي رجل دين وأخوالي ضباط مسلكيون واخوتي بعثيون ،وهم قاطعوني منذ زمن بعيد وهم على استعداد لتسليمي للجلاد ، اذا ما عرفوا مكاني ، على كل حال هم بعيدون في حديثة وأقاربي في بغداد معدودون ولكن الأمن يبحث عني ولديهم معلومات وفيرة عني وهناك اعترافات لرفاق انهاروا تحت التعذيب ،عمو أنا مؤمن بقضيتي وأعلم ان انتصارها بعيد ولكنني سأنتظر وسأقدم قصارى ما أمتلك من طاقة وامكانيات وجهد حتى عودة الحزب واعادة ربطنا بالتنظيم ،هذه الحرب ستنهي صدام وسيثور الشعب وسيحصل فراغ ويجب أن يتواجد من يوجه التمرد ويستثمر ذلك الفراغ ، بعدين عمو لاتتصور أنا وحدي هناك خلايا وأفراد منقطعين في بغداد وفي ألمحافظات ونحن نعمل على التواصل والتنسيق . ) ،لقد بدأت بالأعجاب بسامر وأصبحت أحبه كواحد من أولادي ،وحملت همه وأفكر كثيرا بخلاصه ولا أتحمل فكرة خسارته وسقوطه بيد الجلادين ، غير أنه لايسمح لي أبدا بالتدخل في عمله السياسي وأعلم جيدا ، انه سيترك كل شيء ويمضي للجحيم اذا ما وضعت شروطا أوقيودا لحركته وعلاقاته ،فامتدت بيننا مساحة رمادية من عدم التدخل والحياد ،غيرذاك كان سامر يتحول بسرعة الى أخ وصديق ،وتضاعفت مسؤوليتي عندما قال لي جواد ( بابا أحترمتك وأحببتك أكثر عندما تحدث لي سامرعن ما فعلت لهم ، أصبحت أعرف جيدا لماذا أحبك هواية . يالغبائي ويا لخديجة ، كيف أفلحتي يا خديجة باخفاء علاقة جابر بزينة ،وكيف لم أشعربذلك ،اين ذكائك ودقة ملاحظتك التي تفتخر بها يا كويظم ، وماذا تخفين عني غير ذلك يا خديجة ،وماهذا الذي لا أراه خلف (فلترك ) والذي من خلاله توصلين وتمنعين ما يجب أن أعرف أو لاأعرف ،لطالما قلت لك بأنني سعيد بتسليمي لقيادي لك واستسلامي لمارشك لعسكري ،وماهو لعبة بالنسبة اليك ،هوحياتي كلها يا خديجة ، نعم هذا ما أقصده ،لعبة الأختفاء والتخفي والأقنعة والظهور ألمفاجىء ،أنا من أختار الركض عاريا في دروبك المعتمة ،وكنت أعلم ان عينا لك في كل منعطف وفوق كل باب ،وأنا أعلم الي أين تريدين أن أنتهي ، الى الشعور بالخزي من غرائزي ، لكن الأمور بالنسبة لي تختلف يا خديجة وهذا ما لايمكن أن تفهميه ،فغرائزي هي أرقامي السرية لمقارعة العالم ، فهو ثور هائج ، أما أن تمسكه من قرنيه وأما أن ( ينطحك ) فيصرعك ، ومثلما قال بعدئذ (أبو فلاح) شريكي في زنزانة سجن أبو غريب ،(لو تنيجه لو ينيجك ) . مثل الأفاعي وهي تغادر جحورها اذا ما أحست بقرب حصول الزلازل وكالكلاب عندما لاتنقطع عن النباح مستشعرة عبر قوى خفية بدوي الهزات الأرضية قبل وقوعها بأيام ، كنت وقبل أسابيع من نزول الكارثة قد استشرفت رعبا لضربة قاصمة على رأسي ، لا أدري من أين وكيف ،فكنت أدور على نفسي وألف الشوارع وحيدا قائدا سيارتي باتجاه لاهدف وأنا أنوء تحت حمل هم ثقيل لا أستطيع البوح به لأحد ،خصوصا خديجة ،حاولت أن أجعل سامر يشاطرني برفع هذا الثقل (سافروا عمو ،صدام لم يجعل العراق في مثلث برمودا فحسب بل صار كل عراقي يخوض وحيدا أعزلا في أرخبيل مظلم ، أنا أستطيع أن أهيء لكم (كوستر ) جاهز ،ولن يترككم الا في طهران ،ومن هناك يستقبلكم من سيوصلكم الى أية وجهة تريدون ،بيروت ، ألشام، قبرص أو تركيا فإوربا ، قبل ذلك نحول مايكفيكم من أموال لجهة أمينة ، سأجعل نسبة المجازفة صفر ،فكر بالموضوع عمو وأنا رهن اشارتك . ) قلت لأحصن نفسي أولا ، فنقطة ضعفي ألوحيدة موضوع جواد وسامر ، قمت بشراء حقل دواجن جديد في اليوسفية وجهزته كفندق خمسة نجوم ، وأقنعت سامر وجواد ومحمد بالأنتقال مؤقتا اليه والمكوث به وعدم الخروج ورغم عناد سامر فلقد رضخ بالنهاية (فقط لكي ترتاح عمو )وأستصحب معه عدته من مستلزمات تزوير الهويات وطبع نماذج النزول للعسكريين المجازين وغيرذلك من عدة ،شعرت ببعض الراحة وأخبرت خديجة بالأ مر(عاشت ايدك ) ،ولكن على مايبدو ،ثمه عين كبيرة تراقبني وترصد خطواتي ، كنت أحس بنار تلك النظرات تحرق رقبتي فألعن الشيطان ،وفي ذلك اليوم المشؤوم استيقظت مبكرا فنزلت ووجدت خديجة مستيقظة ومنتفخة ألعينين ،لم تستطع ألنوم على ما يبدو ، وما أن سمعت سمية سعالي حتى هبت من فراشها القريب من فراش خديجة ، قالت لها خديجة (نامي سمية )وقامت على غير عادتها لأعداد الفطور لي ،حاولت سمية أن تعترض فنهرتها خديجة (نامي ) سمعت وقع خطوات غير واضحة على سطح الدار وأخرى أوضح وأقوى من جهة الحديقة رافقتها دقات قوية على الباب الخارجي وصوت الجرس عصبيا وطويلا ثم دقات مرعبة على الباب الخشبي بعدها تم كسر الباب وتدفق رجال مسلحون من فوق ومن الباب الخشبي وحتى من باب المطبخ ،كانوا خليطا من مدنيين مسلحين ببنادق كلاشينكوف وآخرين يرتدون الزيتوني بأستثناء شخصين يرتديان طقم مع ربطة عنق ويحملان مسدسين ، هجموا علي وقاموا بركلي وضربي ومع صراخ خديجة وسمية وزينب أنهالوا عليهن بالضرب،بعد ساعات ،في المعتقل ألمؤقت ، فهمت انهم اقتحموا حقل الدواجن في اليوسفية ، حاول سامر الهرب فقتلوه وأعتقلوا محمد وجواد ،لم أر جواد بعد ذلك أبدا حتى فهمت بعد سنوات انه مات تحت التعذيب ، أما محمد عليوي فقد تم اعدامه بعد سنتين ،خديجة أيضا لم تنجو فماتت بالسكته القلبية بعد أيام ،سميه أنهارت وأُصيبت بانهيار عصبي فقدت بعدها ألنطق لتصاب بسرطان الكلى والرحم وأيضا ماتت بعد ثمانية أشهر ، أما أنا فلقد بدأت برحلة جديدة .
ألفصل ألثاني (شيوعي قذر ) هذه اذن آخر الكلمات التي سمعها أخي جواد ، الصائم المصلي المستقيم ،بفم الطفل الرضيع وعينين لاترتفعان عن الأرض ،قبل أن يلفظ أنفاسه الطاهرة ، وتلقى جثته لكلاب الأرض ،وأبي عاشق بغداد والناس والدنيا ،ملقى في زنزانة باردة بتهمة ،هو أبعد الناس عنها ، آه ياجواد ،آه يا أخاه يا عباساه وحسيناه ،يا شهيد ، يا مظلوم ،(عيوني غيرعينك من يراهن –أبشرك عمن كلش من يراهن (جريانهن )، ماذا أفعل ياهذا العالم (خبروني شأسوي )، هل تمازحني ياعالم ، فأعلم اذن ،ثقيل أنت ومزاحك يا داعر ، لكنني سأحيا (سوف أحيا ) ، من أجل زينب وأركان وزهورة ،ومن أجل أبي ، الذي سيخرج من تحت الأنقاض وهو يرسم نصف أبتسامة ويمسح دمعة .كنت قد قطعت صلتي ( التنظيمية على الأقل ) بالشيوعيين فلقد مللت صراعاتهم ومشاجراتهم وقبل ذلك فقدانهم لأية خطة لرد الصفعة ,وأنتقلت بمحلي الى منطقة السيدة زينب ، رغم تخلفها وفقرها وبعدها عن دمشق ، لكنني أحسست ،بأن هذا المكان سيوفر لي فرصة للمنافسة ،وكذلك أردت أن أكون قريبا من أجواء العراقيين، لعلي أسمع شيئا عن أهلي ، كنت قد وطنت عزما ،بأن أعود للعراق بأية طريقة كانت ،لأطمئن على ماتبقى من أهلي ,اسمع شيئا عن أبي وجواد (قبل أن أسمع بما أنتهى أليه ) ، وفي المقابل كنت أبحث عن شيوعية (short cut ) ،حركة ثورية لاتؤمن بتعاقب المراحل الحتمي ،ولها سلّمها الخاص للصعود بسرعة والأطاحة بقوة للطغيان والجلادين ، وكنتُ أعلم أن مرادي ليس هنا (في الشام ) ولكن في لبنان وبيروت على وجه الخصوص ،كانت جراحي تتفاقم وتتعمق فبعد جرح زينة الثخين ،والذي تركني كالراهب ،هاهي جراح جواد وأبي وأمي تصل الى ما أبعد من منابع الألم ،هنك في ( الست ) كما يسميها السوريون ، تعرفت على شاب عراقي في أواسط الثلاثينات من عمره ،كنيته ( أبو نضال ) ،كان يأتي يوم ويختفي أشهر ،فيقرأ لي شعرا ويعطيني كتابا ويدلني على رواية جديدة ،(فد يوم آخذك لبغداد )، ولكننا في أول سفرة لنا معا ،ذهبنا الى بيروت ، حيث الحرب تستعر وغابة من التنظيمات المسلحة تعمل ،مجاميع ضد أخرى ، كان قد أعطاني بعض قصاصات الجرائد القديمة تتحدث عن مجموعة ثورية أعدمتها السلطات السورية قبل سنوات ،وأستهوتني سيرتهم ،لاسيما قائدهم (علي شعيب ) ورفيقته (يمنى شحروري ) بشهرها الذي يشبه شهر ( أنجيلا ديفيز ) ونظاراتها الطبيه ،كان يبتسمان مع باقي الرفاق ،هذا ماتقوله الصورة في الجريدة ،وظللت أردد مع نفسي هتافا قرأته بعمق حتى كدت أسمعه وهم يرفعونه مع قبضاتهم ،(هيْ علي شعيب شعلة بعده مضوية ويمنى شحروري وكل رفاق الخلية )، وشدتني صورة علي شعيب وهو في محله التجاري (كان يبيع الأقمشة ) في السنغال ،قبل أن يتركه ويلتحق (بالثورة ) ،كان أبو نضال لايشجعني على شيء، هو يدلني ويعرفني على بعض الأماكن والناس ويمضي ،كنت أحاول اعطائه بعض النقود فيقول (عندي ) ويذهب دون أن يقول متى سأراه في المرة ألقادمة . تعرفت على البعض وفهمت أن العمل ألحقيقي هو في الشام ،أما بيروت فهي الرئة لتي يتنفس فيها كل شيء ،وأدركت ان العمل صعب وطويل ،وقلت لأقرأ فقد تعلمت من ( العلوي ) ان كل الصراعات هي( دنيوية )حتى وان كان طابعها (دينيا ) ،كنت أجد في ( الماركسية ) كل الأجوبة ،ففيها محرك يشبه (محرك google ) قبل اكتشاف هذا بكثير ،وبعد هذا بكثير وعند تعرفي على (جلعاد ) وأصطدمت ثقافتانا صداما (ناعما ) ،قال لي جلعاد ( ان أحسن الأديان هو أسوؤها، وأسوئها هو أولها ،ونحن الأولون ،وهي نفس القصة يا جابر ، الخوف من المجهول،وتملق القوي الغامض ،وتبدأ الشعائر والطقوس ،فتصير هي الدين ،ومن يكن مسؤولا عن تلك الطقوس ،سيكون وكيلا ،للقوي الغامض ،ومطلّعا على ما يريده ولايريده،وان دين المستقبل ،هوذلك الذي بلا شعائر . ) جاءني فارس الى دمشق فذهبت لأستقبله في المطار ،تعانقنا وبكينا ثم سقطنا على أرض المطار وسط دهشة المسافرين والمستقبلين ، بكينا أمنا وأبينا وأخينا جواد ، (ماذا سنفعل ) ،يقول فارس بوجه غسلته الدموع ،فقلت بلهجة حاسمة ( سأذهب ألى بغداد ) ، (أنت مخبل ) ،وأفهمني اننا لانتحمل ضربة أخرى ،فأوضحت له أن الحديث عن هذا الموضوع مبكر وأنني سوف لن أفعل ذلك الا بعد التأكد من سلامته ،وبالمقابل اتفق معي على ضرورة وجود اتصال مع بغداد لارسال الدعم لمن تبقى من العائلة ومعرفة أين وصلت بهم الأمور ،بقى فارس معي ثمانية أيام وعرض علي مالا ، قلت له ان هذا آخر ما أحتاجه الآن فأعمالي مزدهرة،وأسرني بوجود حساب لأبي في لندن بمبلغ لابأس به من ألجنيهات وهو لديه حق السحب ،(حاليا نتنمني أن لانحتاجه ) ،تعانقنا وبكينا أيضا ،وذهب فارس وبقيت أواجه العالم وحدي . جائتني أخبار بغداد من حيث لاأتوقع حقا ،كنت في محلي قبيل الظهر أمارس عملي كالعادة ،ودخل علي رجل بعد ان تأكد من عدم وجود زبائن لدي ، ألقى السلام وباشر بالقول لدي رسالة لك من بغداد من زينب أختك ،صدمت ،ولكن قبل ان أكمل لكم لأعود الى بغداد قليلا ،فعلى ما يبدو كان سامر مخطئا فيما يخص عائلته ،فعلى الرغم من عدم قناعتهم وتقاطعهم مع أفكاره وطريقة عيشه ،فهو أبنهم بالنهاية ،بل وياللغرابة محبوبهم ،وبعد ماحصل له ما حصل ،وبعد ان أستلموا جثته من الطب العدلي بعد اجراء شكلي مع جهاز الأمن ،كون اخوته ضباطا وحزيين ، أصر الأب (الشيخ رسمي ) على مقابلة ما تبقى من عائلتي للسؤال عنهم والتعرف عليهم وقبل ذلك شكرهم ومحاولة رد الجميل ،كانت زينب وأركان وزهورة ،لازالوا يسكنون في دارنا في حي ألعدل ولم تتم مصادرته بعد ،وكانت سمية مريضة وصحتها تتدهور ،وهي ستموت بعد أشهر على كل حال ، دق جرس البيت ،فهبت زينب ،فهي تعودت على زيارات دورية ومفاجئة من قبل الحزب أو الأمن ،لكنها أستغربت من عدم تكرار صوت الجرس ، فتحت الباب فرأت شيخا بلباس رجل دين وشاب طويل أبيض البشرة ، سأل الشيخ (هذا بيت أبو جواد ) ،نعم ، ( انت زينب ) ردت زينب بأستغراب (نعم ) ،فبكى الشيخ وبكى الشاب معه ، كاد الشيخ أن يقع على الأرض ،قال الشاب (تسمحلينا ندخل أختي ، أحنة أهل المرحوم سامر ) دخلوا وأشتدت حرارة الدموع فشاركتهم زينب ومن الداخل بكى أركان وبكت زهورة وحتى سمية ، وأبتدأ حديث مؤلم يتخلله امتنان عميق لموقف أبي واصرار على متابعة قضيته وقضية جواد ،حاولوا أعطاء زينب مبلغا من المال ،على سبيل الدعم ،رفضت طبعا (الحمد لله مستورة ، أبوية مكفي وهو موهنا ) ،طلب الشيخ من زينب ، أن يسمحوا لهم بتكرار الزيارة بين فترة وأخرى للسؤال عنهم ( أنتم أهلنا ) ، (لاتتعبون أنفسكم ) ،بعد ذلك استأذن الشيخ للأنصراف فودعتهم زينب حتى الباب ثم ودعوها وذهبوا ، وقبل ان تعود زينب الى داخل الدار ، قٌرع الجرس ثانية ،فتحت زينب فتفاجئت بهما مرة ثانية على الباب ، (بنتي زينب ، ابني ماهر يريد يطلب ايدج )،بعد ذلك لطالما ظلا (زينب وماهر ) يختلفان وهما يعيدان تقليب تلك الأيام ،هل كانت تلك المبادرة عطفا أم ردا لدين أم كما يسمونه الحب من لنظرة ألأولى ،ولكن هذا فوق كل شيء ،ليس هو ألأكثر ادهاشا ومفاجأة ، بل رد زينب التي أطرقت لثواني معدودة ،ثم نظرت بقوة الى عيني ماهر التي سقطت حياءا على الأرض ،ثم قالت بثقة ( أي عمي أوافق ) ، بعد ذلك بسنوات ظلت تقول لماهر ( بابا شبيك جنت زينب من صدك زينب المسبية ) ، زينب التي ظلت عصية على الرجال وكأنها أقفلت أنوثتها ورغباتها ،بعد تجربتها الفاشلة القصيرة وألقت المفتاح في الطين ،وافقت بسرعة ، تمت الخطوبة بسرعة وتزوجا قبل وفاة سمية بأسبوعين ،وأنتقلوا للعيش (وهذا كان شرط زينب ) للعيش في بيت أمي في الكاظمية ،بعد ان صادرت السلطات بيتنا في حي ألعدل وكل ممتلكات أبي ، وتغيرت زينب وأنبثق من أعماقها ماردان ، أو في الحقيقة كائنان ، الأول المقموع والمطموس وهو الأنثى الممتعة والمستمتعة ،فهي أحبت ماهرا ،وهو جن بها فقادته الى دروب الغواية والأفتتان ، فظل يصرخ حتى يبكي ( سعيد أنا سعيد يا سامر يا ألهي ياناس أنا سعيد ) ،أما الكائن ألآخر فهو رجل بكل مواهب أبي القيادية وشجاعته ،فهمت بتنظيف الفوضى واحصاء الخسائر والحد منها والبحث عن أبي وجواد والأتصال بي وبفارس والعبور بأركان وزهورة الى ماكان يتمناه أبي وامي لهما ، وكانت تتلفت لتجد ربحا أو كسبا أوسندا فما تجد غير ماهر وتقول (يا للجائزة ) ،ومنذ البداية ارتطما كثفافتين متنافرتين بل ومتعاديتين ،ولكن الصدام كان ناعما ،حيث الحب كان كفيلا بتذويب كل شيء ، ومثل أفعى مسحورة خلع ماهر طبقاتا عديدة من (جلوده ) ليكون لائقا لزينب ، فهي كما أمها ،خلقت لتقود ،ولكن هذه المرة تحت الأضواء وليس في الظل وفي دروب وعرة لم يعبدها أحد ، مثلما مهدها كاظم لخديجة يوما ما . جائني أبو نضال ،في أحد الأيام بعد أنقطاع طويل ،بصحبة رجل ،(هذا عادل صديقي ،يسكن في بيبيلا وليس بعيدا عن محلك ) ،وبعد حديث بسيط ومجاملات ،كنت ألح بسؤال أبي نضال عن أخباره ورجائه بأن لايطيل غيابه عني ، لم يجبني كالعادة وتهرب ليخبرني بأن عادلا هو طباخ ماهر ،وهو أليوم قد أعد لنا وليمة (بامية ) ،(عزل المحل وامشي نتغدة ) ،ذهبنا معا فعرفت موهبة عادل في الطبخ بعد أن تذوقت (باميته ) ،وعرفت كذلك أن الطبخ ليست موهبته الوحيدة فهومتعدد المهارات الى الحد ألذي ذكرني بكتيب صغير لأحد مقاتلي المدن في أمريكا اللاتينية ،حيث يشترط على الثوري ،معرفته استعمال كل الأسلحة وصناعة العبوات وقيادة كل أنواع المركبات وحتى الهليكوبتر ، كان عادل كذلك ، باستثناء تلك الهليكوبتر ، ولكن مع روح متواضعة ونزوع لخدمة ألآخرين ونشاط وخفة بالحركة بقامته الضئيلة ووجهه ألودود ،كان عادل ينتمي لجماعة ثورية شبه منقرضة تدين بالولاء لضابط شيوعي يدعى (سليم ألفخري ) لايرى غير العنف الثوري والأنقلابات العسكرية طريقا للخلاص (هذا على الأقل ما ينقل عنه )،قال لي أبو نضال ان عادلا هومن سيرتب لنا زيارة بغداد ،ذهبنا الى ستوديو للتصوير ،فألتقطت صورة رسمية ،قبل ذلك كنت قد حلقت شاربي في شقة عادل ، بعدها أخبرني بأن أحلق شعري (نمرة صفر ) والتقاط مجموعة أخرى من الصور واعطائها له ،وكذلك فعل أبو نضال ، بعد قرابة الشهر ،كان لدينا (أنا وأبو نضال ) جوازان أردنيان وبأسماءجديدة ،طبعا كلما حاولت أن أدفع بعض المال ، كان أبو نضال يقول (بعدين بعدين ) . تسألني يا جلعاد بعد ذلك أن كنا نريد العودة الى للعراق لذات السبب أوعلى سبيل ألدعم أو ألرفقة،فاقول لك ، ان لكل منا هدفه وغايته للذهاب ووحدها غايتي معروفة لعادل وأبي نضال ،أما بالنسبة لي فلم أكن أمتلك أية فكرة عن هدفيهما ,ولكنني وبعد تكرار وعمق لقاءاتنا بعد ذلك أدركت ان كل منهما لديه مشروعه ألخاص ، هم ينسقون جهودهم هنا في ألشام وأتفقوا مثلما فعلوا معي ،على أن نلتقي في بغداد بعد أن نفترق غداة وصولنا ،مع تأكيدهما على ضرورة اهتمامهم بي هناك وتوفير مكان آمن لي ريثما أتصل بعائلتي ،لم يكن أبو نضال (كما عرفت ببطء ) يرتاح لعلاقات عادل ( المسطحة ) كما يسميها رغم حبه واحترامه الشديدين له ،فلا الحياة ولا الوقت يسمحان لنا بسياحة حرةعلى أماكن وأناس عديدون بل علينا اختيار النخبه والعمل بقوة من أجل الهدف المعروف لديهم ولدي كذلك ، وأصبحت مؤمنا به كحالهم ، غير انني لي هدفا آنيا ،هومد يدي لعائلتي في محنتهم ،وكم أسعدني ما فهمته من ان ذلك أصبح هدفهما أيضا ،فان كنت قد خسرت أخا مؤخرا ،فان القدر أنصفني بتعويضي باثنين ، لكنني يا أخي يا جلعاد سأخسرهما أيضا وبسرعة للأسف . في (عمان ) عاصمة الأردن وفي فندق في( وسط البلد ) يدعى( باب العمود ) ،أقمنا نحن الثلاثة (عادل وأبو نضال وأنا ) بعد ان سافرنا ب(البولمان ) من دمشق الى عمان ،لم نحب تلك المدينة المتقشفة والفقيرة وهي تتدثر برائحة ( الفلافل ) المحروقة ،كنا من المفروض ،وفقا لهويتنا وجوازاتنا ، أردنيين وطلابا ندرس في العراق (ولدينا ما يثبت ذلك ) ،ونحن في طريق عودتنا الى بغداد ،قادمون من ( الكرك ) ،مسقط رؤوسنا ،فكنا مقلين في الكلام واذا ما تكلمنا فكلمة أردنية وأخرى (عراقية مكسرة ) بحجة كوننا طلابا ندرس هناك ،كنا نذهب مشيا على الأقدام كل يوم الى أطلال المسرح الروماني القديم ونتجول بين أعمدته ومقاعده الحجرية ونسترجع صدى الماضي الغامض ونتحاور حوارا متشعبا يتناسل من ذاته فيتكلم كل واحد منا طارحا أفكاره ورؤاه حول همومنا المشتركة ،وكم كنا مختلفين رغم (قضيتنا الواحدة ) ،كان أبو نضال أكثرنا بعدا وتطرفا في أفكاره ولكن أقوانا حجة وكم أرعبتني عدميته ( المتفائلة ) ،فهو لايهمه من ألشيوعية تحقيقها للعدل وألمساواة واقامة المجتمع اللاطبقي مثلا ،ما يهمه هو النموذج الشيوعي المقدام واقتحامه وطاقته اللانهائية بتحمل العذاب والمشاق وتقديمه نموذجا أخلاقيا فولاذيا ،كان يسعى للموت وفي الحقيقة الى موت غير عادي ،موت مرعب يثير فزع قاتليه ولقد كان يكتب شعرا جميلا يتحدث عن حبيبات مخذولات ينتظرن حبيبا لن يأتي على موانئ منعزلة ،ترسو عليها سفن فارغة مكسورة الصواري مثل رماح أبطال يخوضون معاركا غير متكافئة دائما (كمعركته ) ،والريح تهز نخيلا ناحلا يابس السعفات ،كان وحيدا مثل نجم بعيد ولايتحدث عن عائلته أو طفولته وكأنه ولد من غبار ألحروب ،على العكس منه كان عادل الى الحد ألذي يجعلني أتسائل ،من الذي ألقى بهذا الرجل هنا فهو بسيط مثل أفكاره ،فالشيوعي بالنسبة له هو الأنسان الطيب ألذي يحب الجميع حتى أعدائه وما نمر به هو مؤقت ،رغم ذلك علينا أن نعد العدة ونتحسب ،كان كأي حرفي يحب مهنته وعليه أن يتقنها وكل ما كان يقوم به ويتقنه فهي (عدة الشغل ) ،سيتركها يوما ما ليقضي حياته في مقهى مزدحم ، كم كنت غريبا بينهم ،لكنني أدركت انني لم أكن شيوعيا أبدا وأيضا أيقنت انهم لم يكونوا كذلك ، ولكنني كنت متورطا ،ورطة لذيذة ،آثرت الأستمرار بها مع صحبة لن تتكرر ، لن تتكرر أبدا يا جلعاد . زاد عادل من جرعة المغامرة بأن يجعلنا نعود الى بغداد في باص لايضم سوى طلبة أردنيين ،بما يعني ذلك من مجازفة كشفنا وعول على عامل التمويه في نقطتي الخطر ألحقيقة وهما الحدود الأردنية والعراقية ،وأعطانا أبو نضال دروسا في كيفية التعامل السلس والعفوي في أوقات الشدة وبالمقابل اعتمدوا على تجربتي في الحياة الجامعية لسد الثغرات المحتملة ،وأنطلقت الرحلة وأبو نضال يزداد تهورا كلما أقترب الخطر وعادل لايكف عن الأبتسام ، أما أنا فقد أسلمت نفسي لقناعة ، أنهما محصنان ولايوجد كمين في العالم ممكن أن يقعا فيه ،وفعلا تجاوزنا كل نقاط الخطرووصلنا بغداد ونزلنا في الصالحية ، أخيرا هاهي بغداد بوجهها المدمى بفعل الحرب والعسكرة ،لكنها بغداد ،مثل فاتنة لاتشيخ وتظل ترسل بعلامات فتنتها رغم كل شيء ، استأجرنا تاكسيا ليقلنا الى( بغداد الجديدة ) ،حيث شقة هيأها عادل لنا ،وكم كانت مفاجئتنا كبيرة عندما علمنا بأن من يقيم في الشقة زوجته وابنتهما ، كيف يحصل هذا يا عادل ،حتى أبو نضال لم يكن يعلم بأمر زواجه . عندما أتذكر تلك الأيام يا جلعاد أسترجع مشاعري وأنا مع عادل وأبي نضال و يقيني لغامض من انني أعيش مع مخلوقين آفلين ،فهما لاينتميان الى عالمنا الا بعقد مؤقت، شيء ما فيهما يؤكد لي بأن مايربطهما ويشدهما اليه واه وسريع التهتك وسينقطع في اية لحظة ،وبالتالي سأخسرهما ،رغم ان هدفيهما مختلفان وطريقيهما متباعدان ولكن العدم وجهتمها ،كنت قد عرفت ذلك عن أبي نضال منذ البداية ،لكنني ما ان رأيت عائلة عادل حتى تيقنت ، ان مصيرهما واحد وصحبتنا قصيرة وكم حاولت أن أدخل هذا الخواء ( المتفائل ) الى روحي ،فأخفقت وبقيت (مواطنا عاديا )،كانت زوجة عادل نموذجا لفلاحة تكدح في أعماق الهور فهي تستيقظ صباحا لتعجن وتخبز وتحضر للغداء بينما هي تعد ألفطور وتنام مثل بهيمة بعد غسيل ألصحون وألملابس وتقشير وأعداد مائدة ألغد ،فهي تدور حول واجبات منزلية تافهة ، أما أبنته فهي بعمر ألخمس سنوات وهي صامتة على ألأغلب ولاتطلب شيئا ،فأذا ما أرادت شيئا فتطلبه بهمس من أمها ألتي تقوم بضربها في أغلب ألأحيان،ورغم غياب عادل ألمستمر عن ألبيت فأن له سلطة مطلقة ،يبدو أنها تتواصل حتى في أوقات غيابه ألطويلة ، كنت أحدث نفسي ( أية عائلة شيوعية هذه ). بعد يومين من ألراحة وتبديد تعب ألسفر وألقلق ،خرج عادل وتركنا أنا وأبي نضال في ألبيت نلهو مع (حياة ) أبنته ،بينما كانت زوجته تعمل كالمكوك ،من غسيل وتنظيف وطبخ وخبز ،وكانت كل ساعة أو ساعتين تأتينا بشيء جديد ،شاي أو كليجة أومكسرات وغير ذلك ،غاب عادل حتى مابعد ألظهر ،وعندما عاد وبعد أن ألقى ألسلام ،خاطبني (رتبت لك موعدا مع ماهر غدا في كورنيش ألأعظمية ) ثم قال لأبي نضال (وسامي ينتظرك قرب نادي ألأخاء ألتركماني قرب شارع فلسطين ،ألساعة ألثامنة مساءا )،وفي ألحقيقة هذه هي موهبة عادل ألحقيقية ،قدرة أدارية وتنظيمية وأمكانيات هائلة في تحقيق ألمحال ،كنا على وشك ألأفتراق نحو غاياتنا ألمتباعدة ،أبونضال سيتوجه مع سامي ألى مكان ما ربما يكون شمالا صوب كردستان ،وأناسألتقي مع ماهر ثم زينب لتبدأ رحلتي في لملمة ألجراح ،أما عادل فلقد قال لنا مشيرا ألى شقته (هذا ألمكان أحترق ) ،اي أنه لم يعد صالحا أمنيا ،فوضع لنا سلسلة من مواعيد دورية وفي أماكن مختلفة للقاء في حالة ألطواريء أو للترتيب للعودة ألى ألشام ، أذا كانت ثمة عودة ،وأبلغنا أنه سينتقل مع عائلته ألى مكان جديد ،كان أبو نضال معتادا على ذلك ، أما أنا فلقد خمن عادل أرتباكي فقال لي ( سأكون عموما قريبا منك وأستطيع ألتدخل وألمساعدة وقت ألحاجة ) ،بدوري قلت (زين محد محتاج فلوس ) قال عادل بلهجة حاسمة ( أعطي أبي نضال ثلاثين دينار ) ،ففتحت محفظتي وقلت لأبي نضال (خذ ما تريد رجاءا ) أخذ ثلاثين دينارا وأبتسم وبانت تلك ألثغرة في صف أسنانه ،شعرت بشعور مريح ومبهم فكأنني تسللت من تلك ألثغرة ألى روحة ألصخرية . تعرف علي ثامر ببساطة وعانقني ،ثم عانقني مرة أخرى وبكى ،وقال هذه دموع زينب وتحياتها ،فبكيت بدوري وسألته ،متى سألقاها، أنشاء ألله غدا ، وقادني بسيارته ألى منطقة في بغداد ( ألكرخ ) تدعى (حي دراغ ) حيث بيت أخته ،ألمتزوجة من ضابط بدورها ،أستقبلتنا بترحاب هي وزوجها ،مما أثار دهشتي ،كانت (سفانة )وهذا أسمها لازالت ترتدي ألسواد حدادا على أخيها سامر ،وعندما أستقبلتني ،أنخرطت في نشيج مؤلم ،وقال زوجها (غزوان ) ،تفضل ألبيت بيتك ،أربكتني طريقة تعامل ثامر وسفانة وغزوان معي ألمتضامنة وألداعمة بل وألمتواطئة ،وهم من كنت أعتبرهم على ألضفة ألأخرى من عالمنا ألمصنف كالعادة من ( أخيار وأشرار )،فهم ضباط ورجال أستخبارات وحزبيون ملتزمون ،كم من ألجسور ممدودة بين ألبشر؟ ونحن نصر على حفر ألخنادق بيننا ونتمترس خلف أوهامنا وأفكارنا ألمسبقة ،لم يكن أرتباكي يا جلعاد من كرمهم فحسب بل من خيبتي وأخفاقي في فهم تلك ألمعركة ألعبثية بينهم وبين أبي نضال وعادل ،تلك ألمعركة ألتي تركت ندوبا على جسدي بخسارتي لجواد وأمي وربما أبي ، وتبقى روحي رغم ذلك تحلق بعيدا عن هاوية ألكراهية،وتبقى جلدتي ( ألثقافية )تصر على تأدية وظيفتها ،ماذا يفعل ياجلعاد ،رجل مرتبك مثلي وسط جيش مسلح بأهدافه ويزحف بتصميم لمحق ألآخر (عدوه ) ،أدركت بأنني سأكون عبئا عليهم ،لمقاومتي ألغريزية للطي والتصنيف ،فاجأني (غزوان ) أيضا بجسارته عندما قال ( أن أكثر ألأماكن أمنا للقاء زينب هوبيتها بالذات ،سأضعك في صندوق سيارتي لو سمحت وسأدخل سيارتي في ألكاراج ،في ألليل طبعا ) ،كنت محميا يا جلعاد بروح أو مجموعة أرواح تهيئ لي كل شيء حتى حسبت نفسي محظوظا رغم كل خساراتي ،يا ألهي كم تغيرت زينب فقد زاد وزنها (في ألمناطق ألتي أراد لها ألله أن تمتليء ) كما يقول نجيب محفوظ في روايته ( القاهرة الجديدة )وصارت أكثرجمالاوأنوثة ،لكن رمحا من ألحزن يظل شاخصا في روحها ونظراتها
ألفصل ألثالث كاظم في محبسه ظلت سيارة الأمن تدور بي ،ياجلعاد،وأنا معصوبُ العينين ،وكنت أتلقى لكمات و(كفخات )بين الحين والآخر من رجال الأمن وهُم يشتمونني أويسخرون مني ،ثم توقفَت السيارةُ وأنزلوني منها وقادوني بين ممرات وسلالم ثم رفعوا عن عيني الخرقة القذرة ودفعوني الى غُرفة باردة وفارغةومعتمة ومنخفضة السقف كأنها قبر،وتركوني هناك لساعات ومثانتي ممتلئة وأنا في أسوءحال،ولاأسمع الا بعض وقع الأقدام المسرعة بعيدا عني أو بعض الضحكات الداعرة أو الشتائم البذيئة ,ولكنني لم أكن أسمع صراخا أواصواتا لمعذبين كما توقعت ،فعرفت أن حفلات التعذيب سوف لن تبتديء قريبا ،في تلك ألساعات الرهيبة يا جلعاد ،أدركت أن حياتي سوف لن تعود كما كانت أبدا،وان خسائرا ثقيلة ستصيبني،وفي تلك الساعات يا جلعاد مددت يدي بعنف وقوة وعميقا في جوف روحي وأخرجتُ منها كاظما آخرا او شخصية جديدة ،وقررت ان أُقاوم وأن لا أكون اضحوكة لهؤلاء الأوباش ، الذين بدأت أكرههم للمرة الأولى ،صممت أن أتحمل خسائري وأن أحافظ على مايتبقى لي من اعزاء ،وانتظرتُ بصبرٍ حصاديَّ المر ،كنت قد سمعت أثناء نقلي الى هذا ألمكان ما حصل لسامر ، ولم أكن ساذجا لأتصور ان مصير جواد سيكون أحسنُ حالا ،لكن املا ضعيفا وغامضا ظل يراودني بامكانية نجاته ،لم أتوقع أن قائمة خسائري ستتضمن خديجة وسمية ،تذكرت مشردين وصعاليك وانبياء وبرص ومجذومين ،استحضرت كل عذابات الكون ،وأعتبرت نفسي سعيدا رغم كل شيء ،وأسترجعت اشعارا واقوالا لجلال الدين الرومي ومحي الدين بن عربي والنفري ،كنت قد قرأت منها شذرات هنا وهناك ، وقلت لنفسي أنت سعيد ،سوف لن اتحدث لك ياجلعاد عن ما حصل معي ، لأنني تقريبا نسيته ،كنت أتعذب وجسدي يحلق في زمان مختلف ومكان آخر ، أتَّقبل الأهانات والمماحكات والتدافع من أجل لقمة تافهة أو قدح شاي اسود ،بل وحتى لغرض الذهاب لدورة ألمياه ،اتقبلها مبتسما ،لم أكن ابلها أومتعاليا أو متصنعا ،كنت أنتظر فحسب ،لأعود لحياتي ، لأُشذبها ويزداد ولعي بها وارتشافي لرحيقها وتنّفس وابتلاع روائحها وروائعها، يا للانسان ياجلعاد ويا لينابيعه ،فلقد نسيت عالمي القديم ،وأصبح عالمي هو محبسي وكأنني خلقت منذ البداية هنا ،ونسيت ان لي عالما آخرا،حجي نجم وخليل أبو غايب وشندي العنقرجي وغيرهم ،اصبحوا عالمي أحبوني منذ البداية ،فغسلوا جراحي وشاركوني محنتي (وكم كانت محنة بعضهم أكبر )،فصاروا عائلتي فأحببتهم وبادلوني بحب أكبر ، وقلت في سري سوف لن أنساهم ،هم أهلي ،فكان حجي نجم يقول (جينكو ) علاقات السجن (جينكو ) ، ما أن تخرج من هنا فسوف تنسى كل شيء ،بل وتتهرب منا وكأننا لعنة ،ستعود لعالمك يا ( أبا جواد ) ،عالمك الكونكريتي ،المتين ،( انت موجود لتحيا ،لتستمتع وتغني وتحب ) وهذه ليست جناية فمن يعلم ماهو الخطأ وماهو الصواب ، مايحصل لنا (كان خطأً يا جلعاد ) وماكان ينتظرني من مفاجآت (بما فيها أنت ) ومرض جابر وبقاء رأسي معلقا على اكتافي ،هو مزيج من صواب واخطاء ،تعلمت أن أتقبلها ،بل واتناولها بالشوكة والسكين بهدوء ناسك فقد شهيته منذ زمن بعيد ، لم أكن مقتنعا حينما كان اولادي جواد وفارس وجابر بعيدين عني ، رغم اطمئناني عليهم كونهم بمنأى عن ساحة الوغى ألتي خلقنا بها في بلادنا ،فلقد كنت قرويا في الصميم ، أُريد منهم أن يكبروا امامي وأهمُس لهم هواجسي وما تبقى من (حكمتي )وكذلك استمد من شبابهم قوة لي ،وكأن الحياة شجرة متداعية لاتقف وتنمو وتعرش ألا بتعاضدنا ،فحرمت منهم ومن قوتي ،لكن نبعا للقوة تفجر من مكان آخر لاأدريه ،لم تهمني يوما يا جلعاد فكرة الحياة الأخرى والعقاب ،لم أكن مؤمنا ولم أكن ملحدا كذلك بالمعنى ألفلسفي ،وأنما كنت أقوم بتأجيل وترحيل هذا السؤال لمستقبل لاأدري متى يأتي ،ولكنني كنت أقول في سري دائما ان الله اذا ما وُجد فهو أجمل وأرحم وأرفع من حارس للجحيم وأكثر رفعة من ملاحقتنا ونحن نطارد نساء الآخرين بغرائزنا وعواطفنا المتقلبة ، ولكن في محبسي كنت بحاجة لهذا لعالم الآخر ،حيث الأحبة لذين رحلوا من غير وداع ،جواد وخديجة وسمية ومن ليس أدري غيرهم ، لاتسخر مني يا جلعاد حيث سأقول لك كيف خرجت ب(رؤية ) كان جنينها في طبقة خفية من وعيي ،أو ربما لاوعيي ،كنت أفكر بأن الزمان والمكان غير مطلقين كما يقولون ، فالمكان محدد وموجود وهو غير مكاننا هذا ، اما الزمان فهو غير موجود ،بل هو عقوبة لقوم منفيين من المكان الوحيد والخالد هو ومن فيه ،هؤلاء القوم هم نحن ،فنحن ياجلعاد معاقبون بفكرة الزمان وتعاقبه واندثاره ،ولا أدري ماهي جنايتنا التي اقترفناها فغدونا مستحقين لتلك العقوبة ، اذن نحن منفيون ومعاقبون بفكرة الزمن وعالمنا الحقيقي نتواصل معه بطريقتين عبر الحلم والموت وهما فكرتان فحسب ،فالموت هو نهاية العقوبة وعودتنا الى عالمنا ألحقيقي (وهو الوحيد ) اما ما نحن فيه فهو وهم او ظل ،واثناء اقامتنا في هذا الوهم او الظل نستطيع التغلغل وزيارة عالمنا الحقيقي مؤقتا عن طريق الحلم ،فلاوجود للموت اوموتى اوشعوب وعوالم وحضارات غيرنا ، هو عالم واحد ومطلق الجمال وسنعود اليه عن طريق فكرة الموت ودحض فكرة الزمن .كان الحاج نجم واولاده الثلاثة محكومين بنفس تهمتي ( أو رقم المادة في قانون عقوبات صدام ) وهي ( التستر ) ،لكنهم تركوا الأثنين المتبقين من اولاده احرارا ،لسبب لايعرفه أحد وكذلك لم يصادروا محله المتخصص ببيع ( الفرفوري ) والكائن في الشورجة ،وقد كنا معا في الأمن ألعامة ،وبعد الحكم علينا وبالحكم المؤبد ، انتقلنا معا ألى سجن أبي غريب وفي ذات ( القاف )،كما يسموه هناك ،ولم يكن السجن بالنسبة اليه سوى امتحان واختبار وكذلك مطهرا للذنوب واحدى أقصر الطرق للجنة ،فكان يستيقظ صباحا ويصلي جماعة مع أبنائه والعديد من السجناء ويتركني نائما (أتركوه لأبي جواد ) ويعد وجبة الفطور وينظف المكان ويشطف بعض الملابس ،ولايتناول فطوره الا متأخرا فهو ينتظرني ، ولم يكن يكره سجانيه ويبتكر لهم اكثر من مبرر ( احنة موخوش ناس أبوجواد )،وعن طريق علاقاته وبمعونة ابنيه ومعارفهم ،سمعت اول الأخبار عن اهلي وعلمت بزواج زينب من أخ سامر ،فبكيت فرحا وكمدا وبكى حجي نجم معي وهو يقول ( اي اي طلعهه لدموعك مو كتلتك )،وحين سمحوا لنا بمواجهة ذوينا بعد فترة ، أوصل الخبر لزينب وأعد مكانا ظليلا للقائي بأهلي على مقربة منه . رأيت امامي ثلاث نساء في آن واحد ،كن خديجة وسمية وزينب قد حضرن امامي بوجود واحد جميل جدا وقوي ومؤثر هو زينب ، يا ألله كم تغيرت زينب ،وكأن يدا خفية تريد ان تقايضني بما خسرت ،كانت ترتدي (العباءة ) ،فرمتها ما أن رأتني وصرختْ ولطمتْ وصُرنا محط انظار باحة السجن رغم ان المأساة تلف الجميع ،بكيت لبكائها لكنني كنت فرحا وفخورا بما آلت اليه زينب ،ولم أنتبه الا متأخرا بوجود رجل لاأعرفه ،كفكفتْ دموعَها وقالت وهي ترفع رأسها بقوة ، زوجي ماهر (أخو سامر بابا ) ، وكأن المقايضة مستمرة ،شخص مختلف رغم بعض الشبه البعيد بسامر ، احتضنته وكأنني أُمسك بخساراتي واحاول اعادتها الى ذاتي الجريحة ،أَمسك ماهر بيدي وهو يقبلها باكيا ويردد( اشكرك عمو اشكرك ) ،وكنت اظنه يشكرني لما فعلته لسامر ثم فهمت أنه يشكرني لأهدائي زينب له ،كان فخر احدهما بالآخر ينافس حبهما لبعضهما ،كانت زينب تقود كل شيء ،تقودنا جميعا ، مثلما كانت خديجة تفعل ولكن ليس بالخفاء كحال خديجة ولكن علنا ، وربما هذا العلن مقصود ، ليعيد الجيش المهزوم تنظيم صفوفه ،شعرت براحة تسري بجميع اعضائي وروحي وجروح روحي العميقة ،وأنا أسلم قيادي لزينب . عندما ذهبت زينب ، ادركت بانني سأعيش وسأخرج من هذه الحفرة وأرى جابراوفارس وزهورة و... ،لكنني لم اتوقع ان المقايضة ستنتهي بك يا جلعاد ،حدثني يا جلعاد فأنا أعلم انك تجيد الكلام مثلما تجيد الصمت . لقد أعجبتني فكرة الزمان والمكان غير المطلقين يا عماه ، فهي تهيأ لي وتفرش لوجودي الهش ،مكانا ما ،ربما عشتها فعلا في ماضٍ ما ،حيث كنتُ فعلا جزءا منكم ،فلطالما يراودني هذا الأحساس ،بأنني انتمي اليكم ،لجابر ولك على الخصوص ، فرغم ولائي لعائلتي وديني وتقاليدنا ،كنت أشعر انني جرم ضائع من كوكب بعيد ومعتم ،وهو أَنتم بصراحة ،وقد وجدتكم أو عدت اليكُم ،فلا يمكنني تصور نفسي بدون جابر وبدونك لاشك ياعماه . لدي ثلاثة جوازات كما قلت لك عماه ،مغربية واسرائيلية وكندية ، والأقرب لي هو المغربي ، الأسرائيلي لم أستعمله ولا مرة ،ولا اتصور انني سأستخدمه ، أنا مغربي وأفتخر بذلك ومايربطني بيهوديتي مشاعر غامضة وولاءٌ اعمى لأبويّ واخوتي وعائلتي القريبة عموما ، لااستطيع الأنفكاك عن تقاليدنا في الأكل والشراب وبعض الطقوس الكسولة وكذلك الانتماء الخفي لتأريخ غامض وقوم منفيين هاربين من تكالب أعداء متعددين ، الماضي يدفعني بقوة لحشر نفسي مع آخرين مذعورين واليهودية لاتعني لي أكثر من خبز أسمر وجبن موضوع في جرار مملحة ولحم مقدد ننتظر كي نأكله وجنس عائلي بائت ، لاأستطيع كراهية يهوديتي ولانزعها وارتداء معطف آخر،وبالمقابل لم أقدر على حبها ، وللغرابة فأن من جعلني أفعل ذلك هو جابر لاغيره ،فهو بشخصيته الخالية من الأرقام السرية ،الكريمة والعميقة الى حد الرعب ،حبه المحايد للحياة وتفوقه على الجنس بتحويلة الى حيوان داجن وبشكل مباشر ،لانتمائه لعالم آخر غير هذا العالم ، بسبب كل ذلك ،دفعني لاعتبار جابر هو اليهودي النموذجي أو اليهودي الاول ،بل وحتي( اليهودي اللايهودي ) ،وفقا للكتاب الذي أهداني اياه يوما ما ،ولااكتمك يا عمي اختلاط مشاعري وكثافتها وتقلباتها بل وشمولها في بداية توثيق معرفتي بجابر وكم اصابتني الحمى من هول رغباتي الفوارة بحبه وخوفي من الوقوع في المحذور وبالتالي استسلامي ( لأنحراف ) في مشاعري تجاهه ،ربما ستجعلني أخسركل شيء ،وكالعادة فأن من أنقذني هو ،ماغيرُه ،فأمتدت يدُه الحانية والعارفة الى احشائي المذنبة والملتهبة ،فداواها ، واشفى جراحي، ومن بعد شقائي قادني للتجوال بهدوء في خمائل صداقة روحية وسابقى راقصا وسعيدا مثل صوفي في تكيته . درستُ الهندسة الميكانيكية ولكن الفلكَ استهواني ،فتخصصتُ به وبالذات محاولة الأنسان للتواصل مع فكرة وجود حياة اخرى في هذا الكون اللانهائي الأتساع ،واصبح هذا التخصص ،ولعاً بعد ان حصلتُ على بعثة دراسية الى (ناسا ) ،ولا أكتمك يا عماه عن الشروط الثقيلة والتي ذلّلها أبي عن طريق علاقاته ،وكم افادتني ديانتي اليهودية لتزكيتي ، فلقد كان انخراطي في الC.I.A شرطاً لدخولي لناسا ،والأبعد من ناسا ،وما أقصدُه يا عماه هوذلك المرآب الهائل والسري والأسطوري في صحراء نيفادا ،وفيه كل محاولات الأنسان لأستكشاف مجاهيل الكون من سفن ومركبات فضائية ،ما سمعنا به وأكثرُه لم نسمع به ،والأبعد من ذلك وهو ما هالني وصدمني ، المسعى الحثيث لحيوات ذكية أخرى في عوالم أخرى للتواصل معنا ، فكانت صحونٌ طائرة ومركبات فضائية عملاقة تعمل بطاقات خفية وتقنيات لقهر الزمن وطي المكان والأسراء عبر منعطفات كونية مختصرة ومسارب ملتوية وثقوب سوداء وخرائط ،مثل خرائط المترو للتنقل من مجرةٍ لأخرى ،وروبوتات مختلفة الأحجام وحتى جثث ،لاتَفنى لكائنات قادمة من المجهول ،على غير الصورة التقليدية التي تعودنا على رؤيتها في الأفلام ،فهي رائعةُ الجمال متحولةُ الألوان ،بعيونٍ لاتموت ،تظلُ عاكسةً لأعماق الكون وعجزنا عن الأمساك به .فتعلمتُ درساً مشوشاً ،وضعه لي فيما بعد ،جابر في قالب سلس ،كما تعودتُ على ذلك منه (( أن موتَنا ،ماهو الا فكرتُنا عن الموت ،فهناك اكثرُ من موت ،مثلما ان هناك اكثر من حياة ))، اعتذرُ يا عماه من استرسالي ،لأنني اريدُ ان أصل الى هذه النقطة ،بسبب هذه الرؤية ،سيقهرُ جابرٌ المرضَ ،لأنه الآن يجربُ حياةً أخرى ،وكلُ ما أتمناه هو ان اكون موجوداً قربه ،عندما يعود الى عالمنا .
#كامل_عبد_ألرحيم_ألسعداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألفصل الثاني من رواية ( أبني اليهودي )
-
ألبندول ألعراقي أللبناني
-
ليل علي بابا ألحزين
-
سؤال أفترضي : هل يمكن للشيوعيين أن يقوموا بأنتفاضة تسقط ألما
...
-
حسن نصر ألله من منظور ماركسي
-
رواية : أبني أليهودي ألفصل ألأول :جواد يدفع ألثمن ألأهداء أل
...
-
وهم ألليبرالية في ألعراق
-
درس في ألعدمية ألسياسية
-
ألأثمان ألباهظة قراءة في رواية (سيدات سيبيريا ) للكاتب هنري
...
-
ثلج للكاتب ألتركي الحاصل على جائزة نوبل أورهان باموك
-
ألبنية ألخفية للأرهاب في ألعراق
-
في وداع شارع ألمتنبي
-
أمريكا وألعراق وجه مثخن بالكدمات
-
ألسفير كروكر وأثيل ألنجيفي وعبد ألكريم قاسم
المزيد.....
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|