|
الذاتي والموضوعي في الصراع بين علي ومعاوية
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 13:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية لابد من وضع القارئ الكريم في صورة فهمنا الخاص لمفهومي الذاتي والموضوعي ، من حيث أن الذاتي يشير إلى الخيارالحرالمتعلق بإرادة الإنسان ، قبولاً أو رفضاً ، في حين أن الموضوعي يشيرإلى العوامل غير الخاضعة لإرادة الإنسان .فعندما ظهر الإسلام في الجزيرة العربية في النصف الأول من القرن السابع الميلادي ، كان الصحابة مثلاً، جزءاً من المجتمع الجاهلي السابق على الإسلام . وهو أمر موضوعي خارج عن إرادة هؤلاء الصحابة . ومن المعروف أن عم النبي ( أبو طالب ) والذي تربى الرسول في كنفه ، بل والذي حماه من محاولات قريش ثنيه عن إسلامه ، لم يسلم( بضم الياء ) خلال حياة الرسول ، ومعروف أن الرسول ( ص ) ظل يرجو عمه أبا طالب وهو على فراش الموت أن ينطق بالشهادة ( قلها ياعمّاه ) ، ولكن أبا طالب لم يقلها لكي يظل محسوباً على سادة قريش وقادراً على حماية ابن أخيه . إن تعاليم الدين الجديد ، قد أزاحت عملياً الواقع الموضوعي القديم ( العصر الجاهلي ) ، وأحلّت محلّه واقعاً موضوعياً جديداً ( العصر الإسلامي ) ، ولكن هذه الإزاحة لم تكن ـ بطبيعة الحال ـ لاكاملة ولا مطلقة ، وهو ماظهر لاحقاً في الصراع بين جناحي قبيلة قريش : الهاشمي والأموي ، أولاد وأحفاد الجد الواحد (عبد مناف ) . لقد كان الصراع بين الإمام علي بن أبي طالب ( رضي ) ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ـ في تقديرنا ـ صراعاً ذي بعدٍ قبلي ، تعود جذوره الاجتماعية إلى عصر ماقبل الإسلام ( العصر الجاهلي ) ، حيث كان الإنقسام وبالتالي الصراع القبلي هو سيد الموقف . ( ألا لايجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا ) . ولقد جاءت مبادئ وتعاليم الإسلام ، سواء من خلال القرآن الكريم ، أو من خلال الحديث الشريف ، أو من خلال سلوك الرسول نفسه ، نقيضاً موضوعياً جديداً لهذه القبلية .( ياأيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، الحجرات 13) . هذا وقد شهدت فترة الخلفاء الراشدين الأربعة بعد وفاة الرسول ، غلبة تعاليم الدين الجديد ( العامل الذاتي / العامل الموضوعي الجديد ) في سلوك المسلمين على العادات والأعراف القبلية الجاهلية ( العامل الموضوعي القديم )، بيد أن هذه القبلية ، سرعان ماأطلت برأسها بعد مقتل عثمان ، وأخذت تزاحم الدين الجديد ولكن كانت هذه المرّة ، تحمل بإحدى يديها سيف التعصب القبلي، وبالأخرى القرآن والسنة . إن سماح الأمويين بشتم الإمام علي بن أبي طالب (رضي)(الخليفة الرابع) من على منابر المساجد إبان حكمهم ، إنما كان موقفا قبليا و جاهلياً صرفا ، وكان مرفوضا دينيا من معظم المسلمين الحقيقيين ، بمن فيهم الهاشميين والأمويين ( أبناء العمومة ) على حد سواء ، لأن شتم الإمام علي من قبل بعض الأمويين ، كان ينطوي عملياً على بعد ارتدادي عن ثوابت ومبادئ الدين الجديد ، وبالتالي عودة إلى جاهلية ماقبل الإسلام . ومعروف كيف أن الرسول نفسه قال لأبي ذرالغفاري ذات مره وهو الصحابي الجليل المعروف ، عندما نال من أم أحد الأشخاص ، وكانت أعجمية ، بقوله له " ياأبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية " . إذا كان شتم الإمام علي كان ومايزال مرفوضا دينيا ( إسلاميا ) ، فإن التنكر لخلافة إبي بكر وعمر والطعن بأخلاق السيدة عائشة أم المؤمنين، إنما هو أيضاً مرفوض ليس دينياً فقط ، وإنما قومياً أيضاً ذلك أن هذا الموقف السلبي من خليفتي رسول الله أبي بكر وعمرقد جاء بداية ونهاية ووسطاً على لسان شيعة الفرس ، وليس على لسان الشيعة العرب ، بمن فيهم الإمام علي نفسه ، لابل جاء ( التنكر لخلافة أبي بكر وعمر )وهو يحمل في طياته جرثومة الشعوبية ( كره العرب ) ، والتي تحولت هذه الأيام إلى مانراه من الطائفية البغيضة ، بداية على يد بني بويه،في القرن العاشر والحادي عشر ، ووسطاً على يد الدولة الصفوية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ونهاية على يد آية الله الخميني في القرن العشرين ، والذي يقاتل شيعته هذه الأيام ( ماي 2015) في بغداد ودمشق وصنعاء ، دفاعاً عن مراقد أئمة آل البيت (!!) ذلك أنهم عرفوا فقط في القرن الواحد والعشرين أن الإمام علي نفسه وزينب والحسن الحسين والحسن العسكري والإمام الغائب إنما هم مسلمون عرب هاشميون ومدفونون في المدينة و دمشق والكوفة والنجف وسامراء ، أي في أرض العرب ، أرض آبائهم وأجدادهم ، وليس في أي مكان آخر . أي أن مراقدهم هي في رعاية وحماية أهلهم وذويهم منذ أن توافاهم الله ( أو غيبهم ) ، وإلى يومنا هذا. لقد مثل المذهب الزيدي ، الجسر الإسلامي المتين الذي ربط بين خلافة أبو بكر ، وعمر وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم جميعا ، وما محاولة الحوثيين المشبوهة التي نراها هذه الأيام في اليمن ، سوى نوع من الإرتداد الإسلامي ( عن الزيدية ) والقومي (عن القومية العربية)،وهي بالتالي استجابة طائفية مدانة لشعار" تصدير الثورة " (عمليا تصدير ولاية الفقيه) ،الذي نادى به الإمام الخميني إلى الأقطار العربية،سواء القريبة من إيران كالعراق ، أو البعيدة عنها كاليمن وسوريا ولبنان . لقد أدرك الشعب اليمني ، بشوافعه وزيدييه ، أبعاد هذه اللعبة الطائفية ، ولذلك فقد وقف بكل مكوناته الإجتماعية والدينية والسياسية ضدها ، وبات فشلها المحتم قاب قوسين أو أدنى . تماماَ كما هي حال نظام بشار الأسد ( حوثيي سوريا ) ، الذي بدأت تلوح في الأفق بواكير انهياره .
إن ما تعاني منه المنطقة العربية هذه الأيام ، ولا سيما في العراق وسورية واليمن ، إن هو - واقع الحال - إلا من مفرزات ذلك الماضي ، بما له وما عليه ، و الذي أطلت فيه كل من الشعوبية والطائفية برأسيهما ، بعد أن تم دفنهما وتجاوزهما وأصبحا في عداد الماضي . إن جهات متعددة ، داخلية وخارجية ، إسلامية وغير إسلامية ، عربية وغير عربية ، حاولت وتحاول منذ القرن التاسع عشر وحتى هذه الساعة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، ونبش ذلك الماضي ، وإعادة تفعيله من جديد ، و هنا لا نملك إلا أن نقول لمن أيقظ أو مايزال يحاول إيقاظ هذه الفتنة ( الشعوبية والطائفية ) : " الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها " . ويحضرني في إطار إيقاظ هذه الفتنة النائمة ، أن وزارة الدفاع الفرنسية ، وفي تحضيراتها الاستعمارية لاحتلال الجزائر عام ١-;---;--٨-;---;--٣-;---;--٠-;---;-- ، طلبت من المستشرق الفرنسي سيلفستر دي ساسي أن يترجم لها مقدمة ابن خلدون ، كيما تقف من خلالها على المكونات القبلية والإثنية والدينية للشعب الجزائري ، وبالتالي توظفها في تطبيق سياستها الاستعمارية في الجزائر، وبالذات في إطار سياسة " فرق تسد " الاستعمارية المعروفة ، والتي وظفتها وطبقتها فرنسا في سورية ، إبان المرحلة الإنتدابية مابين ١-;---;--٩-;---;--٢-;---;--٠-;---;-- و ١-;---;--٩-;---;--٤-;---;--٦-;---;-- ، والتي مازلنا نحصد نتائجها المسمومة حتى اليوم .
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشار الأسد وإشكالية الهوية
-
إعرف نفسك تعرف عدوّك
-
بين الخديعة والخطيئة خيط رفيع
-
بشار الأسد والمليون إرهابي سوري
-
خواطر تجمع بين اليأس والأمل
-
بين جاسم ومنبج كما بين الباب والموصل خواطر تراثية
-
الثورة السورية بين اليأس والأمل
-
بين الخلاف والاختلاف شعرة معاوية
-
البعد القومي لثورة آذار 2011 السورية
-
من محمد الزعبي إلى الأخوين عبد الرزاق عيد وميشيل كيلو
-
العوامل الموضوعية والذاتية في أزمة عين العرب السورية
-
شهادة شهيد عن حرب 1967
-
اليوم الثالث من أكتوبر ، نعم ولكن
-
وجهة نظر تجمع بين اليأس والتفاؤل
-
العرب وإسرائيل بين الاستراتيجية والتكتيك
-
الثورة السورية بين الأمس واليوم ، رؤية سوسيو تاريخية
-
من الذي يقتل أطفالنا في سورية وغزة ؟
-
ثورات الربيع العربي وحلف الخائفين من الديموقراطية
-
إذا لم تستح فافعل وقل ما شئت
-
عناق الربيعين
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|