علي رمضان فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 07:41
المحور:
الادب والفن
استيقظ كامل من نومة بعد ليلة من التململ والارهاق الفكري, فالافكار كانت تتصارع في راسة كما تتصارع الثيران او الوحوش الضارية في الغابة الشاسعة, ومن يوم الي يوم كان يزداد قلقا وأرقا, لانة اصبح عبارة عن آلة لكتابة الافكار بدون ايمان او اعتناق. استيقظ من نومه , بعدما سمع اصوات اولادة الصغار يتشاجرون في الحجرة المجاورة لحجرة نومة, فرك عينية, وتحسس قطعة الاثاث الموجودة بجوار سريرة والموضوع عليها الابجورة التي تضيء الحجرة أضأة خافتة عند النوم, امسك بنظارتة ذات العدسات السميكة وكانهما عدسات تلسكوب ووضعها علي عينية, ونظر في ساعتة فوجدها الساعة العاشرة , تنحنح دليلاَ علي استيقاظة من النوم وعندما سمع اولادة الصغار صوتة تخفي كل واحد منهم في مكان كأنهم جرزان صغيرة ..
- صباح الخير ياشباب , علي فكرة انا عارف مكان كل واحد فيكم , واذا لم تخرجوا في غضون دقيقة سوف ..
قبل ان يكمل كلماتة خرجوا من تحت الاسرة , ومن خلف الابواب , ومن الدوالايب , ثلاثة اولاد وبنتان , وتشبسوا بثيابة , وتعلقوا في زراعية , وقفز اصغرهم علي كتفة احتضنهم كامل, بحنان أبوي وكانت هذة اللحظة من اسعد لحظات حياتة وفي غمرة سعادتة وابتهاجة باولادة من حولة فكر في مستقبلهم, وفي كيف يؤمن لهم حياة كريمة, ويترك لهم ما يغنيهم عن الحاجة, ففي بلادنا العربية اصبح هناك آفة مرضية خطيرة , وهي السعي لتأمين حياة الاولاد, وليس السعي لبناء طاقات الاولاد, واعدادهم للمستقبل , ولم يوقظة من تفكيرة هذا سوي صوت ابنة الاكبر
- بابا .... بابا .. انا سوف اذهب للتمرين ومحتاج مبلغ من المال .
- طيب , محتاج كام ؟
- يعني ... خمسون جنيها ..
مد كامل يدة ووضعها في جيبة واخرج خمسون جنيها واعطاها لأبنة , وبعدها ذهب الي الحمام واغلق الباب خلفة وأوصدة من الداخل وجلس علي المقعدة وانتظر, وطال انتظارة لأن كمية الشاي والقهوة التي يشربهم, والاكلات الحريفة التي كان يعشقها كانت تصيبة بامساك مزمن يجعلة يلازم الحمام في الصباح مدة طويلة حتي ياتية الفرج, ومن لحظة الي اخري تتقلص عضلات وجهة, ويتمايل ذات اليمين وذات الشمال حتي يخرج ما في معدتة من فضلات, وبعد عناء والم حاد ينتهي عذابة ... خلع ملابسة بالكامل, وترك الماء ينساب علي بدنة فشعر بنشاط يسري, في بدنة كلة .... خرج من الحمام واضعا علي منتصفة السفلي قطعة من القماش يواري بها عورتة , ودخل الي حجرتة ورتدي ملابسة , وتجة للمطبخ واعد كوبا من القهوة, ومسك الفنجان بيدية, وبعض الاوراق في اليد الاخري ودخل الي حجرة مكتبة وجلس علي الكرسي الوثير وفتح الحاسب علي عادتة ثم يصفح الاخبار علي الانترنت . كان يفضل الدخول علي موقع اليوم السابع , وبعدها يدخل علي موقع الوطن, ثم يقراء بعض المقالات هنا وهناك للكتًاب المفضلين لدية, ثم يفتح صفحتة علي الفيس بوك ليطمئن علي اصدقائة الذين لم يري منهم احدا في عالم الواقع وكانة يصادق ارواح او اشباح, يقراء تعليقاتهم علي ماكتبة من مقتطفات ادبية , او ملاحظات سياسية , فصديقنا كامل متشعب الثقافة كانة موسوعة ضخمة , تجدة يحدثك عن الفلسفة, والادب والتربية والاخلاق الخ ... الخ ..... بعد التنقل من صفحة الي صفحة علي الانترنت ... يدخل في صميم عملة فكامل كان يعمل في مكتب متخصص لكتابة الرسائل والابحاث العلمية نظير مبالغ مالية, والذي جعلة يضطر الي هذا العمل حاجتة الي المال لتربية اولادة الخمسة .
دخل علي الاميل الخاص بة ليطمئن علي الاميلات التي وصلتة, و لكي يستقبل الأعمال الجديدة التي تأتية عبر الاميل, فابالأمس كان يكتب عن خطة بحثية لطالبة من احدي دول الخليج , وتقمص كامل دور الطالبة في كل خطوات البحث, فالتعليقات التي كتبها كلها كانت بصيغة المؤنث , هذا ماكان يضايقة ويؤرق علية حياتة , فمنذ ان دخل في هذا المجال وهو يتنقل بين الشخصيات الانثوية والذكورية , ليس هذا فحسب بل عدم ايمانةبما يكتب وتفكيرة المتناقض هو الذي كان يؤرقة ويجعل الافكار تتصارع بداخل عقلة ... فتح الاميل فوجد هذة الرسالة ( مطلوب كتابة بحث عن ضرورة الحاكمية الاسلامية في العصر الاحديث , والمطلوب الحديث باسهاب عن اهمية الشريعة الاسلامية و والتدليل علي ان انحطاط المسلمين ناجم عن ابتعادهم وتخلفهم عن الشريعة الاسلامية) . فتح كامل ملف جديد ونقل الرسالة في الملف وراح يبحث في الشبكة العنكبوتية عن مراجع ومصادر تتحدث عن هذا الموضوع , وكل ما كان يفعلة عبارة عن قص ولصق للأفكار وتنسيقها معا لتكون متناسقة منسجمة , وبعد التنسيق والترتيب يرسل البحث لصاحبة, لا تتخيلوا مدي الأيذاء النفسي والروحي الذي كان يتعرض لة كامل لأن الكثير من الافكار التي كان يكتب عنها كان لا يؤمن بها ولا يؤمن انها مجدية , وكانت الاسئلة تتصارع في راسة فكان يسال نفسة كيف لهذا الباحث الذي يدرس في الجامعة الاسلامية المرموقة, كيف لة ان يستحل مجهود غيرة, الا يعرف ان هذا محرم دينيا؟ كيف لهذا الباحث ان يكون قدوة في الاخلاق, ومربي ومعلم لأجيال سوف تقود هذة البلاد, ومن يوم الي يوم كان كامل يؤمن ايمانا عميقاَ بصدق مقولة ماركس الذي يقول فيها " ان الانسان لا يتخلي عن منفعتة بالموعظة " كان يلوم نفسة لأنة كان يشعر بانة اشترك في جريمة لا تقل عن جريمة القتل, او السرقة المادية, رغم اجتهادة في عملة , بعدما ينتهي من البحث الذي يكتبة, بل قل بعدما يخلع هذة الشخصية يبحث عن شخصية اخري, يبحث عن ثوب جديد لكي يلبسة, ومن يوم الي يوم نزداد حالتة سوء, ويزداد ارقا, وقلقا فابالأمس كتب عن الحاكمية الاسلامية وضروريتها, واليوم يكتب ( العلمانية هي الحل) يكتب عن محاسن العلمانية, وضرورة ممارستها في حياة العرب اليومية, وفي كافة مجالات الحياة بداية من ترسيخ التفكير النسبي في العقول بدلا من التفكير المطلق ونهاية بالفصل التام بين السياسة وبين الممارسات الدينية, هلكم ان تتخيلوا العذاب الذي كان يعيشة , والمعاناة النفسية التي كان يعانيها .... رغم ايمانةالكامل بضرورة المنهج العلماني في الحكم في البلاد العربية وانها الحل الفعلي لكافة مشكلات العرب الا انة كان يقول هذا علي استحياء لأنة كان يشعر في قرارة نفسة انة ليس اسلاميا, وليس علمانيا بل مسخ, شيئ يحمل صفات هذا وصفات ذاك وفي نفس الوقت لا هو هذا ولا هو ذاك .... لم يكن كامل حالة فريدة في العالم العربي بل كان تجسيد حقيقى للحالة الفكرية التي وصل اليها الوطن العربي باكملة من تخبط , وعدم هوية واغتراب
#علي_رمضان_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟