|
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هشام الجخ و عدنان ابراهيم انموذجا(6)
الشريف حسين الهندي
الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 20 - 22:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(6) نصف المتمدن ... أيدلوجيا الرفض
****
في كتابه المثير للجدل نهاية التاريخ و خاتم البشر ينقل فوكايما مقولة لهيجل مفادها ( أن المسيحية هي اخر الايدلوجيات العظيمة للعبيد )...و المقولة تأتي في اطار جدل السيد والعبد الشهير لدى هيجل و الذي يتبناه فوكياما بحماس غريب وهو يشير في ذالك الى أنه بالنسبة للعبيد الحالمين بالمساواة والعدالة ... بيد انهم لا يستطيعون اليها سبيلا .. فإنهم بإختراعهم للمسيحية فإنهم قد اعطو أنفسهم المساواة الكاملة مع السادة و العدالة الناجذة ضد الظلم .. ثم انهم قد أجلو كل ذالك الى حين قيام الساعة أو رجوع المسيح الى الارض او كيفما اتفق ... ويمكننا هنا أن نري بعض التعديلات على هذه المقولة الهيجلية أيضا كدأبنا من قبل لتصبح ( أن التجديد الديني هو اخر الايدلوجيات العظيمة لانصاف المتمدنين)
و مجمل القول أن الدين بطبعه و من حيث التعريف هو منتوج ما قبل برجوازي في أصوله أي أنه منتوج قروي بامتياز .... تتحكم في نظرته للاشياء بنية الوعي التناسلي القديمة شأنه في ذالك شأن كل منتوجات القرية الفكرية و حتى نخرج أنفسنا من المحك الاكاديمي المشهور في تعريف الدين فإن لنا ان نتبنى تعريفا محددا لأهم خصائص ما يمكن ان نطلق عليه دينا لاغراض هذه الدراسة
و من هذا المنطلق فإن الدين هو منظومة محددة من الافكار تتحكم في وتحكم علاقات البشر المؤمنين به في ثلاثة مستويات متمايزة و متداخلة فيما بينها هي المستوى (الميتافزيقي) بقوة خارقة متحكمة عادة مايرمز لها بالاله و عادة ما يطلق على هذه العلاقة بالعقيدة او اللاهوتية ... و مستوى علاقة الفرد المؤمن بنفسه من حيث القيم والاخلاق و عادة مايطلق عليه التعبد و العبادات التي من شأنها حسب التصور الديني تنقية علاقة الفرد بنفسه وتزكيته ... وأخيرا على مستوى السلوك و علاقات الفرد بالافراد الاخرين و عادة ما يطلق عليه التشريع .
***
ولبحث ظاهرة التجديد الديني و علاقتها بالرحلة بين المدينة والقرية زمانيا بالأخص فيما أطلقنا عليه نعت (التعليم) مسبقا ... فانه لابد لنا من اجراء مراجعات سريعة حول بعض المفاهيم المتعلقة بظاهرة نصف المتمدن كما تطرقنا اليها مسبقا
***
و الفرضية الاساسية التي انطلق منها في وصف حالة نصف التمدن هي الطبيعية .. أي طبيعية الحالة .. و بمثل ما يرى فوكياما التاريخ باعتباره رحلة طويلة تجاه الديمقراطية اللبرالية يمكننا القول أن التاريخ هو رحلة طويلة تجاه المدينة البرجوازية .. أو على الاقل هذا هو المسار الذي اتخذه مجملا ... و بمثل ما يرى الماركسيون ان التاريخ هو رحلة عودة طويلة تجاه المشاعية الاولى التي قضت عليها الملكية الخاصة يمكننا القول أن التاريخ هو رحلة عودة طويلة تجاه الفردانية الاولى التي تخلى عنها البشر تحت وطأة ضغوط الانتخاب الطبيعي ... أو على الاقل هذه هي النظرة الاكثر راديكالية من نظرة الماركسيين...
و لكل هذا فإنه لابد من التأكيد على أن حالة نصف التمدن ( أو بمعنى أدق ومتسق مع مصطلحات الورقة حالة الرحلة نحو المدينة) هي الحالة الاكثر تفاعلا في اطارها العام و هي حالة دائمة من الديناميكية النقدية على المستويين الفكري والمادي و أنه مثلما أن هيجل من قبل قد عزا منتوج الحضارة من أفكار وتكنلوجيا الى العبيد فإن لنا أن نعزي نفس ذات المنتوجات الى أنصاف متمدنين امتلكو أدوات التمدن (الصابون والتعليم) أو بمعنى أدق صنعوها
***
ثم نعود لنستثني من هذا الوصف العام أنصاف متمدنينا الذين ابتدرو الرحلة تجاه المدينة (أو بمعنى أدق أبتدرت لهم الرحلة ) ولمّا يكملوها لأسباب عدة ذكرنا بعضها من قبل و ربما يتبين لنا بعضها الاخر في بحثنا عن ظاهرة التجديد الديني
***
في ورقة شيقة لأسامة غاوجي بعنوان الاسلام وسؤال الهوية منشورة على الانترنت يعرض فيها الى رؤية مهمة جدا في سياق بحثنا هذا لعالم الاسلاميات الالماني توماس باور في كتابه (ثقافة الالتباس .. تاريخ اخر للاسلام) - حسب ترجمة غاوجي نفسه – و يرى باور أن التسامح مع الالتباس في الثقافة الاسلامية كان روح الثقافة الاسلامية حتى قدوم الاستعمار الذي أدى فائض عنفه على العالم الاسلامي الى حالة من التمترس وراء الهوية في محاولة للدفاع عنها ضد الاخر الغازي ( غاوجي – الاسلام وسؤال الهوية – منتدى العلاقات العربية والدولية على الانترنت)
ويبدو أن مصطلح (التسامح مع الالتباس) هنا يقصد به المبادئ الجديدة للحداثة مثل الديمقراطية والدولة الحديثة ومدى اتساقها مع الثقافة الاسلامية .. غاوجي نفسه قد ضرب لنا في ذالك مثالا حسنا إذ عقد مقارنة بين افكار المجددين الاوائل امثال الطهطاوي و خير الدين التونسي وبين افكار الافغاني و محمد عبده حيث بل الاخيرين جهودا مضنية للتاكيد على اشتمال الاسلام (في أصوله وفي ذاته) على مبادئ العدالة وحقوق الانسان .. وها الي أطلق عليه باور (التمترس وراء الهوية ) يمكننا أن نطلق عليه حالة متقدمة من الاصابة بعدوى (أيدلوجيا الرفض) التي نقلها لنا المستعمر ضمنيا هكذا مع السكك الحديدية و الخدمة المدنية و غيرها
وإن لك أن ترى كمية التناقض الذي وقع فيه المجددين الدينين المصابين بعدوى ايدلوجيا الرفض هذه و الذين تتجلى رؤيتهم و تتضح من كتابات أنصاف متمدنين أمثال سيد قطب و المودودي و غيرهم .. فمن ناحية هناك اصرار غريب - أو فلتقل إن شئت (عناد طفولي) – على عدم اجراء عملية تحديث (بروتستانتي) كاملة للبنى القروية للدين فالاسلام عندهم - وبموجب أيدلوجيا الرفض – صالح لكل زمان ومكان في ذاته وفي اصوله ... وفي نفس الوقت فإن المعيار على هذه الصلاحية كان دائما مفاهيم الحداثة المنتجة برجوازيا بالكامل ... هذه المغالطة الوضحة جعلت من التجديد الديني محاولة مستميتة لتلطيخ وجه الدين القروي بمساحيق الحداثة البرجوازية .. ويمكنك أن تلحظ مثل هذا التناقض في نقاشات دينية عديدة للمسائل الفقهية التي يكون فيها التناقض بينا وجليا بين الدين – في أصله الارثوذسكي – و بين مفاهيم الحداثة مثل مسائل الرقيق والعقوبات و الزواج وغيرها حيث يصاب نصف المتمدن المجدد هنا بحالة من (الهاشمية) لتأويل النصوص جزئيا دون أن يعي مقدار التناقض في تأويل نصوص يفترض أن تكون حكمية وقاطعة و متعالية من حيث مصدرها و مقصدها لا معناها حسب الرؤية الدينية للنص
هذه الردة الفكرية في التجديد الديني قد أنتجت انواع عدة من انصاف المتمدنين يمكنك أن تجد لهم مثالا في الواقع المعاش اليوم .. فمن ناحية نجد ما أطلق عليه محمد عابد الجابري بالعقل المستقيل وهو العقل الذي يبعد عن انقاش في القضايا (الحضارية الكبرى) بتعبير الجابري ... و هو عقل ينأى بنفسه تماما من الخوض في أي نقاش نقدي جدي يهدف الى تفكيك بنية العقل التناسلي في داخله بتعبير كاتب السطور ... وهو بالتأكيد ابن بار لأيدلوجيا الرفض و التجديد ال(مابعد كولينيالي) ان جاز الوصف .. حيث ينكفئ على تناقضاته ويتعايش معها بالكامل ... و من ناحية أخرى نجد أن التفكير الاصولي الجهادي قد نبع في الاساس من منتوجات هذا التجديد الديني المنقوص بل وربما من أفكار سيد قطب تحديدا .. أو فكر الاسلام الحركي لدى الاخوان المسلمين بشكل عام .. وهو فكر لم يطق تناقضات الحداثة والدين فظن أن التقهقر الى الخلف هو الجبل الذي سيعصمه من الصراع النفسي
و الحقيقة أن إطلاق صفة (الفكر) على مشروع الاخوان المسلمين (التجديدي) يأتي من قبل التجاوز الجازي لأغراض الورقة .. فإن هذا المشروع يمكن النظر اليه – بلا مخافة كبيرة من الوقوع في شرك الاختزال المخل – بأنه محاولة سايكولوجية مستميتة للتصالح بشكل مخل مع الحداثة مع الاحتفاظبالدين أرثوذسكيا (نقيا) في إطار الثنائية المتخيلة لدى سيد قطب وغيره من انصاف المتمدنين (نحن والقيم البرجوازية)
و هذه النزعة النفسية للتصالح مع التناقض لا محاولة نقده نجدها بشكل كبير لدى بعض المعاصرين من ال(دعاة) امثال طارق السويدان و عمر خالد لتبلغ أوجها لدى انصاف المتمدنين الاكثر سعادة بوصفهم أنصاف متمدنين معز مسعود و أحمد الشقيري ... و بطبيعة الحال لدى عدنان ابراهيم و هي نفس السعادة الغريبة التي نلمحها في شعر هشام الجخ وهو ما سوف نأتيه بالتفصيل بعد أن نبحث عن السمات المميزة لأدب أنصاف المتمدنين في المقال القادم
#الشريف_حسين_الهندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هش
...
-
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هش
...
-
نصف المتمدن ... حالات التناقض ومتلازمة التفكير غير النقدي هش
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|