سامح المحاريق
الحوار المتمدن-العدد: 1335 - 2005 / 10 / 2 - 10:45
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أزمة المرأة العربية أنها خرجت من ((الخباء)) التخيلي الذي حاصرتها في داخله الموروثات الملتبسة بين مفهوم ((الحريم)) بشقيه الشرقي والغربي, إلى قارعة الطريق بشكل فجائي ومشوه دون حصيلة تراكمية أو غطاء معرفي, وهذه الحالة لا تنفصل عن أزمة مجتمع فهي أزمة في أساسها ((لا جنوسية)) وإن كان تتبعها بشكل منفصل يعتمد أساسا على خصوصيتها البالغة في التميز والتعقيد, وتعد الرواية العربية الذكورية أحد الحقول الخصبة لتتبع تطور تجليات الواقع المأزوم من خلال الصورة الذهنية التي فرضتها الرواية والقصة على الأنثى العربية وتحولاتها غير العادلة وغير المنطقية وفق المزاج الذكوري الاحتكاري..
والمستغرب أن المرأة أخذت مسارها في الرواية العربية من الصورة / المثال / حواء المعطاء, المتفقة مع البدايات الرومانسية لرواية الثلاثينيات والأربعينيات - برغم تغييب أهم خصائصها الحقيقية وتجييرها لقالب أوروبي جاهز - إلى صورة المرأة تحت الوصاية لحكمة الروائي الواعظ البطريركي توفيق الحكيم / إحسان عبد القدوس, مقيدة بادعاءات ساذجة بفهمها وكأن المرأة لا تمثل سوى ظل أو صورة مرآة للعقلانية المصطنعة لأدب الواقعية الاجتماعية, وصولا إلى صورة المكمل للناقص ذكوريا لدى جيل القلق رؤوف مسعد / صنع الله ابراهيم / ابراهيم عبد المجيد بإفراط شديد, المستغرب أن المرأة بقيت سلبية تجاه ظلها الروائي حتى أدانت أروى صالح متهكمة وناقدة بسخط وسخرية في فصل ((المثقف عاشق)) في عملها شبه الروائي, شبه الذاتي ((المبتسرون)) ذلك السلوك الأناني الذي نهجه الروائيون والشعراء ¯ طليعة جيل الستينيات والسبعينيات- تجاه المرأة, والذي رفض صورة المرأة المناضلة والبرجوزاية الصغيرة, التي تقبل أن تبذل رأسها وجسدها مقابل كوب من الشاي المر في مقهى متواضع, لامرأة متخيلة مصقولة الصورة تليق به فعلا, وبين المرأة التي تشاركه أحلامه وتكون ضحية عقده ونواقصه,والتي يتنظرها ويرتهن لها دون أن تتحقق أو تأتي, ((إنها كما تتجلى أحيانا في أعمالهم الأدبية إلهة صغيرة, تمسح الجراح وتعوض عن الهزائم والخيبات وما أكثرها, وتحتضن وتحتوي وتعطي الأمان المفقود في العالم كله, وهي فضلا عن ذلك ¯ بالطبع ¯ جميلة دائما عيونها سود أو عسلية أو خضر وكلها دائما واسعة ومع ذلك فالإلهة برغم مقامها العالي لا تزيد عن المومس أو الزوجة الخرقاء فردية بمقدار ذرة واحدة, انها نمط أيدلوجي مثلهما تماما..)) أروى صالح ¯ المبتسرون (شهادة ذاتية).
** النداهة.. (يوسف إدريس)
لم تمثل المرأة ذلك الرعب المقيم ليوسف ادريس, فانتقلت في صورتها الأدبية من موضوع الادانة إلى أداة للادانة, إدانة المجتمع وعيوبه وشروخه, واصبع يشير إلى العجز والانتكاس في قدرة المجتمع على النهوض والتطور, بصفتها الجانب الأضعف في مجتمع ضد الأنسنة, فسقوط عزيزة في ((الحرام)) و فتحية في ((النداهة)) لم يكن سقوطا ذاتيا, بل كان تجليا لانهيار قيمي ومتتابعات من السقوط, يأتي كسر الضلع فيه نتيجة لانكسار الجسد.
نساء ادريس العاديات مثلن حالة متفردة في صورة المرأة العربية, فادريس قدم صورة المرأة اليومية وانحاز لها على حساب المرأة السوبر التي تليق بفحولة الرجل العربي وترتهن لبطولاته الوهمية الناتجة أصلا عن هزائمه الكبيرة ( ما حاولت أروى صالح أن تظهره في رؤيتها بأكثر من طريقة ), ف¯ ((بيت من اللحم)) كان البيت الموضوعي لعمل ومشروع يوسف ادريس الادبي البعيد عن الذاتية وتوابعها التقليدية, فموقع الراوي المتلصص الذي اتخذه ادريس أتاح له أن يرى المرأة ببانورامية نادرة, ولم يحصرها في صورة المتمم لصورة الرجل والظل والمتنفس, وعموما غابت صورة المرأة المغوية (ليليت, المرفقة باللعنات والاعجاب لدى كثيرين) فبالكاد تظهر كمفارقة كاريكاتيرية ساخرة من الرجولة المستعارة في قصة ((آخر الدنيا)).
وقريبا من نساء ادريس تواجدت نساء الجزائر الثورة في أعمال محمد ديب ومولود فرعون, المرأة التي يجب أن تعطي كثيرا مقابل القليل, وربما مقابل الأردأ على الاطلاق,, وهو ما يدينه مولود فرعون الأديب الجزائري الكبير في أعماله الروائية ((وكانت على قدر من الطيبة يتيح لها أن تتحمل ضرباتي وتتحمل سخرياتي بصبر قلما وجد عند طفل في مثل سنها ولم يكونوا يتأخرون في أن يدخلوا في روعها أن لطفها واجب عليها وأن موقفي حق, وكانت تسمع كلما تشكت مني الجواب نفسه " أليس هذا أخاك ? ما أسعدك أن يكون لك أخ, حفظه الله لك ! كفي عن البكاء وامضي فقبليه".
وبفضل هذه الطريقة انتهى بها الأمر إلى أن تعتقد بعدم فصل التعبير "حفظه الله" عن اسم الأخ, وكان من المؤثر أن يستمع المرء اليها تقول لجدتي وهي تبكي :
- إن أخي ¯حفظه الله ¯ هو الذي أكل حصتي من اللحم, وأخي حفظه الله مزق منديلي. لقد حقق الله أملك أيتها الأخت الصغيرة التي أصبحت ربة أسرة, فقد حفظ الله لك أخاك السيء))
** ابن الفقير - رواية لفرعون
وبذلك يدين فرعون مجتمعه الجزائري والعربي, الذي كان يعتبر الابن الذكر وحده المستأمن على طموحات الأسرة ووحده القادر على تحقيقها وعلى الشقيقة/ الأنثى أن تضحي من أجل هذه الغاية بدون شروط مسبقة وحتى بدون وعي أو مبرر ولو صوري لهذه التضحيات المجانية.. "أخي ليحفظ الله لي أخي, أخذ حصتي من اللحم" تلك الجملة على لسان الطفلة/ الشقيقة الصغرى التي كانت مضطرة دون تفهم سبب ذلك أن تتقبل التضحية بحصتها من الطعام وتحمل الأذى الجسدي من شقيقها الأكبر مع ذكرها الدائم لجملة حفظه الله وكأنها جزء من اسم الشقيق, عبرت وبدقة عن أزمة المرأة العربية, والتي ليس لها أن تنتظر شيئا حقيقيا وملموسا سوى الهزائم والسقطات التي يعتبرها المجتمع بوابتها ونتيجتها وضحيتها الدائمة والجاهزة والأقل إثارة للجلبة والرثاء.
** فيسة.. (نجيب محفوظ)
أسس نجيب محفوظ كرائد لمدرسة الواقعية الاجتماعية لصورة المرأة الأكثر تماسا مع اليومي ومع مجالها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ككائن أقرب للايجابية والمبادرة والاستقلال بالتالي, فنجيب محفوظ يعتبر ممن عايشوا الجيل الأخير من الطفرة التنويرية بما جعله يؤمن فعليا بكون المرأة كائناً ايجابياً في إنجازاته وأخطائه, وحتى المرأة الضحية القريبة من نماذج ادريس ((نفيسة)) في ((بداية ونهاية)) تحركت في تصرفاتها من حالة الوعي ومن خلال طموحها الذاتي وتوقها إلى الخلاص في صورته الفردية والجماعية, لقد كانت نفيسة محركة للحدث الروائي ومسؤولة عن سقوطها في الأساس بخطوات استباقية واعية, كذلك كانت ((نور)) في ((اللص والكلاب)), أسس نجيب لإخراج المرأة من سجن الجسد وتبعاته, فتلوث الجسد منفصل عن سلوك الشخصية وذهنيتها, المرأة في روايات نجيب محفوظ كائن مقاتل ايجابي بافراط, يحمل حساباته الشخصية ويمضي لتحقيقها, وبكلمة أخرى كائن مستقل لا يتوازى مع الرجل أو يتقاطع معه إلا في اطار مفهومه ورؤيته, ((زهرة)) في ((ميرامار)) مثلت نمرة مقاتلة ضد كافة اشكال الاستغلال الجسدي أو الفكري التي تعرضت لها.
في النفس ذاته الذي قدمه محفوظ قدم حنا مينا ((شكيبة)) في ((الياطر)) ومجموعة كبيرة من النساء في أعماله الروائية المختلفة, وإن كان دور المرأة يأتي دائما في مساحات أقل من الدور الذكوري مما قد يوحي بميل حنا مينا إلى جانب الذكر بشدة, فذلك عائد لأسباب تقنية بحتة تتعلق بتكنيك السرد الذي يتبعه مينا والمعتمد على السرد (( الحكي )) المسهب والمتصاعد في تكامل درامي, وليس لرؤيته للأنثى التي جعلها تكسر دوائر التضحيات المجانية وتختار الخروج من المتاهة والضعف الذكوري ورفضت أن تنصاع لأنانية الذكر لتتركه يكمل مأساته (أو ما اعتقده كذلك ) وحيدا, حنا مينا يرفض أن تقدم المرأة تلك التضحيات المجانية التي لم تجلب لها سوى الخراب والخسران, مع تأكيد في نماذجه النسائية على استقلالية المرأة وعدم وقوعه في فخ المرأة / المرسى المستكين كاستراحة لمغامرات البحار وحماقاته, برغم تمجيد مينا للبطولة والمنحى التراجيدي ((الاوديسي)) في الرواية إلا أنه لم يمجد الرجل ربما لأسباب نفسية تتعلق بطفولته الشخصية ودور المرأة الأكثر وعيا وانتاجية من الرجل المتهور والمغرور المسجون داخل نرجسيته وأوهامه.
** ذات.. (صنع الله ابراهيم)
((ذات)) أنثى برجوازية ذكية وواعية برغم محدودية مواهبها وقلة اختياراتها, ولكنها قبل ذلك كائن انساني يشكل حواره الذاتي الداخلي والمستمر على امتداد صفحات رواية ((ذات)) لصنع الله ابراهيم, العملية التي تتناول المداخلات - الظروف والأحداث الاجتماعية في الفصول التسجيلية من الرواية - لصوغ المخرجات والتي تظهر في المواقف والقرارات التي تتخذها ذات المرأة والأم والأنثى التي لا تنساق للخطيئة التي طرحت نفسها كحل لمجاراة تزايد الاحتياجات مقابل ضعف الامكانيات إلا لأنها رأت أن الضرر أكبر من المنفعة كامرأة متزوجة وليس لدوافع أخلاقية مبدئية, ((لكن هذا الطريق ذا الشهرة العالمية (في بلاد القمامة الثمين على الأقل ) كان مغلقا في وجه ((ذات)) لاعتبارات عديدة, يتعلق بعضها بالاقتصاد وقوانينه (مثل قانون العرض والطلب ), ويتصل البعض الآخر بالخوف الغريزي الذي أثارته تجربة مدام سهير ساكنة الشقة المفروشة.
** ليليت
تمثل ليليت التي ذكرتها الأساطير المدراشية والتلمودية (العتمة) كما تمثل المرأة المغوية, الشهوانية والجميلة أيضا, وليليت وفق تلك الأساطير الزوجة الأولى لآدم والتي تمردت لرفضها أن تكون الأدنى في المضاجعة وطلبت ان تكون فاعلة كما آدم, فطردت, وأبناء الستينيات وأتباعهم لا يعتبرون ليليت رمزا للتمرد فهي لا تتعدى الان¯ثى المتبرجة والمغرية, ذات الشعر الطويل والنهدين نصف العاري¯ين التي تغوي الرجال أو تستسلم لغوايتهم بسهولة تتفق مع قصر النفس الروائي في التعاطي مع الأنثى وسلبيته, مع الستينيات ظهرت ((الأنا)) السردية و((الوراء سردية)) بشكل مبالغ فيه , يمكننا أن نلمحه في أعمال جمال الغيطاني ((التجليات)), احمد ابرهيم الفقيه ((الثلاثية)), وغيرهم, ولما كانت الأنا في هذه الأعمال ذكورية خالصة كان من الطبيعي أن تأتي الأنثى في الهامش, أنثى مسالمة وضعيفة ومتفوقة في مواصفاتها الجسدية تقع في غرام البطل الفحل المتفوق وتتفهم مأساته من اللحظة الأولى وتعوضه عن الخيبات,, هذه الصورة لم تكن حكرا على توجه أدبي أو سياسي معين كما تخيلتها أروى صالح وربما تورط الجميع بترويج هذه الصورة,, كما أنها تنسجم مع حركة التاريخ العربي بمنطق ((إلى الخلف.. در)), فبعد التيار الصعودي الذي أخرج المرأة من الحريم إلى الحياة اليومية إلى المزرعة والمصنع والحافلة المزدحمة أعادها جيل الستينيات -زمنيا- إلى الحريم ثانية ولكن بصورة أكثر سطحية وأقل متعة.
نفس الزحمة من النساء الجميلات المتهافتات على الذكر الفذ غير القابل للتكرار تواجدن في ((البحث عن وليد مسعود)) جبرا ابراهيم جبرا ((موسم الهجرة إلى الشمال)) الطيب صالح, ((المسرات والأوجاع)) لفؤاد التكرلي , المثير للسخرية أن الأوصاف نفسها تقريبا استخدمها كل من الغيطاني, جبرا, التكرلي لوصف لور, مريم, آديل الشخصيات النسائية الأساسية في الروايات المذكورة لهم على التوالي.
إن التأسيس لهذه الصورة ضخم من الأنا الذكورية بشكل لافت ومثير للغثيان,و أفرز مجالا لظهور ((الأنا)) الأنثوية التي ظهرت دون مقدمات تاريخية وتحركت بنفس انتقامي ((ليليت الموازية)) في انسياق نحو الفخ الذكوري, وبتلذذ في التفرد بالذات دون طرح موضوعي إلا قليلا, إن الأنا الأنثوية بجنوسيتها الزائدة أتت لتضيف التشويش على صورة الأنثى في الأدب العربي الحديث, بما يمكننا أن نقول ان غادة السمان, أحلام مستغانمي, ميرال الطحاوي ربما أخريات , وقعن أيضا في عقدة ((ليليت)), بما جعل من صورة المرأة في مأزق بين الجنوسي واللا جنوسي, وبين التطور التاريخي وتفاصيل علم النفس. ""
#سامح_المحاريق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟