أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - هاني شاكر، الطائر الحزين














المزيد.....


هاني شاكر، الطائر الحزين


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4794 - 2015 / 5 / 2 - 18:42
المحور: الادب والفن
    


* مالك الحزين/ يبسطُ غيمةً بيضاءَ فوق الجسد الطريّ/ إلى أن يجفَّ الطميُ/ يتكئُ برهةً إلى صخرة/ ثم يذهبُ عند البحر المالح/ ليكتري شريطًا من الفيروز/ يلملمُ خُصُلاتِ حبيبته الجعداءَ النافرةَ/ التي تعرفُ كيف تسافرُ للبعيد/ ولم تتعلمْ بعد/ كيف تعود."

***
مالك الحزين، طائرٌ أبيض يعيش عند الأنهار، لا يشدو بأجمل النغم إلا حين يُجرح وينزف. يخفضُ عنقَه الطويل، ويُنكّس الرأسَ، ثم يُغرِّدُ، والدمُ يسيلُ من جسده النحيل. شاهدتُ قرينَه البشريّ الخميسَ الماضي في محراب الجمال والفن، دار الأوبرا المصرية، في حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية. سوى أن مالك الحزين البشريّ كان يعزف لحنَه الحزين، مرفوعَ الرأس، عيناه معلقتان بسماء القاعة، كأنما يناجي حبيبةً غدرته وطارتْ إلى حيث تطيرُ الجميلاتُ، ولا يعُدن. جُرحه خبيئ لا تُبرئه الضمادات، ونَزفُه، لا تراه العيون. إنه نزفُ القلب الثاكل الذي انطفأتْ شمعتُه قبل أوان انطفائها. حبيبتُه التي غافلته ومضت، هي الشابة المليحة، دينا، ابنته التي لم تعش على أرضنا سوى عقدين ونيف، ثم قررت مغادرة هذا العالم المنذور للشقاء، والفرار إلى عالم لا يسكنه إلا الفرحُ والسلام، في رحاب الله الطيب، وبين جنان ملكوته الفردوسي الرحب.
“نسيانك صعب أكيد"، رنّمها، وبكى، فأبكى ألفين من حضور الحفل، وملايين يتابعونه عبر الشاشات. ليس إلا طائرًا فنّانًا، مَن بوسعه أن يُبهج الناس، وجرحُه يدمي، أن يملأ الفضاءَ نغمًا وشدوا، وقلبُه ينفطر. زوجته الجميلة نهلة، لم تحضر الحفل لأول مرة في تاريخ زواجهما الطويل! لم تتحمّل أن تنظر إلى المقعد المجاور لها، فلا ترى ابنتها تُنصتُ إلى شدو أبيها، كما اعتادت في كل حفلاته. تلك الابنة القاسية التي سافرت إلى السماء وتركت أمًّا وأبًا بقلبين مصدوعين.
يقول ديمسيه: “ليس أكثر من وجع كبير، يصنع فنًّا كبيرا.” صدقتَ. مثلما تخزُ حبّةُ رمل حادة، قلبَ محارة رهيفة، فتفرزُ اللؤلؤَ النقي، وخزَ خنجرُ الفقد قلبَ هاني شاكر، فنزف لآلئَ وجواهرَ وشهدًا شهيًّا، فانتشينا في صخبٍ، وتعذّب في صمت. كان غناؤه مختلفًا تلك الليلة؛ لأن الوجعَ النبيل مرّ بريشته على النغم فمسَّه، قبل أن يخرج من حنجرته.
أخبرتني الجميلةُ "ميرفت أمين" أنه كان مريضًا يومها، والحُمّى تنالُ منه منالَها، فكان يحتسي الينسون بين الأغنية والأخرى ليقوى على الصمود أمام الميكروفون ويقاوم الإعياء. فاكتشفتُ سمةً نبيلة أخرى في هذا الطائر المغرّد. التزامه أمام فنّه واحترامه جمهوره الذي جاءه من كل صوب لينهل من عذوبته. لكن جمهوره طماعٌ، والطمعُ في الجمال واجبٌ حلال. فلم نتركه يمضي إلا بعدما أعاد علينا ما شئنا من أغاريده.
أما الملمح النبيل الآخر الذي اكتشفته فيه يومها، فكان حين اقتصّ من وقت غنائه ليقدّم لنا صوتًا واعدًا جديدًا. “أُمنية" التي راهن عليها وقدّمها لجمهوره، مثلما راهن عليه الكبارُ وهو بعد شابٌّ صغير، فقدّموه لمصرَ قبل عقود. لا يمدُّ اليدَ البيضاءَ للنشء الطالع، إلا الكبارُ روحًا وفنًّا وخُلقًا، مثل هذا الطائر الحزين.
وأقول له: لا تبكِ طفلتك، فهي عروسٌ في السماء يا صديقي. أراها تُنصتُ لأغنياتك معنا، وتطرب معنا. وبعدها، تجول في السماء تجمع زهر الياسمين، لتضفر لك عقودا وأكاليلَ تشبكها فوق هامتك، دون أن تراها. ثم تقبّل جبينك كل يوم قبل أن تنامَ، مثلما كنتَ تقبّلُ جبينها وأنت تضعها في مهدها طفلةً صغيرة. لن أقول قلبي معك، بل آقولها صادقة: قلوبنا جميعًا معك. فانظر كم قلبًا تحوذ وكم يدًا تربتُ على قلبك الحزين وتهدهده.
من ديوان (صانع الفرح) فاطمة ناعوت | دار ميريت 2012



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غدًا تتحرر سيناء
- الراقدةُ في غفوتِه
- العروس
- هل أنت واحد أم كثير؟!
- أيام الإرهاب الوسطي الجميل
- هل تذكرون راتشيل كوري؟
- الذهبُ الزائفُ على قمم التلال
- درسُ الثراء للصغار
- نحنُ أبناءُ الحياة
- نحن العدوّ الخطأ، أيها الأشاوس
- الزبون دائما على حق
- قدِّموا الأطفالَ للمحاكمة
- آن أنْ أكتبَ عن العصفور
- علامَ يُحاكَم إسلام البحيري!
- عبثيةٌ لم يكتبها بيكيت
- سعفةُ نخيل من أجل مصر
- هل لحرية التعبير قيود؟
- سفاحُ الأطفال، صائدُ العصافير
- الحاجة صيصة وذقن حتشبسوت
- طلّعى الكمبيالة يا حكومة!


المزيد.....




- مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي ...
- تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر ...
- تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها ...
- مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي ...
- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
- عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
- موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن ...
- زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - هاني شاكر، الطائر الحزين