غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1335 - 2005 / 10 / 2 - 10:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السنة العرب في العراق
بين الدم الشيعي والفتوى الزرقاوية .
توماس فريدمان والفتاوي الأمريكية :
إنها المساحة الخالية من الدم والتاريخ , بحثنا عنها في العراق المنكوب .. فلم نجدها !؟ إنها روح السلام روح التعايش روح العصر المنكوب أيضا بأمريكا ..!! ماذا نفعل لهذه الأمريكا ..؟ ليس وحدنا كعرب من يدفع ثمن القوة هذه بل كل شعوب الأرض : دون استثناء حتى اليهود !! وهذه فاتورة القوة , ونتاج لميزان قوى عات ودولي . وليس معنى ذلك أن الآخرين أفضل من أمريكا وما
تحمله للمنطقة , ربما تكون أفضل من الآخرين لصالح شعوب هذه المنطقة لو وضعنا الأمور في المقاييس النسبية للواقع المعطى دوليا وأقليميا , وهذا يقتضي التعامل مع هذا المعطى من الزاوية السياسية أولا ثم فيما بعد نترك للأيديولوجيات المتصارعة مساحة لنماذجها المهترئة : دما ونارا وغيتوات وتاريخ من القاهر والمقهور والبحث عن تيمة نموذجية لتطبيقها على كل البشر , دون
مراعاة لرأيهم , والطريقة التي يريدون فيها العيش بسلام وحرية وكرامة , لهذا سنترك لواعجنا الأيديولوجية وندخل في الحقل السياسي المعطى ومع توماس فريدمان في مقالة نشرت له بالأمس في غالبية الصحف الخليجية وعنوانها أختلف من صحيفة إلى أخرى [ سنة العراق : ماذا تريدون بحق السماء ؟ ] وهذا العنوان هو ترجمة موقع قناة العربية ..!! وكي لانرهق القارئ إقتطعنا هذا
المقطع من المقال لما فيه من رؤية نحن نراها مهمة يقول : [وبالرغم من كل الحماقات المحرجة لرامسفيلد، فالعراق في نهاية الامر، سيصبح دائما ما يقرره العراقيون له. والأغلبية العراقية ـ الشيعة والأكراد الذين يمثلون 80 في المائة من سكان هذا البلد ـ عرضوا وجهة نظرهم. يريدون عراقا غير مركزي ويسمح لكل من تكويناته الطائفية والعرقية بإدارة شؤونها وثقافتها ـ بدون الخوف، مرة اخرى، من الوقوع تحت سيطرة، والتجريد من انسانيتهم بواسطة نظام أقلية سني في بغداد مدعوم بسلاح النفط. وبنفس الاهمية فقد اوضح الاكراد والشيعة عدم رغبة في اطلاع السنة كيف يعيشون وسيقدمان لهم جزءا من عائدات النفط ويحافظان على هوية العراق العربية. ولذا فنحن نعرف نوعية الاغلبية التي يريدها كل من الاكراد والشيعة، والسؤال الان هو ما نوعية الاقلية التي يريدها السنة. هل يريدون ان يصبحوا مثل الفلسطينيين ويقضون المائة عام القادمة يحاولون تحريك العالم العربي والإسلامي لتغيير مسار التاريخ، واستعادة «حقوقهم» لحكم العراق كأقلية، وهي خطوة ستدمرهم وتدمر العراق، أم يريدون احتضان المستقبل؟ اعرف ان السنة يشعرون بالرعب من نفوذ ايران في الاقليم الجنوبي، ولكن كما سيقول لك البريطانيون الذين يديرون منطقة البصرة، فشيعة العراق مهووسون بخوف الوقوع تحت سيطرة ايران. وبالرغم من العلاقات الثقافية والتجارية المتزايدة مع ايران، فهم ينتمون للعراق اولا. ويمكن دعم هذا الاتجاه فقط اذا ما احتضن السنة الدستور الجديد وسمحوا لواشنطن بمنح السنة قطعة اكبر من الحصة. ] إن هذا الرجل على دراية جيدة بموضوعه , وموضوعه هنا في هذا المقال هو البداهة المطوية تماما وهي : غياب لدور ومصالح أمريكا في العراق عن نصه وكأنها بداهة لم تعد جديرة حتى بالتنويه أو حتى التوضيح ؟ إذا كان الأمر كما يقول فالسؤال ماذا تفعل أمريكا في العراق إذن ..؟ وعلى هذا نحن بدورنا نسأل توماس فريدمان : وفق هذه الطية اللطيفة منك : ماذا تريد أمريكا من العراق الآن ..؟ والبساطة للسذج تقتضي أن المصالح الأمريكية في العراق باتت ثنية غير مرئية وغير خاضعة للنص أو التداول : فأي خيار للشعب العراقي هو خيارا بعد هذه المصالح الأمريكية وليس قبلها بمعنى أن النص هنا يخفي القول : أن كل خيارات الشعب العراقي مطروحة للنقاش ما عدا :
المصالح الأمريكية والتسائل عن ماهية هذه المصالح؟ والسؤال مرة أخرى والذي لايطرحه الكاتب على نفسه وعلى الآخرين من خلال نصه : أمريكا ماذا تريد ؟ ولماذا هي موجودة أصلا في العراق ؟ وكي لانتوه في هذه الزحمة وكي لايبقى هذا الموضوع مطويا : إننا لسنا ضد تبادل المصالح مع أمريكا , وهذا حقها وفق المعطى الذي ذكرناه بداية #1. ولكن على الأمريكان أن يوضحوا أكثر هذه النقطة , خصوصا بعد زيارة السيدة كارين هيوز على المنطقة كي تصلح صورة الإدارة الإمريكية لدى شعوب المنطقة ولقاءها مع الفاعليات السياسية والاجتماعة والمدنية والدينية والنسوية ..الخ . ولنترك قضية تحرير العراق لأنها باتت ماض, الآن العراق تحرر من صدام وقدمنا الشكر لأمريكا , في أكثر من مناسبة وأختلفنا مع بعضنا نحن العرب على هذا الشكر , وعلى
تحرير العراق أصلا من صدام ..وهذه برأيي كافية كي تعلن أمريكا على الملأ ماهو الثمن الذي تريده من تحريرنا من صدام , وبالتالي يعلن توماس فريدمان هذا الأمر كونه الأخبر بسياسة بلاده في
هذه المنطقة من العالم والدليل هو قوله الآخر في نفس المقطع : من خلال تشبيه سنة العراق بالفلسطينيين !! أظن هذا التشبيه هو من باب رد الذنب حتى يتسنى للكاتب طلب المغفرة من ضميره الأخلاقي وليس الصحفي بالطبع : على ما لحق الفلسطينيين من قهر هذا التاريخ الغربي المعاصر وبوجهه الأمريكي في المنطقة الشرق أوسطية .. مع العلم أنني لست من الذين يوافقون الآن على سياسة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية , ولكن هذا مستوى أخر يمكن نقاشه في الحقل الذي هو تحت : حق الإنسان الفلسطيني بدولة لسببين :
الأول ــ أن البقاء في دولة واحدة مع الإسرائيليين دولة تعايش وتسامح وحقوق إنسان , أمر مرفوض إسرائيليا لأن إسرائيل لازالت مجتمعا دينيا بامتياز وأظن أن هذه القضية يدركها الكاتب جيدا.
الثاني ــ إن حد القهر التاريخي للشعب الفلسطيني حدا تعترف به كافة دول العالم بما فيها بعض الساسة الأمريكان , ويطالب هذا المجتمع الدولي بقيام دولة فلسطينية .
النص يحمل فتوتين الأولى عدم تطرقه للبداهة الأمريكية في العراق !! , والثاني : تشبيه الفلسطنيين بسنة العراق كي تضيع الحدود بين القضيتين وبالتالي تبرئة الضمير الأمريكي والإسرائيلي والفردي عند الكاتب أيضا مما لحق بالشعب الفلسطيني..! وأشكره على ذكره للحماقات المحرجة لرامسفيلد وسؤالا على الهامش إذا كان وزير الدفاع على هذه الدرجة من الحماقة كما يقول الكاتب.. فماهي الفتوى لمعالجة هذه الحماقات الرامسفيلدية في العراق والمنطقة ..؟
فعلا ما الذي يريده سنة العراق ؟
أوافقه على هذا السؤال , ولكن الجواب هو : السنة العراقيون غير قادرون على التعايش في العراق كأقلية بعدما كانوا الأكثرية سلطويا ..؟ هذه باتت بداهة ولم تعد خاضعة للنقاش وليس الأمر هو هذه المادة أو تلك من الدستور , وليس المشكلة هي في الاحتلال الأمريكي لو أعاد لهم السلطة بطريقة ما ..؟ كما كان يراهن بعض الذين انخرطوا في صفوف العمل الأمريكي من أجل إسقاط الطاغية , ونسأل أين القوى الأخرى مثل الباججي وورثة الملكية والقوى العلمانية ..الخ لماذا أصبح الآن في الواجهة السنية القوى الدينية فقط ..؟ أين السيد نائب رئيس الجمهورية العراقية , اليس سنيا ؟لماذا ثلاثة تتصدر القوى السنية الآن ؟
الأولى ــ الحزب الإسلامي وعشائر الدليم وهيئة علماء المسلمين كقوى سلمية كما تقول عن نفسها . الثانية ــ المقاومة العراقية ـــ إرهابا أم غيره ــ .. وعلى رأسها الفتاوي الزرقاوية بقتل الشيعة . والثالثة ــ هي الاتجاه البعثي الصدامي . أظن هذه القوى إذا كان العراق سيتحرر على يديها : فأعتقد أن بقاء الاحتلال أرحم وأكثر خدمة للشعب العراقي . وضوح النص هنا من وضوح دم الأبرياء من شعب العراق عموما والشيعي خصوصا . ومن وضوح الطريق التي سيصل إليها عموم الشعب العراقي والسني خصوصا لأنه سيكون الخاسر الأكبر فالدم لايأتي بغير الدم ...#2
لماذا أرحم إن القوة الأولى السلمية تريد عراقا دينيا وهي في واجهته , تماما كمايريده الآن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة والقائمة السيستانية كلها , مع الفارق أن هذه القائمة
تدعي تمثيل الأكثرية الدينية وبالتالي العراقية حتى دون أن نضيف شعبنا الكردي .. إنه صراع التاريخ : لهذا تحضر فتاوي الزرقاوي والسيد السيستاني وعلماء الطرفين في تحشيد فتوي , الخاسر الوحيد فيه الشعب العراقي الذي لاذنب له في أنه خلق شيعيا أو سنيا أو مسيحيا ..الخ وبالتالي الخاسر الأكبر مشروع العراق الديمقراطي العلماني الذي قاعدته الشرعة الدولية لحقوق الإنسان . ونحن بالطبع نشكر فتاوي السيد السيستاني بحقن الدم الطائفي وبغض النظر عن أسبابه لكنها تحقن هذا الدم . فإذا كان أصحاب الخيار السلمي من الواجهة السنية يريدون عراقا لا فدراليا من أجل
أن تصبح غالبية الكعكة العراقية لهم بفعل الإتكاء على الطرف العربي والإسلامي : لأنهم يريدون عراقا دينيا أيضا ولكن على الطريقة السنية هذه المرة . أما على الطريقة الزرقاوية والصدامية أظن هذا الخيار ليس بحاجة إلى نقاش لأنه ليس خيارا بل هو كارثة على العراق وشعوب المنطقة كلها . لهذا قلت في مقال سابق قبل شهر إن أراد السنة عراقا يحترمهم ويحترم الحد الأدنى من حقوقهم كأقلية دينية !! عليهم أن يتركوا الأمريكان يساعدونهم في مطالبهم الدستورية إن كانت القضية تنحصر في مطالب دستورية فعلا !!؟ ولكنني لا أرها كذلك ..
وحتى لانعبث كثيرا كغيرنا في القارئ نقول لايمكن لهذه القوى الظلامية أن تستمر في إهدار الدم العراقي لولا وجود قاعدة لوجستية وسياسية وحاضنا استراتيجا لها ..؟ أين هو هذا الحاضن في الواقع على طرفين أن يجيبا على هذا السؤال :
الطرف الأول : هم الأمريكان . والطرف الثاني : هم سنة العراق والنظام السياسي الأقليمي والعربي ...#3
وهذه لغة مباشرة لا أظن أنها بحاجة إلى تأويل كرد على فريدمان وعلى السنة الذين لايعرف السيد فريدمان ماذا يريدون ...؟ وأنا أنهي هذا المقال قرأت تصريحا للسيد مقتدى الصدر يطالب السنة
العراقيين التبروئ من أبو مصعب الزرقاوي .. وهذا مطلب حق , وأظن ليس من الخطأ إقامة محكمة غيابية ــ أدبية على الأقل ــ لمحاكمة أفعال هذه الجماعات التي التي تقوم بهدر الدم العراقي تحت مسميات كثيرة , يجب محاكمة هذه الثقافة .. محاكمة ثقافية وأخلاقية وبالتالي سياسية , وهذا حدا أدنى من المطلوب من كل الذين ينادون بالتعايش والسلم الأهلي ونزع الفتيل الطائفي من هذا المجتمع العراقي الذي يولد الآن ..!
هوامش :
#1ــ بمعنى إعادة إنتاج خطاب أمريكي واضح حول ماهية المصالح الأمريكية في المنطقة ورؤيتها لتقاطع هذه المصالح مع مصالح شعوب هذه المنطقة , سواء في موضوع الديمقراطية أو في
موضوع النظام الأقليمي الجديد الذي تسعى الأدارة الأمريكية لإقامته في هذه المنطقة الخطيرة من العالم , أو ما علاقة الثروة النفطية في المنطقة والموقع الاستراتيجي لهذه المنطقة أو التحدث عن أن هذه المنطقة لازالت سوقا بكرا للإستثمارات الرأسمالية الأمريكية خصوصا والعالمية عموما وماهي استفادة شعوب المنطقة من كل هذا .. أما أن تأتي كارين هيوز للمنطقة حاملة نسخة هوليوودية في خلق رأي عام في المنطقة تتحسن فيه صورة أمريكا فهذا أمر لن ينجح , ولا أصرار السيد فريدمان على رمي الكرة خارج ملعب ضميره الأخلاقي وإبقاءها محصورة في ملعب ضميره المهني وبالتالي السياسي , والظهور دوما بمظهر العارف لخفايا المنطقة وتركيبتها المعقدة على كافة الصعد والمستويات .
#2ــ وهنا نطالب القوى الكردية والتي هي أيضا تتغنى بالتعايش في عراق فدرالي ديمقراطي أن يكون حضورها العلماني والديمقراطي التعايشي والمتسامح العراقي هذا أكثر انفتاحا وأكثر فعالية في رأب الصدع بين كافة أطياف المجتمع العراقي , وعدم الاعتماد على نبوءات : فخار يكسر بعضه ــ عرب ببعضهم ـــ ونحن كلما ضعفوا سنقوى !!! ولكن من نطالب : إذا كان السيد البرزاني قد أصبح رئسا لإقليم كردستان العراق بدون حد أدنى من الانتخابات أو الاستفتاء يا أخي على طريقة النظم العربية ..؟!!
#3ــ المفارقة اللطيفة أن هذه الأطراف جميعها لم تستشر الشعوب التي تدعي تمثيلها : فقط استشارتها : سنيا ... وهذه هي الماساة ..!
غسان المفلح ــ كاتب سوري
سويسرا
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟