أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الخفاجي - لكي لاتنتحر المقاومة السورية















المزيد.....

لكي لاتنتحر المقاومة السورية


عصام الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 4787 - 2015 / 4 / 25 - 09:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تعزّ عليّ كتابة هذا المقال، مثلما عزّ عليّ أن أكتب رثاءا للثورة السورية قبل أكثر من عام.
خلال العامين الأوّلين للثورة كنت، مثل ملايين غيري، أشعر بالنشوة لإنضمام أعداد كبيرة من أفراد الجيش السوري النظامي طوعا إلى صفوف الجيش الحر. أشعر بالنشوة عند تحرير الجيش الحر لمدينة جديدة. صرت الآن أشعر بالأسى لسماع خبر كهذا. فقد بات "التحرير" يعني سقوط مئات المدنيين قتلى وجرحى ونزوح عشرات الآلاف من مدنهم. التحرير يعني أن المدينة ستتعرض للدك بالبراميل المتفجّرة. التحرير يعني حصارا وجوعا. وهو يعني أن قوات بشار الأسد، مثلها مثل داعش، لن تأبه لتعريض معالم الحضارة والتاريخ في المدينة للدمار.
والتحرير لم يعُد إعلان بشرى لأهالي المنطقة المحررة بأن عهد حرّيتهم ابتدأ وأنهم باتوا ومحرّريهم بشرا متساوي الحقوق بوسع أي منهم الوقوف بوجه من يسلبه أو يهينه، أو أنهم باتوا قادرين على الإعتراض على ممارسات المحرّر. والتحرير بات منذ سنتين أو أكثر صعودا لأمراء حرب يتقاسمون الغنائم. "التحرير" بات خروجا من زنزانة الأسد إلى زنزانة الجهاديين. والتهمة المتبادلة بين النظام وبين معارضيه بأنهم يستخدمون المدنيين رهائن أو حواجز بشرية تشي بالكثير. إنها تقول بأن المدنيين ليسوا راغبين بالعيش في ظل سلطة أي من الطرفين وأنهم مكرهون على البقاء تحت رحمة أحدهما. إنّهم، باختصار بشر مثلنا خائفون يريدون العيش بسلام.
سيناريو التحرير الذي كان يثير الفخر من قبل صار مألوفا ومروّعا منذ عامين على الأقل. وأكثر ما يستدعي القلق أنه صار مألوفا لايستدعي وضعه ضمن أشرطة "الخبر العاجل" في القنوات الإخبارية. سيناريو يعرفه غالبية من وقفوا مع الثورة السورية لكنهم يخشون الحديث عنه لاخوفا من اتّهام آخرين لهم بخيانة الثورة، بل خوفا من أنفسهم وخوفا على أنفسهم من أن يكون اعترافهم بعبثية هذا التحرير، بل ببشاعته، اعترافا بأفضلية نظام الأسد. يبتدئ السيناريو بنصرة أو داعش تستولى على منطقة لتقيم سلطة تضيف إلى قمع الأسد السياسي قمعا اجتماعيا. قد ينجو غير المسلم السنّي من الموت لكن عليه، وعلى النساء خصوصا، إلغاء وجوده معنويا. وعلى الجميع، أيا كان جنسهم أو دينهم أو قوميتهم، أن ينسوا أنهم ثاروا ضد الأسد بهدف التمتع بالحرية ويتذكروا أنهم ثاروا على الأسد فقط. عليهم، كخطوة أولى التماهي مع المحررين فيؤمنوا بأنهم ثاروا على نظام علماني وهدفهم إعادة سلطة الإسلام على سوريا. ثمة تفريعة أخرى للسيناريو تتمثل في استيلاء "المعتدلين" على منطقة ما، تليه معارك ضارية تنتهي بانتصار الجهاديين الذين يخيّرون الخصوم بين الإنضواء تحت قيادتهم أو الخروج من المعركة أو القتل. وغالبية هؤلاء "المعتدلين" هم أحرار وأكناف وألوية الشام والتحرير والقدس وكل مايخطر على البال من أسماء.
أتخيّل حالي واحدا من المدنيين الكارهين لنظام الأسد حتى العظم. وأدعو قادة المعارضة الديمقراطية السورية إلى أن يضعوا أنفسهم محل هؤلاء. هل سنؤيد "تحرير" المناطق ونحن نعرف أن النظام سيعاود احتلالها بعد أن يلحق بنا الدمار؟ وهل سنؤيد هذا التحرير إن أجّل النظام عملية التحرير المضاد مبقيا إيّانا في ظل قوانين شريعة يفصّلها المحررون؟
قبل استيلاء الجهاديين على مقاليد الأمور، عبّرت عن خوفي من أن ينتهي صراع السوريين مع نظام البعث إلى ما انتهى إليه صراع الجمهوريين الإسبان مع نظام فرانكو الفاشي في الثلاثينات. انتصر الفاشي لكن العالم ظل ينحني إجلالا لكفاح شعب خذله العالم وخذلته أمراض قادته. وأمام قادة المعارضة الديمقراطية السورية اليوم أن يقرّروا إن كانوا ارتضوا بمصير تخليد التاريخ لهم كمنهزمين في معركة نبيلة أو أن يحققوا لشعبهم بعض ما ثار من أجله.
لازلت مؤمنا بأن ثمة أملا في إمكانية إنقاذ الثورة من الهزيمة بشرط القبول بالتخلّي عن المطالب القصوى. السوري الجائع والمنهك والمهدد بالموت، الباحث عن قارب موت يهجّره إلى أي بقعة خارج بلده يريد حلولا. ما العمل الآن ونحن محاصرون في المدن ونازحون في المخيّمات؟ نحن معكم ونتفق مع تحليلكم. يتحمّل نظام الأسد مسؤولية ما وصلنا إليه اليوم، ويتحمل المجتمع الدولي مسؤولية خذلان الثورة. ولكن ما العمل الآن؟ قد يذكركم التاريخ كأبطال حاربوا الدكتاتورية وانهزموا، لكننا نلعن تاريخا يسجّل رؤيتنا لأطفالنا يموتون جوعا أمام أعيننا.
أعرف هذا من تجارب عشتها وعايشها ويعرفها غيري. أعرفه من معايشة فلسطينيين انهزموا أمام حصار إسرائيل لبيروت عام 1982. أعرفه من هزيمة الثورة الكردية أمام مجازر حملة الأنفال ضد الأكراد عام 1988. وأعرفه من بشاعات سحق ثورة العراقيين ضد البعث عام 1991.
المجتمع الدولي الذي أعلن بوقار أن المجازر بحق المدنيين لن تحدث قط بعد أن وقف متفرجّا على مذابح رواندا عام 2004، ابتلع إعلانه هذا. والدعم السياسي الإقليمي والدولي الهائل الذي حظيت به الثورة آخذ بالتآكل حتى قبل ترجمته إلى أفعال على الأرض. ومساعي إعادة تسليح وتدريب المعتدلين ودفعهم إلى الجبهة الجنوبية في درعا نجحت في عودتهم الى ساحة المعركة لكن سيناريو البراميل والقصف وهجمات النصرة يتكرر. ومساعي الولايات المتحدة لتدريب معارضة تنطلق من الشمال تركّز على ان الهدف هو محاربة داعش أولا، وهي مساع لن تبدأ إلا بعد شهر وستضخ، إن سارت الأمور على مايرام، خمسة آلاف مقاتل سنويا يراد لهم قتال ثلاثين ألف داعشي والصمود بوجه خمسة عشر ألف من النصرة على افتراض أن هؤلاء لن يكسبوا جهاديين جددا طوال تلك الفترة.
ليس مطلوبا من المعارضة الديمقراطية السورية وملايين السوريين المؤيدين لها أن تختار الوقوف مع هذه العصابة أو تلك. لكن استمرارها في العمل المسلّح أجبرها، وصار محتّما أن يجبرها على اختيار الوقوف إلى جانب واحدة من العصابات وإلا هدّدها الفناء كما أثبتت تجربة حل حركة حزم وانطوائها تحت مظلة الإسلاميين.
ثمة إمكانية واقعية، في رأيي، لإجبار الأسد وبطانته على القبول باشتراطات وتنازلات قد تبقي على بعض أركانه ومؤسساته في المدى القصير وقد يمكن استثمار تلك التنازلات لتعديل موازين القوى، بل لقلبها، من خلال عمل سياسي سلمي على نظام الأسد الإقرار به كشرط للوصول إلى أي اتفاق.
هل يمكن إجبار الأسد على القبول بتنازلات تنطوي على حق المعارضة في النشاط السياسي؟ هل يمكن إجباره على إطلاق سراح كل المعتقلين وإعادتهم إلى الحياة المدنية؟
الإقتصاد السوري على شفا الإنهيار ولم يعد بوسع إيران وروسيا اللتين تعانيان أزمات مالية واقتصادية حادة تقديم منح مالية ذات مغزى لتعويمه. والجيش النظامي السوري منهك ومنحطّ المعنويات كما تشير تقارير معظم مراكز البحث الموثوقة والمصادر الإستخباراتية. وليس بوسع ميليشيات حزب الله ولا مستشاري الحرس الثوري إحداث تغيير نوعي في الخارطة العسكرية. وإيران المقبلة على اتّفاق نووي يعيدها إلى المجتمع الدولي معنيّة بأن تظهر أمام الرأي العام كدولة مسؤولة لاتصدّر الثورة. سيتعرّض الجيش السوري وحلفاؤه إلى مزيد من الإنهاك في المعارك مع داعش والنصرة. لكن مضيّ المعارضة السورية المدنية في التجييش لن يقود إلا إلى استنزافها لا استنزاف قوات الأسد أو المتطرّفين. وأي نجاح ستحققه لن يكون إلا توفيرا لدماء النصرة أو داعش اللتين ستستوليان على ماتم تحريره بدماء تلك المعارضة.
مطلوب من المعارضة الديمقراطية أن تعلن صراحة ما تؤمن به ولا تصرّح به. لن يُهزم نظام الأسد في المدى القصير، وربّما المتوسط. وكل هزيمة له صارت انتصارا لتنظيم القاعدة أو لداعش. الخطاب الذي يقول بأن الأسد وأركان نظامه ليسوا جزءا من الحل بل هم المشكلة لايزال صحيحا. والخطاب الذي يقول بأن أزمة سوريا لن تجد لها حلاّ مع بقاء الأسد يظل صحيحا. لكن على الخطاب الديمقراطي السوري أن يواجه جمهوره بالإقرار بأن الحل الجذري لم يعد ممكنا في المدى القصير. ولكي لاتضيع التضحيات والبطولات لابد من التوافق على الوصول إلى نصف حل.
نصف الحل هذا يقتضي الإقرار بأن امتناع الإئتلاف الوطني السوري عن المشاركة في أي حوار لايشترط منذ البدء تخلي الأسد عن السلطة صار مدعاة لعطف رومانسي. عطف على من يخوض معركة خاسرة سلفا لكنّه مستمرّ في مكابرة تدعو إلى الإشفاق لا الإعجاب لسبب بسيط مفاده أن الممانعة في ظل توازن القوى القائم ستهمّش المعارضة الديمقراطية ولن تضعف النظام الذي تنهكه المعارك مع جبهة النصرة وداعش. ونصف الحل يقتضي أن تسعى معارضة الخارج ومعارضة الداخل "المرضيّ عنها" إلى تكوين تحالف ضاغط كبير التأثير إن نجحت تلك القوى في تحصين نفسها من محاولات مؤكدة سيبذلها نظام الأسد لشق ذلك التحالف باستمالة طرف على حساب آخر، وإن نجحت في تجاوز مرض الصراع على المواقع التي سيحتلها هذا الطرف أو ذاك في التحالف المنشود. ونصف الحل هذا يقتضي تحمّل اتّهامات ستوّجه لمن يوافقون عليه بالخيانة وتحمّل انشقاقات المخوّنين.
في برزة والقابون في دمشق، نجح المعارضون المسلحون في الوصول إلى تسوية تقع ضمن الممكن لا المُتمنّى تقوم على الحفاظ على سلاحهم. ونجاحهم في صد هجوم داعش قبل أيام عزز مكانتهم التفاوضية في مواجهة قوات الأسد. وتوافق قوى المعارضة المسلّحة على حلول كهذه قادر على قلب معادلة يريد الأسد فرضها: إما إنا أو الإرهابيين.
أختم بما ابتدأت: يعزّ عليّ أن أكتب ما كتبت.



#عصام_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرس السنّة الوطني وحشد الشيعة الشعبي
- دولة الحشد الشعبي في مواجهة دولة الخلافة
- صراع العصور وحوار الأديان
- كردستان: نشوة الإستقلال ومأزق الدولة
- ذاكرة الكردي وهوّية العراقي
- جارتنا الجديدة كردستان
- في جاذبية البشاعة
- دفاعا عن سايكس وبيكو
- جهاديّو الشيوعية وسلفيّوها
- عن المجاهد والفقيه
- المفتي وأمير الطائفة
- دولة العراق الباحثة عن أمّة
- حدود الدهاء القطري ومآزقه
- في رثاء الثورة السورية
- رسائل نصّية عن سيرة العراق في ربع قرن
- عن روحاني وغورباتشوف وما بينهما
- تفويض الفريق
- عن مجابهة الظلم بالطغيان
- التآلف الطائفي: لمحة عن خطاب منافق
- عن دكتاتور الإعلام والثقافة عموما


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام الخفاجي - لكي لاتنتحر المقاومة السورية