|
حملات التحريض الديني والانخراط في الحركات الجهادية المتطرفة
ابراهيم الحيدري
الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 20:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يجمع المتخصصون في علمي الاجتماع وعلم النفس على وجود عدد كبير من الدوافع للانخراط في الحركات الجهادية المتطرفة في مقدمتها حملات التحريض الديني الى جانب وسائل غسل الدماغ للتحكم في فكر الشخص والسيطرة على عقله وتوجيه سلوكه نحو أفعال متطرفة دون وعي منه او رغبة أو إرادة أو استخدام حبوب الهلوسة، وهي نوع من أنواع المخدرات التي تجعل الدماغ غير قادر على التفكير والاستيعاب، وكذلك ضعف الشخصية التي تجعل الفرد يذوب في الآخر بحيث يتخلى عن استقلاله الذاتي ويندمج بشخص آخر للحصول على القوة التي يفتقدها. والحال ان أهم دوافع الانخراط في الحركات الجهادية المتطرفة هي حملات التحريض الديني الموجهة ضد الآخر المختلف اثنيا ودينيا وعقائديا من قبل اشخاص أو حركات أصولية سلفية وخاصة من قبل مشايخ الوهابيين ورجال الدين المتطرفين الذين يصدرون فتاوى تتضمن حملات شعواء ضد من يطلقون عليهم بالكفار والزنادقة والمارقين عن الدين من غير المسلمين والعلمانيين وغير المؤمنين وكل من لا يقف بجانبهم ويحثونهم على الجهاد والشهادة في سبيل الله والذهاب الى الجنة. وتستند حملات التحريض والتعبئة العقائدية لدى السلفيين أساسا على الوضع السياسي الدولي والهيمنة الامريكية والحرب على افغانستان والعراق وانحياز الولايات المتحدة الامريكية لإسرائيل وكذلك سن قوانين مكافحة الإرهاب في كثير من الدول من جهة، وحالات التهميش والاقصاء لعدد كبير من الشباب من جهة ثانية، وكذلك الدعاية السلفية المبرمجة وتأثيرها الحاسم في اثارة الحماس الديني في سلوكيات الشباب السلفي واستجاباتهم السريعة لها. كما ان الانفجار الإعلامي ووسائل الاتصال الالكترونية الحديثة والفضائيات الخليجية التي ساعدت كثيرا على تأجيج العواطف الدينية وصعود التيار السلفي وكذلك تأثير شيوخ ودعاة الحركة السلفية في مصر والسعودية وقطر والفتاوى المعلنة في الفضائيات والدروس الروحية والعقائدية والتركيز على بطولات المجاهدين في أفغانستان والعراق والتهويل فيها الى حد الخرافة. كل هذه العوامل الشعورية واللاشعورية تدخل الى عقول وقلوب الشباب السلفيين بسهولة. يرى عدد من المتخصصين في الحركات الإرهابية بأن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على دعاة الفتنة والتكفير والجهاد والافتاء في المسائل السياسية بعلم او بغير علم، وخاصة شيوخ المساجد المتطرفين. ان هذه الظاهرة الخطيرة ما كان لها ان تنمو بهذا الشكل لو لم تجد التشجيع الفكري والدعم المالي من مستويات عليا في الدول العربية والإسلامية والتي توفر لها من رعاية وعطاءات وتعبئ الشباب وتوجههم لتحريك مشاعرهم الدينية والتصدي للخصوم السياسيين. وتعبر خطب مشايخ المجاهدين المحرضة ووصاياهم وكذلك أشرطة فيديو عدة عن الطرق والأساليب التي يتبعها شيوخ المجاهدين في التأثير على عقلية الشباب وحثهم على الجهاد والذهاب الى الجنة للقاء الحور العين. ففي وصية أحد المجاهدين الشباب نقتطف ما يلي: "أيها المجاهدون الأبرار قد جاء اليوم الذي كنت انتظره ذلك اليوم الذي أدك فيه بأشلائي ودمائي صروح الكفر والطغيان ونصرة دين الواحد الديان ورجائي لما عند الله من حور وجنان". وفي شريط متلفز لأحد المغاربة المجاهدين الشباب نجا من الموت وكان زميله يسأله: ماذا رأيت في غيبوبتك؟، فأجاب بضحكة خجلة وقد طأطأ رأسه حياء: شفت الكثير، شفت حورية جميلة.. جميلة كثير وبزولها(صدرها) كبير وكانت لابسة أخضر..". وفي رسالة لمحمد عطا أحد المهاجمين لبرجي منهاتن في نيويورك عام 2011 كتبها بخط يده يوصي بها المجاهدين يقول فيها:" ليكن صدرك منشرحا فانه ما بينك وبين زواجك إلا لحظات يسيرة. لا تظهر عليك مظاهر الارتباك وشد الأعصاب وكن فرحا مطمئنا بعمل يحبه الله ويرضاه ثم سيكون بإذن الله تقضيه مع الحور العين في الجنة وكبّر فان التكبير يدخل الرعب في قلوب الكافرين واعلموا ان الجنات قد تزينت لكم بأحلى حللها والحور تناديكم ان أقبل يا ولي الله وهي لبست أحلى حللها..". لقد حوّل بعض المشايخ والمجاهدين الجهاد في سبيل الله منابر المسلمين التي تدعو للخير والمحبة والتسامح الى منابر للشر والعدوانية والانتحار العبثي بإصدار فتاوى تحث وتحرض على زرع الفتنة والقتل والذبح وتدفعهم للقتال والموت في سبيل الله للحصول على الشهادة من اجل لقاء حور العين في الجنة. وبالرغم من ان استخدام مفهوم الشهادة هو استخدام خاطئ، حيث يرى الشيخ إبراهيم الزعبي ان معنى الشهادة الحقيقية هو ليس الشهادة بالانتحار. فالشهادة هي حالة تكون عند الاحتضار وليس أسماً لعملية القتل أثناء المعركة. وقد بين النبي محمد الخصال السبع التي يمنحها الله للشهيد وقال: "للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أوّل دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّ حلّة الإيمان، ويزوَّج اثنتان وسبعون زوجة من الحور العين، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الاكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنساناً من أهل بيته. وقد سُمّي الشهيد شهيداً لأنّه شهد تلك الأمور الغيبية أساساً والتي تقرّر شرعاً أنّها مكافآت ومِنح من الله." "وقد علّقَ البعض على ذلك بأن الانتحارين عَلق في أذهانهم من الخصال السبع واحدة أو اثنتان، متأثرين بتحريضات وفتاوى بعض المشايخ وخطبهم، وفهموا أن مكافأة الشهيد كبيرة، ليس أولها الجنة وليس آخرها الحوريات الـ 70، بل إنه سيزاد له من الله كلما كبرت شهادته وعظمت تضحياته." ويلعب تنظيم القاعدة وأخواتها بعقول الشباب السذج والمعقدين نفسيا ويعدونهم بتطمين رغباتهم الجنسية مما يجعلهم لا يترددون في فعل أي شيء وان كان الثمن مجازر فضيعة وتصفيات جسدية ونحر الرؤوس، لأن الحور العين ينتظرونهم على مقربة من ساحات تنفيذ عملياتهم الاجرامية. وتشجع فتوى جهاد النكاح وهي فتوى مجهولة انتشرت على هامش الحرب السورية ونسبت الى الداعية السعودي محمد العريفي، الذي نفي مسؤوليته عن الفتوى وقال بانها مفبركة. وهذه الفتاوى تدعو النساء المسلمات الى التوجه الى الأراضي السورية التي تسيطر عليها القاعدة من اجل ممارسة نوع خاص من الجهاد، أي امتاع المقاتلين في سوريا لساعات محدودة وبعقود زواج شفهية من اجل تشجيعهم على القتال. وقد نشرت وسائل الاعلام بان أكثر من 13 فتاة تونسية استجابت لهذه الفتوى التي اثارت ردود أفعال غاضبة من المسلمين ومن منظمات المجتمع المدني التي اعتبرت ذلك اختراق للقيم الإنسانية التي تقوم على احترام حقوق المرأة وصيانة كرامتها. كما كشفت أسرة فتاة تونسية ظهرت على شاشة التلفزيون التونسي تستنجد بالمسؤولين لحفظ بنات تونس بعدما هربت ابنتهم الى سوريا لتمارس جهاد النكاح بناء على فتوى الشيخ محمد العريفي. وبحسب وكالات الانباء العربية والأجنبية قامت داعش بتجنيد عشرات الفتيات الاوربيات اللواتي سافرن الى سوريا والعراق من اجل القتال في صفوف المجاهدين وتحقيق حلمهن بجهاد النكاح. وان أغلب هؤلاء الفتيات غادرن بلادهن الى مصير مجهول دون موافقة الأهل. وبحسب مركز بحوث شؤون التطرف بجامعة انتورين البلجيكية فان تزايد حدة "الاسلامفوبيا" وصعود الأحزاب اليمينية في اوربا من الأسباب التي تدفع الفتيات الاوربيات الى الانضمام الى التنظيمات الإرهابية. وغاليا ما تدفع الطفولة البائسة لتلك الفتيات دورا مهما في ذلك حيث يجهد البعض منهن من لا مكان له في المجتمع الذي يعشن فيه ويشعرن فيه بالإقصاء من جهات عديدة حتى من بعض المسلمين، لذلك فعندما يتواصلون عبر الانترنت مع فتيات مسلمات يشاركهن نفس الشعور بالإحباط يشجعهن على القدوم الى سوريا للجهاد ويرسمن لهن حياة مثالية في دولة الخلافة الإسلامية. أما كاترين بروان من كلية كينغ كوليج في لندن، التي درست ظاهرة انخراط فتيات الغرب في داعش، فقد وجدت بان هناك مجندات اوربيات يقمن بالطبخ والعناية بالأطفال وتناول القهوة مع مجموعة من النساء، وهناك أخريات يحملن البنادق الأتوماتيكية ويرتدين الأحزمة الناسفة. ان هذا المزيج من العنف والحياة العائلية معا مهم بالنسبة لهن، فالفتيات الشابات منضويات سياسيا ويشعرن غالبا بالاغتراب في حيلتهم في الدول الغربية وتقاليدها وسياساتها. ان حملات التحريض على الجهاد التي تستند على فتاوى مشايخ السلفية الجهادية تحاول تطويع الدين الإسلامي وتحويله الى مجرد منظمات ارهابية معادية للإسلام والمسلمين بالدرجة الأولى وتوجه حقدها وانتقامها ضد المدنيين العزل والأبرياء من أصحاب الديانات والطوائف الأخرى غير الإسلامية وكذلك ضد الجيش والأمن والشرطة وكل من لا يتبع تعاليمهم. كما يرافق شعارات التحريض الدينية مراسم وطقوس تقام في مناسبات معينة وتجري في نوبات من الاضطرابات السيكو-فيزيولوجية وهلوسات بصرية مع هيجان ينعدم فيه الوعي والاحساس بالألم نحو الذات ونحو الآخر المستهدف ليساعد في الامعان في القتل والتدمير.
#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوسيولوجيا العنف والإرهاب
-
الحداثة دخلت من أبوابنا الخلفية
-
سيكولوجية الإرهاب: التكفير بدل التفكير
-
الحداثة والبنى التقليدية في المجتمع العربي
-
سوسيولوجيا الإرهاب: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟!
-
تراجيديا كربلاء-سوسيولوجيا الخطاب الشيعي
-
عصر التنوير والحداثة
-
الفساد آفة تنخر جسد الدولة والمجتمع
-
التسامح فضيلة أخلاقية يجب رعايتها
-
النظام الأبوي الذكوري وهيمنته على المجتمع والسلطة
-
علينا ان نتعلم من سنغافورة!
-
النقد الحواري وما بعد الحداثة
-
علماء الاجتماع العرب يحتفلون بمئوية على الوردي
-
فصل الدين عن الدولة
-
أدورنو وتصنيع الثقافة
-
الحداثة والاعتراف بالحرية
-
النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت
-
علي الوردي.. جمع بين رصانة الفكر وبساطة الأسلوب فأحبه الناس
-
أدب ما بعد الحداثة
-
على الوردي والتغير الاجتماعي في العراق
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|