جوزيه بوفيه

محمد سيد سلطان

الحوار المتمدن-العدد: 354 - 2002 / 12 / 31 - 20:06
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

 

نعم انه جوزيه بوفيه المزارع الفرنسي البسيط الذي يمتلك مزرعة في جنوب غرب فرنسا فما الذي جعل هذا المزارع الفرنسي المحب للفلسفة في قلب دائرة الضوء الدولية . في صباح 12/8/1999 و اثر قرار اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية بفرض ضرائب و إيرادات باهظة على جبن ركفور وأنواع أخرى من الواردات الغذائية الأوربية توجه جوزيه بوفيه و معه حشد من المزارعين الفرنسيين البسطاء إلى أحد فروع مطاعم ماكدونالدز في أول هجوم رمزي يسجل ضد العولمة اقتحموا المطعم وفي هدوء شديد قام المهاجمون بفك و حمل كل ما يحتويه المطعم بعناية و توجهوا به سلميا إلى مركز الشرطة و اقترحوا أن تعاد إلى الولايات المتحدة . منذ ذلك لاحين اصبح جوزيه بوفيه بطلا شعبيا عالميا كما اصبح بيته مزارا سياسيا فكريا يقصده نشطاء حقوق الإنسان و المفكرون و الفلاسفة من جميع أنحاء العالم كما تفرغ هو أيضا للنضال ضد العولمة ولم تعفه شهرته هذه من إن يصدر القضاء الفرنسي بحقه حكما بالسجن لمدة ثلاثة شهور ولكن بوفيه المؤمن بقضيته أكد على إيمانه بأن ذهب إلى السجن بجراره الذي يشاركه عادة في احتجاجات المزارعين.
إن ما قام به جوزيه بوفيه لا ينبع فقط من رؤيته الاقتصادية الصحيحة و إنما ينبع أيضا من نظرة فلسفية عميقة فهو يرى في حديث مع صحيفة ليبراسيون إن كفاح الفلاحين عبر تاريخ العالم ما كان مشروعا جماعيا و يقول إن تجاربه الأخيرة قد أثبتت له انه لا يوجد حل فردي لمشكلات البشرية فالمعركة وان كانت كلها حول الطعام إلا أن الأكل ليس فعلا حياديا .
ولم يقتصر نشاط جوزيه بوفيه على فرنسا حيث يعطي حضوره زخما قويا لكل التظاهرات التي ترافق اجتماعات الدول الصناعية السبعة أو اجتماعات منظمة التجارة العالمية وإذا كان بوفيه اكتسب شهرته الأولى من خلال مشاركته في مظاهرات سياتل و ما تلاها في دافوس فان حضور بوفيه كان اكثر قوة في منتدى بورتو الليجري الذي عقد في البرازيل و التي حاولت حكومتها إبعاده بشتى السبل إلا أن المشاركين هتفوا في اختتام أعماله "كلنا جوزيه بوفيه"ورد عليهم بوفيه بقوله "لقد بدا القرن في سياتل إلا أن الألفية تبدأ من بورتو الليجري".
واذا كان النضال ضد العولمة نضالا اقتصاديا بالأساس فان بوفيه لا يرى انفصالا بين الاقتصادي والسياسي فكلاهما وجهان لعملة واحدة لذا رأيناه في المؤتمرات والمظاهرات التي كرست لحقوق المستضعفين والشعوب الفقيرة في إفريقيا و رأيناه أيضا على راس وفد من الناشطين الأوربيين يتوجهون إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الاجتياح الإسرائيلي في للضفة الغربية وقد نجح بوفيه باختراق الحواجز الأمامية والحصار العسكري الذي فرض على الرئيس الفلسطيني واعتصموا داخل مقر السلطة الفلسطينية في رام الله.
"إن ما شاهدناه في الأراضي الفلسطينية المحتلة كان وضعا لا يصدق وحربا استعمارية حقيقية انه نموذج للابارتهيد يهيمن فيه الجيش ويهان فيه البشر عند الحواجز". هذا ما قاله جوزيه بوفيه.
أدرك شارون و حكومته أن بوفيه ومن معه سيألبون الرأي العام العالمي ضد حكومة إسرائيل فأمر بالقبض على بوفيه وترحيله إلى فرنسا ومن معه إلا أن بوفيه كان قد ملأ الدنيا وقتها بتصريحاته التي أدان فيها الممارسات العنصرية الإسرائيلية و قال: "إن إسرائيل تقوم بحرب تطهير عرقي في الأراضي الفلسطينية وكل ما شاهدناه يؤكد بوضوح تام أن شارون يريد إجبار الناس على الرحيل و قال بوفيه إن إسرائيل تتمتع باعتراف رسمي لكنها ترفض الاعتراف بالشعب الفلسطيني وهذا يعني انتهاكا للقانون الدولي وهي تقوم بذلك بدعم كامل من الولايات المتحدة وأضاف بوفيه أن اتفاقات أوسلو الاقتصادية عززت اليوم بنسبة 90% الهوة بين إسرائيل والفلسطينيين و طالب بوفيه بضرورة إرسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني مؤكدا أن القوات الدولية لن تعمل على حماية الفلسطينيين فحسب وإنما الإسرائيليين أيضا حيث إن الاعتداءات ستتوقف عندما يتمكن كل شعب من العيش بحرية على أرضه.
ويكشف بوفيه بتصريحاته تلك وبمواقفه عن وعي عميق بأبعاد القضية واهتمام من مناضل أوروبي بحقوق الشعب الفلسطيني وكل الشعوب المقهورة وهو الموقف الذي يجب أن يقابله المجتمع المدني العربي باهتمام ولن يحدث هذا إلا عندما يناصر المجتمع المدني في العالم العربي جوزيه بوفيه وأمثاله في نضالهم القوي ضد العولمة والهيمنة الأمريكية.

*مسؤول الإعلام بمركز القاهرة  لدراسات حقوق الإنسان

إعداد: سلوى زكزك

************************

البديــــل
من أجل عالم أفضل

نشرة غير دورية تصدرعن مناهضي العولمة في سوريا – العدد (0) – 31/12/2002

 

 

#محمد_سيد_سلطان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات