|
الواقعية في السينما المصرية (2- 2)
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4814 - 2015 / 5 / 22 - 10:04
المحور:
الادب والفن
يعود إنتاج أول فيلم في مصر إلى عام 1927 حينما أقدمَ إبراهيم وبدر لاما، وهما من أصل فلسطيني، على إخراج فيلم يحمل عنوان "قُبلة في الصحراء". أما أول فيلم من إنتاج مشترك بين مصر وإيطاليا فهو فيلم "الصقر" الذي أُنجز عام 1950 وهو من إخراج صلاح أبو سيف. حينما زار صلاح أبو سيف إيطاليا عام 1950 صرّح قائلاً: "لا أظن بأنّ الواقعية الجديدة في مصر كانت ثمرة التأثيرات الإيطالية. والواقع أنّ هذا الأسلوب كان قد بدأ في مصر في فيلم "العزيمة" الذي أخرجه كمال سليم عام 1939 " وقد باع قصته لشخص يُدعى ستولوف. تتمحور قصة الفيلم حول شخص سيئ الحظ أضاعَ بقرته التي كانت مصدر رزقه الوحيد. ويرى أبو سيف أن هذه الفكرة هي أساس فيلم "سارق الدراجة" لدِي سيكا! غير أن الباحث محمد حسن يعتقد أن هذا الكلام مبني على الظن وليست هناك حقائق تعزِّز هذا الادعاء. بينما يقول دي سيكا بأن الكاتب الإيطالي الشهير تشزري زافاتيني هاتفه ليلاً حينما كان منغمساً في قراءة كتاب جميل يحمل عنوان "سارقو الدراجات" للكاتب الإيطالي لويجي بارتلوني وقد وجد في الكتاب مادة ثرية يمكن نقلها إلى الشاشة. وهذا ينفي تماماً قصة البقرة الضائعة التي باعها كمال سليم إلى ستولوف! وعلى العكس من ذلك يرى الباحث محمد حسن أن فيلم "وضاع حبي هناك" لعلي عبد الخالق قد اقتبس الموضوع بالكامل من فيلم "زهرة عبّاد الشمس" 1970 لدِي سيكا حيث تودِّع البطلة صوفيا لورين زوجها في محطة القطار ليلتحق بالجبهة. وكل الذي فعله علي عبد الخالق هو أنه بدّل أسماء الشخصيات والأمكنة وأبقى على الثيمة نفسها! ثم يتوصل الباحث إلى أن أكثر الأفلام المصرية مُقتَبسة من أفلام عالمية. ويستنتج بأن "بأنّ السينما المصرية ليست مصرية تماماً" باستثناء عدد محدود من الأفلام التي نجت من التأثر أو الاقتباس المباشر سواء من أفلام عالمية أم من روايات أدبية ذائعة الصيت. يرى النقاد بأن فيلم "العزيمة" لكمال سليم هو أول فيلم واقعي مصري، وقد استطاع المخرج أن يصوّر الواقع الاجتماعي للحي المصري وأن يقدِّم الجزّار والفرّان في أدوار مهمة. ومما لا شكّ فيه أن كمال سليم كان متأثراً بالواقعية الشعرية ويعرف جيداً أفلام رينيه كلير ومارسيل كارنيه وجان رينوار لكنه لم يستمر بإخراج أفلام واقعية على غرار "العزيمة". بعد الحرب العالمية الثانية أنجز كامل التلمساني أول أفلامه "السوق السوداء" 1945 وعالج فيه مشكلة الاتجار بقوت الشعب لكن الفيلم فشل فاتجه إلى الأفلام التجارية علماً بأن علي أبو شادي والكثير من النقاد السينمائيين يعدّون "السوق السوداء" البداية الحقيقية للسينما الواقعية في مصر. وقد تجاوز فيه المخرج سينما التليفونات البيض، وقصص الحب المكررة، والملاهي الليلية وما إلى ذلك.
المرحلة الأولى برز في الخمسينات من القرن الماضي خمسة مخرجين سينمائيين مثلوا المرحلة الأولى من الواقعية المصرية وهم صلاح أبو سيف، توفيق صالح، يوسف شاهين، هنري بركات وكمال الشيخ. وقد ترك كل واحد من هؤلاء المخرجين الخمسة بصمة خاصة في تيار الواقعية المصرية حيث تأثر صلاح أبو سيف بالواقعية الجديدة وأخرج "لك يوم يا ظالم" 1950 وهو مقتبس عن رواية لأميل زولا لكن السيناريو رُفض لأن بطل الفيلم شرّير فأنتجه على حسابه الخاص. ثم أنجز فيلم "الأسطى حسن" 1952 الذي كان مرآة لحياة الفقراء المصريين. ثم توالت أفلامه الواقعية التي أرست شهرته كمخرج واقعي مثل "ريا وسكينة" 1953، "الوحش" 1954، "شباب امرأة" 1956، "الفتوة" 1997 وسواها من الأفلام التي يكون فيها البطل هو الإنسان الفقير، المسحوق بعد أن كان البطل من الباشوات أو الطبقة الثرية المترفة. كان أبو سيف يختار موضوعات أفلامه بنفسه قبل أن يبدأ بكتابة قصة الفيلم التي يستقي مادتها من الملفات التي نشرتها الصحف. وهذه محاكاة واضحة للطريقة المتبعة في الأفلام الواقعية الإيطالية. استمد أبو سيف موضوعات أفلامه من قصص حدثت على أرض الواقع ثم نشرتها الصحف المحلية مثل قصة "ريا وسكينة" 1953 التي تتحدث عن امرأتين تحملان الاسم نفسه وقد روّعتا الإسكندرية بقتل النساء للاستيلاء على مصوغاتهن الذهبية. و "الوحش" 1954 الذي يتحدث عن المجرم الذي روّع الصعيد والمعروف باسم "الخيط". و "الفتوة" 1957 الذي قرأ أبو سيف تحقيقاً في إحدى الصحف عن تُجّار الخضار وكيف يديرون سوق الجملة. استثمر أبو سيف تجاربه الشخصية في أفلامه كما هو الحال في "شباب امرأة" 1956 عندما سافر إلى باريس، و "بين الأرض والسماء" 1959 عندما تعطّل به المصعد هو وزوجته. يرى الباحث أن أبا سيف قد دخل مرحلة الإنتاج الغزير بعد فيلم "الفتوة" حيث أنجز في المدة المحصورة بين الأعوام 1957 و 1968 ستة عشر فيلماً تنوعت موضوعاتها بين الواقعية والوطنية والعاطفية والغنائية. ومن أبرز تلك الأفلام "بداية ونهاية"، "القاهرة 30" وهما من إنتاج القطاع العام. ومن الأفلام التي أخرجها "السقا مات" و "حمّام الملاطيلي" رداً على نكسة حزيران حيث يعرض واقع الشعب المصري وكيف كان حال الناس قبل النكسة. جدير ذكره أن اسم نجيب محفوظ، أكبر كتّاب الرواية الواقعية في الوطن العربي، قد ارتبط بأفلام صلاح أبو سيف. استعمل أبو سيف لأول مرة الممثل غير المحترف حيث قدّم العديد من الشخصيات التي أصبحت محترفة مثل عماد حمدي، نجوى إبراهيم، حمدي أحمد، عبد العزيز مكيوي، محمود ياسين، لبنى عبد العزيز وغيرهم. كما كان صلاح أبو سيف متأثراً بالسينما الروسية الرمزية فلا غرابة أن يستعمل الرمز في معظم أفلامه. لا يختلف توفيق صالح كثيراً عن صلاح أبو سيف من حيث ريادته للسينما الواقعية في مصر حيث سافر هو الآخر إلى باريس لدراسة السينما لكنه ترك السوربون ودرس الرسم والفوتوغرافيا فسُحبت منه المنحة فقرر العيش لسنيتن إضافيتين حيث شاهد الكثير من الأفلام والمعارض الفنية. وحينما عاد إلى القاهرة أنجز سبعة أفلام روائية طويلة أولها فيلم "درب المهابيل" 1955 الذي كتب له القصة والسيناريو نجيب محفوظ. يعتبر هذا الفيلم من أشهر الأفلام الكلاسيكية المصرية ويعد أنموذجاً رفيعاً للسينما الواقعية العربية. ثم توالت أفلامه الأخرى مثل "صراع الأبطال" 1962، و "المتمردون" 1966، و "السيد البلطي" 1967 و "يوميات نائب في الأرياف" 1968 و "المخدوعون" 1973 وهو إنتاج سوري عن القضية الفلسطينية، و "الأيام الطويلة" 1980. يعتقد الباحث محمد حسن أن لكل فيلم من أفلام صالح المذكورة أعلاه له مكانة خاصة في تاريخ السينما المصرية، ويرى أن المخرج قد تزوّد خلال المدة التي قضاها في باريس بثقافة سينمائية راقية نتيجة لمشاهدته العديد من المدارس والاتجاهات السينمائية التي سادت ما بعد الحرب الثانية وخاصة الواقعية الإيطالية الجديدة وكلاسيكيات السينما الألمانية والفرنسية والأميركية. برز يوسف شاهين في خمسينات القرن الماضي وأنجز 42 فيلماً بضمنها خمسة أفلام قصيرة. تنوع منجزه السينمائي بين أفلام اجتماعية وسياسية وتاريخية وسيرة ذاتية. وقد عُرف كسينمائي حينما أنجز فيلمه الأول "بابا أمين". ثم تعزز حضوره بفيلمه الثاني "ابن النيل" 1951 الذي تناول فيه الريف المصري. ثم عاد إلى الريف المصري ثانية من خلال فيلم "صراع في الوادي" 1954 إلاّ أنه وقع في فخّ السينما التجارية حينما اختتم الفيلم بنهاية سعيدة! أنجز شاهين فيلم "باب الحديد" 1958 الذي يعتبر أهم الأفلام الواقعية في تاريخ السينما المصرية. وقد وصل إلى قمة نضجه، كما يرى الباحث، في فيلم "الأرض" 1969 الذي تناول فيه قضية الفلاح المصري. ناقش شاهين في "العصفور" 1972، و "عودة الابن الضال" 1976 أسباب نكسة حزيران عام 1967. أما مجموعة أفلامه التي تنطوي تحت موضوع السيرة الذاتية فهي على التوالي "إسكندرية ليه" 1978، و "حدوتة مصرية" 1982، و "إسكندرية كمان وكمان" 1990، و "إسكندرية نيويورك" 2004. وقد تأثر شاهين بفكرة توظيف السيرة الذاتية بعدد من المخرجين الأوروبيين الذين سبقوه إلى تجسيد هذا الجانب وعلى رأسهم فيدريكو فيلليني الذي استطاع الحديث عن همومه وهواجسه الذاتية من دون الابتعاد عن هموم الوطن والمجتمع حيث يلتقي الهم الذاتي بالموضوعي فيؤلفان نظرة ثاقبة للواقع الاجتماعي والسياسي. يعتقد الباحث بأن شاهين لا يتحدث عن الواقع من منطلق النرجسية وإنما يتحدث عن نفسه ليكشف من خلالها تناقضاته وهواجسه وأفكاره وعائلته ومحيطه الاجتماعي. تتميز أفلام شاهين بانطوائها على إبهار في الفكرة وإبهار في التصوير، خصوصاً في اختياره للكادرات، كما يُعنى كثيراً بعنصر الأغنية التي لابد أن تكون ذروة لحدث درامي. أما آخر أفلامه التي اختتم بها تجربته السينمائية فهو فيلم "هي فوضى" الذي يعتبر من الأفلام الواقعية التي تعكس الفساد الحكومي. وقد نال شاهين العديد من الجوائز المحلية والعالمية من بينها التانيت الذهب، والدب الفضي، وجائزة الإنجاز العام من مهرجان "كان" السينمائي الدولي. يعتبر هنري بركات شيخ المخرجين المصريين بحق فقد أنجز ما يربو على التسعين فيلماً. وكانت موضوعات أفلامه متنوعة غير أن أول أفلامه الواقعية هو فيلم "دعاء الكروان" 1959 وقصة الفيلم مأخوذة عن رائعة طه حسين التي تحمل الاسم ذاته. ويعد أحد الأفلام الكلاسيكية في تاريخ السينما المصرية حيث أماط المخرج اللثام عن واقع التخلف والقهر الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المصري. أخرج "في بيتنا رجل" 1961 عن رواية لإحسان عبد القدوس، و "الباب المفتوح" 1963 عن قصة للطيفة الزيات حيث يناقش فيه قضية المرأة، و "الحرام" 1965 عن قصة ليوسف إدريس ويعتبر من أنضج الأفلام الواقعية في السينما المصرية كما يعبِّر بصدق عن حياة العمال في الريف المصري. كتبَ هنري بركات معظم سيناريوهات أفلامه غير أن روائعه الأربعة آنفة الذكر قد حفرت اسمه في تيار الواقعية المصرية آخذين بنظر الاعتبار أن بركات قد انتقل من غرفة المونتاج إلى الإخراج عام 1952 بعد أن اكتشفته الممثلة المصرية من أصل لبناني آسيا داغر ليُخرج لها فيلم "الشريد" عام 1942. أما المخرج الخامس والأخير من المرحلة الأولى فهو كمال الشيخ الذي أنجز فيلمه الأول "المنزل رقم 13" 1952 والذي اعتمد فيه أسلوب التشويق والإثارة. وفي عام 1954 أنجز فيلم "حياة أو موت" وهو أول فيلم مصري يصور بكامله تقريباً في شوارع القاهرة. يدور هذا الفيلم حول فتاة صغيرة تذهب إلى الصيدلية لشراء دواء لوالدها المريض غير أن الصيدلي يعطيها سماً قاتلاً ويظل يبحث عنها قبل أن تصل إلى والدها. وهو يشبه "سارق الدراجة" لدي سيكا من حيث البحث في شوارع روما. كما أخرج "اللص والكلاب" 1963 عن رواية لنجيب محفوظ. يتمحور هذا الفيلم حول قضية محمود أمين سليمان الذي لقبته الصحافة بالسفاح لارتكابه عدة جرائم. ويعتبر هذا الفيلم من كلاسيكيات السينما المصرية. كما أخرج "ميرامار" 1961 عن رواية لنجيب محفوظ تحمل الاسم ذاته. بدأ كمال الشيخ حياته السينمائية في غرفة المونتاج مثل بركات لكنه سرعان ما غادرها إلى عالم الإخراج السينمائي. ونال العديد من الجوائز في المونتاج والإخراج السينمائيين.
المرحلة الثانية كانت السينما المصرية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات تمرّ بمرحلة أفلام المقاولات التي لا تمت للسينما بصلة فهي بعيدة عن الحقيقة وتهدف إلى تحقيق الأرباح المادية الكثيرة حيث كان المخرجون المصريون ينجزون أفلاماً للخليج العربي تستجيب لذائقة الجمهور الواسع بحجة "أن الجمهور عايز كده" ومع ذلك فقد خرج في الثمانينات جيل جديد يشكِّل امتداداً طبيعياً لجيل صلاح أبو سيف وتوفيق صالح ويوسف شاهين وهؤلاء هم على التوالي محمد خان، عاطف الطيّب، خيري بشارة، داود عبد السيد، شريف عرفة ورأفت الميهي. يرى الباحث محمد حسن أن ظهور الواقعية الجديدة لم يكن وليد المصادفة فلقد كانت ظروف صناعة السينما المنهارة، واطلاع المخرجين على التيارات والاتجاهات السينمائية الجديدة في العالم، وحماس المخرجين الشباب الذين كانوا تلاميذ للمخرجيين الواقعيين المصريين القدامى هي التي دفعتهم لخلق تيار المرحلة الثانية حيث حاول أقطابها أن يرسخّوا أساليهم الفنية ويدمغوها ببصمتهم الخاصة بهم. بعد عودة محمد خان من لندن التي درس فيها السينما وشاهد فيها الكثير من الأفلام البريطانية والفرنسية والتشيكية والأميركية أخرج عام 1978فيلم "ضربة شمس" حيث صوّر معظم الفيلم في الديكورات الطبيعية وكان بداية لموجة جديدة اسمها "الواقعية الجديدة" أو "السينما الجديدة" التي اهتمت بالخروج إلى الشارع، وتصوير الناس الاعتياديين، وتجسيد معاناتهم بواسطة الكاميرا المحمولة كما فعلوا الواقعيون الإيطاليون الجدد آنذاك. أنجز محمد خان فيلم أكثر من عشرين فيلماً من بينها "موعد على العشاء" 1981 ثم تلاه بأفلام أخرى مثل "الثأر" و "مشوار عمر" و "أحلام هند وكاميليا"، و "أيام السادات" و "بنات وسط البلد" و "في شقة في مصر الجديدة". يقول الناقد علي أبو شادي عن هذا المخرج المبدع: "فسينما محمد خان تخاطب عقل ووجدان الجماهير . . ولا تتملق غرائزهم . . وهي سينما راقية ونظيفة لا تخضع لمواصفات الحدّوتة التقليدية بأفاقاها الضيّقة وإنما تتعامل مع الواقع الرحب، تعيد بناءه من جديد لتخلق عالماً مماثلاً لا يحاكي الواقع، بل يعلو فوقه ويتأمله، يصوغه بشكل فني ليطرح من خلاله رؤيته لما يمرّ به مجتمعه متوغلاً في أحراش نفوس مجتمعه مقدِّماً لنا نماذج تنبض بالحياة". يركِّز محمد خان في معظم أفلامه على الناس البسطاء فلاغرابة أن تكون الشخصيات نمطية لجهة انتمائها إلى الواقع. كما يهتم خان بالتكوين واللون والدقة في التعبير. ويستعمل اللقطة العامة في كل أفلامه وخاصة في الشواراع والساحات العامة وهو ذات الأسلوب الذي يستعمله أنطونيوني الذي تأثر به خان كثيراً وأفصح عن هذا التأثر غير مرة حيث قال: "تأثرت بأنطونيوني على وجه الخصوص فهو الذي دفعني إلى تغيّير فكرتي القديمة عن السينما. فالسينما ليست مجرد حدّوتة تُروى". كتب خان غالبية سيناريوهات أفلامه القائمة أساساً على الشخصيات أكثر من قيامها على الحكاية وشخصيات أفلامه بسيطة وعادية تمتهن غالباً مهناً شعبية. يصرّ خان على التصوير الخارجي وفي الأماكن الحقيقية بعيداً عن الأستوديوهات لتوكيد نزعته الواقعية الجديدة. لابد من الإشارة إلى أن محمد خان كان ناقداً سينمائياً وقد أصدر كتابين في هذا المضمار الأول عن السينما المصرية والثاني عن السينما التشيكية. على الرغم من أن عاطف الطيب لم يعش سوى 47 عاماً إلاّ أنه كان أكثر مخرجي الواقعية الجديدة ظهوراً وانتشاراً. كما كان أكثرهم التصاقاً بالجماهير لأنه قدّم صورة واقعية للمواطن المصري. ففي فيلم "مقايضة" 1978 وهو فيلم قصير تناول فيه هموم الإنسان المصري البسيط حيث يقوم فلاح مصري بمقايضة محصوله الذي حققه خلال عام كامل بجهاز راديو! أما أول أفلامه الروائية الطويلة فهو "الغيرة القاتلة" وهو مأخوذ عن مسرحية "عطيل" لشكسبير. أما فيلمه الثاني فهو "سواق الأتوبيس" 1982 وهو من الأفلام الواقعية وأكثرها اقتراباً من الناس ومعاناتهم. ثم أنجز "التخشيبة" 1984 وهو فيلم درامي اجتماعي يروي قصة طبيبة تجد نفسها متورطة في تهمة لا أساس لها من الصحة. ومن بين أفلامه المهمة الأخرى فيلم "الحُب فوق هضبة الهرم" الذي يتناول فيه معاناة زوجين لم يستطيعا إيجاد شقة فيمارسان الحب تحت سفح الهرم ويقعان في قبضة شرطة الآداب. أما فيلم "البريء" فيتناول المخرج بطش السلطة في تعذيب النزلاء وقتلهم في المعتقلات وباستغلال جهل المجنّد العسكري في تنفيذ الأوامر حيث اختصر بعض النقاد فكرة الفليم "قمع الحرية بجهل الأبرياء". يتوسع الباحث في شرح مضامين غالبية أفلام عاطف الطيب ومن بينها "المزمار" الذي يتناول فيه أحد الشباب الذين يعرضون فكرة الزوج على فتاة أحبها وصادف أنها تمتلك شقة في وسط البلد حيث تذهب مع صديقها ورئيسها في العمل لرؤية الشقة فيتهمها أحد ضباط الشرطة بالدعارة. أما "كشف المستور" 1994 فيتناول فيه موضوع الدعارة المنظمة حيث تقوم المخابرات المصرية بإعداد فتيات يمارسن الجنس مع الشخصيات الدبلوماسية كطعم للحصول على معلومات سرية بحجة خدمة الوطن. لابد من الإشارة إلى فيلم "ليلة ساخنة" 1995 حيث يُصوَّر الفيلم كله في التاكسي في ليلة رأس السنة. يخلص الباحث محمد حسن إلى غالبية أفلام عاطف الطيب تحريضية وتسلّط الضوء على المواطن المصري المسلوب حقه ويعاني من السلطة التي تنتهكه على الدوام. خلال مشواره الفني خلق خيري بشارة بصمته الخاصة من خلال أفلامه الواقعية التي تنطوي على شاعرية معينة. ففي "الأقدار الدامية" 1982 حاول تحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مصر قبل حرب 1948. وفي "العوّامة 70" عرّى بعض أوجه الفساد في المجتمع كما جسّد معاناة الجيل الذي عانى من نكسة حزيران. اختار الناقد علي أبو شادي فيلم "الطوق والإسورة" 1986 من بين أفضل 27 فيلماً في تاريخ السينما العربية. أما فيلم "امريكا شيكا بيكا" 1993 فقد قدّم فيه مجموعة الشباب الذين يقررون السفر إلى أمريكا بغية إيجاد فرص عمل لتحقيق أحلامهم لكنهم يقعون ضحية النصابين فيُتركون في غابات رومانيا وتكون النتيجة أشدّ من الفقر الذي كانوا يعانون منه. اشترك بشارة في كتابة جميع سناريوهات أفلامه كي يضمن تحقيق الواقعية الجديدة التي ينتمي إليها كموجة فنية جديدة آنذاك. ربما يختلف داود عبد السيد عن أقرانه في كونه يحب التصوير داخل الأستوديو كما تنحو بعض أفلامه إلى تجسيد فكرة النهايات المتعددة كما فعل في فيلم "الكيت كات". أنجز السيد عدداً من الأفلام الوثائقية قبل أن يبدأ بإخراج الأفلام الروائية وأولها "الصعاليك" الذي تناول فيه رحلة صعود الصعاليك من قاع المجتمع إلى قمة النشاط الاقتصادي والسياسي كاشفاً من خلالهما الواقع المصري على حقيقته من دون رتوش. أما في "أرض الأحلام" 1993فيتناول السيد قصة نرجس علي ريحان التي تستعد للسفر إلى أميركا لكنها تفقد جوازها وتذكرة السفر فتنهمك في البحث عنهما طوال الليل وحينما تجدهما تلغي فكرة السفر وتقرر البقاء. يركز السيد في "أرض الخوف" 2000 على تجارة المخدرات حيث يُجنّد أحمد زكي من قبل المخابرات ليكشف تجار المخدرات من خلال العمل معهم. لا يخرج شريف عرفة عن الأنساق الواقعية الجديدة في مختلف أفلامه ولكن اسمه يكاد يقترن بموضوع الإرهاب الذي ركز عليه في العديد من أفلامه مثل "الأقزام قادمون" 1987، و "الملائكة لا تسكن الأرض" الذي يعتبر أول فيلم مصري يتناول ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني بشكل مباشر. و "اللعب مع الكبار" 1991 الذي يتناول فيه شخصية حسن بهلول "عادل إمام" الذي يبلغ مباحث أمن الدولة عن قضايا إرهابية سوف تحدث ويدّعي أنه يعرف بها من خلال الأحلام بينما يشير واقع الحال إلى أن صديقاً له يعمل في بدالة الاتصالات التي يتنصت من خلالها على جهاز المخابرات فيحيطه علماً بها. يغوض في موضوع الإرهاب من خلال فيلمي "الإرهاب والكباب" 1992، و "طيور الظلام" 1995 موضحاً أن الإرهاب هو الوجه الآخر لفساد. أما "اضحك الصورة تطلع حلوة" 1998 فيتمحور على التفاوت الطبقي في المجتمع المصري حيث تقع فتاة من القرية في حب ابن رجل أعمال. اكتفى الباحث محمد حسن بالإشارة إلى أفلام رأفت الميهي وهي "عيون لا تنام"، "السادة الرجال"، "ميت فل وتفاحة"، "سمك لبن تمر هندي"، "سيداتي آنساتي" و "قليل من الحب كثير من العنف" وذكر بأن الميهي مخرج واقعي جاد ويُعنى بقضايا المجتمع المصري السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ثم توقف عند البيان الذي أصدرته جماعة السينما الجديدة نقتطف منه المقطع الآتي: "إن الذي نريده سينما مصرية، أي سينما تتعمق في حركة المجتمع المصري، وتحلل علاقاته الجديدة، وتكشف عن معنى حياة الفرد وسط هذه العلاقات". يحلل الباحث محمد حسن ثلاثة أفلام وهي "الكيت كات" لداود عبد السيد و "الإرهاب والكباب" لشريف عرفة و "ليلة ساخنة" لعاطف الطيب متوصلاً في تحليلاته إلى ثمانية مؤشرات وهي: "طرح موضوعات اجتماعية واقتصادية وسياسية والتركيز على الناس العاديين في لحظات بطولية. والتصوير خارج الأستوديو وفي الأماكن الحقيقية والضوء السائد. وتفضيل اللقطات العامة والطويلة والمحافظة على الاستمرارية الزمكانية في اللقطة الطويلة. واستعمال الكاميرا الخفية في بعض الأحيان. واستعمال الطريقة التوثيقية في تصوير الأحداث. واستخدام الممثل غير المحترف. واستعمال الحوار البسيط والعفوي بين الناس. وأخيراً اجتناب الحيل السينمائية في المونتاج والإضاءة وحركة الكاميرا". يتوصل الباحث محمد حسن في ختام كتابه إلى مجموعة من النتائج المهمة من بينها أن جميع الأفلام الواقعية تطرح مشكلات اقتصادية يعاني منها المجتمع المصري. كما تركز على تفشي البطالة وندرة فرص العمل الأمر الذي يدفع الشباب إلى التفكير بالهجرة. نوّه الباحث إلى تأثير دي سيكا على المخرج عاطف الطيب في عدة نواحي مثل اختيار الموضوع، والنهايات المفتوحة، واستعمال الأسلوب البسيط في سرد الموضوع. كما أشار إلى تأثير بازوليني في داود عبد السيد وخاصة في نظرته للمرأة. لفتَ الباحث الانتباه إلى التعبيرَين الجديدَين اللذين شاعا في السينما الإيطالية وهما "سينما المافيا" و "السينما السياسية". وفي السياق ذاته ركزت السينما المصرية على موضوع المخدرات والقضايا السياسية. استنتج الباحث بأنّ جيل الثمانينات أو جيل المرحلة الثانية قد اعتمد على ممثلين محترفين بعكس أقرانهم من جيل الخمسينات حيث قدموا عادل إمام، أحمد زكي، نور الشريف، محمود عبد العزيز وغيرهم من النجوم المحترفين الذين طبقت شهرتهم كل الآفاق العربية. وكان مخرجو هذا الجيل أكثر جرأة من جيل الخمسينات في طرح هموم الإنسان المصري ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أما الخلاصة الأخيرة التي لا تقل أهمية عن سابقاتها فهي أن غالبية المخرجين الواقعيين قد عملوا في بداية حياتهم في إخراج الأفلام الوثائقية الأمر الذي جعلهم يكرسون الاتجاه الواقعي بروحية عالية وحرفية قلّ نظيرها.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الواقعية الإيطالية الجديدة وموجاتها الثلاث (1 - 2)
-
التعويل على الحوار في فيلم سُبات شتوي لنوري بيلكَه جيلان
-
الشاعر السعودي حيدر العبدالله يتأهل للمرحلة الثالثة في مسابق
...
-
القسوة والبشاعة وتقطيع الأوصال في أفلام أنتوني بيرنز
-
الميتا سردية والبطولة المضادة في تل الصنم
-
الرقص في الصحراء بعيداً عن أعين الباسيج
-
النص الروائي المهجّن
-
المزج بين الحقيقة الدامغة والخيال المجنّح في فيلم مدغشقر جزي
...
-
الإسلاموفوبيا . . تنميط المسلمين وتحنيط الثقافة الإسلامية
-
حدود الرقابة على السينما (2 - 2)
-
حدود الرقابة على السينما العربية (1 -2 )
-
حضور الهولوكوست في السينما البولندية بعد خمسين عاما
-
التناص الروائي مع الأحداث التاريخية
-
الهاوية . . رواية لا تحتمل الترهل والتطويل
-
مذكرات كلب عراقي
-
أوراق من السيرة الذاتية لكلاويج صالح فتاح
-
الغربة القسرية والحنين إلى الوطن في منازل الوحشة
-
حدائق الرئيس
-
مشرحة بغداد
-
ماذا عن رواية «دعبول» لأمل بورتر
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|