أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - العجوز والحرب (قصة قصيرة)














المزيد.....

العجوز والحرب (قصة قصيرة)


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 07:41
المحور: الادب والفن
    


الممر المفضي من غرفة النوم الى الصالة كأنه ممتد وطويل، هكذا شعر بالمسافة مع تثاقل وبطئ حركته المشوبة بالحذر والاضطراب، وخطواته التي كان يدعمها عصا غليظة يتوكأ عليها. كف يده الأيسر يقبض بقوة على رأس العصى المفرطح، كما تتحسس راحة واصابع كف يده الأيمن بشغف الجدار بالممر شبه المعتم بحثا عن موضع زر الانارة الذي يعلم جيدا أنه ملتصق بالجدار من المنتصف. لم يشغل باله بتلك الحالة من الوهن التي استيقظ عليها فجر اليوم وشملت جميع أجزاء جسده، ولا نوبات السعال المتواترة التي أرهقته الليلة الماضية وحرمته من حلمه المفضل الذي دأب على الاستمتاع به كل ليلة، فيقوم هادئا، مرتاحا، لكن لا يبوح به لمخلوق. فقط انشغل بضرورة العثور على الراديو الترانزستور الذي اختفى فجأة من غرفة نومه، غالبا بفعل يد عابثة غير مسئولة تجرأت على نزعة من مكانة على الطاولة الصغيرة جوار سريره حيث يرقد منذ قرابة الربع قرن. هكذا تحدث مع نفسه بصوت مسموع وهو يتحسس الجدار أملا في اصطياد مفتاح الإنارة. كان الظلام والهدوء يهيمنان على سطوة المكان الذي خلى من الجميع سواه وامرأته الساكنة في مرقدها في غرفة مجاورة، يتذكر أنها لم تزوره في فراشة مرة واحدة خلال العشرين عاما الماضية، والمدهش أنه لم يفكر أيضا في أن يفعلها معها خلال تلك السنوات. حالة معقدة من الاتفاق والتصالح جمعته بها منذ ربع قرن تقريبا. كانت شابة جميلة مطلقة حديثا ولديها صبي جميل، وكان أرملا، خمسينيا، تركته زوجته وصعدت للسماء فجأة وتركت له صبيتان رائعتان، وكان القدر الذي يخفي عادة في ثناياه المصائر والكوارث. بعد الزواج بخمسة سنوات تيقن من مصيره، وكذلك قنعت هي بمشيئة الرب، استقرت في الغرفة المجاورة، تسامت علاقتهما فوق ما هو جسد، وفوق ما هو زواج أيضا. لم يعد بالإمكان تقبل فكرة ابتعاد أحدهم عن الآخر. أخيرا اصطدم طرف أصبعه بزر الإنارة. انقشع ظلام الممر وكذلك الصالة الفسيحة. لمحه يرقد فوق طاولة قديمة مركونة جوار الجدار بالصالة، راديو انجليزي ماركة فيلبس عتيق، ضخم، غلافه المستطيلي وجوانبه مصنوعة من خشب الأبنوس ناعم الملمس، المطلي باللون البني والمطعم برقائق من معدن الألومنيوم الذي يشكل أُطر الشكل الخارجي، وكذلك المفاتيح الضخمة حيث يتداخل بشكل واضح مكون خشب الابنوس بلونه الزاهي مع معدن الألومنيوم، انفلتت عنه بعفوية ابتسامة مريحة طمست معالم القلق والاضطراب، توجهت خطواته في اتجاهه، ما يزال يحمل نفس اللون، ونفس العبق منذ أن اشتراه من اليمن في رحلة عودته من الحرب المجنونة هناك، كان ذلك في بواكير الشباب، وكان الآف مثله من الجنود الفقراء متحمسون، يتحلقون حول قائدهم بشغف مدهش، ومتفهمون لمناصرة الجمهوريين، كانت العملية(9000) في بدايتها حينما كان صوت المذياع في اذاعة صوت العرب يذيع بيانات النصر!، لم يكن يستطيع التحقق من ذلك بينما كان محاصرا في الجبال الوعرة والظلام المرعب. ما تزال خطواته تتجه نحو الراديو، ونقر العصى على الأرضية يتزايد حدة واضطرابا. بمجرد أن تتوقف القاذفات الجوية عن التحليق وافراغ حمولتها على مخابئ الأعداء حتى تظهر أشباح الملكيين ومناصريهم في الظلام، يمارسون الذبح والرعب ويختفون، لا نرى لهم وجوه، أو حتى أجساد، فقط نسمع أصوات مخيفة ترطن بلهجات بدوية، وأخرى أجنبية وأصوات الاستغاثة التي تخلع القلب لرفاقنا الذين باغتهم هؤلاء الأشباح السفلة المرتزقة. لم يعد يحتمل متابعة الخطى أو حتى الوقوف على قدميه، سٌلْم نفسه لأقرب مقعد. ما تزال المعارك مشتعلة، والمذياع الذي وضعوه لهم في الكتيبة على موجة صوت العرب لا يتوقف عن تلاوة بيانات النصر مع أن رفاقهم يختفون عندما يحل الظلام، أو يصبحون على جثثهم الممزقة المتناثرة في الجبال. رفاقهم اليمنيين من مؤيدي الجمهورية يكاتفونهم في الصباح، ثم يغدرون بهم في عمليات الاشباح والظلام في المساء. منظر الجبال أصبح مخيفا، الصخور الجبلية والكهوف دائما تخفي الجحيم، ودائما تهددهم بالهول والذبح. جاء القائد ورحل، نفث كلاما لم يسمعوه، كما أنه لم يتهيأ لرؤية الرعب الذي يعيشونه. كل المطلوب المحافظة على مواقعهم، وعلى حياتهم من خطر الذبح في المساء. أنجزوا المهمة ببسالة. ما يزال راديو الكتيبة يذيع الأخبار وبيانات النصر، وبسالة الجنود. وما يزال الراديو الذي اشتراه من التاجر اليمني العجوز عشية عودته الى أرض الوطن راقد، صامت على الطاولة القديمة بفعل الاعيب الصغار أبناء ابنته الكبرى، استجمع شتاته، تشبث بمقبض العصى المفرطح، نهض واقفا، حمل بذراعه الآخر الراديو ولصقه في جنبه، سار بخطواته البطيئة الثقيلة في اتجاه غرفة نومه، وضعه حيث أعتاد أن يكون فوق الطاولة الصغيرة، أدار مفتاحه برفق، جاء صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يرتل بروعة تشق القلب في اذاعة القرآن الكريم، والتي لم يتحول عنها منذ عشرون عاما أو أكثر، هكذا بمنتهى الرضى والتصالح والود مع السماء .
احمد الباسوسي
القاهرة 6/5/2015



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ممنوع عليك غلق باب الحمام
- الموكب (قصة قصيرة)
- لذة ممنوعة
- طلاق بالأمر (العلاج النفسي)
- تلاشي (قصة قصيرة)
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - العجوز والحرب (قصة قصيرة)