|
الاقباط واسهاماتهم في الحضاره الانسانيه 4 ( الفن القبطي )
عبد صموئيل فارس
الحوار المتمدن-العدد: 4788 - 2015 / 4 / 26 - 15:41
المحور:
الادب والفن
يري المفكر الكبير ثروت عكاشة في موسوعته حول الفن المصري القديم أن الفن القبطي عاش طوال عصوره التاريخية ثابت الأصول يستوحي من البيئة المصرية , والفن القبطي باعتباره فرعا من هذا الفن المصري عاش هو الآخر فنا أصيلا يستمد أسسه من الفن المصري القديم وليس كما يدعي البعض فنا مجهول الأصل وأن من الدلائل علي أصالته مغزي الأمومة المثل في صورة مريم وطفلها التي تذكرنا بصورة إيزيس وهي تحمل طفلها "حور", كذلك صورة القديس مار جرجس الذي يقاتل التنين من فوق صهوة جواده تضاهي صورة الإله حور وهو يرشق سهمه في جسد
فرس النهر. كما نجد صور بعض آلهة الفراعنة كأنوبيس علي اللوحات القبطية. وهكذا يمكننا القول إن الفن القبطي هو الوريث الشرعي للفن الفرعوني حتي تراتيل الكنيسة القبطية سنجدها امتدادا للموسيقي المصرية القديمة
كما تذكر نعمت إسماعيل علام أن الفن القبطى هو الفن الأول فى الشرق الأوسط الذى كان من إنتاج الشعب ولم توجهه الدولة. ولقد أنتجه مسيحيو مصر منذ الفترة التى اعترفت فيها الدولة بالكنيسة عام 313م واستمر لفترة بعد الفتح العربى. وقد اهتمت المتاحف الكبرى فى العالم بعرض نماذج الفن القبطى منها متحف اللوفر بباريس، ومتحف برلين بألمانيا، ومتحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة، ومتحف لندن بالمملكة المتحدة، والمتحف الملكى ببلچيكا.
كما اهتمت بعض جامعات العالم بإنشاء أقسام متخصصة لدراسة هذا الفن مثل قسم تاريخ الفن القبطى بجامعة "ليدن" بهولندا وقسم الدراسات القبطية بجامعة مونستر بألمانيا الذى أسسه الأستاذ الدكتور كراوزا وقسم الفن القبطى بجامعة وارسو ببولندا الذى يرأسه الأستاذ الدكتور جودلفسكى وقسم آخر بجامعة بباريس.
وهنا نذكر بكل تقدير العالم الفرنسى الدكتور بير دى بورجيه رئيس القسم القبطى بمتحف اللوفر بباريس الذى أصدر عدة مؤلفات عن الفن القبطى منها مجلد ضخم يختص بالنسيج القبطى فقط يحتوى على أكثر من 700 صفحة من القطع الكبير ويعتبر أكبر دراسة متخصصة عن النسيج القبطى. ومن شدة اهتمامه بدراسة هذا النوع من الفن ـ كما يذكر الأب يوساب السريانى ـ قام بصنع نول نسيج يدوى ليعمل عليه بنفسه حتى يستطيع أن يقف بنفسه على مختلف الطرق الفنية التى كان يستخدمها الأقباط منذ القرون الأولى.
وقبل أن نتعرض لدراسة هذا الفن فإنه يجب الإشارة إلى بعض أسماء المصريين الذين ساهموا ـ فى القرن العشرين ـ بجهد واضح فى هذا المجال منهم: مرقس باشا سميكة (مؤسس المتحف القبطى بالقاهرة)، د. سعاد ماهر محمد (فى النسيج القبطى)، الدكتور أحمد فخرى (فى الآثار)، الدكتور باهور لبيب (فى الآثار)، الدكتور حشمت مسيحة (فى الآثار)، الدكتور لبيب حبشى (فى الآثار).
تجلى تفوق الأقباط فى فن النجارة فى درايتهم الكاملة بالأنواع المختلفة للأخشاب. فلم يتوقف استخدامهم على الأنواع المحلية ـ كما كان الحال عند قدماء المصريين ـ مثل خشب الجميز والنبق والسنط والنخيل، بل لجأوا إلى استيراد أجود الأنواع من الخارج مثل خشب الأبنوس من أثيوبيا وجنوب السودان، والأرز من لبنان وسوريا، والساج من الهند بالإضافة إلى خشب الجوز والبندق والبلوط من أوروبا وغرب آسيا وغيرها.
ففى بادئ الأمر عند استخدامهم للأخشاب المحلية، فإنهم كانوا يشقونها ألواحًا ويسكبون عليها المياه، ثم يتركونها معرضة للشمس مدة كافية حتى تجف، وحتى لا تلتوى بعد صنعها تبعًا لتغير حرارة الجو، ومنها ما كانت رائحته ذكية تساعد على منع الحشرات التى تفتك بها سريعًا. وعندما استوردوا الأصناف الأخرى من الخارج نشأت لديهم طريقة تطعيم الخشب فيصنعون البرواز الخارجى من الخشب العادى ثم يزينون سطحه بحشوات منقوشة من أنواع أخرى فيزداد رونقها وبهاؤها.
وكان أعز أنواع الأخشاب عند الأقباط خشب الزيتون الذى ورد ذكره كثيرًا فى الكتاب المقدس، فكانوا يصنعون منه ـ وحتى الآن ـ الأختام المستخدمة فى ختم الخبز المقدس الذى يستخدم فى الصلوات الكنسية، وكذلك خشب الجميز، إذ يعتقد أنها شجرة مقدسة لكونها تعيش أجيالاً عديدة بدون رى بالماء حتى أن المصريين القدماء كانوا يكثرون من زراعتها بجانب المقابر والمعابد وصنعوا منها توابيت الموتى.
استمر تزيين الخشب ونقشه برسم صور دينية ومناظر من حياتهم وأعمالهم إلى حوالى القرن العاشر الميلادى فى عصر الفاطميين عندما تبدلت هذه الصور بأشكال هندسية ونباتية تتخللها صور الطيور والحيوانات.
وأهم ما يستلفت النظر فى صناعة الأبواب الدقيقة والحواجز الخشبية بالكنائس والتى يطلق عليها اسم حامل الأيقونات، أنها تتكون من عدة قطع صغيرة من الخشب المخروط أو المنقوش. وتتجلى روعة تلك الصناعة فى أنه يمكن تجميع أجزائها بعضها إلى بعض دون استعمال المسامير أو الغراء فى تثبيتها، وأن بين كل حشوة وأخرى تركت مسافة كافية مراعاة لما قد يحدث فى الأخشاب عادة من تمدد أو انكماش تبعًا لاختلاف فصول السنة فيتسنى لها بذلك أن تتكيف حسب اختلاف درجات الحرارة طوال العام.
كان الحفر والزخرفة يتطلبان إستخدام الأنواع الجيدة من الخشب، وكانت مصر تستوردها من الخارج، ومن ثم فانها كانت عالية التكلفة، فلم يتم إستخدامها إلا في قصور الحكام والأمراء والكنائس.
وكان الفنان القبطي يميل الى الزخرفة، أو الرسم الزخرفي، ولهذا جاء الفن القبطي متنوعاً في موضوعاته. استخدم الفنان الخشب كمادة فنية، فقام بحفر أشكالا زخرفية متشابكة من نبات العنب أو الرمان، كما نجد مناظر الحيوانات المصرية الأليفة كالأرانب والطيور.
كما كان الخشب يستخدم في صنع حجاب الكنيسة، حيث يكون هيكلها مفصولا عن القاعة بهذا الحجاب الذي غالباً ما يكون مصنوعاً من الخشب المعشق أو المنقوش بأشكال هندسية مختلفة ومحلى بصور القديسين وأشكال مختلفة للصليب، ومطعم برقائق من العاج.
وإذا نظرنا إلي الأيقونات القبطية التي تزين الكنائس والأديرة الأثرية لاكتشفنا إلي مدي انتقلت ملامح الفن الفرعوني إلي الفن القبطي. ففي تلك اللوحات التي رسم فيها الفنان ملامح القديسين والشهداء سنجد الكثير من زخارف الفن المصري القديم كاستخدام علامة" عنخ " أو مفتاح الحياة التي كانت بداية رسم الصليب . والسمكة التي كانت رمز الخصوبة عند المصري القديم نسبة إلي السمكة التي لقمت العضو الذكري لأوزوريس . وبعد الفتح العربي يحدث تبادل بين الفنان المسلم ونظيره القبطي في الفنون فدخلت علي الأيقونة الكتابة العربية مثل " عوض يا رب عبدك ". ونقل الفنان القبطي إلي الأيقونة بعض الزخارف الإسلامية مثل شجرة السرو وهي وحدة زخرفية ظهرت في الفن العثماني .
كما رسم الفنان القبطي بعض القديسين وهم يرتدون العمامة . ويبقي أن نقول إن اللغة القبطية حفظت لنا الكثير من ملامح التراث المصري القديم ". اننا اذن امام سباحه عميقه في الوجدان المصري الممتد في اعماق التاريخ متعدد الحضارات ففي التعدديه وتنوع الحضارات هناك يكون الثراء ومكمن القوه الذي اكتشفه وتعايش معه المصري القديم !
مراجع د/ ثروت عكاشة موسوعة الفن المصري القديم د/ مينا بديع عبد الملك الفن القبطي مصر الخالده مكتبة الاسكندريه د/ سهير عبد الحميد الفن القبطي الوريث الشرعي
#عبد_صموئيل_فارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاقباط واسهاماتهم في الحضاره الانسانيه 3 ( الموسيقي )
-
الاقباط واسهاماتهم في الحضاره الانسانيه 2 (الفلك )
-
هل اعتنق الريحاني الاسلام قبل رحيله ؟!!
-
الاذرع الايرانيه في المنطقه !
-
لماذا تغير موقف البابا من رهبان وادي الريان ؟!
-
القمه الاقتصاديه في شرم الشيخ أمال وتحديات
-
خطورة تفريغ الشرق الاوسط من المسيحيين ؟!
-
من قتل الاقباط في ليبيا مصريين ؟!!
-
طرطشة دماء مصريه ؟!!
-
سيناء والارهاب !
-
في ذكري ثورة يناير براءة ماضي وسجن مستقبل !!
-
غلابة الاقباط في اسر داعش !
-
رؤيه تحليليه لزيارة السيسي للكاتدرائيه
-
تفجير كنيسة القديسين جريمة دوله !
-
صلاحيات البرلمان القادم مرعبه للرئيس الحالي !
-
هل رئاسة البرلمان القادمه للفريق احمد شفيق ؟!
-
تعقيدات المشهد السياسي المصري ؟!
-
كواليس واسرار الافراج عن مبارك ورجاله ؟!!
-
السر وراء منع صباح من الغناء ل10 سنوات ؟!
-
المصري الذي اتقن ثلاثون لغه ؟!
المزيد.....
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|