يوسف العاني
الحوار المتمدن-العدد: 4798 - 2015 / 5 / 6 - 11:06
المحور:
الادب والفن
كلما التقيت به يتفتح قلبي للطيبة ودمائة الخلق ، ما عرفته منذ ان شاهدته طالبا في معهد الفنون الجميلة ، وكنت محاضرا فيها الا والابتسامة ترتسم على وجهه علامة رضا ومحبة .. وتمر سنون وتأتي سنون .. واعود فالتقي به .. هو هو .. ذاك الوديع السمح حتى في اوقات الضيق ومرارة الاحزان .. ما اشتكى الا وهو يبتسم .. وما ابتسم الا وغمامة تلف روحه في اعماق نفسه دون بوح او كشف لها ..
التقيته مرات ومرات .. في الاذاعة والتلفزيون .. في السينما والمسرح في الصالحية وأصر على ان يطول لقاؤنا ، لكنه يعتذر كي لا يطول الوقت ، ويؤثر على مشاغلي فأقول له .. لست مشغولا .. اذا كنت انت المشغول فالنفترق ، فيبتسم ويردد ( لا ولله ما عندي شغل) ، آخر مرة التقيت به قبل سفري الى المغرب ، قبلني وتمنى لي التوفيق وقال كلمات حلوة حلوة ، في حقي حتى اخجلني ، وحين سألته عن صحته قال : الحمد لله .. وعن المكان الذي يذهب اليه قال : على باب الله .. ودعته وما كان يدوري في خلدي .. ان زاهر سيفارق الحياة هكذا على غفلة منا ..
كنت اقلب مجموعة من الجرائد جمعوها لي خلال سفري .. فقرأت الخبر .. زاهر الفهد يفارق الحياة .. تماما مثل كثيرين من فنانينا الطيبين الانقياء الذين يعيشون بصمت ، ويبدعون بصمت ويصرخون بصمت ايضا حين تضيق بهم الحال ، وينكرهم واقع لا يرضون به لأنه على خطأ لكنهم يصرخون في داخل اعماقهم .
زاهر قال لي مرة وهو يسخر .. " انا اتألم على طريقة ستانسلافسكي في داخلي .. ولكن تعبيري والكشف عن هذا الالم يتم على طريقة بريشت ! " .
واضحك فأنا اعرف ماذا يعني زاهر الفهد ..
ما من مرة رأيته مع زملائه في الفرقة القومية الا وراح يخفف من معاناة الذين يعانون ، ويزيد في حماستهم على العمل .. فهو الصابر والقانع رغم كل الظروف الصعبة وهو الميسر والمسهل لامور كثيرة .
قرأت سطور " النعي " وانا لم اصدق .. قالوا .. " لقد مات قبل أكثر من اسبوع " رددت مع نفسي .. مات قبل اسبوع .. التحق بركب الذين ماتوا .. طعمة ، هاني ، ابراهيم ، جاسم ، بهنام ، كامل ، وقبلهم كثيرون .. رسموا في مسار حركتنا المسرحية علامات وفاء واخلاص ومحبة .. كل بقدر استطاع كما الرواد الذين سبقوهم : حقي ، يحيى ، فوزي ، وآخرون وآخرون .. راح اليهم زاهر ليحكي حكاية " كان ياما كان في سالف العصر والزمان .. كان هناك مسرح يحترمه اصحابه ، ويحترمه الناس القادمون اليه من كل مكان .. ثم انقلبت موازينه فتاه في فوضى وعبث العابثين الطامعين المزورين لحقيقة الانسان " .. ثم يظل يحكي ويحكي ويحكي .. وربما يصرخ ويقول ما لم يقله حين كان على قيد الحياة .. وداعا يا زاهر ايها الطيب النقي ، رمز الوداعة والطهر .. فصوتك الدافىء الواضح كان تعبيرا عن الكثيرين الذين احببناهم وما زلنا نحبهم ، انهم العاملون بصمت ووفاء لعالمنا السحري المسرح .. ! وداعا .
#يوسف_العاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟