أثير عبد الزهرة الغزي
الحوار المتمدن-العدد: 4783 - 2015 / 4 / 21 - 22:03
المحور:
الادب والفن
حُرّيّةٌ
حُبِسَ في غَياهِبِ الظّلامِ؛ اِنْطَلقَ النّورُ من قَلَمِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مدخل تعريفي
ــــــــــــــــــــــــ
إنّ الترابط بين مفارقة المقدمة للخاتمة المدهشة هو لازمة لوجود القصة الومضة ونمائها، وما كان لجانب أن يطغى على الآخر وأن كان في التلميح أو الإيحاء، كأنهما في كفتي ميزان، كلما ثقل جانب احتاج الجانب الآخر أن يستقوي لأظهار الدهشة وكسر أفق المتلقي.
هذه الصورة المقربة لجدلية المفارقة هي إلى حد كبير تعبر عن خبرة الكاتب في إظهار الخاتمة المدهشة.
فعلى كاتب القصة الومضة أن يفتش عن النقيض؛ ما دام المتلقي مستمر في قبول الشطر الأول منها، وهو موافق لذهنه، تأتي المفارقة لكسر ذلك الأفق.
إذن فإن اكتشاف المفارقة من قبل ذهن المتلقي هو القاعدة الأساسية لإظهار الدهشة؛ لأن تلقي الشطر الأول ينبع عنه الشعور بعدم الكفاية أو الشعور بعدم تحقيق الهدف، لذلك يعمد المتلقي بالتفتيش عن إزالة مثل هذه المشاعر بخاتمة مدهشة نتيجةً للمفارقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**عتبة النص
ـــــــــــــــــــــ
الحُرِّيَة : الخلُوص من الشَّوائب أَو الرقّ أَو اللُّؤْم
وهي حالة يكون عليها الكائن الحيّ الذي لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة ويتصرّف طبقًا لإرادته وطبيعته، خلاف عبوديّة ومنها
حُرِّيَّة الاتّجاه الفكريّ
وهذا ما قصدته الكاتبة على اعتبار أنّ الجسد من الممكن أن يقبع في مكان ذات ابعاد هندسية تحكمها المقاييس والحجوم، ولكن التفكير يبقى حرّاً، فضلاً عن ذلك فإن نظام الحرّية المجردة والتفكير الذهني يتخذ من الأشياء المادية الملموسة قرار الانتفاضة نحو تحرر الجسد أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
***الضد يظهر حسنه الضد
جمالية الطباق اللغوي في إظهار المفارقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنّ اكتشاف المفارقة من قبل ذهن المتلقي هو القاعدة الأساسية لإظهار الدهشة؛ لأن تلقي الشطر الأول ينبع عنه الشعور بعدم الكفاية أو الشعور بعدم تحقيق الهدف، لذلك يعمد المتلقي بالتفتيش عن إزالة مثل هذه المشاعر بخاتمة مدهشة نتيجةً للمفارقة.
لذا يجب على الكاتب أن يسلك الطريق الصحيح في انتقاء الكلمات الموحية للمعنى، يقول الجاحظ في كتابه الحيوان « المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والقروي، والبدوي والقروي، إنما الشأن في إقامة الوزن، و تخير اللفظ، وسهولة المخرج ،وفي صحة الطبع وجودة السبك ».
وهكذا فالصواب لم يكن ميسرا للكاتب قبل أن يعرف كيف يكسر أفق التلقي للقارئ.
بهذا نكون قد وضعنا قاعدة ذهنية ترى أن المفارقة هي ملازمة للدهشة فلا مفارقة بدون دهشة، وإذما كانت هذه القاعدة صحيحة فيغدوا من الصواب أن نجعل همنا، هو البحث عن المفارقة التي تأتي بالدهشة بعيداً عن التناقضات الخالية من معنى الومضة كـ ( الأبيض والأسود، والصوت والصمت، والخير والشر، والجمال والقبح، والضعف والقوة، والحرب والسلم وغيرها) التي لا تحيل القارئ إلى مشهد سردي ترتسم صورته في ذهنه.
والمفارقة في القصة الومضة تتشكل عن طريق اللغة التي تمتلك بدورها طبيعة مزدوجة، إذ للغة بعد فيزيقي يربط بين الألفاظ وأصولها الحسية، كما أن لكل لغة نظاما من العلاقات التي تعتمد على التجريد الذهني، لكن المفارقة لا تعتمد على اللغة وحدها، وإنما يحكمها الخيال الذي يشكل المكان جزءا أساسياً على نحو يتجاوز (الحبس) إلى ما قد يتجاوز هذه الأشكال إلى معانٍ لا حصر لها منها ( ظلام المكان "السجن"، وظلام الدنيا بمتناقضاتها، وظلام النفس، وظلام الغربة الروحية، وظلام المنفى ...إلخ)
يصل إليها الخيال اللغوي فيما يمكن أن يسمى (جماليات الخيال) وهو مبحث الدراسات الحديثة الآن.
إن ما يهمني في هذه المقدمة هو محاولة تعرف خصائص الخيال اللغوي فيما يتصل بتشكل (المكان المظلم، ونور القلم) في النص الذي نحن في صدده.
وحس المكان في المعنى الأول، أي المكان المفترض في ذهن القارئ، حس أصيل وعميق في الوجدان العربي! وخصوصاً إذا كان المكان يستحضر الظلام الذي يمثل حالة القسر ، ويزداد هذا الحس شحذا إذ ما تعرض المكان إلى (الغيهبُ : الظُّلمةُ الشديدة)
وأكثر ما يشحذ هذ الحس هو التحرر عن طريق رسم المشهد النوراني للقلم، على اعتبار أن (الحبس والظلام) يتحول إلى (فكرة ونور)، بمعنى أنه يتحول إلى حالة ذهنية تنشأ عن انقطاع خارجي فعلي.
وبناءً هذا التصور نكون أمام قطبين يمثلان المفارقة أولهما قطب الخارج (غياهب الظلام)، ويمثل ثانيهما قطب الداخل (النور من قلمه).
إن الوجود في غياهب الظلمة يعني الأنقطاع عن الوجود، كما يعني في الوقت نفسه تمددا داخلياً لهذا الوجود ذاته عن طريق التحرر الذاتي للفكر، وحين يصبح الوجود داخلياً تنشط حركة الخيال وتظهر مستويات متعددة للحلم والذاكرة، فيفترق الظلام بفعل التشظي لنور الحرّية داخلياً بمستواه العقلي ومداره المعرفي بدلالة القلم (اِنْطَلقَ النّورُ من قَلَمِهِ.).
وتشكل هذه العناصر مجتمعة بناءً لغوياً يكون بديلاً عن الأنفصال الخارجي عن الوجود وكأن يكون هذا الوجود هو (الوطن)، ومن ثم يكون الأنسحاب الاختياري نحو الذات المتحررة والأنطلاق من (غياهب الظلام القسري) نتيجة صدام بين الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية من ناحية البعد الخارجي، والتكوين الفكري والوجداني للفرد من ناحية البعد الداخلي، والأخير ليس بوصفه ذاتاً فردية، بل بوصفه ذاتاً جماعية.
ومع أن الصيغ اللغوية التي استخدمتها القاصة يكون لها اصلاً فردياً (حُبِسَ، اِنْطَلقَ، قَلَمِهِ) فأن تشكيلها لها لا يعبر بالضرورة عن موقف الفرد لأن الكاتب يعبر عن أحوال مجتمعه في التركيز على تثوير المفاهيم الفكرية والفنية وتغيير أبنية الوعي عن طريق الكلمة.
وأخيراً يمكننا القول إنّ لغة الكاتب في القصة الومضة بوصفها يقوم على مصاحبات وتقابلات غير متوقعة تجمعها وحدة متجانسة تختلف عن الوحدة التي يجمعها الكاتب في أي جنس سردي آخر.
ومضة موفقة شكراً للكاتبة (هبة أحمد غصن) ولمزيد من الإبداع.
#أثير_عبد_الزهرة_الغزي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟