|
في بداية تشكّل المفهوم المادي للعالم أو ماركس والتفكير مع هيغل ضد هيغل {العائلة المقدّسة نموذجا}
سلام زويدي
الحوار المتمدن-العدد: 4798 - 2015 / 5 / 6 - 17:47
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في بداية تشكّل المفهوم المادي للعالم أو ماركس والتفكير مع هيغل ضد هيغل العائلة المقدّسة نموذجا
قبل المرور إلى الآسلوب الرائع الذى تمّ به ومن خلاله تقويم أنتروبولوجية فيورباخ حري بنا أن نقف على الموقف الماركسي تجاه الفلسفة الهيغلية التى ترعرع و تصلّبت عضامه بين أحضانها قبل أن يصيبها في رحمها . وعى ماركس تمام الوعي منذ مخطوطات 1844 الاقتصادية- الفلسفيّة أن المنهج الهيغلي و الفلسفة الهيغلية ككل تفضي في نهايتها إلى إستنتاجات محافظة تبرر ما هو موجود على صعيد البنية السياسيّة والاجتماعية والفكريّة ، لذلك فإن الجدل الهيغلي الثوري رغم جدته و مغايرته ، يقود في ختامه إلى تبرير الواقع الذي تحدده السلطة البروسية ،هكذا نفهم تأكيد ماركس على ضرورة الإنتقال إلى اللافلسفة ، أي إلى الفلسفة الجديدة المغايرة و الثورية لتحمل المشعل لتغيير الواقع ، إن هذا الإنتقال لم يكن ممكنا إلا من خلال السكن و الإقامة داخل الآنطولوجيا الهيغلية و قرقعة عناصر بعضها ببعض. 1-الإنفكاك من جدران هيغل عبر تقويم أنتروبولوجية فيورباخ أ- ماركس و إستئناف هيغل – أو في قلب جدلية هيغل إن إشارتنا إلى موقف ماركس من جدلية هيغل و إلى التقويم الرفيع "لنفي النفي" و "صراع الآضداد و"التحولات الكميّة و الكيفيّة" التى تؤدّي إلى نقلة نوعية تؤكد ضرورة المرور باللحظة الهيغلية، ذلك أن فهم و تتبع بداية تشكّل المفهوم المادّي الثوري للعالم يمرّ حتما عبر جدلية هيغل و أنتروبولوجية فيورباخ وقد سلك في هذا، محمد لعريبي في دراسته المعنونة ب"فيورباخ بين الإغتراب و الثورة " حيث كتب يقول :" و لقد اعترف إنجلز أن الطريق من هيغل إلى ماركس يمر بالضرورة بفيورباخ."(1) لم يعد الديالكتيك مثلما ذهب إلى ذلك هيغل ، في عالم الأفكار، بل أصبح يتصّير داخل بنية الواقع الذي تحكمه علاقات إقتصادية وإجتماعية وتاريخية ،هكذا فكّر ماركس بديالكتيك هيغل أيّ بضرورة قلبه على رأسه ليستوي على قدميه ،لأن الديالكتيكية الهيغلية ثوريّة في ظاهرها لكنها تفضي إلى إستنتاجات محافظة ،فالتغيّرات الثورية لا تحدث على الصعيد الإجتماعيّ والسياسيّ و إنما على صعيد الفكر و"لذا إعتبر كل من ماركس و إنجلز أنها تقف على رأسها و ينبغي قلبها لتستوي على قدميها".(2) جعل ماركس من الديالكتيكية الهيغلية ديالكتيكية محايثة ، ارتضت لنفسها أن تنزل من برجها العاجي و من جدرانها العالية ، إلى أعماق البؤس البشري الذي تخلقه حركة الملكيّة الخاصّة خلقا ، فلم يعد التناقض تناقضا لمقولات الفكر كما أكد هيغل و لا تناقضا بين "الجمهور الغبيّ و المتصالب" و"الروح الّنقدي" كما وقّعه باوير، بل أصبح يفتعل في صلب حركة الملكية الخاصة التى تخلق الثروة لنفسها و الفقر لمنتجها ، أيّ البروليتاريا (3)فقرها و البرجوازية (4) بثروتها الذان يشكلان نقيضان و لقد كتب مؤلفا العائلة المقدسة في هذا "البروليتاريا و الثورة نقيضان و بهذه الصفة يشكّلان كلا واحدا .إن كليهما شكلان من عالم الملكية الخاصة "(5) إحتفظ مؤلفا العائلة المقدسة بالجدل الثوري الهيغلي بعد قلبه على رأسه ليتصيّر القانون الذى يضبط حركة الملكية الخاصة و المنهج الثوري الذى تعتمله الطبقة العاملة لتجاوز إغترابها و فقرها الروحي وبؤسها الإجتماعي، وفي مقتطف ثوري من كتاب العائلة المقدسة يبين ماركس و إنجلز الدور الطليعي الذي تلعبه البروليتاريا في فكّ التناقض لأنها "من جهة أخري مضطرة كبروليتاريا أن تلغي نفسها و بالتالي أن تلغي نقيضها ،تلغي شرط وجودها."(6) إن تتبع و إستقصاء مسألة الإغتراب لم يعد منوطا على تتبع إغتراب الروح عبر التاريخ في نزوعها المتواصل نحو الإطلاقية ،بل أن مسألة كهذه المسألة أصبحت تفسّر داخل العلاقات الإقتصادية ، أيّ بالكشف عن الظّروف اللاّ إنسانية التى ولّدت جميع تلوينات الإغتراب داخل العلاقات الإقتصادية التي تحركها الملكية الخاصة ، و لقد كتب ماركس و إنجلز في هدا السياق أن" الطبقة المالكة و الطبقة البروليتارية تمثّلان الإغتراب الذاتي الإنساني نفسه. و لكن الطبقة الإولي تجد في هذا الإغتراب ثباتها و إزدهارها وقوتها الخاصة ... أما طبقة البروليتاريا فإنها تشعر بالإنسحاق من إغترابها الذاتي."(7) إن أهمية كل من هيغل و فيورباخ تكمن في أنهما يمثلان النواة الأولى التى تأثّر بها ماركس وإنجلزالشابّان ،لأن هيغل يعتبر أوّل فيلسوف جدلي بإمتياز بعد هيراقليدس و فيورباخ أوّل من حاول أن ينزل "الماديّة إلى العرش" و لقد سلك هذا الدرب مجموعة من الأساتذة السوفيات في مؤلفهم "الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر" حيث أكدوا أنه"ليس ثمة مجال للشّك في الأهمية المميزة للدور الذي إضطلع به هيغل بوصفه جدليا و فيورباخ بوصفه ماديا في التكوين الفلسفي للماركسية "(8) ،لكن هذا التشكّل لم يكن ممكنا إلا بعد غربلة و تمحيص كافة المنجزات العلمية والأدبية والفلسفية والفنية ،هذا التمحيص مكّن مؤلفا الماركسية من الوقوف على نقائص الفلسفة الهيغلية من حيث نتائجها و وعيها المعكوس ، هذا التأكيد أثبت بطلان برونو باوير و شتراوس ، فالنقد المكرور هو الذي نفّذ الحكم على هيغل و الهيغليين ، فحتى برودون الذى كان ماركس يعتبره حليفا لهما ، مع تقدم أبحاثه و نضجها سرعان ما سيحشره في قائمة الفوضويين ، و كذلك بالنسبة لفيورباخ فبالرغم من الإنبهار و الإطراء المغالي لما أتاه فإن ماركس و مع تقدم أبحاثه و نضجها سرعان ما سيعلن نقائص وعيوب مادية فيورباخ و قد وقّعها في مؤلفه" أطروحات حول فيورباخ" ، ونحن لا نستغرب لماذا قرن إنجلز إسم فيورباخ ب"نهاية الفلسفة الألمانية ". فما سيتبقى من هيغل بعد غربلته و تطهيره من شوائبه المثالية هو الديالكتيك و قد أمسى على قدميه ،لهذا ذهب مجموعة من الأساتذة السوفيات الى القول بأن" الأهمية الثورية الحقيقية لفلسفة هيغل تكمن في إنها كانت ، بالفعل تنبذ التصورات حول الطبيعة النهائية لنتائج التفكير و النشاط الإنساني فكل ما هو موجود في حياتنا و تفكيرنا على السواء يتحول الي نقيضه ، و كل واقع يتحول الى لا واقع ، و كل معقول الى لا معقول و إذا ما ما كان في السابق معقولا و واقعيا و ضروريا تبطل ضرورته مع الوقت ، كما يفقد حقه في البقاء و يضيّع معقوليته و يشمخ مكان الواقع المتلاشي واقع جديد مفعم بالحياة"(9)ولقد سلك أقناسيف نفس هذا الدرب في تأكيده على أهمية اللحظة الهيغلية داخل الفلسفة الألمانية ،حيث كتب يقول :"إن المصدر النظري المباشر للفلسفة الماركسية كان الفلسفة الكلاسيكية الألمانية في القرن التاسع عشر و قبل كل شيء فلسفة هيغل."(10) أحدث ماركس إنقلابا لم يكن ممكنا ، إلاّ من خلال التفكير بديالكتيكية هيغل ضد مثاليته المحافظة ، أما علاقته بفيورباخ فتتمثل بالقبول بماديته لكن بعد غربلتها و تمحيصها من شوائبها اللاعلمية ،يقول أقناسيف مبينا التقويم الرفيع لمكتسبات القرون السالفة:"إن ماركس و إنجلز في صياغة فلسفتهما إستفادا من ديالكتيك هيغل و مادية فيورباخ بعد أن أعاد صياغتهما بشكل إنتقادي و بذلك حررنا من رواسبها اللاعلمية." (11) إن تصفية الحساب مع هيغل كان قد أنهاه ماركس في كتابه "نقد فلسفة الحقوق الهيغلية " و مخطوطات 1844 الإقتصادية- الفلسفية ، أما علاقته بفيورباخ و بماديته و انتروبولوجيته فقد بدأه في كتاب العائلة المقدسة ليحشره في "أطروحاته حول فيورباخ في خانة الماديين الميتافيزقيين ،أما إنجلز فقد إعتبره فيلسوفا ميثاليا كغيره من الفلاسفة المثاليين الألمان لأنه"لم يفهم أن محرك التاريخ ليس هو النقد المنفصل عن الممارسة أو الدين أو أي نظرية كانت بل النشاط العلمي الثوري"(12) لكن هذا النقد الذي تعرضت له الفيورباخية لا يقلل من الأهمية التي منحها له مؤلفا العائلة المقدسة . ب- تقويم أنتروبولوجية فيورباخ أو فيورباخ ناقدا لهيغل من داخل هيغل لقد ذكرنا في الفصل السابق كيف بقي كل من باوير و شتراوس داخل أسرى الفلسفة الهيغلية ، و كيف أن نقدهم له( أي هيغل ) لم يفنّدها و لم يقوض جدرانها بل أكّدها ، ذلك أنهم عجزوا بسلاحهم النّقدي على الخروج من الوعي المطلق الهيغلي ، فعجز مدرسة النقد في مجلتها الأدبية عن الأداء بالمهمة المتمثلة رأسا في تجاوز المثالية والهيغلية عامة هو الذي دفع بماركس ومنذ مخطوطات 1844 الى تصفية الحساب مع هيغل و الهيغليين خاصة بعد الإفتتان بفيورباخ ، ذلك المادّي الذي حقق أشواطا في نقده لهيغل من داخل هيغل مقارنة بالنقاد النقديين (شتراوس و باوير) ، لعلّ هذا ما وقعه كل من ماركس و إنجلز بين طيات العائلة المقدسة، في مبالغتهما على فيورباخ لأنه الوحيد الذي تمكّن من تأكيد تناقض الفلسفة الهيغلية و بطلان ديالكتيكها و مفاهيمها إذا لم تتحررمن غطرسة و هيمنة اللاهوت ، فهو من كان السباق في مؤلفه "فلسفة المستقبل "في " الإطاحة بالجدل و الفلسفة القديمين".(13) إن أهمية فيورباخ داخل عائلة ماركس المقدسة تكمن في أنه أبطل ديالكتيك المفاهيم أولا، و أنهي حرب الألهة ثانيا ، مع إستبدال الفلسفة التأملية الألمانية المتقومة على الوعي الذاتي المجسد لروح الديانة المسيحية بالإنسان الحقيقي و لقد كتب ماركس و إنجلز في هذا السياق :" و لكن من كشف سرّ " النظام"؟إنه فيورباخ.من أبطل ديالكتيك المفاهيم، و أنهى حرب الألهة المعروفة بين الفلاسفة وحدهم ؟إنه فيورباخ.من إستبدل الهراء القديم و "الوعي الذاتي غير المحدود " ليس بأهمية الإنسان "-فكان الإنسان يملك من الأهمية أكثر من كونه إنسانا –بل "بالإنسان "؟إنه فيورباخ ،و فيورباخ وحده"(14)،لأنه أثبت أن هدف الفلسفة التأملية الألمانية هو اللاهوت بل جوهر الديانة المسيحية الذى يجد تعبيرته في الفلسفة التأمّلية و قد كانت فلسفة الروح المطلقة هي خير تجسيد لتطور التأمل الألماني و لقد كتب في هذا مجموعة من الأساتذة السوفيات في قولهم " لقد كانت هذه العقيدة تتآلف من الموضوعات التالية ، أولا أن اللاّهوت ماهو إلا جوهر الفلسفة التأملية و فلسفة هيغل هي ذروة تطور هذه الأخيرة ، و لذا فهي ليست سوى ملاذ و مرتكز للاهوت ، وتبعا لذلك ينبغي أن تكون هي الفلسفة موضوعا للنقد ".(15) تكمن أهمية اللحظة الفيورباخية في مراحل نشوء و تشكل عناصرها في كونها كانت الأولى من حيث كشفها عن الجلباب الديني المسيحي ألذى تثوي خلفه الأفكار و النتائج الفلسفية ، فالفلسفة التأملية ليست سوي لاهوتا أي "أن الفلسفة ليست سوي دين جري تحديده في أفكار و ترتيبه في نسق منطقي."(16) ولفهم علاقة فيورباخ بهيغل و مدى إسهامه في قرقعة جدران المثالية بالمادية حرّي بنا أن نتتبع تطور موقف ماركس تجاه فيورباخ الذى سرعان ما أكّد على ضرورة تطهير الفيورباخية من شوائبها اللاّعلمية، فعظمة فيورباخ تكمن أوّلا : في فضح الفلسفة التأملية وذلك بتعريتها وكشف الأقنعة التى تتستّر خلفها ، أي لكأنّ فيورباخ فيلسوفا نيتشاويا قبل نيتشه ،ذلك أن نيتشه الجينيالوجي يسأل كالتالي ضدّ الحضارة الألمانيّة التي ينخرها مرض اللاّهوت من الداخل : من يتقنّع ، من يثوي خلف شعارات الحريّة و العقلانيّة و الديمقراطيّة ؟ أي لكأن فيورباخ يتساءل في إطاحته بالفلسفة المثالية و الديالكتيك القديمين ، من يتقنّع خلف الفكر التأملي ؟ أنه اللاّهوت، من يتحجّب خلف "الوعي الذاتي " والروح المطلق "؟، أنه اللاّهوت الذي يكتب دوال و مدلولات الفلسفة ،وهو ثانيا:لم يكن ممكنا إلاّ من خلال مناقضة الرؤية المثالية المتسامية على الواقع بمقولاتها و بحرب الأفكار, بالمادية الحقيقية ، هذا التاكيد الفيورباخي قاده "إلي فضح المثالية كعقيدة دينية مهذّبة ... و إلى مناقضة المثاليّة بالماديّة الحقيقية " (17)، و في الثناء على الإنجازات الفيوربخية يقول ماركس على لسان مجموعة من العلماء السوفيات أمّا فيورباخ"فقد قلب الجدلية و الفلسفة القديمين من جذورهما."(18) لئن بقي كل من باوير و شتراوس على أرض الهيغلية فإن فيورباخ وحده من تمايز عن هيغل و ذلك من خلال إقراره بوحدة الإنسان و الطبيعة وهذا الموقف يجعل منه فيلسوفا ماديا بإمتياز مقارنة بالهيغليين الشباب ، يكون أوّل فيلسوف ناقض المثاليّة بالنظرة الماديّة إلى العالم ، وهذا هو ما أكّده ماركس منذ مخطوطات 1844 الإقتصاديّة- الفلسفيّة ، حيث تكمن أهمية فيورباخ " في تأسيسه للماديّة الحقيقيّة و العلم الواقعي ذلك أن فيورباخ أيضا يجعل من علاقة الإنسان بالإنسان الإجتماعيّة مبدأ أساسيا للنظرية."(19) ، هذه النظرية الأنتروبولوجية التى تقرّ بالوحدة بين الإنسان و الطبيعة هي التى حفزّت و دفعت النّقد أن يطرح سؤال الإمكان ، أيّ إمكانه بعد أن تمّ تلويثه باللاّهوت المسيحي، ههنا كتب ماركس يقول " مع فيورباخ فقط يبدأ الـنّقد الإيجابي الإنساني و الطبيعي."(20) ،إن هذا النقد هو الذى مكّن فيورباخ من مجاوزة الهيغليّة و المثاليّة بنظرية ماديّة تقرّ بوحدة الإنسان و الطبيعة بعد تطهيرها من اللاّهوت الفلسفي ليكون فيورباخ أولا :من خلخل الفلسفة الهيغلية و نقدها نقدا لا هوادة و لا رحمة فيه، بهذا المعنى يمكن القول أنّ فيورباخ هو " الوحيد الذى تمايز فعليا عن الفلسفة الهيغليّة وعن المثاليّة عامة وذلك لأنه ينزع عن الطبيعة والإنسان حجاب الصوفيّة و يضع مكان تعميتهما الصوفيّة نظريّة ماديّة لوحدة الإنسان و الطبيعة "(21)، و في موضع آخر يقول ماركس مغاليا في الإطراء على فيورباخ :" إن فيورباخ هو الوحيد الذي إتّخذ موقفا جادا نقديا من الجدل الهيغلي و توصل الي إكتشافات حقيقيّة في هذا الميدان . انه في الواقع القاهر الحقيقي للفلسفة القديمة."(22) إنّ تثمين النّقد الإيجابي الذي وجهه فيورباخ إلى هيغل و ذلك بتقويم أنتروبولوجيته التى تقرّ بالوحدة بين نظام الطبيعة و نظام الإنسان يجد أهميته ثانيا :في دورهما في تعريّة تاريخ الفلسفة بالكشف عن الخلفيّة الدينيّة للأفكار الفلسفيّة ، أي أن أهمية اللحظة الفيورباخيّة في تاريخ الفلسفة التأمّلية الألمانيّة تتمثل في " البرهنة على أن الفلسفة ليست إلاّ الدّين مقدما في شكل أفكار."(23) لقد تأثّر ماركس و إنجلز في شبابهما شديد التأثر بفيورباخ و هذا الثناء على دوره كحلقة وسطى بين هيغل و ماركس يمكن رصده في الكتابات المبّكرة أي كتابات ماركس و إنجلز الشابّان و لقد كتب ماركس وإنجلز في هذا السياق :بدا لي أن علينا دين شرف ينبغي أن نفه بالإعتراف بلا تحفظ بالتأثير الذي مارسه خلال فترة جيشاننا و على نحو أعمق من أي فيلسوف آخر بعد هيغلي ، فيورباخ علينا"(24)، وهذا التأثير الذي مارسه فيورباخ عليهما هو سليل موقفه تجاه المثاليّة الهيغليّة و مهمة الفلسفة ذاتها ، ذلك أن فيورباخ يعيب على فلسفة هيغل في كونها متسامية على الواقع مبتعدة عن الظّروف الواقعيّة و الموضوعيّة ، في حين أن الفلسفة الحقّة و الحقيقية طبقا لفيورباخ "لا تكمن مهمتها في الإبتعاد عن الأشياء المحسوسة ...بل في الذهاب إليها و جعلها مرئية أي موضوعيّة."(25) و قد سلك هذا الدرب "أقناسيف" في تأكيده على أهمية اللحظة الفيورباخيّة في قلبه لمهمّة الفلسفة التى تصيّرت معه نازلة من علياء التأمّل إلى نظام الطبيعة و الإنسان وقد كتب يقول في "مؤلفه "أسس الفلسفة الماركسية ":إن ماديّة فيورباخ (1804 -1872 ) كان لها تأثير كبير على صياغة و جهات نظر ماركس و إنجلز ، كان فيورباخ مادّيا مرموقا في زمانه ، رفض المثالية و الدين و أشار إلي أن الفلسفة يجب أن لا تظل رهينة الفكر المجرد و أن مهمتها دراسة الطبيعة و اللإنسان(25)،بهذا المعنى يمكن القول أن الأفكار المادية التى وقعها فيورباخ كانت الوسيلة التي بها و من خلالها أنجز ماركس و إنجلز فعل الإنفكاك و الخروج من أسر الفلسفة المثاليّة الهيغليّة بعد الاحتفاظ بالديالكتيك الثوري و النواة العقلانيّة في أنتروبولوجيّة فيورباخ ،قالتقويم الرفيع للهيغليّة و الفيورباخيّة سيقودان مع تشكل الماركسيّة كنظرية لطبقة العمال إلى الماديّة الديالكتيكيّة و الماديّة التاريخيّة ،يعنى ذلك أن " الأفكار الماديّة التي تظمنتها فلسفة فيورباخ قد ساعدت ماركس وإنجلز على التخلص من المثاليّة الهيغليّة وإستفادا منها في صياغة الماديّة الديالكتكيّة و الماديّة التاريخيّة ."(26) يشير محمد العريبي في الملحق المعنون ب"فيورباخ بين الإغتراب و الثورة "(27) إلى الدّور الذى قام به فيورباخ في نقده للفلسفة الهيغلية و في الكشف عن سرّ هذه الفلسفة التي تجد في اللاّهوت سندا لها لتفسير التاريخ و السياسة و الفلسفة ذاتها ، يلعب الروح المطلق الدّور الريادي في عمليّة التطوّر الجدلي و تكمن أهمّيته في قلب النظام الهيغلي و كنس الروحانيات مع الإقرار بوحدة الطبيعة و الإنسان وهو يكون بذلك أولّ من أنزل "الماديّة إلي العرش" ويقول فيورباخ على سبيل الذكر لا الحصر :" إن الطبيعة توجد بمعزل عن كل فلسفة ، إنّها القاعدة التي نحن البشر بإعتبارنا نتاج الطبيعة كبرنا عليها .لا يوجد شيئ خارج الطبيعة و عالم الإنسان "(28) ، بهذا المعنى يمكن القول أن ثناء ماركس و إنجلز على إنجازات فيورباخ تكمن في أنه الوحيد مقارنة بشتراوس و با وير من تمكّن من الإطاحة بهيغل ، بل قل من حل لغز و سرّ الأنطولوجيا الهيغليّة . إن فيورباخ كغيره من الفلاسفة المثاليين ، و بالرغم من أهميّة الأشواط ألتي قطعها فإنه "وقف في منتصف الطريق كفيلسوف فكان مادويا من تحت و فكرانيا من فوق و هو لم يعرف كيف يتخلص من هيغل بواسطة النقد "(29)، بهذا المعنى سعى مؤسسا الماركسية إلى بيان نقائص الفيورباخيّة التي أحلت التأمل الحسي محل التأمل المطلق ، و حطمت الدين التقليدي لتؤسس على حطامه دين قوامه الحب ، ههنا فإن فيورباخ لم يخرج من أسس العائلة المقدسة و اللاّهوتية ،فديانته المتقومة على الحب ليست محركا للتاريخ ، بل النّشاط والبراكسيس الثوري و حده ، و برغم نقده لهيغل من الدّاخل فإنه لم يبارحها، و بذلك يمكن القول أنّ الماديّة و المثاليّة تجتمع في أنتروبولوجيّة فيورباخ،هذا الإقرار سيؤكده إنجلز في كتابه "فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكيّة الألمانيّة " حيث كتب يقول :"أن فلسفة فيورباخ في قطيعة نظريّة مع الهيغليّة و أنه لم يتجاوزها و لم يتخلص من سيطرتها نظريّا و عمليّا "(30) فكانت فلسفته الدّينية و الأخلاقيّة فلسفة مثاليّة تنادي بتحرير الإنسانيّة لا بالكشف عن القانون الذي يضبط حركته ، لا بالنشاط الثوري الذي تسعى من خلاله البروليتاريا إلى الغاء نقيضها لتجاوز إغترابها الروحي ، مذّاك يمكن القول أن ماركس و إنجلز لم يبق داخل العائلة المقدسة متأثران بفيورباخ بل تجاوزاه بعد أن أخذا النّواة العقلانية من الماديّة الفيورباخيّة و قد أكّد لينين أن ماركس و إنجلز قد تجاوزا فيورباخ قي مؤلفهم بعد تطهير مادّيته من مثاليّتها و لقد كتب مجموعة من العلماء السّوفيات في هذا السّياق" لقد فنّد لينين وجهة النظر التي تقول بأن ماركس و إنجلز بقيا أسيران لأنتروبولوجيّة فيورباخ "حيث أثبت أن ماركس وإنجلز تخطيا فيورباخ في العائلة المقدّسة و تجاوزاه إلى حدّ بعيد. لقد برزا كثوريين بروليتاريين ، و دعيا إلى الإلغاء الثّوري للملكيّة الخاصّة و إقتربا من المفهوم الأساسي للمادية التاريخية ألا وهي علاقات الإنتاج"(31)، هذا التأكيد اللينيني ذهب إليه كذلك فيكتور كوزياكوف في أثره "كارل ماركس حياته، و أثره" حيث أكد على أن مؤلفا العائلة المقدسة قد تخطيا فيورباخ بكثير"(32) فكّر فيورباخ ضدّ أنطولوجيا هيغل، فحلّ لغزها فكان القنطرة التي ساعدت ماركس على قلب ديالكتيكية هيغل رأسا على عقب ، ليفكر ماركس ذاته ضد مادية فيورباخ التي وقفت في منتصف الطريق فكانت مزيجا من الماديّة و المثاليّة ، مذّاك يملأ ماركس الفراغ البين الذي عجز فيورباخ على إتمامه ، و إتمام هذا العمل هو الذي سيقودنا الي حلّ المسألة في الفلسفة .
2-حلّ المسأ لة الأساسيّة في الفلسفة أو الماديّة أم المثاليّة ؟ قام ماركس و إنجلز بتصفية الحساب مع هيغل و الهيغليين ، كما مع برودون و فيورباخ ليستوعبا الإنجازات العلمية في الفلسفة و الإقتصاد ،كما الأدب و السياسة ، هما بعد هذه المرحلة من نضج و تطور أفكارهما قد أصبحا واعيين تمام الوعي بعجز الفلسفات المثالية على تقديم فلسفة جديدة مغايرة للفلسفة و الديالكتيك القديمين الذي أطاح بهما فيورباخ . إن حلّ المسألة الأساسيّة في الفلسفة يعنى في ما يعنيه الإنتصار لأحد هذين الإتجاهين : المثاليّة أو الماديّة .فبعد الفشل الذريع الذي أصاب المثاليات و بعد بطلان مناهجها في تغيير الواقع و سقم نظرياتها التي لم تتمكن من معرفة القوانين التي تضبط حركة المجتمع ، أي أنّ الواقع لا يتطوّر بمعيّة الروح المطلق الهيغلي ولا الوعي الذاتي البرونوية ولا جوهر شتراوس ولا أنتروبولوجيّة فيورباخ التي جعلت من الحب و سيلة لتحرير الإنسان و إنما النشاط الإنساني الثّوري الواعي بمهمته في صلب حركة الواقع الموضوعي الذي تحكمه علاقات إجتماعية و إقتصاديّة ،وهذه التوجهات الثورية هي التي دفعت ماركس و إنجلز الي إعلان بطلان المثالية نظريا و عمليا لينتقلا نهائيا الي الماديّة ، هذا الانتقال الذي مكنهما من الوصول إلى " إستنتاج أوّلية الوجود و ثانوية الوعي من الناحية الفلسفيّة العامة أو كذلك من الناحية الفلسفيّة التاريخية في آن معا ."(33) إن أوّلوية الوجود دفعت بماركس و إنجلز الشابّان إلى تجاوز المهمّة السلبية للجماهير و للفلسفة ذاتها التي كان قد وقّعها الهيغليون الشبّان ليؤسسا فلسفة عمليّة تؤمن بالدور البطولي و الخلاق للبروليتاريا " للنضال ضدّ كافة أشكال الإستعباد و إضطهاد الإنسان للإنسان. "(34) إن النظرة المادية إلى العالم هي التي ثوّرت الفلسفة لتنتقل إلى اللاّفلسفة ، أي إلى الفلسفة الجديدة و العملية التي تستعملها الطبقة العاملة كسلاح للنضال ضدّ جلاديها .لقد كتب مؤلفا العائلة في هذا السياق مبينان دور العمل الثوري في تطوير الوعي" و عندما تنتصر البروليتاريا لا تصبح الجانب المسيطر في المجتمع لأنها إنتصرت فقط بالقضاء على نفسها و على نقيضها ."(35) يقوم ماركس وإنجلز بصياغة اللبنات الأولي للمادية الديالكتيكية ، فهما يحللان الواقع الموضوعي بمفاهيم ليست مقتصرة على الديالكتيكية الهيغلية، و لا أنتروبولوجيا فيورباخ، و إنّما مفاهيم من طراز جديد "كمفهوم التناقض" و "صراع الأضداد"و "نفي النفي " ، و هذه القوانين ليست صادرة من الفكر المجرد بل من الواقع الموضوعي، ههنا كتب ماركس و إنجلز يقولان:" البروليتاريا و الثروة نقيضان . و بهذه الصّفة يشكّلان كلا واحدا .إن كليها شكلان من عالم الملكّية الخاصة ."(36) كما كشف ماركس و إنجلز طابع التناحر بين الطبقات و كيف أن الطبقة المهيمنة إقتصاديّا و إجتماعيّا و سياسيّا تري في إغتراب العامل مصدر ثباتها و إزدهارها، بهذا المعنى تسعى الطبقة المهيمنة عليها أن تلغي نقيضها الذي تحدده الملكيّة الخاصة . كما يمكن العثور على النتوءات و البراعم الأولى لبداية تشكّل المفهوم المادي للتاريخ ، إذ يحلل مؤلفا العائلة المقدسة كيف أن حركة الملكية الخاصة تؤدّي إلى تطويرها ، لكنّ هذا التّطور يكون قبرا لها ، أي أن تطوّر الملكيّة يؤدي إلى إنهيارها لتترك المكان لتشكيلة إقتصاديّة و إجتماعيّة جديدة و لقد كتب مؤلفا العائلة المقدّسة يقولان:" و في الحقيقة الملكيّة الخاصّة تندفع أيضا بنفسها في حركتها الإقتصاديّة نحو إنحلالها الخاص و لكن على أيّة حال من خلال تطوّر لا يتوقف عليها ، و هي غير واعية له ، و هذا التطوّر يجري ضدّ إرادتها ."(37) هذا التطوّر الذي ينتج الفقر للغير و الثروة لنفسه هو الذي أنتج طبقة العمّال التي أصبحت واعية تمام الوعي بمهمتها التاريخيّة ، لذلك تشكّلت هذه القوّة الجمعيّة " في مدرسة العمل القاسية " لتتعلم منه أبجديات النضال،و قد كتب ماركس وإنجلز في هذا السياق يقولان:"إن قطاعا كبيرا من البروليتاريا الأنجليزيّة والفرنسيّة قد وعى مهمته التاريخية و يعمل بإستمرار على تطوير ذلك الوعي إلى وضوح تام"(38) إن الحلّ المادّي للمسألة الأساسيّة قي الفلسفة و القول بأولويّة المادّة و ثانويّة الوعي هو الذي مكّن ماركس من تجاوز التلفيقات المثاليّة التي لا ترى في الواقع غير مقولات ، ليؤسس نظرة مادّية لعالم يكون العمّال فيها واعيين ب" الفرق بين الكائن و الفكر ، بين الوعي و الحياة" (39) إن هذا الإقرار هو ترجمة عن المجهودات المبذولة من قبل ماركس وإنجلز لتجاوز الفلسفة المثاليّة عن تحقيق نقلة نوعيّة في نظام المجتمع ، فبعدما كانت الملكية و رأس المال ، و النقّد والعمل المأجور مجرد مقولات تجريدية متسامية عن الواقع ، أمست بعد إعلان بطلان هيغل والعيغليين مستقات من بنية الواقع الموضوعي و حلّها لا يكون بإرجاعها إلى الدماغ النقدي بل بالنشاط الثوري الواعي بخطته و منهجه في صلب حركة التاريخ ،الذي " نزل من الغيوم الضّبابية " إلى ضجيج الواقع و تناقض المصالح الطبقيّة داخل مجتمع الفوضى و البربريّة معا . و قد نجح ماركس و أنجلز في صياغة النتوءات الأولى لتطوّر المجتمع الرأسمالي بعد إنهيار الإقطاعيّة كتشكيلة إجتماعيّة و إقتصاديّة و فكريّة عرقلت المجتمع البرجوازي على إحداث ثورته الإقتصاديّة و الفكريّة و الديمقراطيّة ، و لقد كتب مؤلفا العائلة المقدّسة ذلك لتبيان خصائص النظام الرأسمالي في أوج ريعانه كظهور التجارة و المصانع و الإستثمار الزراعي " و هبّت عاصفة جامحة للمشاريع التجاريّة و إندفاع الإغتناء و فورة الحياة البرجوازيّة الجديدة التي كانت مباهجها الذاتية الأوّلى القحّة و الكسل و الحذاقة و السّكر ... و صار البناء الإقطاعي الذي صحقته مطرقة الثورة مجالا للإستثمار الزراعي الشامل ، و الخطوات الأولى للصناعة أصبحت الآن طليقة، تلك هي بضع علامات المجتمع البرجوازي الصاعد الجديد. "(40) إن هذه الموضوعات الأوّلية حول حركة النظام الرأسمالي تكشف تحول ماركس نهائيا من المثاليّة إلى الماديّة الثّوريّة و هو في هذا السياق لم يكن قد توصّل نهائيا إلى صياغة الماديّة الجدلية والماديّةالتاريخيّة . إن تحوّل ماركس وإنجلز من حدود النظر التأمّلي إلى العمل ، أي إلى البراكسيس الثوري هو الذي مكّنهما من بناء فلسفة عملية جديدة تفّكر بالطبيعة و الإنسان معا ، و هذا التوجه الجديد هو الذي قاد ماركس وإنجلز إلى تأكيد أوّلويّة المادّة و ثانويّة الوعي وقد أكد مجموعة من العلماء السوفيات أن" برهان تغيير الإنسان للطبيعة و تحويل المادّي إلى مثالي في عمليّة الوعي ، و المثالي إلى مادّي بفعل الممارسة العمليّة ، هو بالضبط ما يشهد على أوّلويّة المادة ."(41) فالصّراع و التضاد بين الماديّة و المثاليّة يمثل الإشكال المستشكل بذاته من أفلاطون إلى اليوم ، فما من فلسفة إنفكّت عن هذا الصراع و لا يمكن لأي فلسفة أن تكون فلسفة بالمفهوم الجامع المانع للكلمة كما يقول المناطقة إلا إذا قدمت حلا للمسألة الأساسية في الفلسفة و قد أشار إقناسيف في مستهل كتابه " أسس الفلسفة الماركسية إلى ذلك بقوله "إن علاقة الفكر بالوجود هي المسألة الأساسيّة في الفلسفة ويتوقف على حلّها إعطاء الجواب على جميع المسائل الفلسفية الأخرى ، حول وحدة العالم، وطابع قوانيين تطوّره ، و جوهر و طرق معرفته ... حيث لا يوجد في العالم إلا ماهو مادّي أو روحي لا يمكن إقامة نظام فلسفي أو رسم لوحة متكاملة عن العالم دون حلّ المسألة الأساسيّة في الفلسفة ."(42) إن الإجابة عن السؤال المتمثل في الفرق بين الكائن و الفكر، من الأسبق في الوجود: المادّة أم الوعي ؟ هو الذي يحدّد الإنقسام الفلسفي : فلسفة مثاليّة و أخرى مادية طبقا لطبيعة الإجابة و قد كتب إنجلز في كتابه لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية :" إن المشكلة الأساسيّة الكبرى التي شغلت كل الفلسفة ، والفلسفة الحديثة بوجه خاص، هي مشكلة علاقة الفكر بالوجود... بيد أنه لم يكن لهذه المشكل أن تطرح في حدّتها التّامة ، و لم يمكن لها أن تكتسب أهميتها الكاملة إلا عندما إستيقضت الإنسانية في أوروبا من سباتها الشّتوي الطويل في العصور الوسيطة المسيحيّة .فهذه المشكلة المتعلقة بوضع الفكر من حيث علاقته بالوجود – و قد لعبت إلى ذلك دورا عظيما في الفلسفة المدرسيّة خلال العصور الوسيطة- مشكلة معرفة أيهما العنصر الأولي : هل خلق الله العالم ، أم أن هذا العالم موجود منذ الأزل ؟ " و قد إنقسم الفلاسفة إلى معسكرين كبيرين حسب إجابتهم ، بهذه الصورة أو تلك ، على هذا السؤال .فؤلئك الذين أكدوا أولويّة الروح على الطبيعة ،و إعترفوا نتيجة ذلك بفكرة خلق العالم على نحو ما ،أولئك الفلاسفة يؤلفون معسكر المثالية. أما الفلاسفة الآخرون الذين إعتبروا الطبيعة بمثابة العنصر الاول فينتمون إلى مختلف مدارس الماديّة ."(43) إن حلّ المسألة الأساسيّة في الفلسفة و الإنتصار إلى الماديّة التي تقرّ بأولوية المادة و ثانوية الوعي يؤكد إنتقال ماركس و إنجلز النهائي من التأويلات المثاليّة إلى التأويلات الماديّة ، فلم يعد تحرر العمّال من غطرسة الرأسماليّة أمرا منوطا بالتحررمن مقولة الرأسمال في الفكر، بل فقط بالكشف عن التناقض المعتمل داخل عالم الملكيّة التي تحوي بداخلها تناقضات تكون نهايته المصادمة بين الطرفين المتناقضين ، هذا الإقرار يؤكد لنا أن ماركس قد تجاوز هيغل و الهيغليين ، فالصراع لم يبق سجينا داخل مقولات الفكر كما شيّده هيغل على جدران أنطولوجيته ولا على التناقض بين الجمهور الغبي و الروح المقدّس ، و إنما أصبح سليلا للظّروف التى تحركها الملكيّة ، فعملية الزيادة في الإنتاج لا يقابلها زيادة في الوجبة الغذائية للعامل الواحد مثلما جادل في ذلك السيد زيليخا و إنما عمليّة المضاعفة في الإنتاج تؤدي إلى المضاعفة في فقره و بؤسه ، حرمانه و إغترابه وقد بيّن ذلك محمد مستجير مصطفي في ترجمته لماركس أنه "كلما زاد ما ينتجه العامل من ثروة، إزداد هو بؤس"(44) إن الإنتقال إلى التفسّير المادّي لحركة التاريخ قاد ماركس إلى الدخول في دراسة معمّقة لحركة المجتمع الرأسمالي المنبثق من أحشاء المجتمع الإقطاعيّ و قد أكّد ماركس أن عمليّة تطوّر المجتمع الرأسمالي إنما تؤدي إلى خلق شروط الثورة عليه ولعلّ هذا ما أكده مترجم مخطوطات 1844 (محمد مستجير مصطفي) إذ كتب يقول :"إن عمليّة التطوّر الإقتصادي للمجتمع الرأسمالي ذاتها تقود حتما إلى الثورة و تثير مسألة تحرر العمّال التى أوضح أنها تحتوي التحرر الإنساني الكليّ ."(45) إقتطفنا بضع إستشهادات لتبيان أن ماركس في مخطوطاته "يضع أساس النظرة الماديّة الثورية إلى العالم التى سرعان ما طوّرها في العائلة المقدّسة و بشكّل خاص في الإيديولوجيا الألمانيّة."(46) ، فالعائلة المقدّسة تمثل مرحلة بناءة تمكّن من خلالها ماركس وإنجلز من تجاوز الأراء اللاعلمية التى بقيت لقرون سجينة القوى الخارقة – الفوق بشريّة، فكانت الإجابات التي قدمتها المثالية إجابات لا علميّة بالمرة تجعل من العالم كائن ظخم له روح ، لكن الفلسفة الماديّة كانت إجابتها متقومة على إستقصاء و تتبع الظواهر الطبيعية بالملاحظة العيانية في حركتها الجدلية التي لا تتوقف لتكون الظواهر الطبيعية خاضعة إلى قوانيين صارمة تحكم الأرض كما السماء ، ههنا لئن كانت الإجابة التى تقدمها المثاليّة إجابة لاعلميّة ، فإن الإجابة الماديّة تكون علميّة و قد كتب بوليتزار في هذا السياق يقول :" لقد عرّفنا الفلسفة بصفة عامة على أنها مجهود-يهدف -إلى شرح العالم و الكون و أنه وقع عبر تاريخ الإنسانية ،تبنّي موقفين لشرح العالم :أحدهما مناف للعلم و يعتمد على روح أو أرواح عليا ، و على قوى خارقة للطبيعة ، و آخر علمي يعتمد على وقائع و تجارب ."(47) لتساهم في تثقيف و تعبئة الجماهير الشعبيّة لتتجاوز جهلها و إستغلالها المعمّم لتتمكّن من تحقيق التحرّر الشامل للإنسانيّة، و هذا التحرر لا يكون ممكنا إلا من خلال بيان سقم التفسير المثالي اللاعلمي للواقع بتاريخه وإقتصاده و سياسته و آدابه و فنونه لأن :" المثاليّة و الدين الذي يغذيها ببذلان كل جهدهما للمحافظة على الجهل و إستغلال هذا الجهل لدى الجماهير لجعلها تقبل الإضطهاد و الإستغلال الإقتصادي و الإجتماعي ."(48) ، فالصراع بين الماديّة و المثاليّة هو صراع بين العلم و الجهل ، بين قوى تقدمية و قوى رجعية بالمفهوم المعاصر للكلمة ، هذا و قد قام ماركس بتعريّة الحلفيّة الإيديولوجيّة للصراع بين الماديّة و المثاليّة فهو في عمقه صراع بين البورجوازية والبروليتاريا : فالأوّلى تروج للفكر التأمّلي المتسامي عن الواقع و المشرّع لتسويغ الإنسان للإنسان لكنّ ماركس وإنجلز يناقضان مفهوم التأمل المخور بالنضال الذي تخوضه طبقة العمّال من أجل تحررها و إنعتاقها و لا يكون ذلك ممكنا إلا من خلال إستعاب مهمّة الفلسفة بوصفها سلاحا إيديولوجيا لتحقيق التحرّر الإنساني بواسطة النقّد الذي لا يبرأ منه شيء و لقد كتب مجموعة من العلماء السوفيات في هذا :ّ" أن ماركس و إنجلز يناقضان العظمة الوهمية "للنقد النقدي " التأملي بالعظمة الحقيقية لنضال الطبقة العاملة ضدّ كافة أشكال إستعباد وإضطهاد الإنسان للإنسان ."(49) و لقد كان فيورباخ هو الرائد في حلّه للمسألة الأساسيّة في الفلسفة و الذي من خلاله تمكّن ماركس وإنجلز من تحقيق خطوات هامة بمعية فيورباخ ، أي أن فيورباخ حسم المسألة بإنتصاره للماديّة ضدّ المثالية و قد أكد لينين هذا في قوله :"لقد حسم فيورباخ المسألة الأساسيّة في الفلسفة حسما مادّيا ضدّ المثاليّة كلّها ،, و حسم مسألة المعرفة مادّيا ضدّ كانط و سواه."(50) أن ماركس و إنجلز بعد تطهير الموروث الفلسفي من أرائه اللاعلمية والمضي قدما للبرهان على حجّة التفسير المادي للعالم و بطلان التفسيرالمثالي له ، سينهيان علاقتهما بفيورباخ لأنه مثاليا في نظرته التي لم تتمكّن من تخطّى الحلّ المثاليّ للمسألة الأساسيّة في الفلسفة و قد بيّن لينين في هذا السياق :" و لكن ماديته إرتدّت طابعا تأمليا contemplatif وميتافيزيقيا: لم ير الممارسة أو رآها في مستوى ما رأته المادية التقليدية كتجربة حسية عارية تثبت الوجود الموضوعي للأشياء المادية، لم يرها – لم ير أهميتها المعرفيّة و الفلسفيّة - كفاعلية عمليّة إنسانيّة، إجتماعيّة لم ير الإنتقال الجدليّ من الإحساس إلى الفكر، من الخاص إلى العام، لم يقدّر دور التجربة ، ظلّ مثاليا في نظرته إلى المجتمع."(51) إن حلّ المسألة الأساسية في الفلسفة و القول بأسبقية المادّة على الروح هو الذي دفع بماركس و إنجلز إلى محاولة إثبات نظريتهم المادية إلى العالم و ذلك عبر الملاحظة العيانية التى تنظر إلى الواقع في حركته الجدلية ، وأيّ نظرة الى العالم هي تلك التى رجعت إلى مكتسيات و مخلّفات الإرث المادي ، هذه الحركة الفكريّة الإرتدادية هي سليل الوقوف على عيوب القيورباخية بإعتبارها فلسفة غير قادرة على الخروج من المثاليّة لذلك تكمن "قيمة ماركس أنه دمّر القشرة التى كانت تغلف طريقة هيغل ،قد دمّر الفلسفة بصياغتها القديمة ، وفتح الطريق أمام علم جديد ، لا مكان فيه للتّأمّل الهارب من الواقع ،لقد قلب ماركس جدل هبغل ، بتحويله من جدل الفكر الى جدل الواقع و بضمنه الفكر ، من خلال تحديده أولية الطبيعة على الفكر".(52) إن تأكيده أولويّة المادّة على الفكر والإنتصار إلى النظرة المادبّة إلى العالم هو الذي سيدفع بمؤلف العائلة المقدّسة بعد بيان تهافت الفلسفة الألمانيّة إلى الرجوع إلى الماديتان –الفرنسيّة و الإنجليزيّة-كمحاولة لأثبات أوليّ لنظرتهم الماديّة إلى العالم ، فمثلما إستوعب ماركس و إنجلز الجدليّة الهيغلية بعد قلبها لتستوي على قدميها، و أنتروبولوجيّة قيورباخ بنواتها العقلانيّة ،هما الآن يعودان إلى الماديّة الكلاسيكيّة من أجل إستخلاص نتائج تقود إلى إثبات الإستنتاجات التى توصلا إليها و قد ذهب في هذا السياق "سلامة كلية" إلى القول "إن إضافة ماركس تحددت بطريقة أىّ بالجدل المادّي (الذي هو ليس جدل هيغل و أن كان يستوعبه ، و ليس ماديّة القرن التاسع عشر و إن كان يتضمّنها )الذي هو أداة البحث في مختلف عناصر الواقع، و بتاريخيته و أفاق الوعي ".(53) لذلك فإن تطبيق الجدل على الواقع الموضوعي بحركته التى لا تتوقف تطلّب منه إستعاب منجزات الماديّة ، هذا الإستعاب مكّنه من وضع اللبنات الأولى لتشكيل المفهوم المادي للعالم.
3- بداية تشكل المفهوم المادّي للعالم قبل أن نستشكل بداية تكوين المفهوم المادّي للعالم يستوجب منا ضبط حروف المادّية فهي أوّلا " تؤكد أن حوادث العالم هي الأوجه المختلفة للمادّة المتحركة ، بإعتبار أن المادّة هي ما هو موجود خارج روحي و خارج كل روح و التى لا تحتاج لأيّة روح لكي توجد " و هي ثانيا " الواقع الأوّل و ليست أحاسيسنا و فكرنا سوى نتاج هذا الواقع و إنعكاسه "(54)، كما يؤكّد المادّيين في نظرتهم إلى العالم أنهم" قادرون على معرفة العالم و أن الأفكار التي نكوّنها عن المادة ما قتئت تبدوا لنا صحيحة ، إذ بواسطة العلوم نستطيع أن ندقق ما عرفناه بعد و أن نكتشف ما نجهله"(55)، و قد عرّف القاموس السياسي المادّية بأنها " واحد من إتجاهين رئيسيين في الفلسفة يعطي الجواب العلمي الصائب على المسألة الأساسيّة في الفلسفة :علاقة الوجود بالفكر. إنّ الماديّة – على الضدّ من المثاليّة – تعتبر أنّ المادّة هي التي سبقت الفكر"(56)، بهذا الشكل نظر ماركس وإنجلز الشابّان إلى العالم بعد طرد الروحانيات و القوى الخارقة و الفلسفات التأمّليّة الكلاسيكيّة المجتمعة في فلسفة هيغل ، بهذا الشكّل مارس ماركس وإنجلز فعل التلفّت جهة الماديّة الفرنسيّة و الإنجليزيّة لأنهما يمثلان العمود الفقري للفلسفة الماركسيّة . ستمارس الفلسفة الماديّة فعل الإجهاض القيصريّ للفلسفة الميتافيزيائيّة (57) التأمّلية التي ساهمت بقسط كبير في تغذية الجماهير الشعبيّة على محبّة الوهم و الخرافة مع التشجيع على عقلنة الأساطير الشعبيّة لجعلها النصف الآخر الذي يساير التقدم العلميّ، ستنساخ لأنها تصّيرت عائقا بمعناه الإبستيمولوجي حفّز الماديّة على ضرورة الدخول قي حرب إيديولوجيّة تصفويّة تضع حدّا فاصلا لهذه المثالية لأنها تمثل السلاح الفتّاك الذي تستعمله القوى الرجعيّة و "الإرتكاسيّة " التى تجذب إلى الخلف لتبرير الواقع و المحافظة عليه ، و لقد كتب مؤلفا العائلة المقدّسة لتبيان و جهة التقارب بين المادّيتان –الفرنسيّة و الإنجليزيّة – و مذهب الإنسانيّة : الذان سيوقعان نهاية الفلسفة الميتافيزيائيّة الألمانيّة ليؤرخا تأريخا مادّيا لحادثة موتها فوق توابيت الموتى :" و لسوف تدمّر إلى الأبد (أي الفلسفة الميتاقيزيائيّة التأمليّة ) على يدّ المادية التى إكتملت الآن بواسطة عمل التأمّل والتى تتطابق مع النزعة الإنسانيّة".(58) لئن كان الطريق بمعّية فيورباخ يؤدي إلى تطهير الماديّة التى أنزلها من الغيوم الضبابيّة إلى العرش ،فإن الطريق بمعيّة الماديّة الإنجليزيّة والفرنسيّة يؤدي إلى الإشتراكيّة والشيوعيّة الذى يتطابق مع النزعة الإنسانيّة ، يعني ذلك أن المرور من فيورباخ إلى المادّيتان الفرنسيّة و الإنجليزيّة هو مرور من ميدان النظر إلى ميدان العمل ، أي من الطرح النظري لبواكير الماديّة إلى التطبيق الإشتراكي لهذه الأفكار الجديدة جدّة مذهب الإنسانيّة على أرض الواقع، يعنى ذلك أنه"كما مثّل فيورباخ الماديّة في الميدان النظري مثّلت الإشتراكيّة والشيوعيّة الفرنسيّة و الإنجليزيّة في الحقل العملي للماديّة التى تتطابق الآن مع النزعة الإنسانيّة "(59)، لهذا مارست النزعة الإنسانيّة فعل التلفت من أجل البحث عن شروط إمكانها و كيانها و فرادتها داخل تاريخ الفلسفة. تنحدر الماديّة الفرنسيّة من الديكارتيّة ، لأن فيزياءه تؤكد " أن المادّة هي الجوهر الوحيد والأساس الوحيد للوجود و المعرفة "(60)، فديكارت يفكّر بعقلانيّة في حلّه للمسألة الأساسيّة في الفلسفة ، إذ ينظر إلى الإنسان على أساس أنه جوهران ، ممتد و مفكّر ، لكن وجودهما تقرّره ماهية "الله". تكمن أهمية مادّية ديكارت قي نظرتها إلى الصيفات المميزة للمادّة ، كالحركة الأبديّة لذّرات في المكان ، كما ينظر إلى الطبيعة نظرة ماديّة ليرى فيها تراكما للأجزاء الماديّة ، هذا التأكيد الديكارتي ساهم بقدر واسع في كنس الروحانيات و في مواجهة الأكاذيب التى تروجها الكنيسة و لقد ذهب إلياس مرقس قي مقدمة ترجمته للينين إلى تأكيد أهميّة الفيزياء الديكارتيّة ، حيث إعتبره مادّي بإطلاق في فيزياءه و قد كتب يقول :" و لكن ديكارت مادّي تماما في حقل الفيزياء ،قام بعملية تطهير عظيمة في عصره ،فصله العالم المادّي لعب دورا إيجابيا في حينه"(61)، لكن بالرغم من أهميّة النزعة العقلانيّة الديكارتيّة في تأكيده على سلطة العقل ضدّ النزعة الدينيّة فإنه بقي ميتافيزيقيا في إيمانه بالأفكار الفطريّة . لقد جعلنا من ديكارت مبدأ الماديّة القرنسيّة لأن هذا التوجه المادّي الميكانيكي يعتبر النواة التى سينطلق منها ماديوا القرن الثامن و التاسع عشر ، و قد أكّد ماركس أن ميتافيزياء القرن السابع عشر (ميتاقيزياء ديكارت ،مونادة ليبنيتز و وحدة الوجود عند سبينوزا ) سيقضي عليها الوعي الإنساني الجديد الذي غادر مملكة السماء إلى مملكة الأرض ليفكّر في ما هو آني وظرفي ، من ملذّات و مباهج دنيوية ، الذي أفرزته التشكيلة الإجتماعيّة و الإقتصاديّة الجديدة ،ههنا أكّد ماركس على ضرورة تكوين نظرة ماديّة جديدة تكون مواكبة للنشاط العملي و موجهة لسلطة الميتافيزياء و اللاّهوت لقد كتب ماركس وإنجلز يقولان:" إن النشاط العملي المادّي لتلك الحياة المعادية للميتافيزياء و اللاّهوت يتطلّب أن تقابله نظريات مادية معادية للميتاقيزياء واللاّهوت"(62)،ههنا كانت ريبية SCEPTICISM بيير باييل إنعكاسا للظّروف الموضوعيّة التى تسيطر عليها الطريقة الميتافيزيائيّة في التفكير و الشكل اللاّهوتي في الحكم فلقد دعى إلى تأسيس مجتمع إلحادي . إن المادّيتان الفرنسيّة و الإنجليزيّة ينسبان إلى مادّية ديموقريطس و أبيقور ، أما ديكارت فإنه يمثل ميتافيزياء القرن السابع عشر في فرنسا و قد تصّدى له المادّي الإنجليزي " هوبز"في تأكيده أن الإحساس هو المصدر الوحيد للمعرفة ، كما أنكر براهيين الفلاسفة الميتافيزيائيين بخصوص إمكانيّة معرفة الله، بهذا المعنى يعتبر هوبز من الفلاسفة المادّيين في نظرته إلى علم الطبيعة و المنطق كما الفلسفة بسياستها و أخلاقها (63) ههنا يمكن القول أن توماس هوبز" هو أوّل المادّيين المحدثيين"(64) يؤكّد ماركس وإنجلز أن "فرنسيس بيكون" هو الأبّ الروحي للماديّة الإنجليزيّة لأن نظرية المعرفة عنده تقوم على الإحساسات و الطبيعة في مادّيته هي مصدر المعرفة ، أيّ أن المعرفة عنده قائمة على " الإستقراء والتحليل و المقارنة ، الملاحظة و التجرييب "(65) و قد كتب ماركس و إنجلز في هذا:" أن مذهب بيكون تعود جذوره إلى أناكساغوراس و ديموقريطس ، فالعلم عنده تجريبي تمدّنا به الحواس و الوصول إليه يتوجب "إعتماد الإستقراء و التحليل و المقارنة و المشاهدة و التجربة".(66) يعتبر بيكون المؤسس الحقيقي للماديّة في إنجلترا لأنه كان الأوّل قبل المادّيين المحدثين من أكّد" أن الحركة هي من أهم صيفات المادّة و ألصقها. ليست الحركة الميكانيكيّة و الحركة الرياضية فقط بل الإندفاع ، روح الحياة الحيّة، التوتر"(67) إن ماديّة بيكون بالرغم من جدّيتها و طرافتها لم تكن قادرة على الإيجابة عن الأسئلة الكبرى التى أّرّقت الوعي البشري ذلك أن مادّيته لم تكن " منسجمة مع الطبيعة و المعرفة العلميّة ، ترك مكانا للوحي و اللاّهوت:السببيّة ميدان العلم، الوحي ميدان اللاّهوت"(68).كما إعتبر لينين أن نظرته إلى المجتمع و السياسة تعتبر نظرة مثاليّة تعكس في نهاية مطافها مصالح البرجوازيّة الصاعدة نحو التراكم الرأسمالي . إن في إستعاب ماركس وإنجلز للمنجازات الماديّة عبر تاريخها المادّي،نقد في ذات الوفت للجانب الطالح في هذه الماديّة ، فماديّة ديكارت ظلّت ميكانيكيّة و ماديّة بيكون تصّيرت ميتافيزيائيّة ، و حتى فيورباخ الذي كان قد وقف ضدّ الفلسفة التأمّليّة بمادّيته المقرّة ب"وحدة الإنسان و الطبيعة" والكانسة للتأّمّل اللاّهوتي بوصفه الدعامة و الملجئ الأخير لللاّهوت: قد سقطت مادّيته قي المثاليّة ، و لقد أكّد روجي غارودي في هذا" أن جميع الإنتقادات الموجّهة ضدّ الماديّة إنما هي موجّهة ضدّ أشكال الميكانيكيّة و الميتافيزيائيّة و الأشكال الناقصة من الماديّة العابرة "(69)، وفي نفس هذا السياق كتب فريديريك إنجلز يقول :" إن تحليل الطييعة إلى أجزائها المفردة و قصل العمليّات و الأشياء الطبيعيّة المختلفة إلى أصناف محددة و دراسة البنية الباطنيّة للأجسام العضويّة في تنوع أشكالها التشريحيّة ، تلك كانت الشروط الأساسيّة لخطواتها العملاقة التى تمت خلال السنوات الأربعمائة الآخيرة في مجال معرفتنا بالطبيعة . يبدو أن هذا الأسلوب قي العمل قد أورثنا أيضا عادة ، مشاهدة الأشياء العمليّات الطبيعة على إنفراد من معزل عن إرتباطها بالكل الكبير عادة مشاهدتها في حالة السكون و ليس في حالة الحركة بوصفها ثابتة و ليس بوصفها متحولة جوهريا ، في حالة الموت و ليس في حالة الحياة وحين نقلت هذه الطريقة في النظر إلى الأشياء بفضل بيكون و لوك من العالم الطبيعي إلى الفلسفة ، فقد خلّفت ذلك الأسلوب الضّيق و الميتافيزيائي في التفكير الخاص بالقرون الأخيرة".(70) إنّ كتاب العائلة المقدسة يتضمّن عرضا لأحدث المذاهب المادّية في القرن السابع و الثامن عشر، مؤرخا لصراع الماديّة ضدّ المثاليّة بوصفها ميتافيزياء. لقد تأسست هذه الماديّة على أنقاض الماديّة القديمة ( مادّية ديموقريطس و أبيقور و أنا كساغوراس ) لكن الجديد هو أن المادّيين الفرنسيين و الإنجلزيين أضافوا إلى الماديّة المكتسبات الجديدة التى تحققت بفضل القطيعات الإبستيمولوجية التى أحدثتها العلوم ( غاليلاي و نيوتن ) ،ههنا أصبح المادّيون ينظرون إلى المادّة في حركتها اللاّمتناهية، وهذه الإكتشفات الجديدة وقعها ديكارت في فيزيائه بعد فصلها عن ميتافيزيائيته وكذلك بيكون بعد تأكيده أن الحركة هي أهم صفات المادّة وقد ذهب في هذا مجموعة من العلماء السوفيات في تأكيدهم "أنّ مادّية العصر الحديث خلقت مادّية العصر القديم وأغنتها بأفكارها الجديدة وأهمها فكرة الحركة الذاتية للمادّة التي صاغ فيها بيكون وروني ديكارت خطواتها العريضة"(71) هذه المادّية المتأسسة على مبدأ الحسيّة ستقوّم من قبل هوبز ذلك أنه أكّد أن إحساساتنا ما هي إلا دليلا على وجود العالم الخارجي أو الواقع الموضوعي المتخارج عن الواقع الذاتي كما يقول المثاليون، ههنا كتب مؤلفا العائلة المقدّسة يقولان: "يناقش هوبز انطلاقا من بيكون : إذا كانت أحاسيس الإنسان هي مصدر معرفته، إذا فإن التصوّر والفكرة والخيال .... ليست سوى أشباح العالم المادّي المغري أكثر أو أقلّ من شكله الحسّي". إن مادّية هوبز التجريبية تفضي إلى كنس فكرة الجواهر اللاّماديّة لأنّ "الجوهر غير المادّي هو بلا معنى تماما في الجسم غير المادي"(72) هذا التأكيد يشي أن موضوعات الطبيعة هي المصدر الوحيد لكل تجربة ممكنة تطرح على نفسها أن تكون علما يختلف تمام الاختلاف عن المثاليّة التأمليّة ولهذا ينفي هوبز إمكانيّة معرفة الله ليقرّ بوحدة القوانين التي تحكم الأرض والسماء فلم تعد هنالك ألغاز تكبّل الإنسان على معرفة العالم بل أصبح الفكّر يمتلك طاقة غير محدودة على معرفة الأشياء فما هو غامض اليوم يصبح غدا واضحا وخاضعا لقوانين التعيير والتكميم والترييض، يعني ذلك "أن الإنسان يخضع للقوانين نفسها التي تخضع لها الطبيعة"(73)، إن هذا التأكيد المادي على حسيّة المعرفة الإنسانيّة النافية والسالبة معا لمقولة الجواهر والماهيات المفارقة التي هيمنت على تاريخ الأفكار داخل المعماريات الفلسفيّة، يبيّن أهمية الخطوات الجادّة التي قطعتها المادّية الحديثة فشرط إمكانها وقيامها في معترك الصراع الإيديولوجي والفكري بينها والميتافيزياء يتطلّب منها معاداة العقيدة الإنسانيّة، أيّ الذهاب بالمادّية إلى حد التبشير بالمجتمع الإلحادي كما فعل باييل وكذلك فيورباخ في كتابه "فلسفة المستقبل". وقد ذهب مجموعة من العلماء السوفيات إلى تأكيد ذلك بقولهم :"تكمن الأهميّة الفائقة لمادّية العصر الحديث في أنها قد وضعت مبدأ الحسيّة الذي ينبثق منه علم الطبيعة. إن المادّية الحسيّة الرافضة للجواهر ما فوق الحسيّة هي أيضا إثبات فلسفي للعقيدة الألحاديّة، وهذا ما يتجلى بوضوح عند ماديي القرن الثامن عشر وعند فورباخ"(74)، وعليه فإنّ العيب الأساسي في الماديّة الحديثة هو انها ماديّة ميكانيكيّة تنظر إلى المادّة في نزوعها المتواصل نحو الحركة تحت تأثير قوى إرغامية تجبرها على الانتقال من مكانها قسريا، لكنّ نظرتها إلى المادّة والحركة ظلّت نظرة ماديّة ساذجة وعامّوية، أيّ أنها لم تقدر على تطوير نظرتها الماديّة الميكانيكية (ديكارت، سبينوزا)، ولقد كتب إلياس مرقس في مقدمة ترجمته لكتاب لينين "دفاتر فلسفية 1– عن الديالكتيك" "المادّية الميكانيكيّة أحد أشكال، إحدى مراحل المادّية، هذا المذهب يفسر ظاهرة الطبيعة بقوانين الميكانيك، يخفض كل العمليات الطبيعيّة والمختلفة كيفا ونوعا (الكيميائيّة، البيولوجيّة، النفسيّة) إلى مستوى عمليات ميكانيكيّة هذا المذهب ينظر إلى الحركة في شكلها الأبسط وحسب، في معناها العامّي: انتقال أو نزوع الأجسام في المكان تحت تأثير فعل خارجي... ديمقريطس، هوبز، ديكارت، سبينوزا، مادّيوا القرن الثامن عشر الفرنسيون والإنجليز ينتسبون بشكل وآخر بشكل بدائي أو مطوّر إلى المادّية الميكانيكيّة"(75) إذا ما كان هبوز قد ذهب بالمذهب الحسي البيكوني إلى حدّ منهجته ومذهبته فإن جون لوك قد أثبت الاستنتاجات المادية التي انتهى إليها كل من بيكون وهوبز ذلك لأن لوك هو ممثّل التزعة التجريبيّة الأنجليزيّة وقد كتب يوسف كرم عن لوك أنه "جاء بعد هوبز وبيكون وكان أعمق منهما في توضيح المذهب الحسي ودفاعا عنه، فإستحق أن يدعى زعيمه في العصر الحديث"(76) يقوّض لوك المذهب الغريزي لإثبات مذهبه الحسّي كتب يقول "لكي نحصل على معرفة صادقة يجب أن نسوق الفكر إلى الطبيعة الثابتة للأشياء وعلاقاتها الدائمة، لا أن نأتي بالأشياء إلى فكرنا"(77)، هذا الإقرار الذي وقّعه لوك قاده إلى تأكيد أهميّة التجربة لبناء نظريّة المعرفة تكون معارضة تماما لميتافيزياء القرن السابع عشر (لايبنيتز، شبينوزا، ديكارت، فمقالته "عن أصل الفكر البشري" هي توقيع مضاد للوهم القائم على جدران اللاهوت الذي شيدته ميتافيزياء القرن السابع عشر، ومن الذهب الحسى الأنجليزي إلى المذهب الحسي الذي يمثله كندياك في فرنسا الذي أعتبر العدوّ الأوّل لميتافيزياء القرن السابع عشر. أثبت المذهب الحسي في ما أبعد من لوك ذاته في كتابه "محاولة في أصل المعارف الإنسانيّة" ليؤكد على دور الإحساس الظاهري كمصدر للمعرفة وقد ساق هذه الأطروحة بمعية مثال "التمثال" وقد كتب يوسف كرم في هذا "ولتبيان ذلك يفترض في كتاب "الإحساس" تمثالا حيا داخل تمثال رخام، ويقول إذا كسرنا الرخام في موضع الأنف أتحنا للتمثال الحي القدرة على استخدام حاسة الشمّ"(78) . إن كوندياك في بحثه في أصل المعارف الإنسانيّة أضاف إلى "النفس" التي وقّعها لوك، الحواس ولقد كتب ماركس وإنجلز في هذا "وفي كتابه "بحث في أصل المعارف الإنسانيّة شرح أفكار لوك وأثبت أنه ليست النفس وحدها، بل الحواس أيضا، ليس في خلق الأفكار وحده، بل في فن الإدراك الحسي... هي جميعا من شأن التجربة والعادة" إن الفرنسي هلفتيوس كان كذلك من أتباع لوك في فرنسا، حيث كان من انصار المذهب الحسي أي "أنه يعرف جيدا مثله مثل معاصريه، أننا لا نحصل على معرفة الأجسام إلا من خلال الإحساسات التي تنتجها فينا"(79) وجدّة هذا المادّي الفرنسي تتمثل في تطبيق النظرة المادّية على المجتمع، لتصبح أصل العواطف الإنسانية سليلة الانطباعات الحسيّة كـ"اللذة والألم وحب الذات والمجد والفضيلة التي تعتبر عماد الأخلاق، ولقد كتب بليخانوف في مؤلفاته الفلسفيّة يقول "كان مؤلف "في الفكر" الفيلسوف الوحيد في القرن الثامن عشر الذي وجد الجرأة على التطرّق إلى مسألة أصل العواطف الإنسانيّة ولقد كان الوحيد الذي تجرّأ على اشتقاقها من "الانطباعات الحسيّة للإنسان"،بهذا المعنى طبق هيلغيسيوس مبدأه المادي على دراسة المجتمع. وهاهو دولباخ يمنح" المادية الإنجليزية الحصانة واللحم والدم والبلاغة" نتيجة تجميعه المادّية الإنجليزيّة والماديّة الفرنسيّة في كتابه نظام الطبيعة(80)، فهو كغيره من المادّيين الفرنسيين طبّق مبدأه المادّي على المجتمع، فلقد اقتبسنا من مؤلف العائلة المقدّسة البعض من الشذرات لدولباخ: "الأخلاق الحقيقبّة، والسياسة الحقيقيّة، هي التي تبحث لتجعل الناس أكثر قربا من بعضهم لتجعلهم يعملون بجهود موحّدة من أجل سعادتهم المشتركة" "أن نحب الآخرين ... هذا يعني أن تتجمع مصالحنا مع مصالح شركائنا، أن نعمل للصالح العام..."(81) أن الرجوع إلى مادّيي القرن السابع عشر والثامن عشر والوقوف على النتائج التي توصلت إليها أحدث المباحث المادّية من ديكارت إلى بيكون توقفا عند هوبز مرورا بلوك وهلفتيوس ودولباخ وصولا إلى بنتام قاد المؤلفان إلى التأكيد: أن هذه التوجهات المادّية الفرنسيّة تقود مباشرة إلى الاشتراكيّة والشيوعيّة، ولقد كتبا في هذا "وإن كانت المادّية الديكارتيّة تتجمع في العلوم الطبيعيّة بالخاصة فإن الفرع الآخر للمادّية الفرنسيّة يقود مباشرة إلى الاشتراكيّة والشيوعيّة"(82) يقوم ماركس وإنجلز داخل العائلة المقدّسة بتحليل مادّي تاريخي لأحدث المذاهب الفلسفيّة خلال القرن السابع والثامن عشر ليقفا على الصراع الإيديولوجي والفلسفي بين المادّية والمثاليّة، هذا التحليل المادّي التاريخي تمكّن به ومن خلاله إلى التأريخ للمادّية، ليقدّما لوحة عن تقدم علوم الفكر وعلوم الطبيعة، ولقد كتب فيكتور كوزنياكوف: "قام ماركس في العائلة المقدسة بتحليل مادي تاريخي لفلسفة القرن السابع عشر ونصف القرن الثامن عشر ليؤول في الأفق أهم المذاهب الفلسفية: المادّية والمثاليّة. يسطّر ماركس بشكل مغاير الترابط بين الأفكار المادّية كما الاشتراكيّة والطوباويّة والشيوعيّة مضافا إليها تاريخ الماديّة وتطور علوم الطبيعة"(83) إنّ التضاد بين الماديّة والمثاليّة كنا قد وقفنا عليه في تأريخ ماركس لتاريخ الماديّة، أي التضاد بين المنهاج المادّي المطبق من قبل الماديين على المجتمع والمنهج الميتافيزيائي الذي يركن إلى الدين كملجإ أخير، فالنظرة المادّية إلى المجتمع والطبيعة وعامل التأثير المتبادل بينها يقود مباشرة إلى الاشتراكيّة والشيوعية هذا التأكيد الذي وقّعه مؤلفا العائلة المقدّسة دفعهم إلى تحليل أبرز النظريات الاشتراكية والشيوعيّة فكان فورييه العدو البارز للنظام الرّأسمالي إذ يؤكّد على ضرورة إلغاء التناقضات التي تشقّ النظام الرأسمالي وذلك عبر الانتقال الاجتماعي لكنه لم يدرك أن عمليّة التحويل الثوري للمجتمع لا يكون بالاستحسان والتعطّف للرأسماليّة بل بالنضال الطّبقي وحده(84)، وفي نفس هذا المضمار ذهب أوبرت أوين (1771-1858) حيث أكّد على المظالم التي أفرزتها الملكية الخاصة لأنها في رأيه "لا تزال سبب الجرائم والويلات التي لا حصر لها والتي ياقسيها الإنسان"(85)، لذلك أكّد على ضرورة إلغاء الملكيّة الخاصّة لإحلال بديلها. بالرغم من الدور الذي قام به أوين في تثويره للطبقة العاملة إلا أنه لم يهتدي إلى ذلك الطريق الذي يجتثّ الملكيّة من جذورها، لقد بقيت آراؤه إصلاحيّة مهادنة مع النظام القائم. إن الفرنسي سان سيمون مثله مثل فورييه وأوين لم يهتدي إلى إدراك القوة المحركة للتاريخ لهذا اتصفت الصورة التي رسموها للبناء الاجتماعي المقبل بالضّبابية والطوباويّة، إنهم قالوا مثلا "أن الصناعيين هم الذين سيديرون الإنتاج. ولكن منهم هؤلاء الصناعيون؟ إن أنصار سان سيمون يضمون الرأسماليين والعمال إلى هؤلاء"(86) سيتمايز مؤلفا العائلة المقدسة عن الماديّة الحديثة التي ظلّت ميكانيكية وميتافيزيائية لأنها لم تعطي أهمية للممارسة والنشاط الثوري، لم تهتدي إلى القوى المحركة للتاريخ، كما انهما سيتميزان عن النظريّات الاشتراكيّة الطوباويّة والماديّة القديمة، فالعودة إلى منجزات ومكتسبات القرون السالفة مكّنهما من تتبع منشأ الأقكار المادّية ، و كيف تطوّرت من حقبة زمنية إلى أخرى و كيف أنها أفضت في نهايتها إلى النظرة الإشتراكيّة والشيوعيّة إلى العالم ، لكن هذه النظرة ظلّت طوباويّة و خياليّة معا. إن التمايز الفعلي عن هذه المكتسبات التى إتخذها مؤلفا العائلة المقدّسة بالتحليل و التأويل ستتبلور معالمها بوضوح في إكتشافهما لتلك القوة الضّخمة المحركة للتاريخ ، و هذا الإكتشاف الجديد المغاير لتاريخ الفلسفة سيقود ماركس و إنجلز إلى التمايز على الفلسفة المثاليّة الشابة بنظرتهم التأمّليّة ، كما الفيورباخيّة بديانتها المتأسسة على الحب و البعيدة كل البعد على إحداث نقلة نوعية قي بنية الواقع ، كما على الماديتان الفرنسيّة و الإنجليزيّة و الإشتراكيات الطوباويّة ( سان سيمون ، فوريه، بنتام وأوين)فمغايرتها تكّمن في الإثبات النظري و العملي للمادّية عبر النضال الثوري للبروليتاريا . 4- الإثبات العملي للمادية أو في النضال الثوري للبروليتاريا لقد طفنا بهذا العمل ثلاث أطوار : طورا أولا وقفنا فيه على النقد الذى وجهه كل من ماركس و إنجلز إلى الفلسفة المثاليّة الشابة في مجلّتها الأدبيّة فوقفنا على التقويم الرفيع لبرودون بعد الدفاع عنه من التهجمات التى تعرّض لها من اليمين و قد مررنا بتهافت الأدب الذى يقوم بترويجه الهيغليين الشباب وصولا إلى بقاء كل من شتراوس و باوير أسرى التأمّل الهيغلي ، وطوراثانيا:على التحليل المادّي التاريخي لتاريخ المادّية الذي قادنا إلى فهم خلفية الصراع بين الماديّة و المثاليّة وكيف أن التوجهات المادّية قي صلب الماديّة الفرنسيّة تقود إلى الإشتراكيّة و الشيوعيّة ، و طورا ثالثا وقفنا على التجسيد العملي للنظرة الماديّة إلى الواقع الموضوعي قكانت الإشتراكيات الطوباويّة موضع تأويل من قبل ماركس وإنجلز . إن التيقّن من قصور المنهاج الميتافيزيائي في تفسير الظواهر ، و وقوف المادّية القديمة في منتصف الطريق ، مضاف إليها سذاجة وعامّوية النظريات الإشتراكيّة القديمة ، كل هذه الأطوار مجتمعة و بالرغم من النقص في البحوث و النتائج التي توصّل إليها ماركس و إنجلز فإنهما قد تمايزا عن ماضيهم الفلسفيّ شكلا و مضّمونا وجعل من إمكانيّة إثبات عقيدتهم الجديدة أمرا ممكنا. لئن أكّد النقّاد النقديون " ان المتنورون الألمان إقترفوا خطيئة ضدّ الروح القدوس لأنهم يشغلون أنفسهم بالطبقات الشعب الدنيا ." (87)فإن ماركس و إنجلز أكّدا في ما أبعد من برودون أن الملكيّة الخاصّة بوصفها "مدرسة عمل قاسيّة" هي التى تنتج طبقة البروليتاريا فلم يعد الأمر مقتصرا على التناقض التأمّلي ولا على التناقض بين واقع الفقر وواقع الثروة التي تخلقه حركة الملكية الخاصّة ، بل أصبح التناقض مفصحا عن نفسه داخل العلاقات الاقتصادية التي يضبطها نظام الملكيّة، فتتبع أصل الملكيّة و فصلها ، كما مصدرها ونتائجها قاد مؤلفا العائلة المقدّسة إلى إكتشاف التناقض بين أن تملك وأن لا تملك ، أيّ بين البورجوازيّة و البروليتاريا ،مذّاك تنتج الملكية الخاصّة طبقة البروليتاريا لتزيد من إغترابها و فقرها المادّي و الروحيّ الذى لن يزيدها إلا مكابدة على نفي نقيضها لتحقيق الإنعتاق و التحرر الإنساني يعنى ذلك أن " الملكيّة الخاصّة تنتج البروليتاريا كبروليتاريا ، ذلك البؤس الواعى لبؤسه الروحي والمادّي ، ذلك التجريد الإنساني الواعى لتجريده الإنساني، و بالتالي العامل على إلغاء ذاته "(88)،لذلك لم يعد ماركس يتعامل مع الواقع الموضوعي ببراءة الأطفال الصغار كما فعلته عائلة ماركس المقدّسة ، بل أصبح ينظر نظرة ماديّة لبنية الواقع في جدليته ليستقصي نظام الملكيّة الخاصّة الذي قاده إلى تحليل وضع الطبقة العاملة و المهمات التاريخية المطروحة عليها.وقد طرح ماركس مسألة تطوير الوعي إلى نشاط ثوري ليؤسس اللبنات الأولى لقضيّة الإنعتاق والتحرّر من الظّروف اللاّأنسانية التى قجّرتها المنظومة الرأسمالية و لقد كتب في هذا يقول: " إن البروليتاريا لا تستطيع أن تحرّر نفسها دون القضاء على كل الشروط غير الإنسانيّة لحياة المجتمع المعاصر"(89) ، ههنا تطرّق ماركس وإنجلز إلى مفهوم الثورة البروليتاريّة للقضاء على الملكيّة الخاصّة والإغتراب و الاستعباد بجميع تلويناته التى تجد فيه الطبقة المالكة " ثباتها و ازدهارها و قوتها الخاصّة "(90) ، أما الطبقة الواسعة من المفقرين والمهمشين و الهامشيين فوضعيتها المزرية تزيدها إصرارا و مكابدة على إلغاء نقيضها ، أي ب"الثورة ضدّ هذه اللاّإنسانية "(91) ـ لأن الملكيّة و اللاّملكيّة ، كما الاستغلال والاغتراب الذاتي والموضوعي و العمل المأجور ليست بتعارضات تأمّلية و لن تكرس مع ماركس تكريسا ميتافيزيقيا و إنما ستتصيّر تعارضات موضوعيّة ، وأي تعارضات هي تلك التى أصبحت شاهدة لطغيان سلطة العمل المأجور وموقّعة لدخول الفلسفة أرضا بكرا و قارة لم تطأها أرجل النقّاد النقّديون و لا المادّيين القدامى و لا حتّى الإشتراكيين الطوباويين ، و حاملة معها المهام المطروحة على الطّبقة العاملة بعد تيقّنها أن العمل المأجور والفوارق الطبقيّة ليست "تلفيقات دماغيّة"، و إنما هي سليل الكينونة الإجتماعيّة بإعتبارها مادة تحوى داخلها ذرّات تعيش توترا جدليا يجد حلّه في فكّ التناقض الي حدّ إمحائه ، أيّ أن البروليتاريا "مضطرة كبروليتاريا أن تلغي نقسها و بالتالي أن تلغي نقيضها ، تلغي شرط و جودها ، ما يجعلها بروليتاريا أيّ الملكيّة الخاصّة."(92) إن ماركس وإنجلز عندما يتقصيان التناقضات الموضوعيّة تقصيا ماديا تاريخيا هما في ذات الوقت يصوغان النواة الأولى للمادّية التاريخيّة التى سترسم بوضوح قي الكتابات الناضجة (البيان الشيوعي ، الإيديولوجيا الألمانيّة ) الدور الرئيسي الذي تلعبه الطّبقة العاملة في حركة التاريخ ، فالأمر لم يعد مقتصر على" التغلب فلى مقولة الرأسمال قي التفّكير "(93) مثلما ذهب في ذلك إدغار بل في سحق التناقض و هدمه ونفيه عبر الثورة عليه لتكون البروليتاريا القوة الجمعيّة المحركة للتاريخ ههنا كتب ماركس و إنجلز :" وعندما تنتصر البروليتاريا لا تصبح في حال من الأحوال الجانب المسيطر في المجتمع لأنها إنتصرت فقط بالقضاء على نقسها و على نقيضها . و عندئذ تختفي البروليتاريا كما يختفي نقيضها الذي تحدده وهو الملكيّة الخاصّة."(94) إن الظواهر الطبيعة لم تعد مجرد كلمات و مقولات متساميّة على الواقع بل أجبرها مؤلفا العائلة المقدسة أن تنزل إلى أعماق البؤس البشري لتصفح عن نفسها داخل العلاقات التى تخلقها حركة الملكيّة الخاصّة ، مذّاك لم ينظر ماركس إلى الظواهر الإجتماعية في إنعزالها و ثباتها بل نظر إليها نظرة ماديّة ليحللها قي حركتها الجدلية ماضيا و حاضرا ليرسم اللحظات الثورية و المهام البروليتاريّة في التاريخ ، ههنا كتب فيكتور كوزينياكوف:"حللت الظواهر الإجتماعيّة في العائلة المقدّسة في حركتها الجدليّة"(95) بهذا المعنى تلعب التناقضات الطبقية دورا جدليا في تحقيق الانتقال الثوري لتغيير بنية الواقع مادّيا عبر فهم مادّي لحركة التاريخ. لقد كانت الأفكار الأوليّة للإشتراكيّة التى بدأ ماركس بصياغة لبناتها الأولى سنة1845 لا تزال غير مثبتة علميا ،فتحليله لوضع الطبقة العاملة حلل بمفاهيم " أنتروبولوجيّة "كمفهوم الإغتراب"و" الإنخلاع "عن الوجود إلى حد الضياع ولقد كتب ماركس و أنجلز يقولان :"الطبقة المالكة و الطبقة البروليتاريّة تمثلان الإغتراب الإنساني نفسه"...أما طبقة البروليتاريا فإنها تشعر بالإنسحاق في إغترابها الذاتي ،إنها ترى فيه ضعفها الخاص و حقيقة الوجود اللاّإنساني ّ"(96) ،ومفهوم الإنخلاع و إنفصال الإنسان عن نفسه هما تعبيرتان عن مظاهر الاغتراب التى تعيشه البروليتاريا التى لا تملك شيئا يعنى ذلك أن " الرجل الذي لا يملك اليوم شيئا لا يساوي شيئا لأنه منخلع عن الوجود بشكل عام ، و لا يزال بعيدا عن الواقع الإنساني ، لأن حالة عدم تملك شيء هي حالة إنقصال الإنسان عن موضوعيته تماما"(97) ، هذه هي بعض ملامح ووضعيات الطبقة العاملة التي حدّد لها ماركس وإنجلز مهامها التاريخيّة في قوله:"و المسألة ليست مسألة ماذا يتبنّى هذا أو ذاك البروليتاري أو كل البروليتاريا من أهداف مؤقته. و لكن المسألة هي "مم تتكون البروليتاريا ؟و ما الذى ،نتيجة هذا التكوين ، تضطرّ أن تفعله.إن هدفها و عملها التاريخي، يظهران بشكل حتمي وواضح في وضع حياتهما الخاصّة كما يظهران في كل تنظيم المجتمع البرجوازي المعاصر."(98) إن الوضع المغترب و المستلب ،الذى ميزته: خروج العامل من جلده مع تجريده من إنسانيته دفع بماركس إلى القول بضرورة التحويل الإشتراكي و هو في تلك الفترة الزمانية لم يكن قد صاغ نظريّة الاقتصاد السياسي الاشتراكي و الفرق بينه و الاقتصاد الساسي اللبيرالي ،ههنا إن الحديث عن الإشتراكيّة جرى تحت مفاهيم "الثورة ضدّ اللاّإنسانية و"القضاء على الشروط اللاّإنسانية"و لقد كتب في هذا الشأن مجموعة من العلماء السوفيات في قولهم "أما التحويل الاشتراكي للمجتمع فيتحدد بكونه بعثا للعلاقات الإنسانية الحقه "(99)،هذا التحويل لا يكون ممكنا إلا من خلال تطوير الوعي النظري إلى ممارسة ثوريّة ليفتح المجال لمعرفة دور هذه القوى الجمعية ،أيّ الدور الثوري للبروليتاريا التى بدأ ماركس و إنجلز هنا في العائلة المقدّسة برسم خطواتها الكبرى ، هذا الدور الطليعي هو الذي دفع ماركس وإنجلز إلى تحليل وضع البروليتاريا في البلدان المتقدمة صناعيا و إقتصاديا حيث كتب يقول :"ولا حاجة أن نقف هنا عند واقع أن قطاعا كبيرا من البروليتاريا الإنجليزيّة و الفرنسيّة قد وعى مهمته التاريخية ويعمل بإستمرارعلى تطوير ذلك الوعي إلى وضوح تام"(100) هذه هي المهمة التاريخية والثورية للطبقة العاملة فهي الطبقة الوحيدة القادرة جراء وعيها بالتناقض أن تقصف به إلى حدّ إلغائه ، ففي إلغائه إلغاء لنقيضها ، أيّ الملكيّة وما إلغاءها لنقيضها إلا إلغاء لنفسها كبروليتاريا ، هذا الإلغاء يحصل نتيجة صراع الأضداد ، أي التناحر بين الطبقة المالكة المحافظة و الطبقة العاملة الرافضة لنقيضها .مذّاك" تنفّذ (البروليتاريا) الحكم الذى أصدرته الملكية الخاصّة على نفسها بإنجابها البروليتاريا ،كما أنها تنفّذالحكم الذى أصدره العمل المأجور على نفسه بإنتاجه الثروة للآخريين و البؤس لنفسه"(101) إن تحليل ماركس و إنجلز لغطرسة الملكيّة و طغيان العمل المأجور و كيفيّة إعتمال التناقض ،مضاف إليه الوقوف على واقع وحركة الملكيّة الخاصّة التى "تندفع أيضا بنفسها قي حركتها الإقتصاديّة نحو إنحلالها الخاص"(102) .إن هذا التحليل المعمق قادهما إلى تأكيد حتميّة الإنتقال إلى الإشتراكيّة بواسطة تفسير مادّي لحركة التاريخ :يشقّه تناقض بين العمّال و البرجوازيين ، الملكيّة الخاصّة و العمل المأجور ، الملكيّة و اللاّملكيّة ، هذه التناقضات لا تحلّ إلا بإفناء أحدهما الآخر، بهذا المعنى يمكن القول أن ماركس وأنجلز قد تجاوزا النظرة المثاليّة المتساميّة عن الواقع ، كما المادّية القديمة التى وقفت في منتصق الطريق ، ذلك أنهما ينظران إلى الواقع الموضوعي بإعتباره نتاجا لتطور الوعي البشري الذي يظمّ"علاقة جدليّة متبادلة بين نشاط البشر الواعي و نتائجه."(103) إن مؤلفا العائلة المقدّسة و في تحليلهما للواقع الموضوعي بنظرة مادية يكونان قد توصّلا إلى فهم مادّي للتاريخ يكون في عمقه و طرافته مغايرا لتلك النتائج التى توصّل إليها الهيغليون الشباب لتكون حركة التاريخ ليست بإنعكاسا لحركة المطلق أو الوعي الذاتي بل فقط في النشاط العمليّ، يعني ذلك أن التاريخ لم يعد مقولة مجرّدة متسامية على الواقع ،و إنما تصّير خاضعا لجدليّة الذّاتي و الموضوعي الحامل لطرفي التناقض .ولقد سلك هذا الدرب فيكتور كوزينياكوف قي تأكيده أن عائلة ماركس المقدّسة تتضمّن عرضا لأسس الفهم المادّي التاريخي للعالم المختلف تمام الإختلاف عن الهيغليين الشباب ، فهما يناقضان الفهم المثالي و التأمّلي للتاريخ بمفهوم التاريخ كنشاط أنساني.(104) إن هذا التوقيع المضاد للفلسفة المثاليّة الشابّة مكّن ماركس و إنجلز من إكتشاف الدور الهام والحاسم الذي تلعبه البروليتاريا في تطوير التاريخ ، فهي تمثل العنصر الثوري في الإنتقالات الإجتماعيّة ،أيّ أنها تمثل القلب النابض و القوة الإرغاميّة المحركة للتاريخ و المجتمع و الفكر. إن مؤلف العائلة المقدّسة تشقّه نظرة مادّية تاريخيّة فيها عالج ماركس الأطروحات الأوّلى لدراسة تاريخ المادّية ، مضاف إليها تحليل حركة الملكيّة الخاصّة و فهمها فهما مانعا جامعا قاده إلى الوقوف على حقيقة المجتمع الرأسمالي من حيث طبيعته و طرق إشتغاله و الأساليب التي يستعملها و يطورها للحفاظ على بقائه ، لكن أشكال الهيمنة و الإستغلال ساهمت قي خلق تلك الشريحة الواسعة من المجتمع التي يسميها ماركس طبقة البروليتاريا فهي الوحيدة القادرة على تثوير الوجود الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي بالإنتقال إلى الإشتراكيّة ،ههنا كتب قيكتور كوزينياكوف يقول :"حلّل ماركس في كتاب العائلة المقدّسة الأطروحة.... لدّور الحاسم للقوى المادية في التاريخ و تصاعد دورها في التطور التاريخي"(105) إن كتاب العائلة المقدّسة يتضمّن عرضا و رؤية مادية تاريخية للعالم ،حلل فيها المجتمع في حركته الجدلية بالتناقضات التي تشقّ الكينونة الإجتماعية ،فالنّظر إلى الذّرات المكوّنة للمجتمع في حركتها التي لا تتوقف تحت التأثير المتبادل قاد ماركس و إنجلز إلى تقديم فلسفة جديدة مغايرة عن تلك التي عرفتها الفلسفة الألمانية التأمليّة ، لتكون هذه الفلسفة الجديدة السلاح النظري والإيديولوجي والحزبي لطّبقة البروليتاريا لتبحث عن شروط إمكانها و مسوغات إلغاء نفسها لتحقيق تحررها بعيدا عن التلفيقات المثالية و اللاإدرية و العجزية ، هذا الإنتقال إلى اللاّفلسفة وإلى الماديّة قد أثبت صحّة التوجهات المادّية وإنتصارها على المثاليّة ، و كما أن القول بضرورة وعي البروليتاريا بالمهام المطروح عليها في صلب التاريخ لهو دليل واضح على تجاوز الإشتراكيات الطوباويّة التي وقفت في منتصف الطريق من حيث توقفها على مطالب إصلاحيّة تؤسس لمنطق المهادنة و المصالحة و التعايش السلمي مع النظام الرأسمالي ، لكن ماركس قذف بالبروليتاريا إلى الواجهة ليكون منطق الثورة هو السلاح لقلب الواقع و تغييره بشكل جذري و شامل لتعود إلى الإنسان إنسانيته. الهوامش -- فريديريك إنجلز:قيورباخ و نهية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ،ترجمة محمد العريبي، دار التقدم للنشلر و التوزيع، ص30 2-نفس المصدر صص18.19. 3-البروليتاريا:هي طبقة العمال الأجراء في المجتمع الرأسمالي ، تتكون من أناس لا يملكون و سائل إنتاج ، و بالتالي فهم ممضطرون لبيع قوة عملهم إلى مالكي وسائل الإنتاج –الرأسماليين .إن البروليتاريا مع سائر الشغيلة ، ينتجون القيم المادية التي تشكّل أساس القيم الماديّة التي تشكل أساس وجود المجتمع .وفي مجرى الإنتاج تخلق البروليتاريا قائض القيمة الذى يستحوذ عليه الرأسماليون وهو مصدر إغتنائهم....إن أوضاع البروليتاريا قد ساءت مع تطوّر الرأسماليّة وإشتداد الإستغلال ، والإفقار النسبي و المطلق للبروليتاريا . و إلي جانب هذا فإنها تدرك أكثر فأكثرمصالحها الطبقيّة و تتطوّر سياسيا و تنتظم للنضال ضدّ البورجوازية ، و تشنّ هذا النضال بأشكال إقتصاديّة وسياسيّة و أيديولوجيّة، على أن أشكال النضال الطبقي هو النضال السياسي:أنظر عبد الرزاق الصاقي ، القاموس السياسي، صص83.84. 4-البورجوازية:طبقة الرأسماليين، أي مالكي وسائل الإنتاج الأساسية (المصانع، المعامل،سكك الحديد،..)الذين يعيشون و يغتنون عن طريق إستغلال العمل المأجور.....أن البورجوازية كطبقة نشأت و تطورت قي صلب المجتمع الإقطاعي .و عبرمئات السنينشنّتالنضال من أجل السيطرة .و نتيجة لثورتها تسلمت السلطة ،و أصبحت الطبقة المسيطرة قي المجتمعالرأسمالي وبتطور الرأسمالية تحولت البورجوازية من قوة تقدمية إلىقوة رجعية تعيق التقدم الإجتماعي بشكل مصطنع.أنظر عبد الرزاق الصاقي ، القاموس السياسي،صص 85.86. 5- العائلة المقدسة:مصدر مذكور سابقا ص40. 6-نفس المصدر:صص،40.41. 7- الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا، ص11. 8- نفس المصدر:ص20. 9- أسس الفلسقة الماركسية :مصدر مذكور سابقا،ص20. 10-نفس المصدر:صص 21.22. 11-فيورباخ و نهلية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، مصدر مذكور سابقا،ص33, 12- مخطوطات 1844 الإقتصادية -الفلسفية مصدر مذكور سابقا،ص55. 13- - العائلة المقدسة:مصدر مذكور سابقا ص118. 14- الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص27. 15- نفس المصدر:ص137 16- نفس المصدر:ص138. 17- نفس المصدر:ص139. 18- مخطوطات 1844 الإقتصادية -الفلسفية مصدر مذكور سابقا،ص65. 19- الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا، ص44. 20-الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص166. 21- مخطوطات 1844 الإقتصادية -الفلسفية مصدر مذكور سابقا،ص56. 22-نفس المصدر:ص56. 23- ماركس(كارل)،إنجليز(فريديريك)،حول الدين،ترجمة ياسين الحافظ،دار الطليعة لطباعة و النشر، الطبعة الأولى1974،ص161. 24- فيورباخ و نهلية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، مصدر مذكور سابقا،ص33. 25-أسس الفلسقة الماركسية :مصدر مذكور سابقا،ص21. 26-نفس المصدر :ص21. 27-أنظر فريديريك إنجلز/ فيورباخ و نهية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، ترجمة محمد لعريبي ، مطبعة تونس قرطاج. 28-نفس المصدر:ص5. 29-حول الدين: مصدر مذكور سابقا، ص185. 30-فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، مصدر مذكور سابقا ، ص30 31- الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص167. 32-Kark Marx.sa vie.son œuvre.lbn.p85. 33- الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص168. 34- نفس المصدر:ص،169 35- العائلة المقدسة:مصدر مذكور سابقا ص41. 36- نفس المصدر:ص40. 37-العائلة المقدسة:مصدر مذكور سابقا ص41 38- ننفس المصدر:ص40.. 39- نفس المصدر:ص63. 40-نفس المصدر:ص159 41-الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص73. 42-أسس الفلسقة الماركسية :مصدر مذكور سابقا،ص8. 43- بليخانوف: المؤلّفات الفلسفية / المجلّد الثاني مصدر مذكور سابقا،ص36. 44- مخطوطات 1844 الإقتصادية -الفلسفية مصدر مذكور سابقا،ص1. 45- مخطوطات 1844 الإقتصادية -الفلسفية مصدر مذكور سابقا،ص1. 46-نفس المصدر،ص1 47-المبادئ الأساسية في الفلسفة: مصدر مذكور: سابقا ، ص42. 48- نفس المصدر :ص91. 49-الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص169. 50-لينين:مصدرمذكور سابقا،ص102 51- نفس المصدر :ص102. 52-سلامة كلية:موضوعات حول الجدل: مصدر مذكور سابقا ص59. 53- نفس المصدر:ص86. 54-روجي غارودي : النظرية المادية في المعرفة، ترجمة ،براهيمقريط،دار دمشق ص،5. 55- المبادئ الأساسية في الفلسفة: مصدر مذكور سابقا ، ص45. 56المعجم الساسي مصدر مذكور سابقا،ص148. 57- طريقة تبحث في ظواهر الطبيعة و المجتمع منفصلة إحداهماعن الأخرى في حالة ركود و عدم الحركة و تنكر التناقض الداخلي في الظواهر و هي على الضدّمن الطريقة الديالكتيكية الماركسية 58- العائلة المقدسة:مصدر مذكور سابقا، ص162. 59-نفس المصدر:ص62. 60-نفس المصدر :ص162. 61-الدفاتر الفلسفية 1 عن الديالكتيك ،مصدر مذكور سابقا،ص67 62-العائلة المقدّسة: ص164. 63-أنظر يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة، دار العلم. 64-نفس المصدر :ص51. 65-العائلة المقدسة:ص66. 66-العائلة المقدّسة: ص166 67-العائلة المقدّسة: ص166 68-الدفاتر الفلسفية عن الديالكتيك: مصدر مذكور سابقا ، ص66. 69-روجي غارودي : النظرية المادية في المعرفة، ترجمة ،براهيم قريط ، دار دمشق ص،ص49.50. 70-ضدّ دوهرينغ مصدر مذكور سابقا ص27. 71-الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا، ص123. 72-نفس المصدر : ص 167. 73-نفس المصدر : ص 167 74-الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص173. 75-الدفاتر الفلسفية عن الديالكتيك: مصدر مذكور سابقا ، ص39. 76-تاريخ الفلسفة الحديثة: مصدر مذكور سابقا، ص143. 77-تاريخ الفلسفة الحديثة: مصدر مذكور سابقا ، ص144. 78-نفس المصدر:ص185. 79-المؤلفات الفلسفية، المجلد 2، ص86. 80-أنظر بليخانوف المؤلفات الفلسفية المجلد الثاني ترجمة فؤاد أيوب، دار دمشق للطباعة و النشر. 81-العائلة المقدّسة: ص143 82-العائلة المقدّسة: ص174. 83-Kark Marx.sa vie.son œuvre.lbn.p81.- 84-أنظر : ميناييف: الإشتراكية العلمية نشوؤها و مبادئها، منشورات دار مكتبة الحياة. 85-نفس المصدر :ص33 86- نفس المصدر :ص27 87-العائلة المقدّسة: ص175. 88-نفس المصدر:ص41. 89-العائلة المقدّسة: ص42. 90-نفس المصدر:ص41 91-نفس المصدر:ص42 92-نفس المصدر:ص40. 93-نفس المصدر:ص64. 94-نفس المصدر:ص41 95 Kark Marx.sa vie.son œuvre.lbn.p81 96- العائلة المقدّسة: صص40.41. 97- نفس المصدر:ص42. 98-نفس المصدر:ص42. 99-الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر،نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،صص178.179 100-العائلة المقدّسة: ص42. 101-نفس المصدر:ص41. 102-نفس المصدر:ص41. 103-الفلسفة الماركسية في القرن التاسع عشر، نشوء الفلسفة الماركسية : مصدر مذكور سابقا،ص181 104-Kark Marx.sa vie.son œuvre.lbn. 105-lbn.p83
#سلام_زويدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مختصر المقال في المافيا السياسيّة أو في مافيا الامبراطوريّة
-
النقد الماركسي للديمقراطيّة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|